الهدية في الاستدراك على تفسير ابن عطية (5)
أ. محمد خير رمضان يوسف
سورة آل عمران (1 – 91)
سورة آل عمران
2- ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾
أوردَ بعضَ معانيها عند تفسيرِ آيةِ الكرسي (الآية 255 من سورة البقرة)، منها تفسيرهُ لفظَ ﴿الْقَيُّومُ ﴾ بأنه القائمُ على كلِّ أمرٍ بما يجبُ له.
ومما قالَهُ الطبريُّ في تفسيرِ الآيةِ مختصرًا:
﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ﴾: خبرٌ من الله جلَّ وعزَّ أخبرَ عبـادَهُ أن الألوهيةَ خاصَّةٌ به دونَ ما سواهُ من الآلهةِ والأنداد، وأن العبـادةَ لا تصلحُ ولا تجوزُ إلا له؛ لانفرادهِ بـالربوبـية، وتوحُّدهِ بـالألوهية، وأن كلَّ ما دونَهُ فمُلكه، وأن كلَّ ما سواهُ فخَـْلقُه، لا شريكَ له في سلطانهِ وملكه.
﴿الْحَيُّ ﴾: وصفَ نفسَهُ بـالحياةِ الدائمةِ التي لا فناءَ لها ولا انقطاع، ونفَى عنها ما هو حالٌّ بكلِّ ذي حياةٍ من خَـلقه، من الفناء، وانقطاعِ الحياةِ عند مجيءِ أجله، فأخبرَ عبـادَهُ أنه المستوجبُ على خـلقهِ العبـادةَ والألوهة، والحيُّ الذي لا يموتُ ولا يَبـيدُ كما يموتُ كلُّ من اتَّـخذَ من دونهِ ربًّا، ويَبـيدُ كلُّ من ادَّعَى من دونهِ إلهاً، واحتـجَّ على خـَلقهِ بأن من كان يَبـيدُ فـيزولُ ويموتُ فـيفنَى، فلا يكونُ إلهًا يستوجبُ أن يُعبَدَ دون الإلهِ الذي لا يَبـيدُ ولا يـموت، وأن الإلهَ هو الدائمُ الذي لا يـموتُ ولا يَبـيدُ ولا يفنَى، وذلك الله الذي لا إله إلا هو.
﴿الْقَيُّومُ ﴾: القائمُ بأمر ِكلِّ شيءٍ في رزقهِ والدفعِ عنه، وكلاءتهِ وتدبـيرهِ وصرفهِ في قدرته.
5- ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ﴾.
يخبرُ تعالَى أنه يعلمُ غيبَ السماواتِ والأرض، ولا يخفَى عليه شيءٌ مِن ذلك. (ابن كثير).
6- ﴿هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾.
هو المستحقُّ للإلهيةِ وحدَهُ لا شريكَ له. (ابن كثير).
8- ﴿رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾.
﴿بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا﴾ له، فوفِّقتنا للإيـمانِ بمـحكمِ كتابِكَ ومتشابهه.
﴿إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾: إنكَ أنتَ المـُعطي عبادكَ التوفيقَ والسداد، للثباتِ على دينك، وتصديقِ كتابِكَ ورسُلِك (الطبري).
9- ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ﴾.
إنكَ لا تُخلِفُ وَعْدَك، أنَّ مَن آمنَ بك، واتَّبع رسولَك، وعملَ بالذي أمرتَه به في كتابك، أنكَ غافرهُ يومئذ. (الطبري).
11- ﴿كَدَأْبِ آَلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾
تفسيرُ الآيةِ الكريمة: وهذا كصنيعِ آلِ فرعونَ ومَن قَبلَهم منَ الأممِ الكافرة، منَ الكفرِ والتكذيبِ بما جاءَ بهِ أنبياءُ الله، عندما حارَبوهم، واستهزَؤوا بهم، ونَبذوا ما جاؤوا بهِ وراءَ ظهورِهم، واللهُ شديدٌ في عقابهِ لهؤلاءِ الكافِرينَ وأمثالِهم. (الواضح).
12- ﴿وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ﴾.
واللهُ المتَّصفُ بصفاتِ الجمالِ والجلال، يقوِّي بعونهِ مَن يشاءُ أنْ يؤيِّدَه مِن غيرِ توسُّطِ الأسبابِ المعتادة، كما أيَّدَ الفئةَ المقاتلةَ في سبيله. (روح المعاني، باختصار).
14- ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ﴾.
... فبدأ بالنساءِ لأن الفتنةَ بهنَّ أشدّ، فأمّا إذا كان القصدُ بهنَّ الإعفافَ وكثرةَ الأولاد، فهذا مطلوبٌ مرغوبٌ فيه، مندوبٌ إليه. وحبُّ البنينَ تارةً يكونُ للتفاخرِ والزينة، فهو داخلٌ في هذا، وتارةً يكونُ لتكثيرِ النسلِ وتكثيرِ أمةِ محمدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم، ممن يعبدُ الله وحدَهُ لا شريكَ له، فهذا محمودٌ ممدوح. (ابن كثير، باختصار).
15- ﴿لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾.
﴿لِلَّذِينَ اتَّقَوْا ﴾: إنَّهُ مِن نصيبِ عبادِ اللهِ المتَّقين، الذينَ آمنوا باللهِ وقاموا بالأعمالِ الصَّالحة.
﴿وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ﴾: واللهُ بصيرٌ بأعمالِ عبادهِ ونيّاتِهم وتوجُّهاتِهم في الدنيا، خبيرٌ بميولِهم ونوازِعِهم، وهو يُعطي كلاًّ بحسبِ ما عملَ واجتهدَ وأخلَص. (الواضح).
16- ﴿الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾.
الذين يقولون إننا صدَّقنا بكَ وبنبـيِّك، وما جاءَ به من عندك، فـاسترْ علـينا بعفوِكَ عنها، وتركِكَ عقوبتَنا علـيها، وادفعْ عنا عذابكَ إيّانا بـالنارِ أن تعذِّبَنا بها.
وإنما معنَى ذلك: لا تعذِّبْنا يا ربَّنا بـالنار.
وإنما خصُّوا الـمسألةَ بأن يقيَهم عذابَ النار، لأن من زُحزِحَ يومئذٍ عن النارِ فقد فـازَ بـالنـجاةِ من عذابِ النارِ وحُسنِ مآبه. (الطبري، باختصار).
18- ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾.
تفسيرُ الآية: شَهِدَ الله، وكفَى بهِ شهيداً، أنَّهُ الإلهُ الواحدُ الأحد، إلهُ الخلقِ كلِّهم، فالكلُّ لهُ عبيد، وهو عنهم غنيّ، وشَهِدَتْ ملائكتهُ بوحدانيَّتِه، وكذا العلماءُ الراسخون، في تصديقٍ وطاعةٍ واتِّباع. وهي شهادةٌ أيضاً بقيامِ اللهِ تعالَى بالعدلِ والقِسطِ في تدبيرِ الكونِ وحياةِ الناس، فلا يَظلِمُ أحداً، سُبحانَهُ وتعالَى، لا إلهَ غيره، ولا ربَّ سِوَاه، ولا أعدلَ منه، وهو ذو العِزَّةِ والعظَمة، الحكيمُ في كلِّ ما يفعلُ ويَشْرَعُ ويُقَدِّر. (الواضح).
19- ﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِآَيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾.
مَن جحدَ بما أنزلَ اللهُ في كتابه... (ابن كثير).
21- ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾.
﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ ﴾: يجحدون بآياتِ الله، يعني القرآن، وهم اليهودُ والنصارى. (البغوي).
﴿بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾: موجعٍ مهين. (ابن كثير).
22- ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ﴾.
وما لهؤلاءِ القومِ من ناصرٍ ينصرُهم من اللهِ إذا هو انتقمَ منهم بـما سلفَ من إجرامِهم واجترائهم علـيه فـيستنقذهم منه (الطبري).
23- ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ﴾.
المرادُ منه نصيباً من علمِ الكتاب، لأنّا لو أجريناهُ على ظاهرهِ فُهِمَ أنهم قد أوتوا كلَّ الكتاب، والمرادُ بذلك العلماءُ منهم، وهم الذين يُدْعَون إلى الكتاب؛ لأن من لا علمَ له بذلك لا يُدعَى إليه. (التفسير الكبير للرازي).
25- ﴿فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾
أي: لا ينقصُ من حسناتهم، ولا يُزاد على سيئاتهم. (البغوي).
26- ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾.
تعطي الـمُلكَ مَن تشاءُ فتـملِّكهُ وتسلِّطهُ على من تشاء. وقوله: ﴿وَتَنزِعُ المـُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ ﴾ أن تنزعَهُ منه. وتعزُّ مَن تشاءُ بإعطائهِ المـُلكَ والسلطان، وبسطَ القدرةِ له، وتُذِلُّ مَن تشاءُ بسلبِكَ مُلكَه، وتسليطِ عدوِّهِ عليه. كلُّ ذلك بيدِكَ وإليك، لا يقدرُ على ذلك أحد؛ لأنكَ على كلِّ شيءٍ قديرٌ دونَ سائرِ خَلقك، ودونَ مَن اتَّخذهُ المشركونَ من أهلِ الكتابِ والأميينَ من العربِ إلهًا وربًّا يعبدونَهُ من دونك، كالمسيح، والأندادِ التي اتَّخذها الأميونَ ربًّا (الطبري، باختصار).
29- ﴿قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾.
﴿أَوْ تُبْدُوهُ ﴾: أو تُبدوا ذلكم من أنفسِكم بألسنتِكم وأفعالِكم، فتُظهروه.
﴿وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾: واللهُ قديرٌ علـى معاجلتِكم بـالعقوبةِ علـى موالاتِكم إيّاهم، ومظاهرتِكموهم علـى الـمؤمنـين، وعلـى ما يشاءُ مِن الأمورِ كلِّها، لا يتعذَّر علـيه شيءٌ أراده، ولا يـمتنعُ علـيه شيءٌ طلبه. (الطبري).
31- ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.
﴿وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ﴾ أي: يتجاوزْ لكم عنها، ﴿وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ أي: لمن تحبَّبَ إليه بطاعته، وتقرَّبَ إليه باتِّباعِ نبيِّهِ صلَّى الله عليه وسلَّم. (روح المعاني).
32- ﴿قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ﴾.
﴿قُلْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ ﴾ أي: تخالَفوا عن أمره، ﴿فَإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْكَـٰفِرِينَ ﴾، فدلَّ على أن مخالفتَهُ في الطريقةِ كفر، والله لا يحبُّ من اتصفَ بذلك، وإن ادَّعَى وزعمَ في نفسهِ أنه يحبُّ اللهَ ويتقرَّبُ إليه، حتى يتابعَ الرسولَ النبيَّ الأميَّ خاتمَ الرسل، ورسولَ الله إلى جميعِ الثقلَين: الجنِّ والإنس، الذي لو كان الأنبياءُ، بل المرسلون، بل أولو العزمِ منهم في زمانه، ما وسعَهم إلا اتِّباعُهُ، والدخولُ في طاعته، واتِّباعُ شريعته. (ابن كثير).
34- ﴿ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾
﴿وَاللَّهُ سَمِيعٌ ﴾ لأقوالِ العباد، ﴿عَلِيمٌ ﴾ بأفعالهم وما تكنُّهُ صدورهم، فيصطفي من يشاءُ منهم. (روح المعاني).
38- ﴿هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ﴾
قالَ مؤلفُ الأصلِ في الآيةِ (39) من سورةِ إبراهيم ﴿إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ ﴾: يقول: إن ربـِّي لسميعٌ دعائيَ الذي أدعوهُ به.
وفي تفسيرِ البغويّ: أي: سامعه، وقيل: مجيبه.
39- ﴿فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ﴾.
رسولاً لربِّهِ إلـى قومه، ينبِّئهم عنه بأمرهِ ونهيه، وحلالهِ وحرامه، ويبلِّغُهم عنه ما أرسلَهُ به إلـيهم. ويعني بقوله: ﴿مِنَ الصَّالِـحِينَ ﴾: مِن أنبـيائهِ الصالحين. (الطبري).
43- ﴿يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾.
أي: ولتكنْ صلاتُكِ مع المصلِّين، أي في الجماعة، أو: وانظمي نفسَكِ في جملةِ المصلِّينَ وكوني في عدادهم، ولا تكوني في عدادِ غيرهم. (النسفي).
46- ﴿وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ﴾.
أي: هو من العبادِ الصالحين. (البغوي).
وقالَ الفخرُ الرازيُّ في تفسيرهِ الكبير، مبيِّنًا الحكمةَ من وصفِ عيسى عليه السلامُ بأنه من الصالحين، بعدَ ذكرِ أوصافٍ أخرى له تبدو أعلَى من هذه الصفة، فقال: إنه لا رتبةَ أعظمُ من كونِ المرءِ صالحاً؛ لأنه لا يكونُ كذلك إلا ويكونُ في جميعِ الأفعالِ والتروكِ مواظباً على النهجِ الأصلح، والطريقِ الأكمل، ومعلومٌ أن ذلكَ يتناولُ جميعَ المقاماتِ في الدنيا والدين، في أفعالِ القلوب، وفي أفعالِ الجوارح، فلمّا ذكرَ الله تعالَى بعضَ التفاصيل، أردفَهُ بهذا الكلام، الذي يدلُّ على أرفعِ الدرجات.
50- ﴿وَجِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ﴾.
وجئتُكم بآياتٍ مُعجِزاتٍ تَشهدُ بصِحَّة إرسالي إليكم، فالتزِموا طاعةَ اللهِ واجتنِبوا معصيتَه، وأطيعوني فيما آمرُكم بهِ وأنهاكم عنه. (الواضح).
52- ﴿قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾.
نحنُ أعوانُ دينِ اللهِ ورسولِه، نؤازِرُكَ ونَنصرُك، فقد آمنَّا باللهِ ربًّا، وبكَ رسولاً، فاشهدْ على أنَّنا استسلَمنا لأمرِ الله، وأخلَصنا له الدِّين. (الواضح).
55- ﴿ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ﴾.
فأقضي حينئذٍ بـين جميعِكم في أمرِ عيسى بـالحقِّ فـيما كنتُـم فـيه تـختلفون من أمره. (الطبري).
57- ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾.
قالَ رحمَهُ الله: وتقدَّمَ نظيرُ قوله: ﴿وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ﴾ في قولهِ قبلُ: ﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ ﴾ [سورة آل عمران: 32]. وقد قالَ هناك: وعيد، ويحتملُ أن يكونَ بعد الصدعِ بالقتال.
وقالَ البغويُّ رحمَهُ الله: أي: لا يرحمُ الكافرين، ولا يُثني عليهم بالجميل.
62- ﴿إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾
... والنبأ ﴿ٱلْحَقُّ ﴾ فـاعلـمْ ذلك، واعلـمْ أنه لـيسَ للـخـلقِ معبودٌ يستوجبُ علـيهم العبـادةَ بـملكهِ إياهم إلا معبودكَ الذي تعبده (الخطابُ لرسولنا صلى الله عليه وسلم).
ويعنـي بقوله ﴿العَزِيزُ ﴾: العزيزُ فـي انتقامهِ مـمَّن عصاه، وخالفَ أمره، وادَّعى معه إلهًا غيره، أو عبدَ ربًّـا سواه. ﴿الـحَكِيـمُ ﴾ فـي تدبـيره، لا يدخـلُ ما دبَّرهُ وهْن، ولا يـلـحقهُ خـلَل (الطبري).
63- ﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ﴾.
﴿فَإِنْ تَوَلَّوْاْ ﴾ أي: عن هذا إلى غيره، ﴿فَإِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِٱلْمُفْسِدِينَ ﴾ أي: مَن عدلَ عن الحقِّ إلى الباطل، فهو المفسد، والله عليمٌ به، وسيجزيهِ على ذلك شرَّ الجزاء، وهو القادرُ الذي لا يفوتهُ شيء، سبحانهُ وبحمده، ونعوذُ به من حلولِ نقمته. (ابن كثير).
66- ﴿هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾.
﴿حَاجَجْتُمْ ﴾: تجادَلتُم.
هذا إنكارٌ على من يحاجُّ فيما لا علمَ له به، فإن اليهودَ والنصارَى تحاجُّوا في إبراهيمَ بلا علم، ولو تحاجُّوا فيما بأيديهم منه علمٌ مما يتعلَّقُ بأديانهم التي شُرعتْ لهم إلى حين بعثةِ محمدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم، لكان أولَى بهم، وإنما تكلَّموا فيما لا يعلمون، فأنكرَ الله عليهم ذلك، وأمرَهم اللهُ بردِّ ما لا علمَ لهم به إلى عالمِ الغيبِ والشهادة، الذي يعلمُ الأمورَ على حقائقها وجليّاتها. (ابن كثير).
67- ﴿مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾
﴿حَنِيفًا ﴾: فسَّرَهُ في الآيةِ التالية.
73- ﴿قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾.
ذكرَ أنه تقدَّمَ نظيره.
وقالَ الطبريُّ في تفسيرِ الاسمينِ الجليلين: واللهُ ذو سَعةٍ بفضلهِ على من يشاءُ أنْ يتفضَّلَ عليه، ذو علمٍ بـمن هو منهم للفضلِ أهل.
74- ﴿يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾.
أي: اختصَّكَم أيها المؤمنون من الفضلِ بما لا يُحَدُّ ولا يوصف، بما شرَّفَ به نبيَّكم محمداً صلَّى الله عليه وسلَّمَ على سائرِ الأنبياء، وهداكم به إلى أكملِ الشرائع. (ابن كثير).
78- ﴿وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾.
ذكرَ أنه تقدَّمَ نظيره. ويعني في الآيةِ (75) من السورة، وفيها قولهُ رحمَهُ الله: ذمٌّ لبني إسرائيلَ بأنهم يكذبون على الله تعالَى في غيرِ ما شيء، وهم علماءُ بمواضعِ الصدقِ لو قصدوها، ومن أخطرِ ذلكَ أمرُ محمدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم.
80- ﴿وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾.
قالَ رحمَهُ الله: تقريرٌ على هذا المعنَى الظاهرِ فسادُه.
وللبغويِّ رحمَهُ الله: قالَهُ على طريقِ التعجبِ والإِنكار، يعني: لا يقولُ هذا.
82- ﴿فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾.
تسبقها الآيةُ الكريمة: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ ﴾.
قال الطبري رحمهُ الله في تفسيرِ الآيةِ الأولى: يعني بذلك جلَّ ثناؤه: فمن أعرضَ عن الإيـمانِ برسلي الذين أرسلتُهم بتصديقِ ما كانَ مع أنبـيائي من الكتبِ والـحكمة، وعن نصرتهم، فأدبرَ ولـم يؤمنْ بذلك، ولـم ينصر، ونكثَ عهدَهُ وميثاقَهُ بعدَ ذلك، يعنـي بعدَ العهدِ والـميثاقِ الذي أخذَهُ اللهُ علـيه، فأولئكَ هم الفـاسقون، يعني بذلك أن الـمتولِّـينَ عن الإيـمانِ بـالرسلِ الذين وصفَ أمرهم ونصرتهم بعد العهدِ والـميثاقِ اللذينِ أُخذا علـيهم بذلك، هم الـخارجونَ من دينِ اللهِ وطاعةِ ربِّهم.
83- ﴿أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ﴾.
أي: يومَ المعاد، فيجازي كلاً بعمله. (ابن كثير).
84- ﴿قُلْ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾.
تفسيرُ الآية: قلْ أنتَ أيُّها الرسولُ ومَن معكَ مِن المؤمنين: آمنّا باللهِ وحدَه، وبالقرآنِ الذي أنزلَهُ علينا، وبما أنزلَهُ على أنبيائه: إبراهيم، وإسماعيل، وإسحاق، ويعقوب، والأسباطِ، وهم بطونٌ مِن أولادِ يعقوبَ عليهِ السلام، مِن صُحُفٍ ووحي، وما أوتيَهُ موسَى، وهو التوراة، وعيسَى، وهو الإنجيل، وما أوتيَ كلُّ الأنبياءِ مِن ربِّهم مِن كتبٍ ومعجِزات، لا نفرِّقُ بين أحدٍ منهم، فنؤمنُ بهم جميعاً، وليسَ مثلَ أهلِ الكتابِ الذين يؤمنونَ ببعضٍ ويكفرونَ ببعض. ونحنُ مستسلمونَ لأمرِ اللهِ وحُكمِه، مخلصونَ في عبادتِنا له، نطيعهُ فيما أمر، وننتهي عمّا نَهى، ونؤمنُ بجميعِ ما طلبَ منّا الإيمانَ به. (الواضح).
88- ﴿خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ﴾.
لا يُنقَصونَ مِن العذابِ شيئًا في حالٍ مِن الأحوال، ولا يُنفَّسُون فـيه. (الطبري).
89- ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.
﴿فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ ﴾ يقبلُ توبته، ﴿رَّحِيمٌ ﴾ يتفضَّلُ عليه. (البيضاوي).
91- ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ﴾.
... فإنَّ لهم عذاباً شديداً مُوجِعاً، ولن يكونَ هناكَ مَن يُعينُهُ لدفعِ العذابِ عنهُ أو تَخفيفِه. (الواضح).