عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 12-11-2020, 09:16 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 168,706
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أسرى بعبده ليلا: معناها وبلاغتها في ضوء كلام العرب

وقال ذو الرمة:




إذا الركبُ أسروا ليلةَ مُصمعِدَّةً *** على إثرِ أخرى أصبحت وهي عاسرُ[17]







وقال كثيّر عزة:









عوى ناشرَ الحيزوم[18]مضطمرَ الحشا

يُعالجُ ليلًا قارسًا مع جوع



فصوَّتَ إذ نادى بباقٍ على الطَّوى

مُحنَّبَ أطراف العظام هَبوع[19]



فلم يجترسْ إلا مُعرَّسَ راكبٍ

تأيّا قليلًا واسترى بقطيع[20]






أي بقطيع من الليل.







وهي كذلك تعني مجرد المشي فقال الأعشى الكبير:



ومنّا الذي أسرى إليه قريبُه *** حريبًا ومن ذا أخطأتْ نكباتُها[21]







وقالت الخنساء:



لأبكينّك ما ناحت مطوّقة *** وما سريتُ مع الساري على الساق[22]







وقال بعض الشعراء الحماسيين:



رأيتُ أخا الدنيا وإنْ كان خافضًا *** أخا سفرٍ يُسرَى به وهو لا يدري



مقيمين في دارٍ نروح ونغتدي *** بلا أهبة الثاوي المقيم ولا السفْر[23]







وكذلك هو ضدّ الغدوّ فقالت الخنساء:



فشأن المنايا إذ أصابك ريبُها *** لتغدو على الفتيان بعدك أو تسري[24]







وللخنساء أيضًا:



الحيّ يعلم أنّ جفنتَه *** تغدو غداة الريح أو تسري[25]







فبدا من هذا التتبع أنّ السري أو الإسراء أو الاستراء يعني المشي فقط كما يعني المشي ليلًا بدون إضافة "الليل" إليه وهكذا يضاف إليه كلمة "الليل". ولكل شاهد في كلام العرب الجاهلي والإسلامي.







الجانب البلاغي في إيراد القرآن الكريم هذه الكلمة: ولو أنّ الله تعالى قيّد "الإسراء" بـ"قطع من الليل" في سورة الحجر إلا أننا سنتناول هنا وروده في سورة الإسراء فيبدو من إمعان النظر في إيراد القرآن لهذا الفعل في هذه السورة أنّ القرآن الكريم قد راعى جانب الموسيقى البالغة بإضافة كلمة "الليل" إلى الإسراء فلو حذفناها من هنا وأبقينا "الإسراء" وحده لزالت الموسيقى التي راعاها القرآن الكريم، وعندما نرجع النظر إلى استخدام كلمة "العبد" وإيقاعه فيظهر لنا أنّ العبد قد حمل على يدي ربه تعالى بكل عناية ثم قطع به مسافة طويلة حتى أبلغه إلى مكان خاص.







وإن نعد النظر إلى فعل "أسرى" وبدّلناه بـ"سرى" أو "استرى" اللذين يعنيان نفس المعنى لزالت الموسيقى مرة أخرى. فكأنّ اختيار القرآن الكريم لكلمة واحدة يتم بعناية واهتمام وتراعى فيه كافة جوانب البلاغة.







وهكذا إن نمعن النظر في الفقرة: ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى ... ﴾ [الإسراء: 1]، فنجد موسيقى قوية رائعة تصف الطريق من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى كما تدلّ على عناية الرب تعالى بهذا العبد العزيز الذي ذهب به ليلًا إلى ذلك المكان المبارك.







المصادر والمراجع



1- القرآن الكريم.







2- ديوان أعشى همدان، تحقيق: د. حسن عيسى أيو ياسين، دار العلوم للطباعة والنشر، الرياض، ط1، 1983م.







3- ديوان الأخطل، شرح: مهدي محمّد ناصر الدين، دار الكتب العلمية، بيروت، ط2، 1994م.







4- ديوان الأعشى الكبير بشرح محمود إبراهيم محمد الرضواني، وزارة الثقافة والفنون والتراث، إدارة البحوث والدراسات الثقافية، الدوحة، قطر، 2010م.







5- ديوان الخنساء، اعتنى به وشرحه: حمدو طمّاس، دار المعرفة، بيروت، 2004م.







6- ديوان الفرزدق، شرح الأستاذ علي فاعور، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1987م.







7- ديوان القتّال الكِلابي، تحقيق وتقديم: إحسان عبّاس، دار الثقافة، بيروت، لبنان، 1989م.







8- ديوان القطامي، تحقيق: إبراهيم السامرائي وأحمد مطلوب، دار الثقافة، بيروت، ط1، 1960م.







9- ديوان الكميت بن زيد الأسدي، جمع وشرح وتحقيق: د. محمد نبيل طريفي، دار صادر، بيروت، ط1، 2000م.







10- ديوان المعاني للإمام اللغوي الأديب أبي هلال العسكري، شرح: أحمد حسن بسج، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط1، 1994م.







11- ديوان المفضليات للمفضل الضبي، تحقيق وشرح: أحمد محمد شاكر وعبد السلام محمد هارون، دار المعارف، ط6.







12- ديوان الهذليين، الجمهورية العربية المتحدة، الثقافة والإرشاد القومي، طبعة دار الكتب، 1996م.







13- ديوان امرئ القيس، ضبطه وصحّحه: الأستاذ مصطفى عبد الشافي، دار الكتب العلمية، بيروت، 2004م.







14- ديوان تأبط شرًا وأخباره، جمع وتحقيق وشرح: علي ذو الفقار شاكر، دار الغرب الإسلامي، ط1، 1984م.







15- ديوان جرير، دار بيروت للطباعة والنشر، بيروت، 1986م.







16- ديوان ذي الرمة، تقديم وشرح: أحمد حسن بسج، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1995م.







17- ديوان قيس بن الملوّح- مجنون ليلى، دراسة وتعليق: يُسري عبد الغني، منشورات دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط1، 1999م.







18- ديوان كُثَيِّر عَزّة، جمع وشرح: د. إحسان عبّاس، دار الثقافة، بيروت، لبنان، 1971م.







19- ديوان كعب بن زهير، تحقيق: الأستاذ علي فاعور، دار الكتب العلمية، بيروت، 1997م.







20- ديوان لبيد بن أبي ربيعة العامري، دار صادر، بيروت، د.ت.







21- شرح ديوان الحماسة، كتب حواشيه: غريد الشيخ، ووضع فهارسه العامة: أحمد شمس الدين، دار الكتب العلمية، بيروت، 2000م.







[1] مدير تحرير "مجلة الهند" وأستاذ مساعد، قسم اللغة العربية وآدابها، الجامعة الملية الإسلامية، نيو دلهي.




[2] الحقاب ههنا السراويل.




[3] ديوانه، 2/519-522.




[4] ديوان الفرزدق، ص 377.




[5] ديوانه، ص 235.




[6] ديوانه، ص 22.




[7] ديوانه، ص 155.




[8] ديوانه، ص 63.




[9] ديوانه، ص 246، علاقم: كلُّ شيء مرّ.




[10] ديوان المفضليات، ص223.




[11] ديوانه، ص 64، مقصوص الذنابي: محذوف الذيل، وقد كانت العادة عندهم أن تحذف أذناب خيل البريد ليكون ذلك علامة لها، معاود: معتاد السير، بريد السري: رسول الليل، وبربر قبيلة كانت معروفة بالقيام على خيل البريد.




[12] ديوانه، ص 131.




[13] ديوانه، ص 85، الأحزّة: ما غلظ من الأرض وصعب مسلكه، ويعلو الأحزة: يخرقها، واضح: بيّن وهو ضدّ طاسم (أي لا ترى معالمه ليلًا).




[14] شرح ديوان الحماسة، ص 1000-1001.




[15] ديوانه، ص 140.




[16] ديوانه، ص 348.




[17] ديوانه، ص 119، مصمعدّة: طويلة شاقة، عاسر من النوق: هي التي تشول بذنبها.




[18] ناشز الحيزوم: مرتفع الصدر.




[19] محنّب: مأطور أي معوجّ، هبوع: يستعين بعنقه في مشيه من الضعف.




[20] ديوانه، ص 361، الاجتراس: إصابة، تأيًا: تلبث قليلًا، معرّس الراكب: موضع نزوله للراحة في آخر الليل.




[21] ديوانه، 1/257.




[22] ديوانها، ص 90 و"على الساق" زائد.




[23] شرح ديوان الحماسة، 2/711.




[24] ديوانها، ص 49.




[25] ديوانها، ص 52.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 26.50 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 25.87 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.37%)]