عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 11-11-2020, 11:55 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,926
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كيف ربى القرآن أمهات المؤمنين؟

الوقفة الخامسة والعشرون: مع قوله: (وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ) حيث عبر بالتلاوة دون النزول؛ ليعم جميع الآيات النازلة في بيوتهن وفي غيرها، كما لم يعين التالي ليعم تلاوة جبريل والنبي - صلى الله عليه وسلم -، وتلاوتهن وتلاوة غيرهن.
الوقفة السادسة والعشرون: قوله: (وَاذْكُرْنَ) يشمل التذكر والتفكر في القلب والحفظ والتلاوة واللزوم ومجانبة الغفلة عما أمر الله به أو أمر به رسوله - صلى الله عليه وسلم -.
الوقفة السابعة والعشرون: مع قوله: (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) فهذه الآية يمكن أن تكون استئنافاً بيانياً؛ لأن قوله - تعالى -: (وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ.. ) [ الأحزاب:31] بعد قوله[3]: (لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء.. ) [الأحزاب:32]، يثير تساؤلاً في نفوس المؤمنات وهو: هل هنَّ مأجورات على أعمالهن؟ وهل هن مطالبات بما سبق؟ ويمكن أن يكون استئنافاً ورد بمناسبة ما ذكر من فضائل أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -.
الوقفة الثامنة والعشرون: في هذه الآية تدرج من الأدنى إلى الأعلى؛ حيث ذكر الإسلام، ثم ذكر المرتبة التي فوقه وهي الإيمان، ثم ذكر القنوت وهو ناشئ عنهما.
الوقفة التاسعة والعشرون: قوله: (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ)، فالإسلام هنا هو إسلام الظاهر، وهو انقياد الجوارح وخضوع العبد لربه - جل وعلا - بفعل ما أمر وترك ما نهى؛ لأنه جاء مقترناً بالإيمان الذي هو انقياد الباطن وإقراره وتصديقه، ومن إسلام المرأة لربها خضوعها لهذه الأوامر واجتنابها للنواهي.
وبهذا يعلم أن تبرج المرأة ومخالطتها للرجال أمرٌ يتنافى مع إسلامها لربها - جل وعلا -، فالإسلام التام هو أن يطيع العبد ربه طاعة مطلقة ويخضع له خضوعاً كاملاً.
الوقفة الثلاثون: قوله: (وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ) والقنوت هو دوام الطاعة -كما حققه شيخ الإسلام في رسالة مستقلة-، فالمرأة القانتة لله - عز وجل - : هي المرأة المطيعة الدائمة على الطاعة، فلا تطيع ربها في الأمر الذي يروق لها وتعصيه فيما يخالف هواها، أو تطيعه بعض الوقت ثم تعرض بعد ذلك.

الوقفة الحادية والثلاثون: مع قوله: (وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ) وهذا يشمل الصدق في الأقوال والأعمال والنيات، كما قال - تعالى -في سورة البقرة: (وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) [ البقرة:177].
قال ابن القيم - رحمه الله -: "فالذي جاء بالصدق هو من شأنه الصدق في قوله وعمله وحاله، فالصدق في هذه الثلاثة:
فالصدق في الأقوال: استواء اللسان على الأقوال كاستواء السنبلة على ساقها.
والصدق في الأعمال: استواء الأفعال على الأمر والمتابعة كاستواء الرأس على الجسد.
والصدق في الأحوال: استواء أعمال القلب والجوارح على الإخلاص، واستفراغ الوسع وبذل الطاقة، وبذلك يكون العبد من الذين جاؤوا بالصدق، وبحسب كمال هذه الأمور فيه وقيامه بها تكون صديقيته".
وقد أمر الله - تعالى -رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن يسأله أن يجعل مدخله ومخرجه على الصدق، فقال: (وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَانًا نَّصِيرًا) [الإسراء:80].
وأخبر عن خليله إبراهيم أنه سأله أن يهبه لسان صدق في الآخرين، فقال: (وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ) [ الشعراء:84].
وبشر عباده بأن لهم عنده قدَم صدق، ومقعد صدق، فقال: (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُواْ أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ) [يونس:2]. وقال: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ* فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ) [ القمر:54-55].
فهذه خمسة أشياء: مدخل الصدق، ومخرج الصدق، ولسان الصدق، وقدم الصدق، ومقعد الصدق.
وحقيقة الصدق في هذه الأشياء: هو الحق الثابت المتصل بالله، الموصل إلى الله، وهو ما كان به وله من الأقوال والأعمال، وجزاء ذلك في الدنيا والآخرة.
فمدخل الصدق ومخرج الصدق: أن يكون دخوله وخروجه حقاً ثابتاً بالله وفي مرضاته، وبالظفر بالبغية وحصول المطلوب، ضد مخرج الكذب ومدخله الذي لا غاية له يوصل إليها، ولا له ساق ثابتة يقوم عليها.
وكان بعض السلف إذا خرج من داره رفع رأسه إلى السماء وقال: "اللهم إني أعوذ بك أن أخرج مخرجاً لا أكون فيه ضامناً عليك".
يريد: ألا يكون المخرج مخرج صدق، وما خرج أحد من بيته ودخل سوقه -أو مدخلاً آخر- إلا بصدق أو بكذب، فمخرجُ كل واحد ومدخله لا يعدو الصدق والكذب.
وأما لسان الصدق: فهو الثناء الحسن عليه - صلى الله عليه وسلم - من سائر الأمم بالصدق، ليس ثناءً بالكذب.
وأما قدم الصدق: ففسر بالجنة، وفسر بمحمد - صلى الله عليه وسلم -، وفسر بالأعمال الصالحة، وحقيقة "القدم" ما قدموه وما يُقْدِمون عليه يوم القيامة، وهم قدّموا الأعمال والإيمان بمحمد - صلى الله عليه وسلم -، ويقْدِمون على الجنة التي هي جزاء ذلك.
وأما مقعد الصدق: فهو الجنة عند الرب -تبارك وتعالى-.
هذا وإن الصدق في القول يكون فيه ماضياً أو مستقبلاً، وعداً كان أو غيره.
الوقفة الثانية والثلاثون: مع قوله: (وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ) وهو نصف الإيمان؛ لأن الإيمان نصفان: نصفٌ صبر، ونصفٌ شكر، وهو من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد.
وهو ثلاثة أنواع: صبر على طاعة الله، وصبر عن معصيته، وصبر على أقداره المؤلمة: بحبس النفس عن الجزع والتسخط، واللسان عن الشكوى، والجوارح عن كل ما لا يليق من لطم الخدود وشق الجيوب وغير ذلك مما في معناه.
ولا يخفى أن الصبر على طاعة الله والصبر عن معصيته أكملُ من الصبر على ما لا يد للإنسان فيه كالأقدار المؤلمة؛ لأن الأول صبر اختيار، ورضا ومحاربة للنفس، بخلاف ما ليس للعبد فيه حيلة غير الصبر.
ثم إن الصبر على أداء الطاعات أكمل من الصبر على ترك المعاصي؛ لأن مصلحة فعل الطاعة أحبُ إلى الشارع من مصلحة ترك المعصية، ومفسدة عدم الطاعة أبغض إليه من مفسدة وجود المعصية، كما قرر ذلك أبو العباس ابن تيمية - رحمه الله -. والصبر يكون بالله ولله ومع الله.
فالأول: الاستعانة به كما قال: (وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ) [ النحل:127]، أي إن لم يصبِّرك لم تصبر.
والثاني: الصبر لله، وهو أن يكون الباعث على الصبر إرادة وجه الله.
والثالث: الصبر مع الله، وهو دوران العبد مع مراد الله الديني منه، وهذا الأخير هو أشد أنواع الصبر، كما فصله ابن القيم - رحمه الله -.
الوقفة الثالثة والثلاثون: مع قوله: (وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ) وأصل الخشوع: الانخفاض والذل والسكون، فهو تذلل القلوب لله - عز وجل - مع السكون والطمأنينة والتؤدة والوقار والتواضع بدافع الخوف من الله - تعالى -، وجِماعه: التذلل للأمر، والاستسلام للحكم، والتواضع لنظر الحق.
فالتذلل للأمر: هو تلقيه بذلة القبول والانقياد ومواطأة الظاهر والباطن.
والاستسلام للحكم الشرعي: أن لا يعارضه بهوى النفس.
والتواضع لنظر الحق: هو انكسار القلب والجوارح لنظر الرب إليها[4].
الوقفة الرابعة والثلاثون: مع قوله: (وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ) قال ابن فارس: "الصاد والدال والقاف أصل يدل على قوة الشيء قولاً وغيره، ومن ذلك الصدق خلاف الكذب، سمي لقوته في نفسه؛ ولأن الكذب لا قوة له، هو باطل"، كما سمي صداق المرأة بذلك؛ لقوته وأنه حق يلزم، والصداقة صدق الاعتقاد في المودة مشتقة من الصدق في الود والنصح.
ولعل الصدقة سميت بذلك؛ لدلالتها على ثبوت إيمان صاحبها وصدق دعواه كما قال - عليه الصلاة والسلام -: ((الصدقة برهان))، وهي تشمل ما يخرجه الإنسان من ماله على وجه القربة، سواءً كان واجباً أو تطوعاً.
ويدخل في معناها: ما أسقطه الإنسان من حقه، سواءً كان مالياً أو غيره، كما قال - تعالى -: (وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ) [ المائدة:45]، أي لم يقتص وإنما عفى.
وقال - تعالى -: (وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) [البقرة:280]، أي بإسقاط الدين على المعسر، أو إسقاط جزء منه.
وقال - تعالى -: (وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ) [ النساء:92]، أي بإسقاط الدية والتنازل عنها، وهكذا...
الوقفة الخامسة والثلاثون: مع قوله: (وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ) وهو من أجل القربات، كما في الحديث القدسي ((إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به))، وهو داخل في معنى الصبر، والله يقول: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ) [ الزمر:10].
الوقفة السادسة والثلاثون: مع قوله: (وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ) حيث ذكر ذلك بعد الصوم، ذلك أن الصوم من أعظم الأمور المعينة على حفظ الفرج، كما في الحديث: ((ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء))، فهذا الترتيب في الآية في غاية التناسب، ومثله ما ورد في سورة النور: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ) [ النــور:30]، الآية؛ حيث إن غض البصر سبب لحفظ الفرج.
الوقفة السابعة والثلاثون: حفظ الفرج يشمل حفظه عن مقارفة كل لون من ألوان الاستمتاع عدا الاستمتاع بالزوجة وما ملك اليمين، كما قال - تعالى -: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ* إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ* فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ) [المؤمنون:5-7]، كما يشمل حفظه بالستر فلا يراه أحد عدا من استثني في الآية.. والستر هنا بترك التكشف، أو لبس ما يحجم العورة لضيقه.
الوقفة الثامنة والثلاثون: مع قوله: (وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ) وهذا يشمل ذكر القلب واللسان وترك الغفلة فهو عبودية القلب واللسان، وهي عبادة يسيرة على العبد غير مؤقتة بوقت مع ثقلها في الميزان، ولهذا جاء تقييدها بالكثرة من بين سائر العبادات كما قال - تعالى -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا) [ الأحزاب:41]، وقال: (وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [ الجمعة:10].
والذكر له أنواع ومراتب متعددة لا مجال لذكرها هنا، فلتراجع في مظانها.
الوقفة التاسعة والثلاثون: مع قوله: (أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) حيث نكر المغفرة هنا، وهذا يدل على التعظيم أي: مغفرة عظيمة.
والأجر: هو الجزاء والثواب، ووصفه بالعظم كما وصف المغفرة بذلك، وهذا من معنى اسمه (الشكور) أي: الذي يجازي المحسن بإحسانه، ويضاعف له الجزاء، كما قال - تعالى -: (مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً.. ) [ البقرة:245].
وقال: (إِن تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ) [التغابن:17].
وقال: (مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ) [ الحديد:11].
وقال: (إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ.. ) [ الحديد:18].
وقال: (وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا) [ النساء:40].
وقال: (مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا) [ الأنعام:160].
وقال: (مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا) [ النمل:89].
وقال: (أُوْلَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا) [ القصص:54]، ونحو ذلك من النصوص الدالة على هذا المعنى.
الوقفة الأربعون: أن قوله: (أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) يدل على أن من عمل الصالحات واتقى الله - عز وجل - فإن الله يجمع له غفران الذنوب ومضاعفة الأجور.
وغفران الذنوب: يكون بأمرين:
الأول: الستر بين العباد فلا يفضحه بها.
الثاني: أن يقيه شؤمها، فلا يعذبه عليها.
وهذا أصل معنى الغفر، ومنه قليل للمغفر؛ لأنه يستر رأس لابسه، ويقيه الضربات الموجهة له، وهذا المعنى -مقابلة المحسن بالمغفرة والثواب- دل عليه كثير من الآيات والأحاديث، كما قال - تعالى -: (وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ) [ هود:114]، وغير ذلك ما يدخل في هذا المعنى.
الوقفة الحادية والأربعون: مع قوله: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ.. ) فهذا لفظه النهي ومعناه: الحظر والمنع، ومثل هذا الاستعمال يدل على المنع والحظر، وأن ذلك الشيء لا يكون:
إما عقلاً: نحو: (مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا) [ النمل:60].
أو ما علمتم امتناعه شرعاً، نحو: (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ.. ) [ الشورى:51].
أو ما كان محرماً شرعاً، نحو: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى.. ) [الأحزاب:36] الآية.
الوقفة الثانية والأربعون: مع قوله: (أَمْرًا) وهو يشمل الأمر الطلبي والأمر الخبري، فالطلبي: كالأمر بالحجاب والبقاء في البيوت وعدم مخالطة الرجال، والخبري: كجعل الطلاق بيد الرجل، والحكم بأن للمرأة نصف ميراث الرجل، ونحو ذلك.
الوقفة الثالثة والأربعون: قوله: (لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ) نكرتان في سياق النفي، وهذا من صيغ العموم، أي: كل مؤمن ومؤمنة. ومعلوم أن إيمان العبد يقتضي الانقياد والتسليم والإذعان، فلا يكون للمؤمن اختيار مع اختيار الله - تعالى -، وإلا كان ذلك نقصاً في إيمان العبد، وهذا أحد المعاني الداخلة تحت قوله - تعالى -: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ) [ الأحزاب:6]؛ إذ من معاني هذه الأولوية هنا أن النفس إذا أَمَرت بأمر، وأمر الرسول بأمر كان المقدم أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
الوقفة الرابعة والأربعون: مع قوله: (وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا) وهذا يدل على أنه من كان له اختيار مع اختيار الله - تعالى -واختيار رسوله - صلى الله عليه وسلم -، فإنه يكون عاصياً؛ لتقديمه محبوبات النفس على مطلوبات الحق.
الوقفة الخامسة والأربعون: هذه الآية وإن كانت متعلقة في الأصل بما بعدها من خِطبة النبي - صلى الله عليه وسلم - ابنة عمته زينب بنت جحش لمولاه زيد بن حارثة؛ إلا أن عموم معناها معتبر في كل ما أمر به الشارع أو نهى عنه، فإذا قضى الشارع على المرأة أن تلازم بيتها ولا تكثر من الخروج، ولا تخالط الرجال الأجانب، ولا تتبرج أو تذهب إلى أماكن الفتنة فإن الواجب عليها التسليم لأمر الله، والانقياد لشرعه، ولا يجوز لها بأي حال من الأحوال أن تقدم هوى النفس على أمر الرب - جل وعلا -.
والله الهادي إلى سواء السبيل، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ــــــــــــــــــــ
[1] - أي أن المرأة إذا خرجت ينظر إليها الشيطان ويطمع بنظره إليها ليغويها أو يغوي فيها. وقيل: إذا خرجت ورآها أهل الريبة بارزة من خدرها استشرفوها؛ لما بث الشيطان في نفوسهم من الشر والزيغ، فأضيف ذلك إلى الشيطان للسببية. وقيل: إذا خرجت يود الشيطان أنها على شرف، أي مكانٍ عالٍ من الأرض لتكون معرَّضة له.
[2] - مخدعها: يقال: بضم الميم وفتحها، وهو البيت الذي يخبأ فيه خير المتاع، وهو الخزانة داخل البيت الكبير.
[3] الصواب أن هذه بعد تلك لا العكس إلا أن يكون المقصود أنها بعدها في النزول.
[4].................................... والتصرف.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 33.66 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 33.04 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.87%)]