عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 09-11-2020, 04:30 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,332
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة آل عمران - (22)
الحلقة (163)

تفسير سورة آل عمران (29)

إن الأنبياء هم أفضل خلق الله سبحانه وتعالى وأصدقهم، وما يكون لمن هذا شأنه بعد أن شرفه الله عز وجل بالنبوة والرسالة أن يدعو الناس إلى عبادة نفسه، فضلاً عن عبادة غيره، ومثل هذا الأمر من المحال، وما تصوره ولا ادعاه على أنبياء الله إلا اليهود والنصارى، وقد بين الله براءة أنبيائه من ذلك في كتابه العزيز.
مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة آل عمران
الحمد لله نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ) اللهم حقق لنا رجاءنا إنك ولينا وولي المؤمنين.وقد انتهى بنا الدرس إلى هذه الآيات الأربع تلاوتها بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ * فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ [آل عمران:81-83].معاشر المستمعين والمستمعات! لا بأس أن نذكر أنفسنا بالآيتين اللتين درسناهما البارحة، والآيات صلتها قوية ببعضها البعض. قال تعالى: مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ [آل عمران:79].قال تعالى: مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ [آل عمران:79] لا، فحاشى وكلا، وَلَكِنْ [آل عمران:79] يقول لهم: كُونُوا رَبَّانِيِّينَ [آل عمران:79] أي: اعلموا واعملوا وعلّموا، تصبحون ربانيين، كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ [آل عمران:79].فهذه بشرى لنا -والحمد لله- أننا ربانيون، فالذين يعلمون كلام الله لعباده ويدّرسونه ويدرسونه هم الربانيون، لكن لا ننسى أنهم يعلمون ويعملون ويعلّمون، ( من علم وعمل بما علم، وعلّمه غيره دعي في السماء عظيماً )، فمن يرغب في أن يكون من الربانيين؛ فليتعلم كتاب الله، وليعمل بما علمه فيه، ولينقله إلى غيره فيعلمه سواه، فهذا هو الرباني، فمثل هذا لا يرضى أن يسجد له الناس أو يركعوا وينحنوا له، أو يحلفون برأسه، أو يستغيثون به. فقوله تعالى: مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ [آل عمران:79] أي: الفقه في الدين، وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ [آل عمران:79] فهيهات هيهات أن يقع هذا.فرد الله بهذا على اليهود والنصارى وعلى بدعهم، فقال لهم: وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ * وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:79-80] فحاشى وكلا.هذه فزنا بها، هي مع الآتيات من الآيات البينات.

تفسير قوله تعالى: (وإذا أخذ الله ميثاق النبيين...)
يقول تعالى مخاطباً رسوله ومصطفاه صلى الله عليه وسلم: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ [آل عمران:81] أي: اذكر لطائفة اليهود والنصارى الوقت الذي أخذ الله فيه ميثاق النبيين، ما من نبي ينبئه الله ولا رسول يرسله الله إلا يأخذ عليه، وعلى أمته هذا العهد الموثق المضبوط بالالتزامات.وهو: إذا بعث الله نبياً أو أرسل رسولاً على ذلك النبي أو الرسول وعلى أمته أن يؤمنوا به ويصدقوه، وتورط اليهود والنصارى، أخذ الله هذا الميثاق على عيسى كما أخذه على موسى، وهم يدعون اتباع موسى وعيسى، وبعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم فكان الواجب الحتمي أن يؤمنوا به ويصدقوه، فعكسوا فكفروا به وكذبوه، فيا ويلهم من الخلود في العذاب الدائم. ‏

معنى قوله تعالى: (وإذا أخذ الله ميثاق النبيين ...)
قال تعالى: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ [آل عمران:81] والميثاق هو: العهد الموثق بالأيمان لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ [آل عمران:81] أي: مهما آتيتكم، وبلغ ذلك ما بلغ في العلم والمعرفة ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ [آل عمران:81]؛ لأن الرسول إذا كان يكذب ما عند الأنبياء من قبله ما هو برسول، ساحر أو دجال؛ لأن دعوة الله واحدة، فهيهات هيهات أن يأتي رسول ويكذب بما جاء به موسى أو عيسى أو إبراهيم، فهذا كاذب؛ فكل رسول يبعث ويرسل يصدق من كان قبله، ومن عاصرهم ووجدهم آمن بما عندهم ولا يرد شيئاً أو يكذبه.إذاً: اذكر يا رسولنا لهؤلاء اليهود والنصارى من نجران وغيرهم إذ أخذ الله ميثاق النبيين، وهم مائة وأربع وعشرين ألف نبي، مهما آتيتكم من كتاب أيها الرسل والأنبياء، وآتيتكم من حكمة وفقه ومعرفة.

معنى قوله تعالى: (ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم...)
قال تعالى: ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ [آل عمران:81] أي: وتقفون إلى جنبه يبلغ دعوته، فهذا الميثاق أخذه الله على الأنبياء والرسل.ثم قوله: قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ [آل عمران:81] أي: الاستفهام تقريري، وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي [آل عمران:81] أي: عهدي وميثاقي قَالُوا أَقْرَرْنَا [آل عمران:81] أي: أقررنا بهذه القضية وسلمنا.قال إذاً: اشهدوا أيها الرسل والأنبياء على هذه القضية التي تعلقت بكم، والله معكم من الشاهدين، وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ [آل عمران:81]كيف يصح إذاً ليهودي أو نصراني يعرف هذا ويكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم، ويكذب بما جاء به؟ كيف تبقى له صلة بالدين أو الإسلام أو العبادة؟!وهذا الله عز وجل يخبر عن نفسه ويقول لرسوله: اذكر هذا لليهود والنصارى المتبجحين بأنهم على الحق، وأنهم على الدين الصحيح، واذكر لهم هذا الميثاق، وهو قوله تعالى للنبي والرسول: إذا جاء رسول من رسلي أو نبي من أنبيائي، مهما كنت يا نبي، ويا رسول من العلم والمعرفة والكتاب والوحي، يجب أن تصدق بهذا الرسول وتنصره، ولا تقف ضده ولا تخذله؛ لأن دعوة الله واحدة هي: أن يعبد الله وحده عبادة تسعد أهلها في الدنيا والآخرة، وتنجيهم من الشقاء والعذاب في الدنيا والآخرة.فهل يصح لليهود أو النصارى أن يردوا على هذا؟!قال تعالى: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ [آل عمران:81] أي: مهما آتيتكم مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ [آل عمران:81] ما تعتزوا بذلك وتقولوا: لسنا في حاجة إلى موسى إن بعث أو محمد، فقال: ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ [آل عمران:81]، فإن جاء الرسول يكذب فليس برسول الله، هذا رسول الشيطان؛ لأن الله واحد ودعوته واحدة، والمبلغون عنه أمرهم واحد.

معنى قوله تعالى: (لتؤمنن به ولتنصرنه...)
ثم قال تعالى: لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ [آل عمران:81] واللام لام التوكيد للقسم، لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ [آل عمران:81] أي: ليس مجرد إيمان ويتركونه للأعداء، أو يقوم بالدعوة وحده وهم يضحكون، لا بد من الإيمان والنصرة، وأن تقفوا إلى جنبه حتى يبلغ رسالة ربه.

معنى قوله تعالى: (قال: أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري ...)
وقوله: قَالَ [آل عمران:81] أي: الله عز وجل لأولئك النبيين والرسل: أَأَقْرَرْتُمْ [آل عمران:81]؟ أي: بهذا الذي اعترفتم؟ قالوا: أقررنا وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي [آل عمران:81] وعهدي وميثاقي؟ قَالُوا أَقْرَرْنَا [آل عمران:81].إذاً: قَالَ فَاشْهَدُوا [آل عمران:81] قالوا: شهدنا، قال: وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ [آل عمران:81].

تفسير قوله تعالى: (فمن تولى بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون)
فالآن لو يأتينا رسول أو نبي ويصدق ما عندنا، فلا نقف إلى جنبه ولا ننصره؛ لأن الله أغلق هذا الباب، وأعلمنا أنه ختمها بخاتم لا ينفض ولا ينقض، فمهما جاءنا رجل يدعي هذا نرد عليه أنه كذاب ودجال وليس برسول الله، لكن قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم كانت الرسل والأنبياء تتوارد في البلد الواحد عشرات، يجب على كل نبي أن يؤمن بالنبي الذي قبله، أو الذي جاء بعده، وأن ينصره ولا يخذله في دعوته، لكن بعد أن ختم الله الرسالات بخاتم الأنبياء نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فكل من جاء يدعي النبوة وقال: أنا نبي أو رسول فهو ساحر ودجال يستتاب ثلاثة أيام أو يقتل.قال تعالى: فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ [آل عمران:82] أي: أعرض عن هذا العهد ونقضه ونكثه، ولم يؤمن بمن جاء يحمل هداية الله ولم يقف إلى جنبه ناصراً له، هذا هو الفاسق الخارج عن أمر الله وطاعته، فمن تولى بعد ذلك العهد والميثاق الذي أُخذ عليه، والمراد بهم: الرسل وأتباعهم وأممهم فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [آل عمران:82] وإن كان الرسول -والنبي حاشاه أن يفسق-، ولكن من باب هذا الخطاب لأمته، ومن باب الفرض أيضاً ليفهموا لو كان نبياً وفسق عذابه معروف.

تفسير قوله تعالى: (أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السموات والأرض...)
ثم قال تعالى: أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ [آل عمران:83]. ‏

سبب نزول الآية
هنا ذكر في سبب هذه الآية: أن كعب بن الأشرف اليهودي -عليه لعائن الله- تجادل مع النصارى من نجران أو من غيرهم، وأتوا النبي صلى الله عليه وسلم ليحكم بينهم، في أي الفريقين على ملة إبراهيم النصارى أو اليهود؟ فحكم الرسول صلى الله عليه وسلم بأن كلا الفريقين ليس على ملة إبراهيم، لا اليهود ولا النصارى، أي: كلا الفريقين بريء من ملة إبراهيم؛ لأن ملة إبراهيم هي التوحيد وهي أن يعبد الله بما شرع وحده، فكل من عبد بغير ما شرع الله فهو من المبطلين، وكل من عبد الله وأضاف إلى عبادة الله عبادة غيره فهو مشرك وليس على ملة إبراهيم، (( إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ))[النحل:120].إذاً فلما أعلمهم بالحق والواقع تبرءوا منه وقالوا: لن نؤمن بك. فقال تعالى: (( فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ))[آل عمران:82].

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 32.36 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 31.73 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.94%)]