عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 06-11-2020, 05:05 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,287
الدولة : Egypt
افتراضي رد: محمود سامي البارودي والشعر

ونراه يزهو - وحُقَّ له - بالاثنين معًا:
أنا مصدر الكلم النَّوادي
بين الحواضرِ والبوادي

أنا فارسٌ أنا شاعرٌ
في كلِّ ملحمةٍ ونادي

فإذا ركبْتُ فإنني
زيدُ الفوارسِ[35] في الجلادِ

وإذا نطقت فإنني
قس بن ساعدة[36] الإيادي



ومن الفخر بتلازم السَّيف والقلم، والفروسية والشّاعرية، إلى سمة يفخر بها شاعرنا أيضًا وهي قدرة شعره على أن يكون فعالاً في كل المجالات مِن خلال قدرته على إيصال الفكرة وإثارة مكمن الهدف في كل مجال. فهو لا يفتأ يذكرنا بأن شعره إن رق بلغ الغاية وإن قسا بلغ الغاية، فكان المرجو في الحالة الأولى وكان المُهاب في الحالة الثّانية.

فهو:
غردٌ إذا ما جالَ فوقَ صحيفةٍ
سجَدَتْ لِحُسنِ صريرِهِ الأوتارُ[37]



وهو رقيق بحيث ينسي الحزين حزنه ويضيء الدَّرب لكل أديبٍ لَسِنٍ فصيحٍ:
ينسى[38] لها الفاقدُ المحزونُ لوعتَهُ
ويهتدي بسناها كلُّ قوَّالِ[39]



وهو عذب كالماء للعطشى:
وفجَّرتُ ينبوعَ البيانِ بمنطقٍ
عذبٍ رويت به غليلَ الحُوَّمِ[40]



وهو أشبه بأغنية عذبة تنشد لكسر الوقت وكسر الجمود وكسر رتابة الصَّحراء الجافة.
يغنِّي به شادٍ ويحْدو ركابَهُ
به كلُّ حادٍ بين بيداءَ سَمْلَقِ[41]



وهذا النشيد لا يقتصر على إبل وصحراء، بل إنه نشيد يعلو ويطرب في كل مكان وزمان:
إذا ما تلاه منشدٌ في مَقامةٍ
كفى القومَ ترجيعَ الغِناءِ نشيدُهُ[42]



ومن التغريد والرقة والعذوبة والغناء، إلى مهمة الشّاعر الأخرى؛ فالشّعر قادر على تحقيق الغايات وعلى بث الأفكار. كما أنه قادر على إخضاع الأمور إلى منطقه وإثارة الرّغبة في تحقيق هذه الأفكار. والشّعر - وإن كان عذبًا أحيانًا وغناء أحيانًا ومسلِّي حزن أحيانًا، قائد وثائر وعنيف حينَ يدعو الأمرُ، وهذا ما يقوله عن قلمه:
وإذا امتطى ظهرَ البيانِ لغايةٍ
خضعَتْ إليه قوارحٌ ومِهارُ[43]



وهذا الجمع في الشّعر بين المتناقضين: العذوبة والحدة، الحلاوة والمرارة، إثارة الطّمأنينة وإثارة الثّورة، هو مِن صفات الشّعر الجيد القادر على إثبات وجوده في حالات الإنسان كلها:
هو العسَلُ الماذيُّ طَوْرًا وتارةً
يثورُ الشَّجا منه مكانَ المُخَنَّقِ

فَطَوْرًا تَراهُ زهرةً بينَ مجلسٍ
وطَوْرًا تراهُ لهذَمًا[44] بين فيلقِ[45]

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 18.94 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 18.31 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.32%)]