عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 06-11-2020, 05:02 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,216
الدولة : Egypt
افتراضي محمود سامي البارودي والشعر

محمود سامي البارودي والشعر (1)









د. إيمان بقاعي










يقول محمود سامي البارودي في مقدمة ديوانه:

"إن الشّعر لمعة خيالية يتألق وميضها في سماوة الفكر، فتنبعث أشعتها إلى صحيفة القلب، فيفيض بلألائها نورًا يتصل خيطه بأسلة اللّسان فينفث بألوان من الحكمة ينبلج بها الحالك ويهتدي بدليلها السَّالط".



ويتابع:

"وخير الكلام ما ائتلفت ألفاظه وائتلقَت معانيه وكان قريبَ المأخذِ، بعيدَ المرمى، سليمًا مِن وصمةِ التَّكلّفِ، بريئًا من عَشوةِ التَّعسّف، غنيًّا عن مراجعة الفكرة، فهذه صفة الشّعر الجيّد، فمَن أتاه اللهُ منه حظًّا وكان كريمَ الشَّمائل طاهر النّفس، فقد ملكَ أعنَّةَ القلوبِ ونالَ مودّة النّفوسِ وصار بينَ قومه كالغرّةِ في الجوادِ الأدهمِ والبدر في الظّلامِ الأيهمِ.



ولو لم يكن مِن حسناتِ الشّعر الحكيم إلا تهذيب النّفوس وتدريب الأفهام وتنبيه الخواطر إلى مكارم الأخلاق، لكانَ بلغَ الغايةَ التي ليس وراءها لذي رغبةٍ مسرح، وارتبأ الصّهوةَ التي ليس دونها لذي همَّةٍ مطمح.



ومِن عجائبهِ تنافُس النّاس فيه، وتغايُر الطّباعِ عليهِ، وصَغوُ الأسماعِ إليه، كأنما هو مخلوقٌ مِن كلِّ نفسٍ، أو مطبوعٌ في كلّ قلبٍ؛ فإنكَ ترى الأممَ على اختلافِ ألسنتهم وتبايُنِ أخلاقهم وتعدُّد مشاربهم لَهِجينَ به، عاكفين عليه، لا يخلو منه جيلٌ دونَ جيلٍ، ولا يختصّ به قبيلٌ دونَ قبيلٍ؛ ولا غروَ فإنه مَعرِضُ الصّفاتِ ومتجَر الكمالات. ولقد سمعَ عمر بن الخطّاب (رضي الله عنه) قول زهير بن أبي سلمى:



فإنَّ الحقَّ مَقطعُهُ ثلاثٌ

يمينٌ أو نِفارٌ أو جَلاءُ








فجعلَ يعجبُ مِن معرفته بمقاطع الحكمة وتفصيلِها.



وللشّعر رتبةٌ لا يجهلها إلا مَن جفا طبعُهُ ونبا عن قبول الحكمةِ سَمعُهُ، فهو حليةٌ يزدانُ بجمالها العاطلُ وعُوذةٌ لا يتطرقُ إليها الباطلُ[1]:



له أوابد[2] لا تنفكُّ سائرةً

في الأرضِ ما بين إدلاجٍ وتهجيرِ




تجري مع الشَّمسِ في تيَّار ِكهربةٍ[3]

على إطارٍ من الأضواءِ مسعورِ




تطاردُ البرقَ إنْ مرَّتْ وتتركُهُ

في جوشن[4] مِن حَبيكِ المزنِ مزرورِ[5]








يرتبط الشّعر، إذن، بالنّور والضَّوء والوميض، أي: بالإنارة الّتي مهمتها تبيين الصَّحيح مِن الخطأ.



وإذ يرى البارودي أن الشّعر الجيد هو ما سلم مِن وصمة التّكلف، أعلنَ أنه يجد في نظم الشّعر لذة لا صعوبة، فيشبهه بحصان مطيع غير متعب:



ألقى الكلامُ إليَّ ثنيَ عنانِهِ

وتفاخرَتْ بكلاميَ الأشعارُ[6]








ويؤكد على الفكرة:



إذا صلْتُ صالَ الموتُ مِن وكراتِهِ

وإن قلْتُ أرّخى مِن أعنَّته الشّعرُ[7]








فشعره واضح، سليم، مفهوم و"غني عن مراجعة الفكرة":



متَشابِهُ الطَّرَفينِ ينبئُ صدرُهُ

عمَّا تلاحقَ فهو بادي المَعْلَمِ




أحكمتُ منطقَهُ بلهجةِ مُفلِقٍ

يقِظِ البديهةِ في القريضِ مُحكَّمِ




يبتزُّ أُهبَةَ كلِّ فارسِ بُهْمَةٍ

ويزُمُّ شِقشِقَةَ الفَتيقِ المُقْرَمِ




ذللْتُ منه غواربًا لا تُمْتَطى

وخَطَمْتُ منه موارنًا لم تُخْطَمِ




شعرٌ جمعتُ به ضروبَ محاسنٍ

لم تجتمعْ قبلي لحيٍّ مُلهَمِ[8]








على أن هذه السَّلاسة فصيحة، بليغة، تحمل في طياتها العذوبة والجرس الّذي يسهل على السَّامع الحفظ ويطربه بموسيقاها الأشبه بنغم الحداء، ما يعني أن قصائده تلك كما "زمن الورد":



ولي كلُّ مَلْساءِ المتونِ غريبةٍ[9]

إذا أُنْشِدَتْ أَفْضَتْ لذكرِ بني سعدِ[10]




يتبع




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 23.04 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 22.41 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.73%)]