4- اتهامهم للنبي صلى الله عليه وسلم بالجنون والسحر...
لقد تطاول السفهاء على النبي - صلى الله عليه وسلم - وطعنوا في رسالته حيث دعاهم إلى عبادة الله الواحد الأحد الفرد الصمد فقالوا في خفة وطيش كما أخبرنا العليم الخبير عن مقالهم ﴿ وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ * أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ * وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ * مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ * أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ ﴾ [ص: 4 - 8].
قال ان كثير: يقول تعالى مخبرا عن المشركين في تعجبهم من بعثة الرسول بشرا، كما قال تعالى: ﴿ أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ ﴾ [يونس: 2] وقال هاهنا: ﴿ وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ ﴾ [ص: 4] أي: بشر مثلهم، ﴿ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ * أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا ﴾ [ص: 4، 5] أي: أزعم أن المعبود واحد لا إله إلا هو؟! أنكر المشركون ذلك -قبحهم الله تعالى- وتعجبوا من ترك الشرك بالله، فإنهم كانوا قد تلقوا عن آبائهم عبادة الأوثان وأشربته قلوبهم فلما دعاهم الرسول صلى الله عليه وسلم إلى خلع ذلك من قلوبهم وإفراد الله بالوحدانية أعظموا ذلك وتعجبوا وقالوا: ﴿ أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ * وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ ﴾ [ص: 5، 6] وهم سادتهم وقادتهم ورؤساؤهم وكبراؤهم قائلين: ﴿ أَنِ امْشُوا ﴾ [ص: 6] أي: استمروا على دينكم ﴿ وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ ﴾ [ص: 6] ولا تستجيبوا لما يدعوكم إليه محمد من التوحيد.
وقوله: ﴿ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ ﴾ [ص: 6] قال ابن جرير: إن هذا الذي يدعونا إليه محمد صلى الله عليه وسلم من التوحيد لشيء يريد به الشرف عليكم والاستعلاء، وأن يكون له منكم أتباع ولسنا مجيبيه إليه.
وسبب نزول هذه الآيات: قال السدي: إن أناسا من قريش اجتمعوا فيهم: أبو جهل بن هشام والعاص بن وائل، والأسود بن المطلب والأسود بن عبد يغوث في نفر من مشيخة قريش، فقال بعضهم لبعض: انطلقوا بنا إلى أبي طالب فلنكلمه فيه، فلينصفنا منه فليكف عن شتم آلهتنا وندعه وإلهه الذي يعبده؛ فإنا نخاف أن يموت هذا الشيخ فيكون منا إليه شيء. فتعيرنا به العرب يقولون: تركوه حتى إذا مات عنه تناولوه". فبعثوا رجلا منهم يقال له المطلب" فاستأذن لهم على أبي طالب فقال: هؤلاء مشيخة قومك وسراتهم يستأذنون عليك. قال: أدخلهم. فلما دخلوا عليه قالوا: يا أبا طالب أنت كبيرنا وسيدنا فأنصفنا من ابن أخيك فمره فليكف عن شتم آلهتنا وندعه وإلهه. قال: فبعث إليه أبو طالب فلما دخل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا ابن أخي هؤلاء مشيخة قومك وسراتهم وقد سألوك أن تكف عن شتم آلهتهم ويدعوك وإلهك. قال: "يا عم أفلا أدعوهم إلى ما هو خير لهم؟" قال: وإلام تدعوهم؟ قال: "أدعوهم إلى أن يتكلموا بكلمة تدين لهم بها العرب ويملكون بها العجم". فقال أبو جهل من بين القوم: ما هي وأبيك؟ لنعطينها وعشرة أمثالها. قال: تقولون: "لا إله إلا الله". فنفر وقال: سلنا غير هذا قال: "لو جئتموني بالشمس حتى تضعوها في يدي ما سألتكم غيرها" فقاموا من عنده غضابا، وقالوا: والله لنشتمنك وإلهك الذي أمرك بهذا. ﴿ وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ ﴾ [ص: 6].
رواه ابن أبي حاتم وابن جرير وزاد: فلما خرجوا دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عمه إلى قول: "لا إله إلا الله" فأبى وقال: بل على دين الأشياخ. ونزلت: ﴿ إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ ﴾ [القصص:56] [13]
5- سخرية السفهاء من قضية تحويل القبلة:
لقد تجمع السفهاء من اليهود والمنافقون والمشركون جميعاً ليطعنوا في رسالة النبي عندما منَّ الله على نبيه بتحويل القبلة من المسجد الأقصى إلى البيت الحرام قال الله تعالى مخبرا عن سفه هؤلاء ﴿ سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [البقرة: 142].
قال البيضاوي في تفسير السفهاء: هم الذين خفت أحلامهم واستمهنوها بالتقليد والإعراض عن النظر، يريد المنكرين لتغيير القبلة من المنافقين واليهود والمشركين. وفائدة تقديم الإخبار توطين النفس وإعداد الجواب.
قال السعدي -رحمه الله -: (قد اشتملت الآية الأولى على معجزة، وتسلية، وتطمين قلوب المؤمنين، واعتراض وجوابه، من ثلاثة أوجه، وصفة المعترض، وصفة المسلم لحكم الله دينه.
فأخبر تعالى أنه سيعترض السفهاء من الناس، وهم الذين لا يعرفون مصالح أنفسهم، بل يضيعونها ويبيعونها بأبخس ثمن، وهم اليهود والنصارى، ومن أشبههم من المعترضين على أحكام الله وشرائعه، وذلك أن المسلمين كانوا مأمورين باستقبال بيت المقدس، مدة مقامهم بمكة، ثم بعد الهجرة إلى المدينة، نحو سنة ونصف - لما لله تعالى في ذلك من الحكم التي سيشير إلى بعضها، وكانت حكمته تقتضي أمرهم باستقبال الكعبة، فأخبرهم أنه لا بد أن يقول السفهاء من الناس: ﴿ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا ﴾ [البقرة: 142] وهي استقبال بيت المقدس، أي: أيُّ شيء صرفهم عنه؟ وفي ذلك الاعتراض على حكم الله وشرعه، وفضله وإحسانه، فسلاهم، وأخبر بوقوعه، وأنه إنما يقع ممن اتصف بالسفه، قليل العقل، والحلم، والديانة، فلا تبالوا بهم، إذ قد علم مصدر هذا الكلام، فالعاقل لا يبالي باعتراض السفيه، ولا يلقي له ذهنه. ودلت الآية على أنه لا يعترض على أحكام الله، إلا سفيه جاهل معاند، وأما الرشيد المؤمن العاقل، فيتلقى أحكام ربه بالقبول، والانقياد، والتسليم كما قال تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ﴾ [الأحزاب: 36] ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ﴾ [النساء: 65]، ﴿ إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ﴾ [النور: 51] وقد كان في قوله ﴿ السُّفَهَاءَ ﴾ [البقرة: 142] ما يغني عن رد قولهم، وعدم المبالاة به[14]
ثالثًا: التحذير منهم:
1- تحذير الله تعالى من مجالسة السفهاء وأصحاب السوء:
لأن الإنسان بطبعه وحكم بشريته يتأثر بصفيِّه وجليسه، ويكتسب من أخلاق قرينه وخليله، ويوم القيامة يعَضُّ من اختار صاحب السوء أصابع الندم، ويتحسر على ما فاته في دنياه؛ يقول تعالى: ﴿ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا ﴾ [الفرقان: 27 - 29].
وقال تعالى: ﴿ وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ [الأنعام: 68].
قال الشافعي رحمة الله عليه:
يخاطبني السفيه بكل قبح
فأكره أن أكون له مجيبا 
يزيد سفاهة فأزيد حلماً
كعود زاده الاحراق طيبا 
وقال آخر:
إذا سبني نذل تزايدت رفعة
وما العيب الا ان اكون مساببه 
ولو لم تكن نفسي علي عزيزة
لمكنتها من كل نذل تحاربه 
وقال آخر:
إذا نطق السفيه فلا تجبه
فخير من إجابته السكوت 
فان كلمته فرجت عنه
وإن خليته كمدا يموت 
وقال آخر:
قالوا سكت وقد خوصمت قلت لهم
إن الجواب لباب الشر مفتاح 
والصمت عن جاهل او أحمق شرف
وفيه أيضا لصون العرض اصلاح 
أما ترى الأسد تخشى وهي صامته
والكلب يخسى[15] لعمري وهو نباح. 
2- التحذير من إمارة السفهاء:
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لكعب بن عجرة أعاذك الله من إمارة السفهاء قال وما إمارة السفهاء قال أمراء يكونون بعدي لا يهتدون بهديي ولا يستنون بسنتي فمن صدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فأولئك ليسوا مني ولست منهم ولا يردون على حوضي ومن لم يصدقهم بكذبهم ولم يعنهم على ظلمهم فأولئك مني وأنا منهم وسيردون على حوضي، يا كعب بن عجرة الصيام جنة والصدقة تطفىء الخطيئة والصلاة قربان أو قال برهان، يا كعب بن عجرة الناس غاديان فمبتاع نفسه فمعتقها وبائع نفسه فموبقها" [16]
و(إمارة السُّفَهاء، وهو فعلهم المستفاد منه مِن الظُّلم والكذب وما يؤدِّي إليه جهلهم وطيشهم).
قال المناوي: (إمارة السُّفَهاء -بكسر الهمزة-. أي: ولايتهم على الرِّقاب؛ لما يحدث منهم مِن العنف والطَّيش والخِفَّة، جمع سَفِيهٍ، وهو ناقص العقل، والسَّفَه).
وهذا تحذير من إمارة السفهاء فقد يصل المرء إلى درجة مرموقة ويصل إلى سدة الحكم ولكنه في خفة وطيش ورعونة السفهاء وأسوتهم في ذلك فرعون لعنه الله تعالى -وهل ما نراه الآن من ظلم وتعسف وإزهاق للأرواح في سورية وغير من بلدان العالم إلا بسبب تسلط السفهاء على سدة الحكم؟
3- تحذير السلف من مجالستهم:
عن أبي جعفر الخطمي أنَّ جدَّه عمير بن حبيب -وكان قد بايع النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أوصى بنيه، قال لهم: (أي بني! إيَّاكم ومخالطة السُّفَهاء؛ فإنَّ مجالستهم داء، وإنَّه مَن يَحْلم عن السَّفيه، يُسَرَّ بحلمه، ومَن يُجِبه يندم) [17].
وأوصى المنذر بن ماء السَّماء ابنه النُّعمان بن المنذر، فقال: (آمرك بما أمرني به أبي، وأنهاك عمَّا نهاني عنه: آمرك بالشُّح في عِرْضك، والانخِدَاع في مالك، وأنهاك عن ملاحاة الرِّجال وسيَّما الملوك، وعن ممازحة السُّفَهاء..)[18]
وقال عمير بن حبيب بن خماشة -وكان أدرك النّبيّ - صلى الله عليه وسلم- عند احتلامه. يوصي بنيه فقال: «بنيَّ إيّاكم ومجالسة السّفهاء؛ فإنّ مجالستهم داء، من يحلم عن السّفيه يسرّ، ومن يجبه يندم، ومن لا يرض بالقليل ممّا يأتي به السّفيه يرض بالكثير» [19]
رابعًا: كيفية تتعامل معهم:
يبتلى المرء في حياته بأناس لا تنفع معهم كل وسائل التعامل الراقي لأنهم تربوا على السفاهة! فكيف يتصرف تجاههم؟
إن السفيه طويل اللسان، سيء الكلام، قبيح الجواب. فإن كان غلاماً يافعاً نعلل ذلك بأنه لم يأخذ نصيبه من التربية في بيت أبيه أو في مدرسته أو في مجتمعه، أو إنه لما يفهم معنى الحياة بعد، ولذلك فهو لا يعرف كيف يتعامل مع الناس لجهله بأقدارهم. وقد تعركه التجارب وتطحنه السنون فيتعلم ويصبح من أهل الأحلام والنهى. لكن المصيبة تكون عندما يتجاوز سن الطيش ويبقى سفيهاً فمتى نتوقع منه أن يرشد؟
فإذا ابتليت بسفيه، فأفضل وسيلة للتعامل معه هي تجاهله وعدم الرد عليه، فلا تضرك أذيته، بل الأفضل ألا تلقي له بالاً حتى لا تشغلك كلماته، ولا تعتمل في فكرك عباراته فتأخذ من وقتك وجهدك واهتمامك وتملك مشاعرك.
وقد أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يقْبَل الميّسر الممكن من أخلاق الناس وأعمالهم، وأمره بكل قول حسن وفِعْلٍ جميل، وأمره أن يعرض عن منازعة السفهاء ومساواة الجهلة الأغبياء.
فقال له ﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴾ [الأعراف: 199]. والإعراض يكون بالترك والإهمال، والتهوين من شأن ما يجهلون به من التصرفات والأقوال، وعدم الدخول معهم في جدال ينتهي بالشد والجذب، وإضاعة الوقت والجهد. وفي هذا صيانة له ورفعا لقدره عن مجاوبتهم.
وقد دخل رجل على عمر رضي الله عنه فقال: يا ابن الخطاب، والله ما تعطينا الجزل، ولا تحكم بيننا بالعدل! فغضب عمر حتى همّ بأن يقع به. فقال له جليس عنده: يا أمير المؤمنين، إن الله قال لنبيه عليه السلام ﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴾ [الأعراف: 199] وإن هذا من الجاهلين. فما جاوزها عمر حين تلاها عليه، وكان وقافا عند كتاب الله عز وجل.
وعن أبي جري الهجيمي رضي الله عنه قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله إنا قوم من أهل البادية فعلمنا شيئا ينفعنا الله به فقال لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تفرغ من دلوك في إناء المستسقي ولو أن تكلم أخاك ووجهك إليه منبسط وإياك وإسبال الإزار فإنه من المخيلة ولا يحبها الله وإن امرؤ شتمك بما يعلم فيك فلا تشتمه بما تعلم فيه فإن أجره لك ووباله على من قاله" [20]
وقد قيل: لا تجادل السفيه فيخلط الناس بينكما.
ولكن إذا تجاوزوا الحد وأثاروا غضبه فماذا يفعل؟ لقد أمره المولى سبحانه بأن يستعيذ بالله ليهدأ ويطمئن.
﴿ وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ ﴾ [الأعراف: 200، 201] ونزغ الشيطان وساوسه. و "ينزغنك" أي يصيبنك ويعرض لك عند الغضب وسوسة بما لا يحل. فأمره الله أن يدفع الوسوسة بالالتجاء إليه والاستعاذة به. والتعقيب ﴿ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [الأعراف: 200] يوضّح أن الله سبحانه سميع لجهل الجاهلين وسفاهتهم، عليم بما تحمله النفس من أذاهم. وفي هذا ترضية وتسرية للنفس، فحسبها أن الجليل العظيم يسمع ويعلم.
وصلِّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد.
[1] معجم المعاني.
[2] معجم كلمات القران.
[3] المعجم الوسيط.
[4] تفسير المنار.
[5] تفسير ابن كثير بتصرف.
[6] تفسير الرازي بتصرف.
[7] صحيح الجامع.
[8] تفسير الطبري.
[9] صحيح الترغيب والترهيب.
[10] صحيح البخاري.
[11] السلسلة الصحيحة.
[12] صحيح البخاري.
[13] تفسير ابن كثير.
[14] تفسير السعدي.
[15] التخاسي: الرمي بالحصى.
[16] صحيح الترغيب والترهيب.
[17] السنن الكبرى للبيهقي.
[18] المجالسة وجواهر العلم.
[19] مجمع الزوائد (8/ 64).
[20] صحيح الترغيب والترهيب.