إضاءات في طريق السعادة الزوجية (2-1)
د. عبد المجيد البيانوني
أليس من حقّنا أن نتطلّع إلى الحياة الزوجيّة المثاليّة في أبنائنا وبناتنا، وإن كنّا قد عجزنَا في أنفسنا عن بعض مظاهرها، أو أكثر مظاهرها !؟ أوليس مثل هذا التطلّع يعدّ فطرةً في الإنسان، تملأ كيانه، وتشمل كلّ جانب من جوانب حياتِه !؟ ولكنْ ما مفهومنا عن المثاليّة التي نتغيّاها.؟ هنَا تكمنُ المشكلة، التي يفترق الناس فيها طرائق قدداً.. فكان لابدّ من الحديث عن أسس الحياة المثاليّة ومبادئها، ليُعرَفَ فهمُنا لها، وتصوّرُنا عنها، عن تصوّر غيرنا وفهمه. وإنّ التطلّع إلى الحياة الزوجيّة المثاليّة من الممكن أن يكون حصناً للحياة الزوجيّة عن التردّي في متاهات الاهتمَامات المُسِفّة عَن الحياة الكريمة الهادفة، التي نتوخّاها، ونتطلّع إليها عند بناء أسرةٍ جديدة.. وإنّ ممّا يؤرّق كثيراً من العقلاء ما يئول إليه كثير من حالات الزواج من نهاية بائسة.. من طلاق ظاهر أو خفيّ، وهو ما يسمّى:"الطلاق العاطفيّ".. وتتّجه أنظار كثير من الباحثين إلى الأسباب المادّيّة، ولا يفكّرون بما وراءها ممّا يفرضها أو يلغيها، وما يُحكّمها ويتحكّم بها.. وما يحار به كثير من الباحثين أنّ كثيراً من حالات الزواج البائس المدمَّر بدأ في ظاهر الأمر زواجاً سعيداً ناجحاً.. ثمّ انتهى تلك النهاية المؤسفة.. فكيف كان ذلك.؟! ولو فكّرنا بعمق، وتجاوزنا الظواهر لرأينا الزواج البائس المدمَّر في النهاية هو زواج لا يملك أسباب السعادة، ولم يقم على أسسها منذ البداية، ولو ملك بعضها، فإنّه يملك منها ما لا يكفي، ولا يغني.. فالزواج البائس المدمَّر بعد سنة هو زواج بائس مدمَّر منذ اليوم الأوّل.. والزواج البائس المدمَّر بعد عدّة سنوات ربّما ملك بعض أسباب السعادة منذ الأيّام الأولى، ولكنّها كانت كالغرسة الغضّة، إذا أهملت بعد أيّامها الأولى فسرعان ما يدبّ إليها دبيب الذبول والفناء.. فلا يغرّنكم السراب الخادع فليس فيه ماء، ولا البرق الخلّب فليس فيه وابلٌ صيّب، ولا ثمر طيّب..
= 1 = إنّ المعاني الإيجابيّة في الزواج تجعله بعبارة نبويّة جامعة إكمالاً لشطر الدين، ولا بديل للإنسان عن ذلك إلاّ الخروج عن الفطرة السويّة، وتعطيل طاقات الإنسان الحيويّة، والرضا بحياة العنت، والوقوع في أبواب من الإثم، وإعلان الحرب على مطالب النفس، واحتياجاتها الحيويّة، ويتجلّى ذلك في شلل فاعليّة الإنسان الاجتماعيّة، وأن يكون عبئاً على الأمّة وكلاًّ.. ففي الحديث عن أَنَس رضي الله عنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال: (مَنْ رَزَقَهُ اللَّه اِمْرَأَة صَالِحَة فَقَدْ أَعَانَهُ عَلَى شَطْرِ دِينه، فَلْيَتَّقِ اللَّه فِي الشَّطْر الثَّانِي) ([1]). وفي هذا الحديث لفتات نبويّة كريمة، يحسن الوقوف عندها قليلاً: الأولى: التعبير عن الزوجة بالرزق، فهي بحدّ ذاتها رزق من الله تعالى، وهي سبب من أسباب الرزق، كما جاء في الحديث الصحيح عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: رَأَى سَعْدٌ رضي الله عنه أَنَّ لَهُ فَضْلًا عَلَى مَنْ دُونَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : (هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلَّا بِضُعَفَائِكُمْ) ([2]).
وأهمّ الضعفاء في نظر دين الله: اليَتِيمُ وَالمَرْأَةُ، كما جاء في الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم : (اللَّهُمَّ إِنِّي أُحَرِّجُ حَقَّ الضَّعِيفَيْنِ اليَتِيمِ وَالمَرْأَةِ) ([3]).
والثانية: أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم خصّ المرأة التي تكون نعمة على زوجها بوصف الصلاح، لأنّ المرأة الصالحة تعرف حقّ ربّها، فتحفظ دينها وعرضها، وتعرف حقّ زوجها، فتطيعه فيما يرضي الله، وتعينه على طاعة الله تعالى.. وغير الصالحة وإن كانت تعفّ زوجها عن الزنا، لكنّها ربما حملته على التورّط في المهالك، وكسب حطام الدنيا من الحرام، وهي تشوّش فكره وقلبه بكَثرةِ مَطَالبها، التي قد لا تتّسع ذات يده لأدائها.. والثالثة: أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم لفت أنظار المؤمنين إلى أثر المرأة الصالحة في دين زوجها، وأنّها بحدّ ذاتها زيادة عظيمة في دينه، عبّر عَنْها صلوات الله وسلامه عليه بالشطر، ولم يقل إنّها زيادة في دينه فحسب.. والأصل في الشطر أنّه النصف، ويُستعمَلُ في الجزء من الشيء، ولكنّ نصّ الحديث يؤكّد على مَعْنى النصف، إذ يذكر في مقابله الشطر الثاني؛ فكيف تكون المرأة الصالحة عوناً لزوجها على شطر دينه.؟ الذي يبدو لي والله تعالى أعلم أنّ ذلك باعتبار أنّ حياة الإنسان فيها جانب فرديّ، وجانب اجتماعيّ، وأنّ أوّل علاقة في الجانب اجتماعيّ وأهمّها هي العلاقة الزوجيّة، التي هي لبنة المجتمع، وأساس بقاء النوع الإنسانيّ، فإذا صلحت هذه العلاقة واستقامت صلح شطر حياة الإنسان، وما يتّصل به من علاقات واسعة متشعّبة، وبقي الشطر الأوّل الذي يتعلّق بأخلاقه وسلوكه الشخصيّ، فعليه أن يتّقي الله فيه.. وكم رأينا من صلح سلوكه الشخصيّ بعد زواجه، نتيجة استقرار نفسه، وهدوء باله، وصفاء فكره.!
= 2 = * مفتاح الدخول إلى عالم المرأة وقلبها: من الحقائق الثابتة في علم النفس، ويؤيّدها الواقع: أنّ المرأة أكثر كلاماً من الرجل، وأنّها بحاجة عندما تتكلّم إلى من ينصت إليها باهتمام، وكلّما كان الإنسان أقوى عاطفةً كان أكثر كلاماً، وكان أحوج إلى تفريغ شحنات عواطفه برؤية من يستمع إليه، ويهتمّ بحديثه، والمرأة بخاصّة عندما تواجه المواقف الصعبة مع الآخرين والأخريات تصبح في قمّة انفعالاتها، وتكون أحوج شيءٍ إلى من يبدي لها التعاطف والاهتمام.. فعلى الزوج العاقل أن يتفهّم هذه الحقيقة، ويحسن التعامل معها، ولا ينظر باستصغار وقلّة أهمّيّة إلى ما تعطيه المرأة اهتماماً أكبر.. فكثير من أزمات المرأة النفسيّة والاجتماعيّة هذا مفتاحها، ويمكن أن تحلّ بهذه الطريقة. ولا يحتاج الرجل إذا استمع إليها سوى أن يبدي التعاطف، ولو بصورة ظاهرة مع ما تقول ليفرّغ لها شحنة عواطفها، ويهدّئ من روعها، ثمّ يعالج معها موقفها بموضوعيّة وحكمة في جلسة لاحقة.. ويمكن للرجل ألاّ يزيد تعليقه بعد أن يسمع ما يسمع على أن يقول لها: فما الحلّ الأمثل في نظرك.؟ وعندها سيجد المرأة ستهدأ بنسبة ثلاثين في المئة على الأقلّ، وستعود إلى التفكير الهادئ بالحلّ الصحيح، ممّا يجعلها تنتصر على هذه المشكلة، دون كبير جهدٍ أو عناء..
يتبع