
18-10-2020, 04:30 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,777
الدولة :
|
|
مائة وخمسون فائدة من أدعية استفتاح الصلاة ...
مائة وخمسون فائدة من أدعية استفتاح الصلاة ...
(150) مائة وخمسون فائدة من أدعية الاستفتاح في الصلاة
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، وبعد :
فقد تعددت صيغ أدعية الاستفتاح للصلاة الثابتة عن النبي > ، ولا شك بأن هذا التعدد له مميزاته ، وفيه أسراره الإيمانية ، وإكمالا لمشروع " الفوائد التربوية من الأحاديث النبوية " الذي يسر الله لي البداءة فيه ، أحببت أن أذكر بعض الفوائد التربوية وغيرها من أدعية الاستفتاح ، طالبا من ربي المدد والإعانة والفتح ، وألا يحرمني بذنوبي :
الدعاء الأول :
" اللهم بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كما بَاعَدْتَ بين الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ اللهم نَقِّنِي من الْخَطَايَا كما يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ من الدَّنَسِ اللهم اغْسِلْ خَطَايَايَ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ "
وفيه من الفوائد التربوية وغيرها ما يلي :
الفائدة الأولى :
مناسبة دعاء الاستفتاح في أول الصلاة وقبل القراءة ظاهرة جدا ، بل إنه لا يحسن به إلا هذا الموضع ، فهو كالمقدمة بين يدي الملوك ، لأن الفاتحة مناجاة ومخاطبة بين العبد وربه ، وأي مناجاة ومحادثة من الأليق أن يتقدمها جمل ليست بالطويلة المملة فيضيع معها مقصود المناجاة ، وليست بالقصيرة التي لا تغني ، فكان موقعه أنسب المواقع ، والحاجة له داعية .
الفائدة الثانية :
من تأمل ألفاظ الحديث وجد أن النبي > يطلب ربه المباعدة بينه وبين ذنوبه ، وأن ينقيه من الخطايا ، وأن يغسله بالماء والثلج والبرد ، وبهذا رفع الله رسله وأنبياءه ، حيث أنهم يجتهدون في الأعمال لمعرفتهم بعظمة من يعبدونه ، فأمتهم أحرى بذلك( ) .
الفائدة الثالثة:
فيه الاعتراف بالذنوب والخطايا ، فمن تأمل الحديث وجد تكرار " خطاياي " ثلاث مرات ، وهذا له أثره على طرد العجب ، ومعرفة قدر النفس ، وشدة الارتباط بالله ، وذلك أكثر مناسبة للوقوف بين يدي الله والتقديم بين مناجاته ، حيث يعترف العبد بذنوبه وخطاياه ويطلب من ربه أن يباعد بينه وبينها بحيث لا تحول بينه وبين ربه .
الفائدة الرابعة:
في الحديث ثلاث مراتب للمؤمن مع خطاياه ، وكلها لها اعتبارات مختلفة، وهي :
المرتبة الأولى : " باعد بيني وبين خطاياي " وهي مرتبة المباعدة ، وهذه الحالة تصدق على المؤمن قبل مواقعة الذنب ، فإنه يسأل ربه أن يباعد بينه وبين خطاياه أمدا بعيدا ، فإن هذا أدعى للسلامة من الوقوع فيها .
المرتبة الثانية : " اللهم نقني من خطاياي " وهي مرتبة التنقية ، والمراد والله أعلم محو الذنوب وإزالتها ، وهذه المرتبة تتناول الذنوب التي واقعها ، فيطلب من ربه أن يمحوها ويزيلها عنه ويغفرها له .
المرتبة الثالثة : " اللهم اغسلني من خطاياي " وهي مرتبة الغسل ، والمراد والله أعلم إزالة أثر الذنب بعد فعله ، وتصدق هذه الجملة على من تلبس بالذنب وواقعه ، ثم تاب لربه فإنه يسأل ربه أن يزيل أثر الذنب عنه ، فإن للذنوب أثرا غير كتابتها ، فكم من نظرة أورثت ندامة وأزالت علما ، مع أنها قد تغفر لصاحبها ، وذلك والله أعلم حتى لا يستوي من وقع بالذنب مع من لم يقع فيه .
فشملت هذه الجمل الثلاث " باعد – نقني – اغسلني " مراتب المؤمن أمام الذنوب ، والله أعلم بأسراره شرعه .
الفائدة الخامسة :
وهناك رأي آخر في المراتب الثلاث قاله الكرماني رحمه الله : " يحتمل أن يكون في الدعوات الثلاث إشارة إلى الأزمنة الثلاثة ، فالمباعدة للمستقبل ، والتنقية للحال ، والغسل للماضي "( ) .
الفائدة السادسة :
في قوله " اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب " المراد بها الذنوب التي لم يمارسها ، وعلى هذا يأتي سؤال : لماذا طلب المباعدة دون غيرها ؟
والذي يظهر والله أعلم لأن الله كتب على ابن آدم حظه من الذنوب مدرك ذلك لا محالة ،فلا نجاة للعبد منها أبدا ، فاقتصر في الدعاء على المباعدة وهي تدل على التأخير ، وهذا أنسب لأنه أبطأ أثرا .
الفائدة السابعة :
في تكرار لفظ " بين " في قوله : " بيني وبين خطاياي " دليل على شدة طلب العبد ربه أن يباعد بينه وبين ذنوبه أبعد مما بين المشرق والمغرب ، ولهذا لم يتكرر لفظ " بين " في قوله "بين المشرق والمغرب " وهذا الشعور في شدة الطلب بالمباعدة له أثره على معرفة العبد لأثر الذنوب والوقوع فيها .
الفائدة الثامنة :
في قوله " باعد بيني وبين خطاياي " دليل على أن الدنو من المعاصي والقرب من الذنوب وأماكنها أحد الأسباب التي تجعل العبد يقع فيها ، فمن هنا طلب العبد من ربه أن يباعد بينه وبين الخطايا حتى لا يجد سبيل يوصله إليها .
الفائدة التاسعة :
قوله : " باعد بيني وبين خطاياي" المباعدة تشمل :
أ ـ طلب مباعدة الأثر : والمراد المباعدة من تأثيراتها وعقوباتها الدنيوية والأخروية( ) ، فإن للذنوب أثرا في الدنيا والآخرة ، فيطلب المؤمن من ربه أن يباعد بينه وبين أثارها الدنيوية والأخروية .
ب ـ وتشمل المباعدة المكانية : فيسأل ربه أن يباعد بينه وبين ذنوبه من حيث المكان ، فلا يكون قريبا من مواقع المعاصي ومواطنها لأن ذلك يسهل الوقوع فيها .
ج ـ المباعدة الزمانية : فيسأل ربه أن يباعد بينه وبين زمن الوقوع في الخطايا ، فإن المؤمن يكون في عافية حتى يقع في شيء من الذنوب ، وهذا كالنتيجة للمباعدة الأولى .
الفائدة العاشرة :
المؤمن هو الحريص على إبعاد نفسه عن الذنوب ، فلذلك بدأ في طلب المباعدة بنفسه فقال : " باعد بيني " فبدأ بنفسه إشعارا منه لربه بأنه هو الحريص على الهروب من الذنوب ، وهذا في مقام الاستفتاح مناسب جدا ، فإن العبد بين يدي ربه يريد أن يظهر لربه وهو – وهو سبحانه أعلم به – أنه حريص كل الحرص على أن يقف بين يدي ربه هاربا بنفسه من الذنوب ومواقعها ، وهذا أنسب من لو قال : باعد بين خطاياي وبيني .
الفائدة الحادية عشرة :
قوله : " بين المشرق والمغرب " هذه أبعد مسافة بين نقطتين ، فكأن المراد باعد بيني وبين خطاياي بُعداً كثيرا كأبعد مكانين عن بعضهما وهما المشرق عن المغرب ، فإن ما عداهما من الأمكنة وإن بَعُد لا يصل إلى بعدهما .
الفائدة الثانية عشرة :
قال : " باعد " ولم يقل : أبعد لأن صيغة " باعد " تقتضي المبالغة في الإبعاد ، بخلاف الإبعاد فإنه يطلق على مجرد البعد دون الأبعد ، وهذا هو شعور المؤمن حين يقف أمام ربه يناجيه ويسأله مستعدا لمخاطبته فإنه يسأل ربه أن يباعد بينه وبين ذنوبه أبعد ما يمكن ، فاختار من الكلمات ما يناسب هذا الحال .
الفائدة الثالثة عشر :
نسب الذنوب لنفسه فقال : " خطاياي " فالعبد هو الذي باشرها ولذلك نسبها لنفسه ، وفي هذا رد على القدرية .
الفائدة الرابعة عشر :
دل الدعاء على أن الخطايا والذنوب تؤثر على مناجاة العبد لربه ، فكلما سلم العبد منها ، وتطهر من آثارها كلما كانت المناجاة أتم ، فلما كان المصلي بحاجة لتمام المناجاة ، والذنوب تؤثر عليها صار العبد يطلب من ربه المباعدة بينه وبين خطاياه .
وعلى هذا من أراد التلذذ بمناجاة الله فليطهر نفسه من الذنوب فإن لها أثرا في المنع .
الفائدة الخامسة عشر:
في دعاء الاستفتاح يُظهِر العبد لربه تمام ذله بين يديه ، وأن الله هو مالك الأمر ، وبيده كل شيء ، وأن العبد ضعيف مذنب ، وهذا من مقاصد العبادة ، ولهذا يقول المستفتح : " اللهم باعد بيني وبين خطاياي " ويقول : " اللهم نقني من خطاياي " وهكذا .
الفائدة السادسة عشر:
في قوله : " نقني من خطاياي " اعتراف بالذنب وأن العبد قد قارف الذنوب والمعاصي
الفائدة السابعة عشر :
في طلب العبد من ربه المباعدة والتنقية والغسل دليل على أن العبد ليس له ملجأ إلا لربه ، فالعبد على هذا محتاج لله قبل الذنب بأن يباعد الله بينه وبين ذنبه ، ومحتاج لربه بعد الذنب بأن ينقيه منه ومن أثره ، وهذا تفسير لقوله > في الحديث الآخر : " ﴿ لا ملجأ ولا منجا إلا إليك ﴾ .
الفائدة الثامنة عشر :
شبه النفس بالثوب في قوله : " كما ينقى الثوب " وهذا له ما يشابهه في قوله تعالى : وثيابك فطهر فقد فسرها جماعة من المفسرين بأن المراد بالثياب : النفس ، والحديث يشهد لهذا التفسير .
الفائدة التاسعة عشر:
شبه الذنوب بالدنس ، والدنس هو التلطخ بقبيح( ) ، ولا أقبح من الذنوب ، والوقوع فيها تلطخ بها .
الفائدة العشرون :
صيغة " نقني " أبلغ في طلب التنقية من " أنقني " ولهذا أتى بالصيغة التي تدل على زيادة في طلب التنقية ، وهي أليق بمقام التذلل لله سبحانه وتعالى ، فإنها تشعر أن العبد ملئ بالخطايا والذنوب ، فهو محتاج إلى المبالغة في تنقيتها ، فكلما ازدادت الأوساخ زادت الحاجة إلى زيادة التنقية .
الفائدة الحادية والعشرون :
ذكر الثوب الأبيض دون غيره من الألوان لأنه أظهر من غيره من الألوان( ).
الفائدة الثانية والعشرون :
وكذلك قوله : " الثوب الأبيض " إشعار منه إلى أن هذا هو الأصل ، فالأصل أن نفس المؤمن تكون صافية ناصعة البياض ، سليمة مما يدنسها ، فإن تلطخت بالذنوب فإن المؤمن مطالب بأن يرجع إلى ما كان عليه من الأصل ، وهو البياض .
الفائدة الثالثة والعشرون :
وكذلك قوله : " الأبيض " إشعار منه إلى أن نفس المؤمن تتأثر بأدنى ذنب ، كما يتأثر الثوب الأبيض – دون غيره من الألوان - بأدنى دنس ، وعلى هذا فإن المؤمن عليه أن يحذر من الذنوب دقيقها وجليلها ، وعلى هذا كان نهج الصحابة ش كما قالت عائشة ك : " إنكم تعملون أشياء كنا نعدها زمن النبي > من الكبائر " .
الفائدة الرابعة والعشرون :
سبب تخصيص الغسل بالماء والثلج والبرد مع كون الماء الحار أبلغ في التنظيف ؛ لأن " الخطايا توجب للقلب حرارة ونجاسة وضعفا ، فيرتخي القلب وتضطرم فيه نار الشهوة وتنجسه ، فإن الخطايا والذنوب له بمنزلة الحطب الذي يمد النار ويوقدها ، ولهذا كلما كثرت الخطايا اشتدت نار القلب وضعفه ، والماء يغسل الخبث ويطفئ النار ، فإن كان باردا أورث الجسم صلابة وقوة ، فإن كان معه ثلج وبَرَد كان أقوى في التبريد وصلابة الجسم وشدته ، فكان أذهب لأثر الخطايا "( ) .
" وقال الكرماني : جعل الخطايا بمنزلة نار جهنم لأنها مستوجبة لها بحسب وعد الشارع ، فعبر عن إطفاء حرارتها بالغسل تأكيدا في الإطفاء ، وبالغ فيه باستعمال المبردات ترقيا عن الماء إلى أبرد منه ، وهو الثلج ثم إلى أبرد من الثلج وهو البرد ، بدليل جموده لأن ما هو أبرد فهو أجمد "( ) .
الفائدة الخامسة والعشرون :
في قوله : " كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس " وقوله : " اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد " تشبيه للأمر المعنوي بالأمر الحسي( ) ، وهذا له أثره على التفكر بالدعاء ومعرفة معانيه ومقاصده ، فإن المؤمن إذا دعا بطلب التنقية من الذنوب وذكر تنقية الثوب الأبيض من الدنس كان عارفا بمعناها ، مستظهرا لمدلولها ، ومثله إذا دعا ربه أن يغسله من ذنوبه بالماء والثلج والبرد أيضا .
وكلما كان الإنسان متفكرا بمعنى دعائه ، مدركا له ، كان ذلك أدعى للإجابة .
الفائدة السادسة والعشرون :
في قوله : " بالماء والثلج والبرد " طلب المبالغة في التطهير ، وهكذا المؤمن يسأل ربه أن يطهره ويغفر له وينقيه ، ويكرر العبارات ، ويعيد الجمل مع اتحاد المدلول ، وذلك مبالغة منه في طلب التطهير .
الدعاء الثاني :
﴿ وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وما أنا من الْمُشْرِكِينَ ، إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ له وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وأنا من الْمُسْلِمِينَ ، اللهم أنت الْمَلِكُ لَا إِلَهَ إلا أنت ، أنت رَبِّي وأنا عَبْدُكَ ظَلَمْتُ نَفْسِي وَاعْتَرَفْتُ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لي ذُنُوبِي جميعا إنه لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلا أنت ، وَاهْدِنِي لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إلا أنت ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لَا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إلا أنت ، لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ كُلُّهُ في يَدَيْكَ وَالشَّرُّ ليس إِلَيْكَ ،أنا بِكَ وَإِلَيْكَ تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ ﴾ وفيه فوائد :
الفائدة السابعة والعشرون :
ذكر الوجه دون غيره من الأعضاء لأنه أشرفها ، ففيه دلالة على التعبير عن الكل بالجزء ، وتسمية الشيء ببعضه ، فقد عبر عن الجسم بالوجه .
الفائدة الثامنة والعشرون :
لم يذكر القلب – في الحديث - مع أنه أهم في توجهه ، ولعل السبب لأن المؤمن مطالب بأفعال الظواهر لأن عليها الثواب والعقاب ، أما البواطن فأمرها إلى الله ، فعلق الأمر على أمر ظاهر يمكن مشاهدته .
الفائدة التاسعة والعشرون :
ذكره الوجه دليل على ارتباط الظاهر بالباطن ، والقلب بالجوارح كما هو مذهب أهل السنة والجماعة في العلاقة بين أعمال القلوب وأعمال الجوارح .
فتوجه قلب المصلي لله أثر على توجه جوارحه ومنها الوجه ، ثم يبقى بعد ذلك مقدار هذا التوجه مبني على مقدار توجه القلب لربه ، فكلما زاد توجه القلب لربه زاد توجه الجوارح ، فخشع البصر فلم يتعد موضع سجود ، وسكنت جوارحه فلم تطيش ، وأما إذا ضعف توجه القلب لله ضعف أيضا توجه الجوارح ، فأصبح البصر يلتفت وهذا اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة المرء ، والجوارح تعبث ، وقد يصل الأمر إلى أضعف من هذا .
الفائدة الثلاثون :
قوله : " وجهت وجهي للذي فطر السموات " دليل على تلازم توحيد الربوبية مع الألوهية ، فمن عرف أن الله هو فاطر السموات والأرض قاده ذلك إلى التوجه له بالعبادة .
الفائدة الحادية والثلاثون :
قوله : " فطر السموات والأرض " فيه حث على التفكر في مخلوقات الله وآلائه ، وأن التفكر فيها يهدي للتوجه لربها وفاطرها ومبدعها سبحانه وتعالى .
فكم يمر الإنسان بجبال وأنهار ؟ وكم نغفل عن الليل والنهار والشمس والقمر ؟ وصدق الله وفي أنفسكم أفلا تبصرون .
الفائدة الثانية والثلاثون :
فيه دليل على أن قراءة جزء من الآية في الدعاء أو غيره لا يعتبر قرآناً ، لأن قوله : " فطر السموات والأرض وما أنا من المشركين إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين " هذه جزء من آية ، فلو كانت قرآنا لكان المستفتح بهذا الدعاء مخالفا للسنة حيث قرأ قرآنا قبل الفاتحة ، فصح القول بجواز قول الدعاء والذكر ولو تضمن جزء من آية ، وعلى هذا لو قرأ في ركوعه تسبيحا فيه جزء من آية لم يكن داخلا في النهي عن قراءة القرآن وهو راكع .
الفائدة الثالثة والثلاثون :
فيه التوكيد على الاعتراف بالتوحيد لله سبحانه ، وقد تكرر الاعتراف له في هذا الدعاء أكثر من مرة :
فقوله : " وجهت وجهي " ، وقوله : " حنيفا " ، وقوله : " مسلما "( ) ، وقوله : " وما أنا من المشركين " .
كلها عبارات تدل على التوحيد ، وتعطينا الأهمية التي ينبغي أن يكون عليها المؤمن في ذكره لتوحيده ، وهذا التكرار والاعتراف يناسب دعاء الاستفتاح جدا ، فإن المصلي يريد أن يناجي ربه ، ولهذا يذكر له توحيده له ويكرر هذا الأمر فإنه لن يجد أمرا يذكره في هذا المقام أفضل من ذكره للتوحيد .
الفائدة الرابعة والثلاثون :
ما تقرب متقرب لله سبحانه وتعالى أفضل من أن يوحده ، ويبرأ من الشرك به .
الفائدة الخامسة والثلاثون :
بين هذا الدعاء أن الإنسان لا يخلو من حالتين فقط :
حنيف موحد أو مشرك ، لأنه قال : " حنيفا وما أنا من المشركين " ولو كان هناك خيار ثالث لذكره ، لأن المقام مقام إثبات ونفي ، فيقتضي الحصر ، فعلى الإنسان أن يفتش عن نفسه ، ويجدد إيمانه بالله سبحانه وتعالى .
الفائدة السادسة والثلاثون :
الملاحظ أن الصيغة في أول الحديث صيغة إفراد ، ثم قال: " وما أنا من المشركين " وهي صيغة جمع ، ولعل ذلك – والله أعلم – ليبين أن المؤمن لا يغتر بكثرة الهالكين ، فكأن لسان حال المؤمن الموحد : أني وجهت وجهي موحدا لك ، ولست من أولئك الذين أشركوا بك ، فلم أغتر بهم وبعددهم لأنهم على ضلالة .
الفائدة السابعة والثلاثون :
في قوله : " صلاتي ونسكي " ذكر أهم عبادتين وهما : الصلاة والذبح لأنهما يتضمنان كثيرا من العبادات الأخرى ، فالصلاة تتضمن الذكر وقراءة القرآن والدعاء والخشوع والإخلاص وغيرها ، والذبح يتضمن التسليم والانقياد والتعظيم والبذل المادي وغيرها ، وكثيرا ما تقترن الصلاة بالذبح كما في قوله : " فصل لربك وانحر " .
الفائدة الثامنة والثلاثون :
قوله : " ومحياي ومماتي " يشمل ما يلي :
أ ـ حال الحياة وحال الموت ، والمعنى على هذا : أن حياتي كلها ، وموتي لله رب العالمين ، أحيا على التوحيد وأموت عليه،وهو هنا يشمل الحياة على التوحيد والثبات عليه .
ب ـ حال الحياة وما بعد الموت ، والمعنى على هذا : أن حياتي كلها لله أطيعه فيها ، وأعمل الصالحات ، و ما بعد الموت أيضا لله من الحشر والصراط وغيره ، إلا أن ما بعد الموت على هذا التفسير لا يستقيم مع قوله " لله رب العالمين " فإن الآخرة در جزاء .
ج ـ أن حال الحياة وحال الموت بيد الله ، الله متصرف فيها كما يشاء ، وهذا وإن كان صحيحا من حيث المعنى إلا أنه ناقص المعنى فإن الله متصرف بكل شيء بقوته وقهره سبحانه وتعالى .
ولا شك بأن المعنى الصحيح من هذا الأمور هو أكملها وأوسعها وهو الاحتمال الأول ، لأنه يشمل حال الحياة وحال الممات ، فكان لسان حال المؤمن :
أن حياتي كلها بجميع أعمالها أصرفها لله وحده ، فأعبده فيها موحدا له لا أشرك معه غيره ، وأستمر على هذا التوحيد إلى حال مماتي فاثبت عليه أيضا موحدا بالله غير مشرك .
الفائدة التاسعة والثلاثون :
دل قوله : " وبذلك أمرت " أن المؤمن يستسلم لأمر الله ، وأنه لا خيار له في عبادته لربه ، وإنما هو طاعة لأمره ، وتنفيذا لحكمه سبحانه ، فإن قصر في ذلك فقد قصر في واجب من الواجبات التي شرعها الله له .
الفائدة الأربعون :
في قوله : " وأنا من المسلمين " روايتان :
" وأنا من المسلمين " و " وأنا أول المسلمين " وكل واحدة لها معنى :
فرواية مسلم : " وأنا من المسلمين " أي أصرف صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله وحده لا شريك له ، وأنا بذلك من المسلمين المأمورين بذلك .
والرواية الأخرى : " وأنا أول المسلمين " أي : أنا أمرت بأن أصرف صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله ، وسأكون أول المسلمين الممتثلين بذلك ، وعلى هذا فيها دلالة على المسارعة في فعل الخيرات ، وامتثال الأوامر .
الفائدة الحادية والأربعون :
المستفتح بهذا الدعاء تلكم عن نفسه أولا بما مضى بيانه " وجهت وجهي ..." ثم توجه بخطابه إلى ربه بأنه الملك " اللهم أنت الملك ... "
وهذا أحسن ما يكون من ترتيب الخطاب أن يبدأ الفقير ببيان حاله وأنه قاصد الملك لا يقصد غيره أبدا ، ثم يثني على الملك بما هو أهله ، فإن ذلك يقع من الملك الموقع الحسن ، ولهذا بعد أن بيّن المصلي حاله وأنه توجه لربه لا شريك له ، وأنه لم يتجه لغيره ، بدأ بالثناء المباشر على ربه بأنه الملك لا إله غيره ، فقال : " اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت " .
الفائدة الثانية والأربعون :
اسم الله الملك يناسب مقام الاستفتاح دون غيره من الأسماء الحسنى لأن المقام مقام مناجاة ومخاطبة وتذلل ، واسم الملك أليق بذلك ، ولهذا بدأ به المصلي في قوله في هذا الدعاء " اللهم أنت الملك " .
الفائدة الثالثة والأربعون :
هذا الدعاء كله ثناء على الله ومن ذلك :
" الذي فطر السموات والأرض " و " لله رب العالمين " و " اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت " و " أنت ربي " و " إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت " و " لا يهدي لأحسنها إلا أنت " و " لا يصرف عني سيئها إلا أنت " و " والخير كله في يديك ، والشر ليس إليك " و " لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك ، تباركت ربنا وتعاليت " .
ومقام الاستفتاح يناسب أن يكثر المصلي من الثناء على الله فإن الثناء بوابة الملوك ، والله ملك الملوك ، ولا يليق المدح إلا له سبحانه وتعالى .
الفائدة الرابعة والأربعون :
هذا الدعاء يُظهر فقر العبد لربه ، ومن ذلك :
" وبذلك أمرت " و " وأنا عبدك ظلمت نفسي ، واعترفت بذنبي ، فاغفر لي ذنوبي " و " أنا بك وإليك " .
ومقام الاستفتاح يناسب أن يظهر العبد فقره لربه وذله له ، فإنه أرجى لرحمة ربه .
الفائدة الخامسة والأربعون :
في قوله : " أنت ربي وأنا عبدك " تمام منزلة العبودية لله ، والمسكنة له ، فإن المصلي يعترف بربوبية الله التي تعنى أنه قائم بشئون عبده وحاجاته كما هي دلالة معنى " رب " في اللغة ، وبالمقابل العبد يعترف بأنه عبد لهذا الرب ، ومن صفات العبد أنه لا يملك شيئا ، ولا يتصرف بشيء إلا فيما يرضي سيده ، فأي فقر يظهره العبد لربه أشد من قوله " أنت ربي وأنا عبدك " .
الفائدة السادسة والأربعون :
كما أن قوله : " أنت ربي " يشعر بالتودد لله ، ويتضمن معنى طلب الرحمة ، فإن الرب يرحم مربوبه ، والمصلي بحاجة لرحمة الله وهو قائم يناجي ربه .
الفائدة السابعة والأربعون :
في قوله : " ظلمت نفسي " دليل على أن ما يرتكبه العبد من خطأ وذنب هو ظلم لنفسه في المقام الأول .
الفائدة الثامنة والأربعون :
كما يشعر أيضا قوله : " ظلمت نفسي " بأن العبد هو المتضرر الوحيد في حال ارتكابه الذنب ، وأن ضرر ذنبه سيعود على نفسه ، فكأن لسان حال العبد : يا رب ما فعلته من ذنوب لا يعود ضرره عليك لكمالك ، وإنما أنا المتضرر به ، وقد اعترفت بظلمي لنفسي .
الفائدة التاسعة والأربعون :
يدل قوله : " ظلمت نفسي واعترفت بذنبي " أن العدل مع النفس هو بإقامتها على شرع الله وقهرها عليه .
الفائدة الخمسون :
في ترتيب قوله : " ظلمت نفسي ، واعترفت بذنبي ، فاغفر لي ذنوبي جميعا " ترتيب بديع حيث قسم الأمور إلى ثلاثة أشياء :
أولا : منزلة الاعتراف بالذنب ، وهي قوله : " واعترفت بذنبي " .
ثانيا : منزلة الطلب ، وهي قوله : " فاغفر لي ذنوبي جميعا " .
ثالثا : منزلة النتيجة ، وهي قوله : " ظلمت نفسي " .
فكان الأصل أن يقدم قوله : " اعترفت بذنبي " لكنه بدأ بالنتيجة " ظلمت نفسي " إظهار لتمام الافتقار لله ، فكأنه قال : لم أستفد شيئا ، فقد أذنب ، وها أنا اليوم أطلب منك المغفرة ، وهذا بهذا المقام أليق ، فسبحان اللطيف الحكيم .
الفائدة الحادية والخمسون :
في قوله : " واعترفت بذنبي ، فاغفر لي ذنوبي جميعا " تحقيق لما جاء في الحديث الآخر القدسي :" علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ، قد غفرت لعبدي فليعمل ما يشاء " .
ولعمر الله إن الإنسان ليعمل الذنب وهو عالم به ، معترف بخطيئته ، نادم على مخالفة ربه ، لهو أهون عند الله ممن يعمل الذنب متحايلا على شرع الله كما يحدث اليوم في بعض المعاملات المالية ، وقضايا الأنكحة ، والله المستعان .
الفائدة الثانية والخمسون :
من تأمل الحديث وجد جميع رواياته - التي وقفت عليها – بلفظ " واعترفت بذنبي " ثم لما طلب المغفرة قال : " واغفر لي ذنوبي " فنلاحظ أنه غاير بين اللفظين ، فأفرد أولاً ثم جمع ثانيا ، فما السر في ذلك ؟
لعل من الأسرار – والله أعلم وأحكم – أن المصلي المستفتح بهذا الدعاء يتكلم عن نفسه أولا مبينا توحيده وتوجهه للذي فطر السموات والأرض ، ثم أثنى على ربه بما هو أهله ، ثم تحدث عن نفسه وأنه عبد لله ، وقد ظلم نفسه وجاء معترفا بذنبه ، فهو يبين حاله ، وأنه كالعبد الآبق الهارب من سيده الذي جاء عائدا لسيده معترفا بخطئه ، فناسب ذلك أن يقول : " واعترفت بذنبي " .
فلما انتقلت المناجاة إلى طلب بين يدي ربه ناسب أن يطلب من ربه مغفرة خطاياه جميعا ، فإن مقام الطلب يناسبه الجمع .
الفائدة الثالثة والخمسون :
في قوله : " إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت " مع قوله : " فاغفر لي ذنوبي جميعا " تناسب واضح في الدعاء ونهايته ، وهذا يرجع إلى فقه العبد بدعائه ، وتفكره وتدبره له .
الفائدة الرابعة والخمسون :
قوله : " إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت " أليق بهذا المقام من قول : إنك أنت الغفار ، وذلك لأن مقام المصلي في استفتاحه مقام العائد إلى ربه ، والعائد يناسبه أن يعترف بأنه لم يجد غير ربه ، فناسب أن يبدأ بالنفي " إنه لا يغفر " .
ولذلك جميع ألفاظ الحديث بدأت بالنفي : " لا يغفر الذنوب إلا أنت " و " لا يهدي لأحسنها إلا أنت " و " لا يصرف عني سيئها إلا أنت " و " لا منجا ولا ملجأ " .
الفائدة الخامسة والخمسون :
قوله : " واهدني لأحسن الأخلاق " يدل على أن الأخلاق فيها حسن وأحسن ، وأنها مقامات ، والمؤمن الموفق من هداه الله لأعلى مقاماتها ، وهذا يجعل الإنسان يتجاوز التفكير بالانتصار للنفس من الغير عدلا من دون ظلم إلى خُلُقٍ أحسن من ذلك وهو العفو والصفح ، وحياة النبي > فيها الدلالة على التعامل بأحسن الأخلاق ، فمنه تستقى مادة أحسن الأخلاق .
الفائدة السادسة والخمسون :
في سؤال المصلي - المستفتح بهذا الدعاء - حسنُ الأخلاق لطيفة على التأكيد على موضوع الأخلاق ، وأن أهميتها وصلت إلى أن المصلي يسألها ربه قبل صلاته .
وهذا يرد على الذين ينظرون على الأخلاق وأنها من محاسن الأمور ، ومن نوافل الإيمان دون فرائضه، فقد رفع هذا الحديث قدر الأخلاق حتى جعلها مما يستفتح بها المصلي صلاته ، وأنها من الواجبات شرعا ، فإن الدين كله يقوم على الأخلاق .
الفائدة السابعة والخمسون :
أظهر الحديث أن العبد لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا ، وأن الأمر بيد الله ، فالله هو الهادي لأحسن الأخلاق ، وهو الصارف لسيئها ، وهو غافر الذنب ، وهذا شعور يجب أن يخالط العبد الداعي لربه لأن العبودية تقوم على ذلك .
الفائدة الثامنة والخمسون :
قول المصلي في دعاء الاستفتاح : " واهدني لأحسن الأخلاق " دليل على ارتباط الصلاة بحسن الخلق ، فمن حسنت صلاته ، وقام بحقوقها وأركانها وواجباتها ، وخشع فيها ، كان له نصيب وافر من حسن الأخلاق ، كما أن الصلاة الكاملة تنهى عن الفحشاء والمنكر ، والتي هي في مقابل حسن الأخلاق ، فكذلك تأمر بحسن الأخلاق .
ويمكن لنا أن نستنبط أن من وسائل حسن الأخلاق المحافظة على الصلاة بسننها ، بما في ذلك دعاء الاستفتاح هذا .
الفائدة التاسعة والخمسون :
الملاحظ أن لفظ دعاء الاستفتاح :" واهدني لأحسن الأخلاق " ولم يقل بعد ذلك : واصرف عني أسوأ الأخلاق ، تماثلا في اللفظ بين " أحسن " و " أسوأ " ، وإنما قال : " واصرف عني سيئها " لأن المؤمن لا يريد أدنى المرتبتين في السوء ، بينما يسعى لأكمل المرتبتين في الكمال ، فكأن لسان حال المؤمن : اهدني لأكمل الأخلاق الحسنة ، واصرف عني أي خلق سيء ، ففي الأخلاق الحسنة يسعى لأكملها وأعلاها وأفضلها ، وفي الأخلاق السيئة يسعى لإزالتها كلها لا يفرق بين السيئ والأسوأ .
الفائدة الستون :
في قوله : " واهدني لأحسن الأخلاق " تربية للمؤمن على الهمة العالية ، والسعي في تكميل نفسه ، ولا يرضى بالمرتبة الدنيا مع وجود غيرها أعلى منها .
وكم أصبح الحصول على أدنى مراتب العلم الشرعي ، وبذل أقل جهد دعوي ، عذرا في عدم المواصلة ، ولا يزول ذلك إلا بهمة عالية تجعل المؤمن يسعى للكمال دائما .
الفائدة الحادية والستون :
في الحديث تربية للمسلم على الاستعاذة بالله من الأخلاق السئية .
الفائدة الثانية والستون :
لم يكتف الحديث بسؤال الله حسن الأخلاق ، وإنما أضاف لها سؤال الله أن يصرف عنه سيئها ، مع أن المتبادر للذهن أنه إذا رزق أحسن الأخلاق فقد صُرف عنه سيئها ، لكن هذا يدل على أن الأخلاق مراتب ، وهي حسب تقسيم الحديث :
1ـ أحسن الأخلاق ، وهي أعلى المراتب .
2ـ سيء الأخلاق ، وهي أسوأ المراتب .
3ـ يكون فيه حسن أخلاق من جهة وسوء أخلاق من جهة أخرى .
ولهذا لم يكتف بسؤال الله حسن الأخلاق حتى أضاف لها السلامة من سيء الأخلاق ليصل بذلك إلى أعلى المراتب ، وهي التي تجمع بين حسن الأخلاق مع السلامة من سيئها ، وهو هديه > .
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|