الموضوع: جنائز متتابعة
عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 12-10-2020, 11:02 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 165,970
الدولة : Egypt
افتراضي جنائز متتابعة

جنائز متتابعة


سعيدة بشار







لنا في كلّ يومٍ يمرّ بنا جنازةٌ جزئية، تنتزع منّا جزءًا من الحياة... إنّنا نموت بالتّقسيط ولا نشعر... يمضي الأحبة من حولنا تباعًا، نبكيهم... نبكي بعدهم عنّا، نبكي حبّنا لهم، وحبّهم لنا، نفتقد دفء صدورهم، وصفاء أعينهم، نشتاق إلى كلّ تفاصيلهم، ونستعجل الموت في أحايين كثيرة حتّى نلحق بهم.



لكن أذاك كلّ الموت؟... ألسنا نحن أيضا نموت كلّ يوم؟... أليست كلّ دمعة تغادر أعيننا هي جزءٌ قد انتُقص منّا؟ أليس كلّ عضوٍ يأخذه منّا المرض أو حوادث الدّنيا موتًا جزئيًّا... فينا؟ أليست كلّ بويضة كانت يومًا مشروع كائنٍ جديد محتمل وتنفلت منّا موتًا جزئيًّا كذلك؟ أولا تبكيها أجسادنا ألمًا ودمعًا لأيّامٍ عديدة... هي الّتي لم تلامسها الحياة بعد؟... أليست كلّ فرحةٍ تُقبر في مهدها موتًا بشكلٍ ما؟



وكلّ الأفكار الّتي راودتنا يومًا، وكان بالإمكان أن تكون مشاريع كتبٍ خالدة، ومنجزاتٍ عظيمة، أليس نسيانها موتًا باهظ الثمن؟ أوليست براءتنا الأولى التي اغتالتها أيادي الشياطين المتآمرة مع أنفسنا موتًا فظيعًا أهوى بنا إلى أسفل سافلين؟



أليس في أرواحنا الّتي تغادرنا كلّما استسلمنا للنوم موتًا كذلك؟... كم من غالٍ فقدناه فينا... ومن حولنا...كلٌّ آيلٌ إلى زوال، ويبقى الجسد للحظة الأخيرة، وبعد أن يفقد كل أفراحه الثمينة يظلّ إلى النهاية ليشهد فراق الروح الإلهية عنه ليعود إلى أصله الأوّل، في انتظار وقوفهما ذات يومٍ معًا للثّواب والعقاب.



إنّ لنا في الموت عبرة، وإنّنا نموت كلّ يوم، ومنذ بدأنا الحياة ونحن في تناقص، ويا ليتنا كنّا نشعر بذلك... لكان ربّما ممكنا أن نستعد لذلك، أو نسعى ليكون الختام في سبيل غايةٍ تستحق، عساها تكون استثمارًا من أجل حياةٍ أخرى لا تنتهي... حيث لا حزن فيها ولا مرض، ولا كبَرٌ، ولا موت... هناك حيث الموطن الأوّل.




إنّما النصر صبر ساعة... ولم يبق الكثير.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 15.97 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 15.34 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.93%)]