عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 08-10-2020, 02:57 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,455
الدولة : Egypt
افتراضي رد: النصيحة الولدية للإمام أبي الوليد الباجي

وأفضل العلوم علم الشريعة، وأفضل ذلك لمن وُفِّقَ: أن يُجَوِّد قراءة القرآن، ويحفظَ حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويعرفَ صحيحه من سقيمه، ثم يقرأ أصول الفقه، فيتفقه في الكتاب والسنة، ثم يقرأ كلام الفقهاء، وما نُقِلَ من المسائل عن العلماء، ويَدْرَب في طُرُق النظر، وتصحيح الأدلة والحجج؛ فهذه الغاية القصوى، والدرجة العليا.





ومن قصر عن ذلك فليقرأ بعد تحفُّظِ القرآن وروايةِ الحديث المسائلَ على مذهب مالكٍ - رحمه الله -؛ فهي إذا انفردت أنفعُ من سائر ما يُقْرَأُ مفردًا في باب التفقه.




وإنما خصصنا مذهب مالك رحمه الله؛ لأنه إمامٌ في الحديث وإمامٌ في الرأي، وليس لأحد من العلماء - ممن انبسط مذهبُه، وكَثُرَتْ في المسائل أجوبتُه - درجةُ الإمامة في المعنيين، وإنما يشاركه في كثرة المسائل وفروعها، والكلام على معانيها وأصولها: أبو حنيفة، والشافعي، وليس لأحدهما إمامةٌ في الحديث، ولا درجة متوسطة[3].






وإياكما وقراءةَ شيء من المنطق وكلام الفلاسفة؛ فإن ذلك مبنيٌّ على الكفر والإلحاد، والبعد عن الشريعة والإبعاد.




وأُحَذِّركما من قراءتها ما لم تقرءا من كلام العلماء ما تقويان به على فهم فساده، وضعف شُبَهه، وقلة تحقيقه؛ مخافةَ أن يسبق إلى قلب أحدكما ما لا يكون عنده من العلم ما يقوى به على رده؛ ولذلك أنكر جماعة العلماء المتقدمين والمتأخرين قراءةَ كلامهم لمن لم يكن من أهل المنزلة والمعرفة به؛ خوفًا عليهم مما خوفتكما منه.




ولو كنت أعلم أنكما تبلغان منزلة الْمَيْز والمعرفة والقوة على النظر والمقدرة لحضضتكما على قراءته، وأمرتكما بمطالعته؛ لتحققا ضعفَه، وضعفَ المعتقِد له، وركاكةَ المغتر به، وأنه من أقبح المخاريق والتمويهات، ووجوهِ الحيل والخزعبلات، التي يغتر بها مَن لا يعرفها، ويستعظمها من لا يميزها[4].




ولذلك إذا حقق من يعلم عند أحد منهم وجده عاريًا من العلم، بعيدًا عنه، يدَّعي أنه يكتم علمه، وإنما يكتم جهله وهو ينم عليه، ويروم أن يستعين به وهو يعين عليه.




وقد رأيت ببغدادَ وغيرِها مَن يدَّعي منهم هذا الشأن مستحقَرًا مستهجنًا مستضعفًا، لا يناظره إلا المبتديء، وكفاك بعلم صاحبه في الدنيا مرموق مهجور، وفي الآخرة مدحور مثبور.




وأما من يتعاطى ذلك من أهل بلدنا فليس عنده منه إلا اسمه، ولا وصل إليه إلا ذكره.






وعليكما بالأمر بالمعروف، وكونا من أهله، وانهيا عن المنكر، واجتنبا فعله.






وأطيعا مَن وَلَّاه الله أمرَكما، ما لم تُدعيا إلى معصية فيجب أن تمتنعا منها، وتبذلا الطاعة فيما سواها.






وعليكما بالصدق؛ فإنه زَيْن، وإياكما والكذبَ؛ فإنه شَيْن.




ومَن شُهِرَ بالصدق فهو ناطقٌ محمود، ومَن عُرِف بالكذب فهو ساكت مهجور مذموم.




وأقل عقوبات الكذاب ألا يُقبل صِدْقُه، ولا يتحقق حقُّه.




وما وصف الله - تعالى - أحدًا بالكذب إلا ذامًّا له، ولا وصف الله - تعالى - أحدًا بالصدق إلا مادحًا له، ومرفعًا به.





وعليكما بأداء الأمانة، وإياكما والإلمامَ بالخيانة.




أَدِّيَا الأمانة إلى من ائتمنكما، ولا تخونا من خانكما، وأوفيا بالعهد؛ ﴿ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا ﴾ [ الإسراء: 34].






أوفيا الكَيْل والوزن؛ فإن النقص فيه مَقْتٌ، لا يُنقص المالَ، بل ينقص الدين والحال.






وإياكما والعونَ على سفك دمٍ بكلمةٍ، أو المشاركةَ فيه بلفظةٍ؛ فلا يزالُ الإنسان في فُسْحَة من دينه ما لم يغمس يده أو لسانه في دم امرىء مسلم. قال الله - تعالى -: ﴿ وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ﴾ [ النساء: 93].




واجتناب الزنا من أخلاق الفضلاء، ومواقعته عار في الدنيا وعذاب في الأُخرى؛ قال الله - تعالى -: ﴿ وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا ﴾ [ الإسراء: 32].







وإياكما وشُربَ الخمر؛ فإنها أم الكبائر، والْمُجَرِّئَةُ على المآثم، وقد حرَّمها الله - تعالى - في كتابه العزيز؛ فقال عَزَّ مِن قائل: ﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ﴾ [ المائدة: 91].




وحسبكما بشيء يُذهب العقلَ، ويُفسد اللُّب.




وقد تركها قومٌ في الجاهلية تكرُّمًا. فإياكما ومقاربتَها، والتدنُّسَ برجسها، وقد وصفها الله - تعالى - بذلك، وقرنها بالأنصاب والأزلام؛ فقال عَزَّ مِن قائل: ﴿ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [ المائدة: 90].




فبيَّن - تعالى - أنها من عمل الشيطان، ووصفها بالرجس، وقرن الفلاح باجتنابها.




فهل يستجيز عاقلٌ يُصَدِّق البارىءَ في خبره - تبارك اسمُه -، ويعلم أنه أراد الخير لنا فيما حذرنا عنه منها، أنْ يقربها، أو يتدنَّسَ بها؟!



يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 33.16 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 32.53 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.89%)]