عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 08-10-2020, 02:32 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 163,975
الدولة : Egypt
افتراضي رد: جهود الصحابة رضوان الله عليهم في خدمة السنة

جهود الصحابة رضوان الله عليهم في خدمة السنة (8)
د. أيمن محمود مهدي






أدرك الصحابةُ الكرامُ رضوان الله عليهممكانةَ السُّنة النبوية المطهَّرة، وعرَفوا قدرها، واستوعبوا النصوص الآمرة بتبليغ العلم، وأحَبُّوا رسول الله صلى الله عليه وسلم حبًّا شديدًا، فازدادوا قربًا من النبي صلى الله عليه وسلم، واستماعًا لأحاديثه، وتطبيقًا لها، ونقلوها إلى مَن بعدهم على أحسن ما يكون النقل.


والناظر في كتب العلم يُدرِك بوضوح أن للصحابة رضوان الله عليهم جهودًا جبَّارة في خدمة الحديث النبوي، استطاعوا عن طريقِها أن يحفظوا سُنةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن ينقلوها إلى الأجيال التالية غضَّةً طرية، كما أرادها الله عز وجل ورسولُه صلى الله عليه وسلم، واستطاعوا أن يصِلوا إلى هذه النتيجة عن طريق جهود ضخمة، ولقد أثمرت هذه الجهود حفظَ السُّنة في الصدور، وفهمَها بالعقول، وتدوينها في الكتب، ونشرها وإذاعتَها بين الناس، وتطبيقَها في كل مجالات الحياة.

وسأذكرُ أبرز هذه الجهود، التي يتبيَّن من خلالها الجهد الذي بذلوه من أجل خدمة السُّنة، والطريقة التي اتَّبعوها من أجل صيانتها والحفاظ عليها.


ثامنًا: حفظ الحديث:
لم يكُن الصحابةُ رضوان الله عليهم يكتفون بمجرَّد سماع الحديث من النبي صلى الله عليه وسلم؛ وإنما كانوا يحرِصون على فهمه، وحفظه، والعمل به، وقد استخدم الصحابةُ رضوان الله عليهم وسائلَ عديدة تُساعدهم على حفظ الحديث؛ من أهمِّها:
1- مذاكرة الحديث فيما بينهم، فإن الاكتفاءَ بسماع الحديث لا يكفي؛ لأن السامع مهما كان ذكاؤه وقوَّة حفظه، من الممكن أن ينسى الحديث إذا لم يذاكره مع غيره، ويُكثِر مِن ترديده؛ فهذا أبو هريرة رضي الله عنه راويةُ الإسلام الأول، يقول عن نفسه: "جزَّأت الليل ثلاثة أجزاء: ثُلثًا أصلِّي، وثلثًا أنام، وثلثًا أذاكر فيه حديثَ رسول الله صلى الله عليه وسلم"[1]، بل إنه كان يستغلُّ وجودَ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ليذاكر معهم الحديث، فيذكر لهم ما عنده، ويستفيد مما عندهم.

وعن محمد بن عمرو بن حزم أنه قعد في مجلسٍ فيه أبو هريرة رضي الله عنه يُحدِّثهم عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، ينكره بعضهم ويعرفه البعض، حتى فعل ذلك مرارًا، قال: فعرَفتُ يومئذٍ أن أبا هريرة رضي الله عنه أحفظُ الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم[2].

وعن الحسن البصري أن سمرة بن جُندب وعمران بن حصين رضي الله عنهما تذاكَرَا، فحدَّث سمرة بن جندب رضي الله عنه أنه حفِظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سكتتينِ: سكتة إذا كبَّر، وسكتة إذا فرغ من قراءة ﴿ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾ [الفاتحة: 7]، فحفِظ ذلك سمرة رضي الله عنه، وأنكر عليه عمرانُ بن حصين رضي الله عنه، فكتبا في ذلك إلى أُبي بن كعب رضي الله عنه، وكان في كتابه إليهما - أو في ردِّه عليهما -: أن سمرة قد حفِظ[3].


ولم يكتفِ الصحابة رضي الله عنهم بمجرد مذاكرة الحديث فيما بينهم، بل كانوا يُوصُون تلاميذهم بذلك:
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: تذاكَروا الحديث؛ فإنكم إلا تفعلوا يندَرِسْ[4].
وقال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: تذاكَروا الحديث؛ فإن ذكر الحديث حياته[5].
وقال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: تذاكَروا الحديث؛ فإن الحديثَ يهيج الحديث[6].
وقال ابن عباس رضي الله عنه لتلاميذه: تذاكَروا هذا الحديث، لا ينفلت منكم؛ فإنه ليس مثل القرآن مجموعٌ محفوظ، وإنكم إن لم تُذاكِروا هذا الحديث ينفَلِت منكم، ولا يقولنَّ أحدكم: حدَّثتُ أمسِ، فلا أُحدِّثُ اليوم، بل حدِّث أمسِ، ولتُحدِّث اليوم، ولتُحدِّث غدًا[7].
وقال عبدالله بن عمرو رضي الله عنه: إذا أراد أحدُكم أن يروي حديثًا، فليُردِّده ثلاثًا[8].


2- العمل بالحديث، فكانوا يعملون بالحديث، ويُسَارِعون في تطبيقه؛ لأنهم يعلمون أن أفضل الطرقِ لحفظ الحديث هي العمل به، ولقد بلغ الصحابةُ رضوان الله عليهم في ذلك شأوًا بعيدًا، حتى وجدنا نافعًا مولى ابن عمر يقول: لو رأيتَ ابن عمر رضي الله عنه يتبع آثارَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، لقلتَ: هذا مجنون[9].

وقال الزبير بن بكار: إِنْ كان ابن عمر رضي الله عنه ليحفظ ما سمِع من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويسأل مَن حضر إذا غاب عن قوله وفعله، وكان يتبع آثارَه في كل مسجدٍ صلَّى فيه، وكان يعترض براحلته في طريقٍ رأى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عرض ناقته، وكان لا يترك الحج، وكان إذا وقف بعرفةٍ يقف في الموقف الذي وقف فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم[10].
وقال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: كان الرجل منا إذا تعلَّم عشرَ آيات، لم يُجاوِزْهن حتى يعرف معانيَهن، والعمل بهن[11].

وقال أبو عبدالرحمن السلمي التابعي عن الصحابة: حدَّثنا مَن كان يُقرِئُنا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يقترئون من رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر آيات، فلا يأخذون في العشر الأخرى حتى يعلموا ما في هذه من العلمِ والعمل[12].


وهذا وإن كان واردًا في حفظ القرآن، إلا أنه يكشف لنا منهج الصحابة في تلقِّي العلم، ولا شكَّ أن مذاكرة الحديث والعمل به يؤدِّيانِ إلى حفظ السُّنة، وحمايتها من النسيان أو التحريف.


[1] أخرجه الدارمي في مقدمة سننه، باب العمل بالعلم وحسن النية فيه، 1/ 94، رقم: 264، والخطيب البغدادي في الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع، 2/ 264.

[2] المستدرك للحاكم، كتاب معرفة الصحابة، 3/ 511، والتاريخ الكبير للبخاري 1/ 186، والجرح والتعديل لابن أبي حاتم 8/ 45، قلت: إسناده حسن، فيه إسماعيل بن أبي أويس، صدوق؛ راجع: تقريب التهذيب 1/ 52، رقم: 496، 1/ 335، رقم: 3970.

[3] أخرجه أبو داود في سننه بلفظه، كتاب الصلاة، باب السكتة عند الافتتاح، 1/ 204، رقم: 779، وأخرجه بنحوه: الترمذي في سننه، كتاب الصلاة، باب ما جاء في السكتتين في الصلاة، 1/ 287، رقم: 251، وقال: حديث سمرة حديثٌ حسن، وابن ماجه في سننه، كتاب إقامة الصلاة والسُّنة فيها، باب في سكتَتَي الإمام، 1/ 275، رقم: 844، وحكَم عليه الألباني بالضعف؛ انظر: ضعيف سنن الترمذي، ص29، رقم: 42، وضعيف سنن ابن ماجه، ص65، رقم: 180، قلت: الحديث صحيح، ورواته ثقات، حسنه الترمذي، وضعفه الألباني للخلاف الواقع بين العلماء في صحة سماع الحسن البصري من سمرة، والصحيح أنه سمع منه؛ كما ثبت في صحيح البخاري، ففيه عن حبيب بن الشهيد قال: أمرني ابن سيرين أن أسأل الحسن ممن سمع حديث العقيقة، فسألته فقال: من سمرة بن جندب؛ كتاب العقيقة، باب إماطة الأذى عن الصبي في العقيقة، 9/ 504، رقم: 5472.

[4] أخرجه الحاكم في المستدرك، كتاب العلم، باب فضيلة مذاكرة الحديث، 1/ 95، وقال: صحيحٌ على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، قلت: إسناده صحيح ورجاله ثقات.

[5] أخرجه الحاكم في المستدرك، كتاب العلم، باب فضيلة مذاكرة الحديث، 1/ 95، وقال: صحيحٌ على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، قلت: إسناده صحيح ورجاله ثقات.

[6] أخرجه الدارمي في مقدمة سننه، باب مذاكرة العلم، 1/ 155، رقم: 595، والحاكم في المستدرك، كتاب العلم، باب مذاكرة الحديث 1/ 94، والمعنى: تذاكَروا الحديث؛ فإنه يُذَكِّرُ بَعْضُهُ بعضًا، قلتُ: إسناده صحيح ورجاله ثقات.

[7] أخرجه الدارمي في مقدمة سننه، باب مذاكرة العلم، 1/ 155، رقم: 600، وإسناده حسن؛ فيه يعقوب بن عبدالله القمي، وجعفر بن أبي المغيرة، كلاهما صدوق؛ تقريب التهذيب، 2/ 680، رقم: 8101، 1/ 91، رقم: 1003.

[8] أخرجه الدارمي في مقدمة سننه، باب مذاكرة العلم، 1/ 156، رقم: 609، وإسناده حسن، فيه حُنَين بن أبي حكيم، صدوق؛ تقريب التهذيب، 1/ 145، رقم: 1647.

[9] أخرجه الحاكم في المستدرك، كتاب معرفة الصحابة، باب ذكر عبدالله بن عمر، 3/ 561، وأبو نعيم في حلية الأولياء 1/ 310، قلت: إسناده حسن؛ فيه عبدالصمد بن حسان، صدوق؛ ميزان الاعتدال 2/ 620، رقم: 5071.

[10] الإصابة 4/ 160.


[11] ابن جرير الطبري في تفسيره، 1/ 180، وأشار إلى صحته 1/ 188، قلت: إسناده صحيح ورجاله ثقات؛ راجع: تفسير القرآن العظيم لابن كثير 1/ 3.

[12] أحمد في مسنده 17/ 10 رقم: 23374، قلت: إسناده صحيح ورجاله ثقات.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 24.70 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 24.07 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.54%)]