عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 05-10-2020, 06:22 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,763
الدولة : Egypt
افتراضي رد: قراءة في (قواعد الإملاء)



يتّجه على ما تقدّم الملاحظات التالية:



جمع «قواعد الإملاء» بين نوعي ما يجب أن يكتب موصولاً خلاف المشهور والمعتمد في كتب الفن[75]، وخلاف ما يقتضيه التيسير والتوضيح، ومنهج الكتاب في العناية بالتفريع والتفصيل والتكثر من المواضع والحالات. فالموضعان الأول المفرد للضمائر المتصلة، والثالث المستقلّ بعلامات التأنيث والتثنية والجمع السالم، هما للنوع الذي لا يصحّ الابتداء به، فيجب وصله بما قبله. والموضعان الثاني المخصّص لحروف المعاني المفردة وضعًا، والرابع الموقوف على صدر المركب المزجي، وما جاء في الموضع الخامس المعقود للأسماء والأدوات (إذ الظرفية، ذا الإشارية، وَيْ التعجبية) جميعها للنوع الذي لا يصحّ الوقف عليه، فيجب وصله بما بعده. والنوعان مشهوران في باب الفصل والوصل.







نقص في مواضع ما يجب أن يكتب موصولاً بنوعيه. فقد نقص ممّا لا يصحّ الوقف عليه النصُّ على (أل) التعريف، والأعداد المفردة المركبة مع المئة، نحو (أربعمئة)، والظروف التي تليها (إذ) المنوّنة، مثل: وقتئذٍ، حينئذٍ، يومئذٍ، واتصال (حبَّ) بـ (ذا) في (حبّذا، ولا حبّذا). ومثله نقصٌ آخر في التنوّع في أمثلة كلٍّ من الفصل: الأسماء الظاهرة، والأفعال، والضمائر، وأمثلة الوصل: الضمائر المتصلة. فقد اقتصرت الأمثلةُ على ضمائر الرفع والجر، وأغفلت أمثلةَ ضمائر النصب، والأدوات الموضوعة على حرف واحد.









ثمّة مواضع من عدم الدقّة والخلط، كما في ورد في التعبير عن الموضع الرابع ب «المركب المزجي» والصواب أنه صدر المركب المزجي الذي لا يوقف عليه، بخلاف المركب المزجي الذي يُبدأ به، ويوقف عليه. ومثله عدم دقّة تقييد (إذْ) بـ (الظرفية)، والصواب تقييدها بـ (المنوّنة)، لأن غير المنوّنة تكتب مفصولة، مثل: سافرتُ حين إذْ وصلتَ. ومثله أيضًا الجمع والخلط بين الأدوات ذوات الأحكام الخاصّة في الوصل والفصل بخلاف القواعد العامة السابقة المتقدّمة (ما، مَنْ، لا) وبين (إذ الظرفية، ذا الإشارية، وَيْ التعجبية) التي تندرج في النوع الذي لا يصحّ الوقف عليه، فيجب وصله بما بعده.







إقحام (وَيْ) التعجبية في كلمتي وَيْكأنّه، ووَيْلُمّه، في «قواعد الإملاء» خلافَ كثيرٍ من كتب الفنّ المعتمدة والمشهورة، وهي أكبر حجمًا، وأكثر استقصاءً، لا يناسب الاهتمام بـ (قواعد الإملاء المدرسية) كما نُصّ عليه في تصدير الكتاب، فضلاً عن أنه ينافي المنهج المرسوم.







تاسعًا: عدم الدّقّة في الحديث عن علامات الترقيم، وتحديد دلالاتها ومعانيها ومواضعها، واستعمالها أحيانًا. على كبير أهميتها في الرسم الإملائي، والتعبير الكتابي الدقيق، وتعيين مواضع الفصل والوصل، والوقف والابتداء، وتحديد أغراض الكلام، والتمييز بين أنواع النبرات الصوتية، والفهم الدقيق للمعاني والعبارات. ولذلك حرصت جُلُّ كُتُب قواعد الإملاء والكتابة على إدراجها في موضوعاتها. ومنها «قواعد الإملاء» الجديدة خلافًا لطبعة سنة 2004م التي أغفلتها. ولا يقلّل من شأن تلك العلامات أنها اصطلاحية، وأنها لم تكن قديمًا من موضوعات هذا العلم، وأن الكاتب والأديب أحمد زكي باشـا (1284/1353هـ) أول من أفردها بمصنّف، أسماه (الترقيم وعلاماته في اللغة العربية)[76] معتمدًا في ذلك على علم الوقف والابتداء، والفصل والوصل، الذي عُني به القرّاء والمحدِّثون والبلاغيون، وعلى علامات الترقيم المعتمدة في اللغات الأجنبية.








لقد شاب حديثَ «قواعد الإملاء» عن علامات الترقيم غيرُ قليلٍ من عدم الدّقّة. إذ كان تعريفُها وبيانُ كثير من معانيها ووظائفها ودلالاتها موضعَ نظر، ولا يُسلّم به، ويفتقر إلى إحكام الصياغة، ويخالف المشهور في كتب الفنّ. ويبدو هذا جليًّا بعقد أدنى موازنة بين ما ورد فيها وبين ما جاء في نظيرها من الكتب المشهورة والمعتمدة. لذا، كان باب القول فيها متّسعًا ومتشعّبًا، لكثرة دواعيه، وهو ما اقتضى الاقتصارَ هنا على إيراد مواضع محدّدة، لبيان ما فيها، والتعليق عليه:








من ذلك ما جاء في الكلام على تعريفها ودلالاتها ومواضعها، واللفظ ثمّة: «علامات الترقيم هي رموز تساعد الكاتب على ترتيب كلامه وتوضيح مقصوده، وتساعد القارئ على أداء ما يقرأ وفهمه. وصور هذه العلامات ودلالاتها، ومواقعها كما يلي:



1- النقطة: (.) وتعني سكتة بعدها، ومواضعها: أ- نهاية الجملة إذا انتهى الحديث عندها. نحو:... ب- نهاية كل كلام سواء كان فقرة، أو مقطعًا، أو بحثًا.








2- الفاصلة: (،) وتعني سكتة خفيفة، ومواضعها:...








3- الفاصلة المنقوطة؛) وتعني سكتة أطول قليلاً من سكتة الفاصلة، وموضعها:...







4- النقطتان: ( وتعنيان سكتة قصيرة، وغرضهما التوضيح، وتمييز ما بعدهما ممّا قبلهما، ومواضعهما..








5- الشَّرْطَة: (-)(*) ومواضعها: أ- أمام المسند، إذا طالت الجملة...ب- بين العدد الترتيبي ومعدوده ونحوهما:...ج- في أو السطر استغناءً عن أسماء المتكلمين أو المتحاورين، نحو:...»[77].







ويتّجه على ما سبق جملة ملاحظ، يمكن إيجازها فيما يأتي:



ما جاء في تعريف علامات الترقيم من أنها «رموز تساعد الكاتب على ترتيب كلامه» غير دقيق، ولم يرد في كتب الفنّ المعتمدة، لأنه ليس من أغراض تلك العلامات ولا من مهامّها ترتيب الكلام، بل توزيعه، وتفصيله، وبيان أجزائه، وأغراضه ومراميه، وإعانة الكاتب على الإفهام، والقارئ على الفهم. و(الترتيب) لا يدلّ على ما سبق لغةً ولا اصطلاحًا، لأنه يقال: رتَّبَ الشيءَ أثبتَه، ووضعه في مرتبته، فهو مرتّب.








جمعت «قواعد الإملاء» بين دلالات علامات الترقيم أو ما تعنيه، ومواضعها. وقد شاب الكلام عليهما شيءٌ من عدم الدّقّة، والحشو. على أن تحديدَ مواضع استعمالها أكثرُ أهمية من دلالاتها، إذ كانت أليق بالخط والرسم والكتابة، ولذلك اقتصرت أغلب كتب الإملاء على تحديد مواضعها، وأغفلت الإشارة إلى دلالاتها. ومرجع ذلك إلى أن دلالاتها نسبيةٌ وغيرُ منضبطةٍ مثل تحديد مواضعها. يصدّق هذا ما جاء في تلك القواعد من أن النقطة تعني «سكتة بعدها» وأن الفاصلة (،) «تعني سكتة خفيفة» وأن الفاصلة المنقوطة (؛) تعني «سكتة أطول قليلاً من سكتة الفاصلة» وأن النقطتين ( تعنيان «سكتة قصيرة وغرضهما؛ التوضيح وتمييز ما بعدهما مما قبلهما». أقول: ليس في وسع القارئ أن يعلم مقدار ما تعنيه «سكتة» بعد النقطة، منكّرةً ومطلقةً من غير قيدٍ بوصف، كما في الفاصلة والفاصلة المنقوطة والنقطتين، مع النصّ بعدها على أنها تكون «نهاية الجملة التامة إذا انتهى الحديث عندها» و«نهاية كلّ كلام سواء كان فقرة، أو مقطعًا، أو بحثًا». وهذا المعنى للنقطة لم يرد في كتاب معتمد من كتب الفنّ. أحسب أن مرجعه كان فهمًا ذاتيًّا لما ورد في كتاب أحمد زكي باشا ونصّه «الوقف التام ويكون بسكوت المتكلم أو القارئ سكوتًا تامًّا مع استراحة للتنفس»[78].








أمّا النصّ على أن النقطة تكون «نهاية الجملة التامة إذا انتهى الحديث عندها» فلا يستقيم وصف الجملة بالتامّة. لأن تمام الجملة ونقصانها موضوعه النحو، وهذا يؤدّي إلى لبس في تحديد مجال الدلالة، وأصل العبارة في كتاب «أصول الإملاء» بلفظ «.. نهاية الجملة التامّة المعنى...»[79].








جاء التعبير اللغوي عن الموضع الثاني للنقطة خلاف جمهور كلام العرب وقواعد العربية في استعمال (أم) المتصلة المعادِلة لهمزة الاستفهام بعد كلمة (سواء)، ولفظه «نهاية كل كلام سواء كان فقرة، أو مقطعًا، أو بحثًا». والصواب: نهاية كلّ كلام سواء أكان فقرةً أم مقطعًا.. حيث سقطت همزة الاستفهام، واستعملت (أو) موضع (أمْ).








حكاية الموضع الأول للشَّرْطة أنه «أمام المسند إذا طالت الجملة» جاءت خلاف ما تنشده «قواعد الإملاء» من التيسير والاهتمام بـ (قواعد الإملاء في الكتب المدرسية) لأنها عدلت عن المصطلح المعتمد والمشهور في كتب الفنّ، وهو قولهم (بين ركني الجملة إذا طال الركن الأول)[80] إلى استعمال مصطلح نحوي متخصّص، لا يعرفه كثير من الطلبة، وليس دائرًا في كتب الإملاء، ويحتاج إلى شرح نحوي ليفهم معناه. ولا يصحّ إقحامُ مثله في علامات الترقيم التي يستعملها الطلبة والمثقفون وغير ذوي الاختصاص.







وكذلك يتّجه على العبارة المتقدّمة أمران، أحدهما: أن ذلك لا يصحّ إلا في حالة الجملة الاسمية حيث تكون الشَّرْطة قبل المسند الذي هو الخبر، إذا طال الركن الأول، في حين لا يتحقّق ذلك في الجملة الفعلية، لأن المسند فيها هو الفعل، ومرتبته صدر الجملة. وثانيهما: أن ذلك مقيّد في كتب الفنّ بـ «إذا طال الركن الأول» وليس بقيد العبارة هنا (إذا طالت الجملة) وبينهما من الفرق ما لا يخفى. فالعبارة الأولى دقيقة، لا يتحقق المعنى إلاّ بها، والثانية غير دقيقة، لأن طول الجملة قد يكون ناتجًا عن طول الركن الثاني، أو الأول، أو مجموعهما.








ومن ذلك ما جاء في الكلام على علامة الاستفهام في المتن والحاشية، ونصّه «10- علامة الاستفهام ترسم في العربية هكذا (؟)(*) وتوضع في نهاية الجملة المستفهم بها عن شيء، سواء أذُكِرَت أداة الاستفهام أم لم تُذكر، نحو: أهذا خطُّكَ؟ أينَ العامِلُ؟ سافر أبوكَ؟»[81]. ولفظ الحاشية ثمة: «(*) علامة الاستفهام تتجه نحو الكتابة؟، يستعمل بعضهم علامة مركبة من علامة الاستفهام والتعجب معًا، وهي؟! إذا اقتضى الأمر ذلك». ويتّجه على ما سبق ما يلي:








الكلام المتقدّم مع الحاشية مقتطع من كتاب «أصول الإملاء» [ص 172-173]، وقد ورد في الأصل دقيقًا وافيًا، في حين جاء غير دقيق في «قواعد الإملاء». إذ شابه بعضُ التغيير والحذف والحشو. ولفظ الأصل«علامة الاستفهام وصورتها:؟، وتكون فتحتها باتجاه المكتوب، وتوضع في نهاية الجمل المستفهم بها عن شيء، سواء وضعت الأداة في أول الجملة أو لا. أهذا خطك؟ أين قلمك؟ سافر أبوك؟ وذلك إذا كنت تسأل عن سفر أبيه. وإذا حذفت أداة الاستفهام فالجانب الصوتي هو الذي يوضح نوع الجملة من الاستفهام أو الخبر». وأمّا أصل الحاشية فلفظه «علامة الاستفهام التعجبي أو الإنكاري[82]: وصورتها علامة استفهام بعدها علامة تعجب:؟! وتستعمل عندما نجمع في الجملة بين الاستفهام والتعجب أو الإنكار، نحو: أقاعدًا وقد نفر الناس؟! أتبخل بالمال والناس جياع؟!» واللفظ في حاشية الأصل «(1) لم أجد حديثًا عن هذه العلامة في المراجع التي اعتمدت عليها».








إن هذا المنهج المتّبع في الاعتماد شبه التامّ على كتاب آخر في المادة العلمية والأمثلة وفي الإضافة التي تفرّد فيها صاحب كتاب الأصل، ونصّ في الحاشية على أن علامة الاستفهام التعجبي الإنكاري لم يجد حديثًا عنها في المراجع التي اعتمد عليها، والتي ذكرت في الحاشية بصيغة التعميم معزوّة إلى «بعضهم» = منهجٌ غير سديد، وهو يجافي ما يحرص عليه المجمع في كلّ ما يصدر عنه من مقالات وكتب.








يظهر الفرق جليًّا بالموازنة بين الكلامين، فالكلامُ في الأصل المقتطع منه دقيقٌ ومحكم ووافٍ، ولا حشو فيه، كما سبق. في حين جاء الحديث في «قواعد الإملاء» مع ما بينهما من كبير الشبه، بخلاف ما سبق، وذلك لما وقع من تغيير وحذف. وقد كان الأولى المحافظة على دقّة كلام الأصل، وعدم التغيير بجعل ما كان موضعه في متن الأصل في الحاشية، وهو «(*) علامة الاستفهام تتجه نحو الكتابة» وإتباع همزة الاستفهام في المتن بكلام لا معنى له، وهو «علامة الاستفهام ترسم في العربية هكذا (؟)(*)».







متابعة «قواعد الإملاء» في الحاشية المتقدّمة لصاحب كتاب «أصول الإملاء» في إيراده علامة الاستفهام التعجبي أو الإنكاري (؟!) مع نصّه على تفرّده بذلك، إذ لم يجد حديثًا عنها في المراجع التي اعتمد عليها، ومع اختلاف الكتابين في المنهج والغايات والأهداف والحجم، من حيث عناية صاحب الأصل بالاستقصاء للقواعد القياسية والشاذة والنادرة والآراء والمذاهب والاختلافات والتوثيق= متابعة لا تصحّ من وجوه، فهي تنافي ما تقدّم في التصدير من التزام المبادئ الأربعة.







إسقاط «قواعد الإملاء» الإشارة إلى ما ورد في الأصل من أنه «إذا حُذفت أداة الاستفهام فالجانب الصوتي هو الذي يوضح نوع الجملة من الاستفهام أو الخبر» فوّت هذه الفائدة.








عاشرًا: تضمنت «قواعد الإملاء» تسع حواشٍ، غلب عليها عدم الدّقّة والإحكام، وقلّة الأهمية، والحشو. إذ لم توضّح غامضًا، ولم تُزِل مُشْكِلاً، ولم تُفَصِّل مجملاً، ولم توثّق معلومةً، ولم تُضف جديدًا ذا بالٍ، فضلاً عمّا وقع في بعضها من أخطاء طباعية وغيرها. ولولا خشية الإطالة، وتقدّم الإشارة إلى ما وقع في بعضها من ضروب الخلل، لكان في الوسع بيان ما يتّجه عليها واحدةً واحدة. لذا، سأقتصر على أمثلة أخرى تثبت ما سبق:








الحاشية التي رُمز لها بنجمة تعليقًا على علامة الشَّرْطة، تضمنت ثلاثة أخطاء طباعية، ونصّها كما في الأصل «(*) ويطلق بعضهم على الشرطة الخط، والخط الصغير؛ والوصلة؛ وإذا وصفت شرطتان إحداهما نون الأخرى، فذالك يعني علامة المساواة (=)». والصواب «.. وضعت شرطتان إحداهما فوق الأخرى فذلك..». والحاشية لا تنطوي على كبير فائدة، لأن التنبيه على تعدد تسميات الشرطة فيها، ووضع شرطة أخرى فوقها تعني علامة المساواة (=)، لا جديد فيه، فضلاً عما فيه من خروج عن المنهج، وهو عدم العناية بإيراد تعدّد تسميات غيرها من علامات الترقيم، وهي من الكثرة والشهرة بمكان.







تقدّمت الإشارة إلى بعض ما يتّجه على الحاشية التي وردت تعليقًا على علامة الاستفهام، من اعتمادها على كتاب «أصول الإملاء»، ومن تغيير صيّر ما كان في متن الأصل في صدر الحاشية «(*) علامة الاستفهام تتجه نحو الكتابة» غير أنه لم يكن دقيقًا، لأن عبارة الأصل تنصّ على اتجاه فتحة علامة الاستفهام «..وصورتها (؟) وتكون فتحتها باتجاه الكلام المكتوب» وكان حقّه أن يثبت بعد همزة الاستفهام في المتن، ويحذف الكلام العام المثبت الذي لا معنى له «علامة الاستفهام ترسم في العربية هكذا (؟)(*)». وكذلك لم يسلم باقي الكلام في الحاشية من نقص الدّقّة والإحكام، إذ لم يُنسب إلى صاحب الأصل الذي نصّ على تفرّده بإيراده، بل عُزي إلى بعضهم، ولم تكن صياغته دقيقة، ولفظه ثمّة «يستعمل بعضهم علامة مركبة من علامة الاستفهام والتعجب معًا، وهي؟! إذا اقتضى الأمر ذلك». وظاهر أنهما علامتان يُجمع بينهما، لا علامة مركبة، لأن مصطلح التركيب في الأدوات وحروف المعاني شيء آخر. وصواب العبارة أن تكون (.. علامة مركبة من علامتي الاستفهام والتعجب معًا.. ) وكذلك أسقطت الحاشية اسم هذه العلامة التي نبّهت عليها، وهي (علامة الاستفهام التعجبي أو الإنكاري) ولم تُشر إلى موضع استعمالها اكتفاءً بـ «إذا اقتضى الأمر ذلك». وجميع ما تقدّم يدلّ على قلّة فائدة هذه الحاشية، وأمثالها.








الحاشية التي وردت تعليقاً على رسم (رضى) بالألف المقصورة في قولهم «رضى الناسِ غايةٌ لا تُدرَك» وذلك في الكلام على وقوع الشَّرْطة= لا مسوّغ لها، بل لا وجه لإيرادها، إذ لا صلة لها بموضوع علامات الترقيم، ولا تناسب حجم الكتاب وغايته. على أن رسم كلمة (رضى) بالألف المقصورة غير صحيح، وهو خلاف المشهور والمعتمد من قواعد العربية عامّةً، وقواعد الإملاء خاصّةً، وشهرة مثله لا يُحتاج معها إلى نصب الأدلّة، ولا إلى تكرار القاعدة التي وردت في الكتاب نفسه[83].







وأمّا ما ورد في الحاشية، فلا يُسلّم به، بل غير صحيح، والحاشية بلفظها وضبطها «(*) يجوز كتابة «رضا» بالألف الطويلة حملاً على المصدر «رضوان» وبالقصر «رِضًى» حملاً على الفعل «رضي»[84]. وذلك لأن الألف اللينة في الفعل (رَضِيَ) والمصدر (رِضًا) وجميع ما يتفرّع من الجذر الثلاثي للكلمة، منقلبة عن واو. آية ذلك أن الفعل (رَضِيَ) يتصرف من الباب الرابع (فَعِلَ يَفْعَلُ) وأصله قبل إعلال الواو ياءً وفق القواعد الصرفية (رَضِوَ). لما فيه من ثقل ناشئ عن نطق الواو مسبوقة بالكسرة، والمصدر منه (رِضوان). وممّا يدلّ على صحّة ذلك أن معاجم العربية عامّةً، والقديمة المعنية ببيان أصل الألف اللينة، تورد الجذر وما يتفرّع منه تحت عنوان (رَضِوَ). ومعلوم أن أكثر أصحاب المعاجم العربية عنايةً بالفصل بين الواو والياء في الأبنية الثلاثية المعتلة بالألف هو مجد الدين الفيروزآبادي في معجمه «القاموس المحيط» الذي جمع في باب الألف اللينة بين الحرفين الواو والياء، قد أثبته مصدّرًا بالواو، على منهجه في الرمز بالواو قبل المعتل بالألف المنقلبة عن واو، مثل (غزا، سما، دعا) وفي الرمز بالياء قبل المعتل بالألف المنقلبة عن ياء مثل (رمى، قضى، هدى).وما أصله مشتركاً بالواو والياء صدّره بالرمز للحرفين معًا (وي) قبله، مثل (جبا، جبى) و(نما، نمى). ويدلّ على ذلك أيضًا كلامه في شرح المادة، وبيان ما يتفرّع منها، ونصّه «و: رَضِيَ عنه و- عليه يَرْضى رِضًا ورضوانًا، ويُضمّان.. والرِّضاءُ: الْمُراضاة، وبالقصر الْمرضاة، ويثنّى رِضَوان ورِضَيان.. ورَجُلٌ رِضًا: مَرْضِيٌّ..». ومن نافلة القول الإشارة إلى أن ما سبق من إعلال الواو ياءً للكسرة قبلها ينطبق على أمثلة الفعل الثلاثي المعتل الواوي المتصرّف من الباب الرابع الذي أصبح الفعل (رَضِيَ) عَلَمًا عليه لدى أصحاب المعاجم، يذكرونه دلالة على الباب التصريفي للفعل. قال الفيروزآبادي في (شَقِيَ): «و: الشَّقا: الشِّدَّةُ، والعُسْرُ، ويُمَدُّ، شَقِيَ كَرَضِيَ وشَقْوَةً، ويُكْسَرُ».









الخاتمـة:



تبيّن ممّا سبق أن المجمع أصدر كتابين وسمهما بـ «قواعد الإملاء» الأول سنة 2004م والثاني سنة 2010م. شابهما غيرُ قليل من ضروب الخلل والخطأ. وانتهى الأمر إلى وقف بيع الكتاب الأول بعد مضي أكثر من عامين على صدوره، وتحديدًا بعد اطلاعهم على مراجعتي لها «نظرات في قواعد الإملاء»، وإلى تدارك أمر الكتاب الثاني، بوقف توزيعه وبيعه بُعيد صدوره بنحو شهرين، وذلك عقب لقائي الأستاذ الدكتور مروان محاسني رئيس المجمع، واطلاعه على قَدْرٍ يسيرٍ منها.








أرى أن كتاب «قواعد الإملاء» الجديد في ضوء ما تقدّم من ملاحظات كثيرة، لا يرقى إلى مستوى مطبوعات المجمع العلمية الرصينة، فهو دونها في محتواه ومضمونه ومادّته وحجمه. يتبيّن ذلك بعقد موازنة بينه وبين بعض كتب الفنّ المعتمدة والمشهورة، فهي، على ما يتّجه عليها من ملاحظ مختلفة، أقرب إلى السلامة والصّحّة والصواب والدّقّة منهجًا ومادّةً وشرحًا ولغةً واستيفاءً.







وددت لو توقّف المجمعُ، قبل أن يعمد إلى وضع الكتاب الثاني، عند الأسباب التي أدّت إلى ما وقع في الكتاب الأول، وعمل على تلافيها، وأفاد مما كُتب في نقدها، وعرضها على ذوي الاختصاص من المهتمّين بهذا العلم، وانتفع بملاحظاتهم، ثم وضع، مستعينًا بأهل هذا الفنّ، منهجًا محكمًا دقيقًا لإعداد كتاب رصين في قواعد الإملاء. يتجنّب ما يرد على كثير منها من مآخذَ وأخطاءٍ مختلفة، ويجمع بين الصواب والدّقّة والجِدّة والابتكار في العرض والشرح والأمثلة، ويلتزم المبادئَ والأسسَ المعتمدة في وضع قواعد الإملاء العربي. أعتقد أنه لو تحقّق مثلُ هذا لما تكرّر الخطأُ نفسُه في الكتاب الثاني.







أرجو أن يجد السادة الأفاضل أعضاء لجنة اللغة العربية وعلومها التي ذيّلت تصدير الكتاب باسمها في هذه القراءة والمراجعة ما ينفع ويفيد في تقويم الْمُعْوَجّ، وإقامة الْمُنآد، وإصلاح الخلل، وتصحيح السهو والخطأ، واستدراك جوانب النقص، وحذف الزيادات والتفصيلات. فيتحقّق الهدف من الكتاب، ويَعُمّ الانتفاع به، ويرقى إلى المستوى المتميّز لمطبوعات المجمع العلمية. والله أعلم.








المـراجـع




ارتشاف الضرب من لسان العرب، أبو حيان الأندلسي، تحقيق د. رجب عثمان محمد، مكتبة الخانجي، ط. أولى



1418ه/1998م.



أصول الإملاء، د. عبد اللطيف الخطيب، دار سعد الدين، دمشق، ط. الثالثة، 1994م.



الإملاء العربي، أحمد قبش، مطبعة زيد بن ثابت، ط. ثانية، دمشق، 1397هـ/1977م، دار الرشيد، دمشق وبيروت، 1984م.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 33.76 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 33.13 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.86%)]