عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 04-10-2020, 02:41 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,935
الدولة : Egypt
افتراضي بداية سورة الأنفال

بداية سورة الأنفال


د. أمين الدميري









لقد استهلت السورة الكريمة بقوله تعالى ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾ وقد اشتملت هذه الآية الكريمة على مجموعة من الوسائل وهي كما يلي:

أولًا: وسيلة "السؤال":

معنى الوسيلة: لغة: توسل إليه بوسيلة: إذا تقرب بعمل، والوسيلة: ما يتقرب به إلى الغير[1]. قال تعالى: ﴿ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا ﴾ [2].

الوسيلة في الاصطلاح: ما يتوصل به الداعية إلى تبليغ دعوته قولًا أو فعلًا و خلقًا بحيث يتأتى بذلك النجاح المرجو والغاية المنشودة[3].



دلالة السؤال:

السؤال وسيلة من وسائل تبليغ الدعوة، عن طريقه يمكن للداعي أن يبلغ دعوته للمدعو (أي السائل)، كما يمكن له -أي السائل- أن يتعلم أمور دينه؛ ولقد سأل الصحابة رضي الله عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأنفال حيث لم يكونوا قد علموا حكم الله فيها؛ وهكذا فإن على الجاهل بالحكم أن يبادر بالسؤال إلى من يعلم عما لا يعلم، وكذا عند الاختلاف على أمر ما، فإنه يجب الرجوع إلى الله ورسوله، أي إلى كتاب الله عز وجل والى سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، والعلماء عليهم أن يبينوا للناس أحكام الإسلام، والدعاة عليهم أن يبصروا الناس بأمور دينهم وما فيه صلاح معاشهم ومعادهم.



وحينما سأل الصحابة عن الأنفال لم يجبهم في الحال عما سألوا عنه ولكن أخر إجابة السؤال ووجه أنظارهم إلى ما هو أهم وأسمى، وأثار فيهم نوازع الخير، وخاطبهم بما يجب أن يكونوا عليه ويتحلوا به.. وهو تقوى الله عز وجل وإصلاح ذات البين، وأن يكونوا مؤمنين بحق، فإن رابطة الأخوة الإيمانية، وما يتعلق بها من تبعات وصفات كفيلة بإزالة الخلاف ودافع السؤال حيث يحل الإيثار والحب والمودة مكان الخلاف والنزاع.

وسؤال الصحابة دليل على إيمانهم وطاعتهم لله والرسول، لأنهم أرادوا معرفة الحكم، فلا يتصرفوا من أنفسهم ولا حسب أهوائهم، قال تعالى ﴿ فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [4].

ولابد من مراعاة أحوال المدعوين عند الإجابة على السؤال، ومراعاة موضوع السؤال ذاته، فقد كانت إجابة النبي صلى الله عليه وسلم تتنوع حسب حال السائل؛ فكان يجيب عن سؤال واحد بأجوبة مختلفة على حسب اختلاف الأحوال والأشخاص[5].



روى الإمام مسلم[6] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الأعمال أفضل؟ قال: إيمان بالله. قال ثم ماذا؟ قال الجهاد في سبيل الله. قال ثم ماذا؟ قال حج مبرور) [7]. وروى عن أبي ذر رضي الله عنه قال: (قلت يا رسول الله أي الأعمال أفضل؟ قال: الإيمان بالله والجهاد في سبيله، قال. قلت: أي الرقاب أفضل؟ قال: أنفسها عند أهلها، وأكثرها ثمنًا. قال. قلت: فإن لم أفعل. قال: تعين صانعًا، أو تصنع لأخرق، قال: قلت يا رسول الله: ارأيت إن ضعفت عن بعض العمل؟ قال: تكف شرك عن الناس فإنها صدقة منك على نفسك) [8]، وروى عن عبد الله بن مسعود[9] قال: (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي العمل أفضل؟ قال: الصلاة لوقتها. قلت ثم أي؟ قال: بر الوالدين. قال قلت: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله) [10]؛ فكان السؤال واحدًا لكنه من عدة أشخاص، وكانت الإجابات متنوعة لاختلاف الأشخاص والأحوال؛ وفي هذا يقول الإمام النووي[11]: (فقد يستشكل الجمع بين الأحاديث؛ ففي حديث أبي هريرة جعل الأفضل الإيمان بالله ثم الجهاد ثم الحج؛ وفي حديث أبي ذر: الإيمان والجهاد، وفي حديث ابن مسعود: الصلاة ثم بر الوالدين ثم الجهاد، فقد جرى اختلاف الجواب على حسب اختلاف الأحوال والأشخاص فإنه قد يقال: خير الأشياء كذا ولا يراد به خير جميع الأشياء من جميع الوجوه، وفي جميع الأحوال والأشخاص، بل في حال دون حال أو نحو ذلك.. وقيل اختلف الجواب لاختلاف الأحوال، فأعلم كل قوم بما بهم حاجة إليه أو بما لم يكملوه بعد من دعائم الإسلام ولا بلغهم علمه.. فقدم الجهاد على الحج لأنه كان أول الإسلام ومحاربة أعدائه والجد في إظهاره، وقيل إنه محمول على الجهاد وقت الزحف الملجئ والنفير العام، فإنه حينئذ يجب الجهاد على الجميع، وإذا كان هكذا فالجهاد أولى بالتحريض والتقديم من الحج لما في الجهاد من المصلحة العامة للمسلمين مع أنه متعين متضيق في هذا الحال بخلاف الحج والله أعلم..) [12].



ومن هنا فقد تبين أهمية السؤال كوسيلة من الوسائل الدعوية، وأهمية الإجابة عن السؤال وأن ذلك يحتاج إلى ذكاء وحكمه وفهم عميق للدين أولًا ولحال المدعوين ثانيًا.



ثانيًا: وسيلة القول (قل) والتي استهلت بها السورة الكريمة (ويسمى أسلوب تلقين للإجابة عن سؤال أو الرد على شبهة أو بيان حجة..) [13].

والقول يشمل الدعوة الفردية، والخطبة، والدرس، والمحاضرة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والنصح، وقد سبق الحديث عن تلك الأنواع في أول الفصل (المبحث الأول المطلب الثاني).



وعلى الداعي أن يقول كلمة الحق ولا يخاف في الله لومة لائم، وعلى هذا كان الصحابة رضي الله عنهم، روى الإمام مسلم عن عبادة بن الصامت[14] رضي الله عنه قال: (بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره وعلى أثرة علينا وعلى ألا ننازع الأمر أهله وعلى أن نقول بالحق أينما كنا لا نخاف في الله لومة لائم) [15].



كذلك فإن على الداعي أن يكون عذب الكلام، ويتخير الألفاظ الحسنة والبليغة، وأن يبدأ بلين الكلام، ثم التغليظ في القول أو في الفعل حسب الحال؛ ففي القول اللين: يقول الله تعالى: ﴿ اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ﴾ [16]، وفي القول الحسن يقول تعالى: ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ المُسْلِمِينَ ﴾ [17]، وفي القول البليغ، يقول تعالى: ﴿ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا ﴾ [18]، كذلك الكلمة الطيبة تأتي بثمار طيبة، قال تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴾[19].



وقد روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الكلمة الطيبة صدقة) [20]. وقد يضطر الداعي إلى التغليظ في القول أو في الفعل، فلا بأس بذلك بعد قياس المصالح والمفاسد وحساب النتائج والعواقب، فعن التغليظ يقول تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ المَصِيرُ ﴾ [21]



والقول هو الوسيلة الأصلية في إيصال الحق إلى الناس لذا كان لابد له من ضوابط، فالضوابط العامة في القول هي:

أ- أن يكون القول واضحًا بينًا، مفهومًا عند السامع، لهذا أرسل الله تعالى كل رسول بلسان قومه، قال تعالى ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ الَعَزِيزُ الحَكِيمُ ﴾ [22]؛ واللسان يشمل لغة التخاطب كما يشمل لغة الخطاب[23] والتي لابد أن تتناسب مع تطورات العصر، وحال المدعوين، وأن يراعي ما يلي:

1- التقدم في مجال الاتصالات، وانعكاساتها على العالم بأسره حتى أصبح العالم كما يقال "قرية صغيرة"، وسهولة الاتصال عن طريق ما يسمى بشبكة المعلومات الدولية أو "الإنترنت"، والتي سهلت للدعاة إلى الله تعالى اتصال الداعي بالأفراد والجماهير لعرض الدعوة بسهولة ويسر، خصوصًا وأن أصحاب المذاهب الضالة والعقائد المنحرفة يروجون لمذاهبهم، ويدعون الناس لعقائدهم، كما أنهم عن طريق المواقع الخاصة بهم على شبكة المعلومات الدولية يهاجمون الإسلام ويشككون فيه، فعلى الدعاة أن يردوا تلك الشبهات وأن يحصنوا الشباب بمزيد من المعلومات عن الإسلام، وذلك عن طريق إنشاء مواقع للدعاة، وهذه هي أهم الوسائل الآن، حيث يستطيع الداعي ولو كان في أقصى الشرق أن يتصل بأي إنسان يريد دعوته ولو كان في أقصى الغرب.



2- التقدم في مجال المعلومات، فقد أصبح من اليسير الحصول على المعلومات والرجوع إلى الكتب في كافة المجالات كالتفسير والحديث والفقه، والمقالات الإسلامية والفتاوى والأحكام وغير ذلك من علوم عصرية لابد للداعي أن يتزود بها وأن يكون على علم ودراية بها وهو المعرفة بما يسمى "لسان الحال" أو "لغة الخطاب"؛ فالناس في ظل هذه الطفرات المعلوماتية يريدون المعلومة بسرعة وسهولة وباختصار، ولهذا كانت مهمة الداعي في هذه الأيام شاقة ولابد من الإعداد الجيد لمواجهة تلك التطورات.



3- الوقوف على أحوال المدعوين، من ناحية الثقافة والأعمار مع مراعاة ما يبثه الإعلام المضاد من ترويج للأفكار المخالفة للإسلام كالعلمانية التي تدعوا إلى فصل الدين عن الحياة، وأن الدين هو مجرد عبادات تؤدى بلا روح ولا ثمرة تعود على المسلمين، والتي تدعو إلى إقصاء الشريعة الإسلامية بدعوى أنها غير صالحة في هذا الزمان، أو أنه كما فعل الغرب وترك المسيحية فعلى المسلمين أن يتركوا الإسلام؟!



ب- أن يكون القول بعيدًا عن التكلف والتفاصح حتى يمكن فهمه وقبوله عند المدعوين، كما يجب أن يكون بعيدًا عن الركاكة، فلا تستعمل الألفاظ الخارجة، حتى لا يتساوى الداعي مع غيره من عوام الناس.



ج- أن يكون القول مناسبًا للواقع من ناحية بيئة الدعوة، وحال المدعوين؛ فإن الدعوة في مجتمع مسلم تختلف عن الدعوى في مجتمع آخر غربي مثلًا، ودعوة المسلمين تختلف عن دعوة غير المسلمين، فإن دعوة غير المسلمين تكون على أساس بيان عقيدة التوحيد وما يدعو إليه الإسلام من قيم وأخلاق.



د- أن يكون القول سديدًا، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ﴾ [24]، يقول القرطبي رحمه الله: (قولًا سديدًا) أي قصدًا وحقًا، وقيل: صوابًا، وقيل: الذي يوافق ظاهره باطنه.. وهو مأخوذ من تسديد السهم ليصاب به الغرض[25]. فالقول لابد أن يكون هادفًا مؤثرًا وحكيمًا وبالغًا مرماه، قال تعالى: (حكمة بالغة)[26]، مع مراعاة الأحوال والأشخاص لتحقق الثمرة المرجوة للمنهج المرسوم للدعوة.



هذا وقد سبق بيان أن من أنواع القول: الدعوة الفردية، والخطبة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (بالقول)، وبالإضافة إلى ذلك: الدرس والمحاضرة والندوة والمناظرة، فإنها أيضًا من القول باعتبارها أداة من أدوات التبليغ وتؤدي ما يؤدي إليه القول[27].



الدرس: وهو غالبًا ما يكون شرحًا لآية أو حديث أو بيانًا وتعليمًا لمسائل الفقه، أو قضايا في التوحيد أو اللغة العربية، أو شرح كتاب، وفي العادة يكون الحاضرون هم من طلبة العلم، والمدرس عادة ما يكون متخصصًا فيما يتكلم فيه.



المحاضرة: والمحاضر غالبًا ما يكون شخصية عامة، وعلى علم واسع ودراية بما يحاضر فيه وبما يدور من أحداث، أما الحاضرون فلاشك أنهم أصحاب اهتمامات أو "مثقفون" يبحثون عن المعرفة والإحاطة بجوانب الأمور، والمحاضرة تعتمد على الأدلة والمعلومات بعيدًا عن العاطفة والانفعالات.



المناقشة والجدل: وفيها تعرض وجهات النظر[28] وعرض الشبهات، وكلٌ يقدم أدلته مع الالتزام بأدب الحوار، ويكون الهدف هو الانتصار للحق لا للنفس والهوى، ومن الأمور التي تراعى في المناقشة والجدل عدم التصادم مع الخصم من أول الأمر بل من الذكاء استدراجه إلى الحقيقة حتى يكون هو الحكم على نفسه، ويبدأ المناقش أو المجادل بما من شأنه زحزة الخصم عن موقفه وذلك بتشكيكه في معتقده.. كما فعل إبراهيم عليه السلام في حواره مع عبدة النجوم والكواكب، وقوله (هذا ربي)، فهو يحاري الخصم ويستدرجه، ويفترض- جدلًا - صحة ما يعتقده الخصم، حتى يكون الخصم هو المقر بخطئه، قال تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ المُوقِنِينَ * فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لاَ أُحِبُّ الآفِلِينَ * فَلَمَّا رَأَى القَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأَكُونَنَّ مِنَ القَوْمِ الضَّالِّينَ * فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ * إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ ﴾[29].



جدير بالذكر أن تقوى الله عز وجل وطاعة الله والرسول والإيمان بالله عز وجل وتوثيق الصلة به والتوكل على الله عز وجل هي زاد الداعية في دعوته، والإيمان بالله عز وجل وتوثيق الصلة به هي الدافع له رجاء الثواب من الله عز وجل وابتغاء مرضاته. والتوكل على الله تعالى من أهم الوسائل في منهج الدعوة وحياة الداعية لأنه يشتمل على شقين: الأول: الأخذ بكل الأسباب والعوامل كالإعداد والدراسة ووضع الخطط وتحديد نقطة البدء وتوصيف المرحلة والإحاطة ببيئة الدعوة؛ ثم المضي قدمًا حسب الخطة الموضوعة.. وأما الشق الثاني: فهو الاعتماد على الله عز وجل والتفويض إليه في نجاح الدعوة وتحصيل النتائج، فإن ذلك بيد الله تعالى وحده؛ فالهداية والتوفيق بيد الله عز وجل، أما الداعي فعليه الأخذ بالأسباب.



ثالثًا: إصلاح ذات البين:

هو وسيلة طيبة وفرصة سانحة لإصلاح المجتمع وتقويم أفراده، عن طريق الدعوة الفردية والجماعية وإزالة الشحناء والبغضاء، وترسيخ أواصر المحبة والأخوة بين المسلمين.



ما يتعلق بالأساليب:

الأسلوب لغة: الطريقة أو الفن: يقال سلك زيد أسلوب عمر: أي طريقته. وأسلوب الكاتب: أي فنه في الكتابة أو طريقته فيها، أو مذهبه.

الأسلوب اصطلاحًا: (طريقة الداعي في دعوته)، أو (كيفية تنفيذه لمناهج دعوته) أو (طريقة تقديم قضايا مناهج دعوته في عبارات وصيغ مناسبة لأحوال المدعوين) [30]



وعلى هذا فإن الأسلوب غير المنهج (لأن المنهج هو الطريق البين الواضح) أما الأسلوب فهو "الطريق" فقط) [31]، فالأسلوب هو الطريقة التي يسلكها الداعي في دعوته، أو هو فن الدعوة، أي كيفية تطبيق وتنفيذ المنهج بما يتناسب مع حال المدعوين، والترغيب والترهيب من الأساليب التي اشتمل عليها المنهج الدعوى في السورة الكريمة.



معنى الترغيب:

لغة: يقال هو راغب فيه وراغب عنه، ورغب فيه وارتغب، ورغب عنه.. وخطب فلان فأصاب المرغب.. وفي الدعاء: اللهم إليك الرغباء ومنك النعماء، وقد فترت رغباتهم.. وإلى الله أرغب، وإليه أرفع رغبتي أن يعصمني. ورغبته، وترغبوا في الخير[32].



الترغيب: اصطلاحًا: كل ما يشوق المدعو إلى الاستجابة وقبول الحق والثبات عليه) [33]، ومن هنا يتضح أن الترغيب "هو حث الناس على قبول الدعوة وتحبيبهم في الطاعة وتبشيرهم بحسن العاقبة وموفور الجزاء".



معنى الترهيب:

لغة: يقال: رهبته، وفي قلبي رهبة منه، وهو رجل مرهوب، عدوه منه مرعوب. ويقال: الرهباء من الله، والرغباء إلى الله والنعماء بيد الله. وأرهبته ورهّبته واسترهبته: أزعجت نفسه بالإخافة[34].

الترهيب: اصطلاحًا: (كل ما يخيف ويحذر المدعو من عدم الاستجابة أو رفض الحق أو عدم الثبات عليه بعد قبوله) [35].

ومن هنا يتضح أن الترهيب هو تحذير الناس من المعصية وإنذارهم العقوبة إن هم رفضوا الدعوة.



ومن أساليب الترغيب في السورة الكريمة ما جاء في مطلعها من مقاطع كقوله تعالى: ﴿ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾، ﴿ إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ ﴾، ﴿ أُوْلَئِكَ هُمُ المُؤْمِنُونَ حَقًا ﴾ ثم التبشير بحسن الجزاء في قوله تعالى ﴿ لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾، وفي ذلك أسلوب ترغيب في الالتزام بشروط الإيمان، والاتصاف بصفات المؤمنين والتحلي بأخلاق الإيمان وعلاماته ودلائله، وبيان أن الإيمان الحق هو الالتزام والاتصاف بتلك الأوامر والعلامات والشروط، وفي ذكر الثواب العظيم المتمثل في رفع الدرجات والمغفرة والرزق الكريم حث وحفز على الاستجابة لنداء الإيمان..



ومن أساليب الترهيب، ما جاء في التحذير من التولي والتشبه بشر الدواب؛ فالمؤمن يخاف من التولي ويحذر أن ينزل إلى مستوى البهائم التي لا تسمع ولا تتكلم ولا تعقل، ويبرأ بنفسه أن يكون كالعصاة من الكافرين الذين لاهم لهم إلا متع البطون؛ فلا خير فيهم ولا استعداد لقبول الحق.



ما يتعلق بالداعي:

الداعي لغة: دعوت فلانًا وبفلان: ناديته وصحت به، ودعاه إلى وليمة، ودعاه إلى القتال.. والنبي داعي الله. وهم دعاة الحق (أو دعاة الباطل) [36].



وفي الاصطلاح: الدعاة هم المتحملون لأعباء الدين تبليغًا له وحماية عنه من أول الإمام إلى آخر مسلم: فكل على ثغر من ثغور الإسلام؛ وفي هذا التعريف يدخل الخليفة والفقهاء والمجتهدون والأئمة المحدثون والقواد والمرابطون وحماة الدين الذين يذبون عنه، ويحيطونه من كل غيلة أو اعتداء بالفكر أو بالسيف[37]. وعلى هذا: فالداعي: هو المبلغ دعوة الله عز وجل إلى الناس المدافع عن دين الله عز وجل بكل ما يستطيع من قول وفعل.

يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 38.36 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 37.74 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.64%)]