عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 03-10-2020, 05:51 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,420
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شعراء قتلهم شعرهم

شعر الهجاء والغزل والتشبيب بالنساء

قتل عدداً من شعراء الجاهلية والإسلام
نعيمة عبدالفتاح ناصف





نهاية المتنبي:



ويصل المؤلف الى المتنبي الذي كان بعض شعره سبباً لمقتله، والمتنبي شاعر العربية الكبير الذي شغلت حياته وشعره حيزاً كبيراً من دراسات المتخصصين في الأدب العربي؛ حيث كان يكتب للنفس العربية، والإحساس العربي، والنبض العربي، الذي لا يرتبط بحدود أو فواصل تاريخية.


وكان المتنبي يستعلي على الشعراء، ويكثر من السخرية منهم ومن شعرهم، على نحو جعله هدفَهم جميعاً، وكان يكثر من الفخر بنفسه، فهو القائل:





سيعلمُ الجميعُ ممن ضَمَّ مجلسُنا بأنني خيرُ من تَسعى بِهِ قَدَمُ
أنا الذي نَظَرَ الأعمى إلى أدبي وأسمعتْ كلماتي مَن به صَمَمُ









وفي إحدى قصائده التي كتبها في صباه يقول:


إن أكن معجَباً فعُجْبُ عجيبٍ لم يجد فوق نفسهِ من مزيدِ
أنا تربُ الندى وربُّ القوافي وسمامُ العِدَى وغيظُ الحسودِ
أنا في أمةٍ تداركها اللـ ـهُ غريبٌ كصالحٍ في ثمودِ





ويقول:




أيُّ محلٍّ أرتقي أيُّ عظيمٍ أتقي؟
وكلُّ ما خلقَ اللَّـ ـهُ وما لم يخلقِ
محتقرٌ في همَّتي كشعرةٍ في مَفْرِقي




هكذا كان المتنبي في تقديره لذاته، يراها الأعلى دائماً، والأحق بالمجد والشرف، ولا يتنازل عن هذه الرؤية تحت أي ظروف كانت!.


الهجاء القاتل:


والغريب أن المتنبي قتل بسبب الهجاء؛ على الرغم من أن الهجاء لا يمثل ركناً أساسياً في ديوانه؛ فعندما ترك المتنبي سيف الدولة أمير حلب الذي كتب الكثير من القصائد في مدحه ومناقبه؛ بعد أن وشي بينهما الواشون؛ اتجه إلى مصر لمدح واليها كافور الإخشيدي الذي كان عبداً أسود مثقوب الأذن، ولكن كافور خذله؛ فأطلق المتنبي فيه لسانه يهجوه وشعبَ مصر، فنجده في قصيده يبالغ في هجائه لكافور، ويصفه بكل صفات الرجل الدنيء؛ من الكذب، وإخلاف الوعد، والغدر، والخيانة، وخسة الأصل، والجبن؛ فيقول:




أُرِيكَ الرِّضَا لو أخْفَتِ النَّفْسُ خافيا وما أنا عن نفسي ولا عنك راضيا
أَمَيْناً؟ وإخلافاً؟ وغَدْراً؟ وخِسَّةً؟ وجُبْناً؟ أَشَخْصاً لُحْتَ لي أم مَخازيا؟
وإنك لا تدري: ألونُكَ أسودٌ من الجهلِ؟ أم قد صار أبيضَ صافيا؟!




ثم يقول وهو راحل عن مصر:




العَبدُ لَيسَ لُحرٍّ صَالِحٍ بأخٍ لَو أنَّهُ في ثِيابِ الحُرِّ مَولُودُ
لا تشترِ العبدَ إلاّ والعصا معه إنَّ العبيد لأنجاسٌ مناكيدُ!
ما كنت أحْسِبُني أحيا إلى زمنٍ يسيء بي فيه عبدٌ وهو محمودُ






ومع هذا الهجاء الشديد اللهجة لكافور؛ استطاع المتنبي الخروج من مصر دون أن يمسه سوء، وجاء مقتله بسبب قصيدة هجا بها رجلاً يسمى "ضبة بن زيد"، يتعرض فيها لحادثة مقتل أبي ضبة، وقد فر وترك أباه، وهو يستخف به فيقول فيها:



ما أنصفَ القومُ ضُبَّهْ وأمّه الطُّرطُبّهْ
وَمَا عليكَ مِنَ القَتْـ ـلِ إنَّما هيَ ضَرْبَهْ
وَمَا عليكَ مِنَ الغَدْ رِ إنَّما هِيَ سُبَّهْ



ثم يقول:



ما كنت إلا ذُباباً نفتكَ عنّا مِذبّه
وإنْ بَعُدْنا قليلاً حملْت رُمحاً وحَرْبَهْ
إن أوحشتْك المَعَالي فَإِنَّها دارُ غُرْبَهْ
أو آنستْك المَخَازِي فإنَّهَا لكَ نِسْبَهْ




وفي القصيدة أبيات كثيرة؛ يتعرض فيها المتنبي لأم ضُبة، ويرميها بأفحش التهم، وكان لأم ضبة أخ يسمى "فاتك بن أبي جهل الأسدي"؛ فلما بلغته القصيدة أخذ الغضب منه كل مأخذ، وأضمر السوء لأبي الطيب، وعندما علم أبو نصر محمد الحلبي بِنية فاتك؛ حذر المتنبي، فلم يزده هذا التحذير الا عناداً، وركب المتنبي وسار، فلقيه فاتك في الطريق، فأراد المتنبي أن ينجو بنفسه، فقال له غلامه: ألستَ القائل:




الخيلُ والليلُ والبَيداءُ تعرفني والسيفُ والرُّمح والقرطاسُ والقلمُ؟





فثبت المتنبي حتى قتله فاتكٌ، وقتل ابنَه محمداً وغلامَه، وهكذا كانت نهاية هذا الشاعر العربي الكبير التي جاءت بسبب شعره ولسانه.


قصيدة أضاعت خلافة:



وينتقل المؤلف إلى شاعر آخر من الشعراء الذين قتلهم شعرهم، وهو الشاعر أبو نُخَيْلَةَ، الذي تخصص في مدح كل من آلت إليه الخلافةُ من بني أمية وبني العباس؛ فعندما كان الأمر بيد بني أمية مدحهم، وعندما انتقل إلى بني العباس مدحهم! وكانت قصائده معلقة على كرسي الخلافة يتناولها الجالس عليه؛ بغض النظر عن شخصه وسلوكه!!.


وقد تضمنت قصائد مدحه لبني العباس هجاء لبني أمية، ولأن شخصيته الشعرية كانت مهتزة؛ فقد كان مهيئاً أن يصيبه -من جراء شعره- شر عظيم، وهذا ما حدث بالفعل، ووضع نهاية لحياته.



فعندما علم أبو نخيلة أن أبا جعفر المنصور يريد تولية ابنه المهدي ولاية العهد، بدلاً من ابن أخيه عيسى بن موسى؛ وجدها فرصة للتقرب من أبي جعفر بقصيدة يؤيد بها رأيه، ويشيعُه بين الناس، ويطالب بخلع عيسى بن موسى، وبالبيعة للمهدي، فقال:




إلى أميرِ المؤمنينَ فاعْمِدِي إلى الذي يَنْدَى ولا يندى ندي
سيري إلى بحرِ البِحارِ المُزْبِدِ إلى الذي إن نَفِدَتْ لم يَنْفَدِ
ليسَ وليُّ عهدِنا بالأسعدي عيسى! فَزَحْلِقْها إلى محمدِ
فقدْ رضينا بالغلامُ الأمردِ وقد فَرَغْنَا غيرَ أن لم نشهدِ
وغير أن العقدَ لم يؤكدِ فلو سمعنا قولَك: امدد امددِ
كانَتْ لنا كدَعْقَةِ الوِرْدِ الصَّدِي فنادِ للبيعةِ جمْعاً نحشدِ




وقد أشاع أبو نخيلة هذه القصيدة؛ حتى رواها الخدم والخاصة، وتناشدها العامة، فبلغت المنصور، فدعا به، وعيسى بن موسى جالس عن يمينه، فأنشده إياها، وأنصت له حتى سمعها عن آخرها، وظهر على وجهه السرور.


ثم قال لعيسى بن موسى: ولئن كان هذا عن رأيك؛ لقد سررتَ عمك، وبلغتَ من مرضاته أقصى ما يبلغه الولد البار السار.




فقال عيسى: "لقد ضللت إذا وما أنا من المهتدين".




وهكذا خُلع عيسى، وعقدت البيعة للمهدي بولاية العهد، فأراد عيسى أن ينتقم من هذا الشاعر الذي تسببت قصيدته في ضياع الخلافة التي عاش عمره ينتظرها.



واشتد عيسى في طلب أبي نخيلة؛ حتى فر الى خراسان، فأرسل خلفه مولى له يسمى قِطْرِيّاً ومعه عدد من الرجال، فلحقوه في الطريق، فأخذوه، وكتفوه، وأضجعه قطري، وذبحه، وسلخ وجهه، وألقى جسمه إلى النسور، ولم يبرح مكانه حتى لم يبق منه إلا عظامه!.

وللموضوع تتمة

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 22.36 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 21.73 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.81%)]