
17-09-2020, 03:19 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,926
الدولة :
|
|
التوسل والوسيلة
التوسل والوسيلة
أ. د. حسن حسين الهواري
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ ﴾ [المائدة: 35]
لم يأت لفظ - الوسيلة - في القرآن الكريم إلا في آيتين آية المائدة[2] التي معنا، وآية أخرى في سورة الإسراء[3] هي قول الله تعالى: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ... ﴾.
وآية المائدة صريحة الأمر بابتغاء الوسيلة إلى الله، وآية الإسراء تنعى على المشركين اتخاذهم الشركاء وسيلة إلى الله، وابتغاء الوسيلة إلى الله لا يليق بالأصنام البتة ﴿ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلاً ﴾[4].
فما هي الوسيلة؟
جاء في - لسان العرب - الوسيلة: المنزلة عند الملك والدرجة والقربة، ووسل فلان إلى الله وسيلة: إذا عمل عملاً تقرب به إليه، والواسل كالراغب إلى الله.. قال الجوهري: الوسيلة ما يتقرب به إلى الغير، والجمع الوسل والوسائل، والتوسيل والتوسل واحد. اهـ.
وجاء في القاموس: الوسيلة والواسلة: المنزلة عند الملك والدرجة والقربة، ووسل إلى الله توسيلاً: عمل عملاً تقرب به إلى الله تعالى كتوسل، والواسل: الواجب والراغب إلى الله. اهـ.
والمفسرون لكتاب الله يقولون في الوسيلة:
قال الراغب الأصفهاني[5]: الوسيلة: التوصل إلى الشيء برغبة، وهي أخص من الوسيلة لتضمنها لمعنى الرغبة، قال تعالى:﴿ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ ﴾ وحقيقة الوسيلة إلى الله تعالى مراعاة سبيله بالعلم والعبادة وتحري مكارم الشريعة وهي كالقربة والواسل الراغب إلى الله تعالى.
ويتفق قول الزمخشري[6] والنسفي[7]: في أن الوسيلة: هي كل ما يتوسل به أي يتقرب، من قرابة أو صنيعة أو غير ذلك، فاستعيرت لما يتوسل به إلى الله تعالى من فعل الطاعات وترك المعاصي.
والمستفاد من -تفسير القرطبي[8]- أن الوسيلة هي القربة: عن أبي وائل والحسن ومجاهد وقتادة وعطاء والسدي وابن زيد وعبدالله بن كثير، والوسيلة درجة في الجنة وهي التي جاء الحديث الصحيح بها في قوله عليه الصلاة والسلام: «فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة».
وجاء تفسير أبو السعود[9]... ﴿وَابْتَغُوا﴾ أي اطلبوا لأنفسكم ﴿إِلَيْهِ﴾ أي إلى ثوابه والزلفى منه ﴿الْوَسِيلَةَ﴾ هي فعلية بمعنى ما يتوسل به ويتقرب به إلى الله تعالى من فعل الطاعات وترك المعاصي من وسل إلى كذا أو تقرب إليه بشيء.. وقبل الجملة الأولى يعني ﴿اتَّقُوا اللَّهَ﴾ أمر بترك المعاصي، والثانية يعني ﴿وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ﴾ أمر بفعل الطاعات.
وقال السيوطي[10]: أخرج عبد بن حميد والغرباني وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم في قوله ﴿وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ﴾، قال: القربة، وأخرج الحاكم وصححه عن حذيفة في قوله ﴿وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ﴾ قال: القربة، وأخرج عبد ابن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله ﴿وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ﴾ قال: تقربوا إليه بطاعته والعمل بما يرضيه.
ويقول البيضاوي[11]: في قوله تعالى:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ ﴾ أي ما تتوسلون به إلى ثوابه والزلفى منه من فعل الطاعات وترك المعاصي، من وسل على كذا: إذا تقرب إليه، وفي الحديث: الوسيلة منزلة في الجنة.
وجاء عن ابن كثير[12] ﴿ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ ﴾ قال سفيان الثوري حدثنا أبي عن طلحة عن عطاء عن ابن عباس: أي القربة، وكذا قال مجاهد وأبو وائل والحسن وقتادة وعبدالله بن كثير والسدي وابن زيد وقال قتادة: أي تقربوا إليه بطاعته والعمل بما يرضيه.. والوسيلة هي التي يتوصل بها إلى تحصيل المقصود، والوسيلة أيضاً: علم على أعلى منزلة في الجنة وهي منزلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وداره في الجنة، وهي أقرب أمكنة الجنة إلى العرش وقد ثبت في صحيح البخاري من طريق محمد بن المنكدر عن جابر بن عبدالله قال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:«من قال حين يسمع النداء اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمداً الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته، إلا حلت له الشفاعة يوم القيامة». وحديث آخر في صحيح مسلم من حديث كعب بن علقمة عن عبدالرحمن بن جبير عن عبدالله بن عمرو بن العاص أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي فإن من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشراً، ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حلت عليه الشفاعة».
وفي تفسير ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ ﴾ يقول: الفخر الرازي[13]: اعلم أن مجامع التكليف محصورة في نوعين لا ثالث لهما. أحدهما: ترك المنهيات وإليه الإشارة بقوله -اتقوا الله- وثانيهما: فعل المأمورات وإليه الإشارة بقوله -وابتغوا إليه الوسيلة- ولما كان ترك المنهيات مقدماً على فعل المأمورات بالذات لا جرم قدمه عليه في الذكر.
والرازي بذلك يرى أن التوسل كما يكون بفعل الطاعات يكون بترك المنهيات - أو كما يكون التوسل بالتحلية يكون بالتخلية.
وفي تفسير المنار يقول رشيد رضا[14] اتقاء الله هو اتقاء سخطه وعقابه، وسخطه وعقابه أثر لازم لمخالفة سننه في الأنفس والآفاق ومخالفة دينه وشرعه الذي يعرج بالأرواح إلى سماء الكمال. والوسيلة إليه هي ما يتوسل به إليه أي ما يرجى أن يتوصل به إلى مرضاته والقرب منه واستحقاق المثوبة في دار كرامته، ولا يعرف ذلك على الوجه الصحيح إلا بتعريفه تعالى، وقد تفضل علينا بهذا التعريف بوحيه إلى رسوله - صلى الله عليه وسلم.
وجاء في النهاية لابن الأثير[15] وسل) في حديث الأذان (اللهم آت محمداً الوسيلة) هي في الأصل: ما يتوصل به إلى الشيء ويتقرب به، وجمعها وسائل، يقال: وسل إليه وسيلة وتوسل، والمراد به في الحديث القرب من الله تعالى، وقيل: هي الشفاعة يوم القيامة، وقيل: منزلة في الجنة كما جاء في الحديث.
فهذه هي الوسيلة في اللسان العربي وفي الفهم الشرعي، ولم نجد من العلماء من قال بأقوال المتأخرين من الضالين: بأنها التقرب إلى الله بواسطة الأنبياء والأولياء والصالحين.
بل يقول شيخ الإسلام العز بن عبدالسلام في رسالته - الوساطة: ومن أثبت الأنبياء وسواهم من مشايخ العلم والدين وسائط بين الله وبين خلقه كالحجاب الذين بين الملك ورعيته بحيث يكونون هم يرفعون إلى الله تعالى حوائج خلقه، وأن الله تعالى إنما يهدي عباده ويرزقهم وينصرهم بتوسطهم بمعنى أن الخلق يسألونهم وهم يسألون الله، كما أن الوسائط عند الملوك يسألون الملك حوائج الناس لقربهم منه، والناس يسألونهم أدباً منهم أن يباشروا سؤال الملك ولأن طلبهم من الوسائط أنفع لهم من طلبهم من الملك لكونهم أقرب إلى الملك من الطالب.
فمن أثبتهم وسائط على هذا الوجه فهو كافر مشرك يجب أن يستتاب فإن تاب وإلا قتل، وهؤلاء مشبهون لله، شبهوا الخالق بالمخلوق، وجعلوا لله أنداداً.
ويرد - الأمير الصنعاني[16] - ادعاء المتخذين الوسائط بأنهم لا يشركون بالله، وليس معنى الالتجاء إلى الأنبياء والأولياء يجعلونهم أنداداً لله إنما يتقربون إلى الله تعالى بأحب خلقه إليه، فيقول: هذا جهل بمعنى الشرك فإن تعظيمهم الأولياء، ونحرهم النحائر لهم -شرك- والله تعالى يقول ﴿ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ﴾ أي لا لغيره، ويقول تعالى:﴿ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا ﴾... فهذا الذي يفعلونه لأوليائهم هو عين ما فعله المشركون وصاروا به مشركين، ولا ينفعهم قولهم: نحن لا نشرك بالله شيئاً، لأن فعلهم أكذب قولهم. والقرآن الكريم قد طلب منا ابتغاء الوسيلة إلى الله علمنا كيف تكون الوسيلة إليه تعالى.
فيتوسل إلى الله بأسمائه وصفاته قال تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾[17]، وقال تعالى:﴿ وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ ﴾[18]، وقال تعالى: ﴿ وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ ﴾[19]، وروى أبو داود، وابن ماجه، وأحمد، والترمذي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سمع رجلاً يقول: اللهم إني أسألك بأنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد فقال: «لقد سأل الله باسمه الأعظم الذي إذا سئل به أعطى وإذا دعا به أجاب».
ويتوسل إلى الله بالأعمال الصالحة قال تعالى: ﴿ رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ ﴾[20]، وقال تعالى في قصة يونس عليه السلام:﴿ فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾[21]، وفي قوله تعالى:﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾[22]، إشارة إلى أن كل قربة تكون وسيلة، فقد قدمت العبادة على الاستعانة لأن العبادة وسيلة إلى الاستعانة وتقديم الوسائل سبب لتحصيل المقاصد، وما رواه البخاري ومسلم عن ابن عمر عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - في قصة الثلاثة أصحاب الغار الذين دهمتهم الصخرة فنظروا أعمالهم الصالحة فتوسلوا بها إلى الله، ففرج عنهم، يشهد لتوسل الإنسان بعمله الصالح.
ويتوسل بدعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - كفاحا - وكذلك بدعاء الأولياء والصالحين، قال تعالى في شأن الرسول - صلى الله عليه وسلم -:﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً ﴾[23]، وقال تعالى:﴿ وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ ﴾[24]، ولما أجدبوا طلبوا منه - صلى الله عليه وسلم - وهو قائم على المنبر أن يدعو الله لهم، فرفع يديه ثم قال:«اللهم أغثنا. اللهم أغثنا» فسقوا. وجاء عمر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستأذنه في العمرة، فأذن له ثم قال:«ولا تنسنا يا أخي من صالح دعائك»[25]، وكان الأسود بن يزيد من صالح التابعين، فقدمه معاوية بن أبي سفيان لصلاة الاستسقاء وقال: اللهم إنا نستشفع إليك بخيارنا، يا يزيد ارفع يديك إلى الله.
فلا يجوز التوسل إلى الله بأهل القبور أياً كانت منزلتهم ولا دعاؤهم والالتجاء إليهم في أي شأن، فقد عد كثير من علماء الإسلام هذا من الأمور الشركية، لأنه دعاء غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله.
والموحد من اجتمع قلبه ولسانه على الله مخلصاً له تعالى الألوهية، وكل من غلا في نبي أو ولي أو صالح فقد جعل فيه نوعاً من الألوهية وما أنزل الله الكتب وأرسل الرسل إلا ليُعبد وحده، ولا يدعى معه غيره، والمشركون الذين عبدوا الشمس والقمر والملائكة والجن والأصنام لم ينفعهم قولهم: هؤلاء شفعاؤنا عند الله، فقد افتروا إثماً عظيماً وضلوا ضلالاً بعيداً.
ويحتج المارقون بالآية التي معنا ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ... ﴾ زاعمين أنه ليس هناك ما يمنع أن تكون وسيلتنا إلى الله من مات من أنبيائه وأوليائه، إذ أنهم أحياء في قبورهم كالشهداء بل أعلى منهم، ويمكنهم دعاء الله للمستغيث بهم، بل يمكنهم أن يعاونوه بأنفسهم كما تعاون الملائكة بن آدم.
ونرد زعمهم: بأن دعوة الأنبياء والأولياء والصالحين لا تسمى وسيلة، فقد أجمع المفسرون على أن الوسيلة في الآية هي التقرب إلى الله بفعل الطاعات وترك المنهيات، ولم ينقل عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولا عن أصحابه ولا التابعين دليل صحيح على التوسل بالأموات، ولم يعرف أن أحداً من الصحابة استغاث برسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد موته، ولا استنصر به، ولما استسقوا بعد موته توسلوا بالعباس بن عبدالمطلب، وقال عمر وهو يقدمه في صلاة الاستسقاء اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا). ولقد كان في قبول أصحاب رسول الله الشهداء في الأمصار عدد كثير، ولم نسمع عن أهل القرون الثلاثة الأولى أنهم قصدوها أو تمسحوا بها، أو دعوا عندها أو سألوا أصحابها جلب الفوائد وكشف الشدائد، ومحال أن يكون ذلك مشروعاً ويصرف عنه السلف، ثم يوفق إليه الخلف الذين يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون.
يحتجون بقول الله تعالى: ﴿ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ ﴾[26]، على أساس أن اليهود كانوا إذا قاتلهم المشركون يقولون (اللهم انصرنا بالنبي المبعوث في آخر الزمان الذي نجد نعته في التوراة... فينصرون).
وردنا عليهم: أن الآية بتمامها تقول: ﴿ وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ ﴾، فلماذا لا يكون استفتاحهم بالكتاب الذي ينزل على النبي، وهو كلام الله، فهم يتوسلون به إليه؟ وعلى فرض أنهم يتوصلون بذات الرسول، فشرع من قبلنا ليس شرعاً لنا، وهل توسلهم كذلك مأخوذ من شرع إلهي أو هو من بدع أحبارهم ورهبانهم وضلالاتهم؟ ثم إن القصة التي جاءت في كتب السيرة[27]، أنه إذا كان بين المشركين واليهود شيء قالوا: إن نبياً مبعوث الآن، قد أظل زمانه نتبعه نقتلكم معه قتل عاد وإرم.
وعليه فاليهود يهددون المشركون باتباعهم للرسول وجهادهم معه وانتصارهم عليهم لأنه قد سبقت كلمة الله لعباده المرسلين، أنهم هم المنصورون.
ولذلك قالت الأوس والخزرج بعضهم لبعض لما عرض الرسول عليهم الإسلام، يا قوم: تعلمون والله إنه النبي الذي توعدكم به يهود فلا يسبقنكم إليه.
يحتجون بقوله تعالى: ﴿ وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ﴾[28]، وبقوله تعالى: ﴿ وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ ﴾[29]، وما دام يجوز التوسل بالحي، فالأنبياء والأولياء أحياء في قبورهم، فيتوسل بهم.
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|