من أسباب محبة الله تعالى عبدا ( التطهر )
محمد محمود صقر
معنى التَّطَهُّرِ، وأنواعُه:
قال الإمام الراغب: طهَر[1]، والفتح أقيس لأنها خلافُ طمثتْ؛ ولأنه يقال: طاهرة وطاهر؛ مثل: قائمة وقائم وقاعدة وقاعد. والطهارة ضربان: طهارةُ جسم وطهارة نفس، وحُمِل عليهما عامَّةُ الآيات. يقال: طهَّرته فطَهُر وتطَهَّر واطَّهَّر فهو طاهر ومتَطَهِّر.
قال تعالى: ﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا ﴾ [المائدة: 6]؛ أي استعملوا الماء أو ما يقوم مقامَه، وقال: ﴿ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ ﴾ [البقرة: 222]، فدل باللفظين على أنه لا يجوز وطؤُهُنَّ إلا بعد الطهارة والتطهير[2]، ويؤكد قراءة من قرأ: [حتى يطهرن][3] أي: يفعلن الطهارة التي هي الغسل. قال تعالى: ﴿ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ﴾ [البقرة: 222]؛ أي التاركين للذنب والعاملين للصلاح، وقال: ﴿ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا ﴾ [التوبة: 108]، و﴿أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾ [الأعراف: 82]، و﴿ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ ﴾ [التوبة: 108]؛ فإنّه يعني تطهير النفس. و﴿ وَمُطَهِّرُكَ مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ [آل عمران: 55]؛ أي مخرجُك من جُملتهم ومنـزِّهُك أن تفعل فعلهم، وعلى هذا ﴿ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ﴾ [الأحزاب: 33]، ﴿ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ ﴾ [آل عمران: 42]، ﴿ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ ﴾ [البقرة: 232]، ﴿ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ ﴾ [الأحزاب: 53]، ﴿ لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ﴾ [الواقعة: 79]؛ أي إنه لا يبلُغ حقائق معرفته إلا من طهَّر نفسه وتنقى من درن الفساد[4].
وقوله: ﴿ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ ﴾ [الأعراف: 82] فإنهم قالوا ذلك على سبيل التهَكُّم حيث قال لهم: ﴿هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ﴾ [هود: 78]، وقوله تعالى: ﴿ لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ ﴾ [النساء: 57، والبقرة: 25]؛ أي مطهراتٌ من درن الدنيا وأنجاسها[5]، وقيل: من الأخلاق السيئة بدلالة قوله: ﴿ عُرُباً أَتْرَاباً ﴾ [الواقعة: 37]، وقوله في صِفَة القرآن: ﴿مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ﴾ [عبس: 14]، وقوله: ﴿ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ ﴾ [المدثر: 4] قيل: معناه نفسك فنقِّها من المعايب، وقوله: ﴿وَطَهِّرْ بَيْتِي﴾ [الحج: 26]، وقوله: ﴿ وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِي ﴾ [البقرة: 125] فحثَّ على تطهير الكعبة من نجاسة الأوثان، وقال بعضهم: في ذلك حثٌّ على تطهير القلب لدخول السكينة فيه المذكورة في قوله: ﴿ هُوَ الَّذِي أَنزلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الفتح: 4].
والطّهُور قد يكون مصدرًا فيما حكى سيبويه[6] في قولهم: تطهَّرتُ طهورًا وتوضَّأْت وضُوءًا فهذا مصدر على فعول ومثله وقدت وقودا، ويكون اسمًا غير مصدر كالفطور في كونه اسمًا لما يُفْطَر به ونحو ذلك الوجور والسّعوط والذّرور[7]، ويكون صفة كالرَّسُول، ونحو ذلك من الصفات وعلى هذا ﴿ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً ﴾ [الإنسان: 21] تنبيها أنه بخلاف ما ذكره في قوله: ﴿ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ ﴾ [إبراهيم: 16]، ﴿ وَأَنزلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً ﴾ [الفرقان: 48]. قال أصحاب الشافعي - رضى الله عنه -: الطهور بمعنى المطهر، وذلك لا يصحّ من حيث اللفظ؛ لأن فَعولا لا يبنى من أفعل وفَعُل، وإنما يُبنى ذلك من فعل[8]. وقيل: إن ذلك اقتضى التطهير من حيث المعنى، وذلك أن الطاهر ضربان: ضربٌ لا يتعداه الطهارة كطهارة الثوب فإنه طاهر غير مطهَّر به، وضرب يتعداه فيجعل غيره طاهرًا به، فوصف اللهُ تعالى الماءَ بأنه طهور تنبيهًا على هذا المعنى[9].
وقال ابن الأثير:
طهر فيه "لا يَقْبلُ اللهُ صلاةً بغير طُهُور" الطُّهُور بالضم: التَّطَهُّر وبالفَتح الماءُ الذي يُتَطهَّر به كالوُضُوء والوَضوء والسُّحُور والسَّحور. وقال سيبويه: الطَّهور بالفتح يقَع على الماء والمصْدَر مَعًا فَعَلى هذا يجوز أن يكونَ الحديث بفتح الطاء وضمِّها والمرادُ بهما التطهُّر. وقد تكرر لفظُ الطَّهارة في الحديث على اختلافِ تصرُّفِه. يقال: طَهَر يَطْهُر طُهْرًا فهو طاهِر، وطَهُر يَطْهُر وتَطَهَّر يَتَطَهَّر تَطهُّرًا فهو مُتَطهِّر. والماء الطَّهُور في الفِقْه هو: الذي يَرفَعُ الحدَث ويُزيل النَّجَسَ لأن فَعُولاً من أبْنية المُبَالغة فكأنَّه تنَاهى في الطَّهَارة. والماءُ الطَّاهرُ غيرُ الطَّهُور هو: الذي لا يَرْفَع الحدَث ولا يُزِيل النَّجَسَ كالمُسْتَعْمَل في الوُضوء والغُسْل، ومنه حديث ماء البحر "هو الطَّهُورُ ماؤُه الحِلُّ مَيْتَتُه"[10]؛ أي المُطَهِّر[11].
ونخلُص من قول الإمامين بجملة معانٍ هي:
1- الطهر والطهارة والتطهر والطهور مشتقات من أصلٍ واحد هو "طهر"، وتدور كلها حول: النظافة، وتنقية الخبث الحسي الملموس والمعنوي المدرك بالعقل والمنعكس في الأفعال النافعة النقيّة.
2- بين هذه المشتقات خلافٌ؛ حيث يختص كل مشتق بمعنى في التطهر، وهو أصلُها جميعا، فالطهر اسمٌ جامع لكل شيءٍ نقيٍّ من الخبث والنجس، وأيضًا بمعنى الطِّيبة؛ فالطاهر: الطيِّب، والطهارة: النظافة وتُطلق على الختان. والطهارة شرطٌ لممارسة أركان الدين كالصلاة والصيام والحج؛ لكن طهارةَ الصلاة يشترط فيها أن تكون طهارة من الحدثين الأكبر والأصغر، وطهارة الحج[12] والصوم يشترط فيها الطهارة من الحدث الأكبر فقط (كالجنابة والحيض والنفاس). والطهارة أيضًا الزكاة؛ أي طهارةُ المال من حقِّ من لهم فيه حقّ.. قال تعالى: ﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا ﴾ [التوبة: 103]. كما تجب الطهارة على من دخل الإسلام لتوِّه؛ لحديث فاطمة بنت الخطاب مع أخيها عمر -رضي الله عنهما- فقد اشترطت عليه الطهارة حتى يمس الصحيفة التي فيها قرآن[13]، وبين العلماء خلافٌ في حكم طهارة الداخل في الإسلام لتوِّه؛ بحيث يغتسل، ويتوضأ، ويختتن إن كان غير مختتن، ويدور خلافهم ما بين استحباب هذه الأمور ووجوبها[14].. إلخ.
3- أما التَّطَهُّر فهو المجاهدة ضد الخبائث بكل أنواعها.. الحسية كالبول والغائط والجنابة والحيض والنفاس، وما يَطال الثوب والجسم من نجاساتٍ في الطريق ونحوه، وكذلك الخبائث الباطنية المعنوية كالكبر والحسد والرياء والشركيات والبدع بسائر أصنافها وأنواعها، والتطهر محل محبة الله تعالى، وهو درجةٌ أعلى من الطهر والطهارة؛ لأنَّ كل واحد من هذين مرةً واحدة، أما هذا فيوالى بينه، ويحدثه المرء مرَّة بعد مرة.. كلما أصابته نجاسة أو خَبَث سارع بالتطهر منه بالغسل والمسح والصعيد الطيِّب، والاستغفار والتوبة والذكر ومحاسبة النفس وتنقيتها، وهذا التطهر بمعنى جهاد النفس؛ بل هو أعمُ منه؛ حيث يشمل أيضًا التطهر المادي الذي لا يشمله جهاد النفس الذي قيل عنه في الحديث الضعيف جهاد أكبر[15].
4- وأما الطَّهُور فهو الشيء المطهر به كالماء، وخُصّ في الفقه بماء الوضوء؛ فيقال جئت النبي - صلى الله عليه وسلم - بطَهور أي بماء ليتوضأ.
5- والطُّهْر ضد لكل نجس وخبث وحدث وطمث ورجس وإثم ورذيلة وخسة وقبح. فهو اسم جامع لكل طيّب وفاضل ونقي وشريف.. إلخ.
6- والتطهر هو فعل الطهر؛ فالمتوضئ متطهر من الحدث الأصغر؛ والمغتسل متطهر من الحدث الأكبر، والمستغفر متطهر من الإثم الذي اقترفه.. إلخ.
أولاً: التخلُّص من إثم ودنس الجماع المحرّم:
يقول عز مِن قائل: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمْ اللهُ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ﴾ [البقرة: 222].. من خلال المأثور الصحيح في تفسيرها يمكن استنباط التالي[16]:
1- سبب نزول الآية: روى أحمد وعبد بن حميد والدارمي ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأبو يعلى وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه وابن حِبَّان والبيهقي في سننه عن أنس "أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة منهم أخرجوها من البيت ولم يؤاكلوها ولم يشاربوها ولم يجامعوها في البيوت، فسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك فأنزل الله ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ﴾ الآية؛ فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "جامعوهن في البيوت، واصنعوا كل شيءٍ إلاَّ النكاح"، فبلغ ذلك اليهود فقالوا: ما يريد هذا الرجلُ أن يَدع من أمرنا شيئًا إلا خالفنا فيه! فجاء أسيدُ بنُ حضير وعبَّاد بن بشر فقالا: يا رسول الله! إن اليهود قالت كذا وكذا أفلا نجامعُهنّ؟ فتغيَّر وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى ظننا أن قد وجَد عليهما فخرجا فاستقبلهما هديَّة من لبن إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأرسل في أثرهما فسقاهما فعرفا أنه لم يجد عليهما"[17]. وأخرج النسائي والبزار، واللفظ له، عن جابر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قوله تعالى ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ﴾ قال: "إن اليهود قالوا: من أتى المرأة من دُبُرِها كان ولدُه أحولَ، وكان نساء الأنصار لا يدعن أزواجَهُنُّ يأتونهن من أدبارهن، فجاؤوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسألوه عن إتيان الرجل امرأتَه وهي حائض، فأنزل الله ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ ﴾ [البقرة: 222] بالاغتسال ﴿ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمْ اللهُ ﴾ [18].
2- اعتزال الحائض الذي في قوله تعالى: ﴿ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ﴾، أخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله ﴿ قُلْ هُوَ أَذًى ﴾ قال: الأذى الدم، وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن قتادة في قوله ﴿ قُلْ هُوَ أَذًى ﴾ قال: هو قذر، وأخرج ابن المنذر عن أبي إسحق الطالقاني عن محمد بن حمير عن فلان بن السري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "اتقوا النساء في المحيض فإن الجذام يكون من أولاد الحيض"[19].
3- معنى الحرث: في قوله تعالى ﴿ نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ ﴾ [البقرة: 223]: إنما الحرث موضعُ الولد.
4- منع إخراج الحائض من البيت: وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس أن القرآن نزل في شأن الحائض والمسلمون يُخرِجونهن من بيوتهن كفعل العجم، فاستفتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك فأنزل الله ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ﴾، فظن المؤمنون أن الاعتزال كما كانوا يفعلون بخروجهن من بيوتهن حتى قرأ آخر الآية ففهم المؤمنون ما الاعتزال؛ إذ قال الله ﴿ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ ﴾[20].
5- مخالفة اليهود والمشركين في نكاحهم: وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال: كان أهل الجاهِليّة لا تساكنهم حائضٌ في بيت ولم يؤاكلوهم في إناء فأنزل الله الآية في ذلك، فحرّم فرجها مادامت حائضًا وأحلَّ ما سوى ذلك[21]. وأخرج البخاري ومسلم عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لها وقد حاضت: "إن هذا أمرٌ كتبَه الله على بنات آدم"[22]، وأخرج عبد الرزاق في المصنف وسعيد بن منصور ومسدد في مسنده عن ابن مسعود قال: كان نساء بني إسرائيل يُصلِّين مع الرجال في الصف فاتخذن قوالب يتطاولن بها لتنظر إحداها إلى صديقها فألقى الله عليهنّ الحيض ومنعهن المساجد، وفي لفظ: فألقى عليهن الحيض فأُخرن.. قال ابن مسعود: فأخروهن من حيث أخرهنَّ الله[23]. وأخرج عبد الرزاق عن عائشة قالت: كان نساء بني إسرائيل يتخذن أرجُلاً من خشب يتشوَّفْن للرجال في المساجد فحرّم الله عليهن المساجد وسُلِّطت عليهن الحيضة[24].
6- اسم الحيض: وأخرج أحمد والبيهقي في سننه عن يزيد بن بابنوس قال: قلت لعائشة: ما تقولين في العراك؟ قالت: الحيض تعنون؟ قلنا: نعم، قالت: سمُّوه كما سماه الله[25].
7- مُدَّة الحيض: وأخرج الدارقطني عن عطاء بن أبي رباح قال: أدنى وقت الحائض يوم[26]، وأخرج الدارقطني عن عطاء قال: أكثر الحيض خمسة عشر[27]، وأخرج الدارقطني عن شريك وحسين بن صالح قال: أكثر الحيض خمسة عشر[28]، وأخرج الطبراني عن شريك قال: عندنا امرأةٌ تحيض خمسةَ عشر من الشهر حيضًا مستقيمًا صحيحًا[29]، وأخرج الدارقطني عن الأوزاعي قال: عندنا امرأةٌ تحيضُ غدوةً وتطهر عشية[30].
8- كيف يباشِرُ الحائض؟ أخرج أبو داود والبيْهقي عن بعض أزْوَاج النبي - صلى الله عليه وسلم - "أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أراد من الحائض شيئًا ألقى على فرجِها ثوبًا ثم صنَع ما أراد"[31]، وأخرج عبد الرزَّاق وابن جرير والنحاس في "ناسخِه" والبيهقي عن عائشة أنها سُئِلَت: ما للرجل من امرأتِه وهي حائضٌ؟ فقالت: كلّ شيءٍ إلا فرجها[32]. وأخرج ابنُ أبي شيبة والبخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجه عن عائشة قالت: "كانت إحدانا إذا كانت حائضًا فأرادَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أن يباشرَها أمرَها أن تتَّزِر في فوْرِ حَيْضتها ثم يباشرُها، قالت: وأيُّكم يملك أربَه كما كان رسول الله يملِك أربه؟"[33]. وأخرج ابنُ أبِي شيبة والبخاري ومسلم وأبو داودَ والبيهقي عن ميمونةَ قالت: "كان رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أن يباشِر امرأةً من نسائه أمرَها فاتَّزَرت وهي حائض"[34]. وأخرج ابنُ أبي شيبةَ وأبو داود والنسائي عن ميمونة "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يباشر المرأة من نسائه وهي حائض إذا كان عليها إزار إلى أنصاف الفخذين أو الركبتين محتجزة به"[35]. وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن عائشة قالت: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا حضت يأمرني أن أتزر ثم يباشرني"[36]. وأخرج أبو داود وابن ماجه عن عبد الله بن سعدٍ الأنصاريِّ "أنه سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يحلُّ لي من امرأتي وهي حائضٌ؟ فقال: "لك ما فوق الإزار"[37]. وأخرج مالك والشافعي والبيْهقي عن نافعٍ عن عبدِ الله بنِ عمر أرسل إلى عائشةَ يسألُها: هل يباشر الرجلُ امرأتَه وهي حائض؟ فقالت: لتشدّ إزارَها على أسفَلِها ثم ليباشرْها إن شاء[38].
9- عِبادة زوج الحائض: أخرج أبو داود والنسائي والبيهقي عن عائشة قالت: "كنت أنا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - نبيت في الشعار الواحد وأنا حائض طامث فإن أصابه مني شيء غسل مكانه لم يعْدُه، وإن أصاب ثوبه مني شيء غسل مكانه لم يعْدُه، وصلَّى فيه"[39].
10- الحياة مع الحائض: أخرج البخاريّ ومسلمٌ والنسائيّ عن أم سلمة قالت: "بينا أنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - مضطجِعَةٌ في خميصة إذ حِضت فانسللت فأخذت ثيابَ حَيْضتي فقال: "أنفست"؟ قلت: نعم، فدعاني فاضطجعتُ معه في الخميلة"[40]، وأخرج ابن ماجه عن أم سلمة قالت: "كنت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في لحافِه فوجدت ما تجد النساء من الحيْضة فانسللت من اللِّحاف؛ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أنفِسْتِ"؟ قلتُ: وجدت ما تجدُ النساءُ من الحيضة، قال: "ذاك ما كُتِب على بنات آدم"، قالت: فانسللْتُ فأصلحْتُ من شأنِي ثم رجعت، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "تعالَيْ فادخُلي معي في اللِّحاف"، قالت: فدخلتُ معه"[41]. وأخرج ابن ماجه عن معاوية بن أبي سفيان أنه سألَ أمَّ حبيبةَ: كيف كنتِ تصنعين مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فِي الحيض؟ قالت: كانت إحدانَا في فوْرِها أوَّل ما تحيضُ تشدُّ عليها إزارًا إلى أنصاف فخِذَيها ثم تضطجع مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[42]. وأخرج الترمذيُّ وصححه عن عبد الله بن سعدٍ قال: سألتُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - عن مؤاكلة الحائض؟ فقال: "واكلها"[43].
يتبع