تقوى الله عز وجل
تقوى الله من أكبر أسباب تفريج الكروب، من هم، وغم، وحزن، ونحوها، قال الله عز وجل: { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ } [الطلاق: 2، 3] قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: قال: ابن مسعود: إن أكبر آية في القرآن فرجاً: { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا } وعن ابن عباس ينجيه من كل كرب في الدنيا والآخرة.
وقال الله سبحانه وتعالى: { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} [الطلاق: 4] قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: أي يسهل له أمره وييسره عليه ويجعل فرجاً قريباً ومخرجاً عاجلاً.
وقال الله عز وجل {فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [الأعراف: 35] فمن اتقى ما حرم من الشرك الأكبر والأصغر، والذنوب كبيرها وصغيرها، وأصلح أعماله الظاهرة والباطنة، انتفى عنه الخوف والحزن، وذهبت همومه وغمومه، وحصلت له السعادة والفرح والسرور.
قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله: الغالب أنه لا ينزل به شدة إلا إذا انحرف عن جادة التقوى، فإما الملازم لطريق التقوى فلا آفة تطرقه، ولا بلية تنزل به، هذا هو الأغلب، فإن وجد من تطرقه البلايا مع التقوى، فذاك في الأغلب لتقدم ذنب يجازي عليه، وقال رحمه الله: ضاق بي أمر أوجب غماً لازماً دائماً، وأخذت أبالغ في الفكر في الخلاص من هذه الهموم، بكل حيلة وبكل وجه، فما رأيت طريقاً للخلاص فعرضت لي هذه الآية: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا } [الطلاق: 2] فعلمت أن التقوى سبب للمخرج من كلِّ غمِّ فما كان إلا أن هممت بتحقيق التقوى فوجدت المخرج.
الدعاء بتضرع وإلحاح
الدعاء من أنفع الأدوية لدفع الأحزان والهموم قبل وقوعها، فعن أنس رضي الله عنه قال: كنتُ أخدم النبي صلى الله عليه وسلم فكنتُ أسمعهُ يكثر أن يقولُ: ( اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والبُخل والجُبن، وضلع الدين، وغلبة الرجال ) [متفق عليه]والدعاء من أنفع الأدوية الإيمانية لزوال الهموم وذهاب الأحزان بعد وقوعها، فالإنسان عندما يبثّ همومه وأحزانه لعبد مثله يحسّ براحة وهدوء نفسي، مع أن المبثوث له عبد مثله، لا يملك شيئاً، فكيف بمن يلجأ إلى مالك السموات والأرض جل جلاله، من بيده مفاتيح الشفاء والفرج، لا شك أنه سوف سيجد كل خير، وستزول همومه، وتذهب أحزانه، قال الله عز وجل: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} [الأنبياء: 87، 88] قال الإمام الشنقيطي رحمه الله: وقوله تعالى {وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} [الأنبياء: 88] يدل على أنه ما مؤمن يصيبه الكرب والغم فيبتهل إلى الله داعياً بإخلاص إلا نجاه الله من ذلك الغم ولا سيما إذا دعا بدعاء يونس هذا، وقد جاء في حديث مرفوع عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في دعاء يونس المذكور ( لم يدع به مسلم ربه في شيء قط إلا استجاب له ) رواه أحمد والترمذي وابن أبي حاتم وغيرهم والآية الكريمة شاهدة لهذا الحديث شهادة قوية"
المحزون ينبغي له بثُّ همومه لخالق الخلق كما فعل يعقوب عليه السلام قال عز وجل {قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ } [يوسف: 86]قال الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله: ما أشكو همِّي وحزني إلا إلى الله
ومن وفقه الله لقيام الليل، والناس نيام، فصلى ما تيسر له، ودعا ربه متضرعاً خائفاً وجلاً، فحري أن تذهب همومه وأحزانه، فالحزن يزول بسجدة والفرح يأتي بدعوة، يذكر الشيخ عبدالله العنزي في كتابه " أفزع إلى الصلاة " قصة خال الشيخ عبدالعزيز العقل وكان رجلاً صالحاً يقول عن نفسه: كنتُ منذ أن ولدت أعمى، دميماً، قصيراً، فقيراً، ووالدي فقير، وأمي فقيرة، كنت مشتاقاً للزواج، فجئت إلى والدي، وقلت: إني أريد الزواج، فضحك، وقال: هل أنت مجنون ؟ من الذي سيزوجك ؟ أنت أعمى ونحن فقراء، والحقيقة أن والدي ضربني بكلماته، فذهبت إلى والدتي أشكو لها الحال، وكدت أبكى عند والدتي، فإذا بها مثل الأب، وفي ليلة من الليالي قلت لنفسي: عجباً لي أين أنا من ربي أرحم الراحمين ؟ أنكسر أمام أمي وأبي، وهم عجزة، لا يستطيعون شيئاً، ولا أقرع باب إلهي، القادر، المقتدر، فصليت في آخر الليل، ورفعت يدي إلى الله عز وجل، فقلت: إلهي وسيدي ومولاي.. لا إله إلا أنت، تعلم ما في نفسي من وازع إلى الزواج وليس لي حيلة ولا سبيل... اعتذر أبي لعجزه، وأمي لعجزها، اللهم أنهم عاجزون، وأنا أعذرهم لعجزهم، وأنت الكريم الذي لا تعجز.. يا أكرم من دعي.. يا أرحم الراحمين قيّض لي زواجاً مباركاً صالحا، طيباً عاجلاً تريح به قلبي وتجمع به شملي كنت أدعو وعيناي تبكيان وقلبي منكسر بين يدي الله عز وجل وقد كنت مبكراً بالقيام، وبعد الصلاة والدعاء، نعست فرأيت في المنام أنني في مكان حار كأنه لهب نار، وبعد قليل إذا بخيمة نزلت علي من السماء خيمة لا نظير في جمالها وحسنها حتى نزلت فوقي وغطتني..فاستيقظت وأنا مسرور من الرؤيا، فسألت معبر للرؤيا عنها، فقال: أذهب وانظر أطيب بنت في خاطرك، واخطبها فإن الباب مفتوح لك.. ففكرت في فلانة وهي معروفة بالجمال وطيب الأصل، فخطبتها، فوافقوا وتزوجتها.
قراءة القرآن وسماعه بتدبر وقبول
القرآن شفاء من كل داء قال عز وجل: { وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء: 82] وقال عز وجل: { وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ} [فصلت: 44] قال ابن القيم رحمه الله: فلم ينزل الله سبحانه من السماء شفاء قط أعم ولا أنفع ولا أعظم ولا أنجع في إزالة الداء من القرآن..فتبارك من جعل كلامه شفاءً لصدور المؤمنين، وحياةً لقلوبهم، ونوراً لبصائرهم، وغذاءً لقلوبهم، ودواءً لسقامهم".
القرآن من أعظم أسباب ذهاب الهم الحزن فعن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما أصاب عبداً هم ولا حزن فقال: اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماضٍ في حكمك، عدل فيَّ قضاؤك، أسالك بكل اسمٍ هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور بصري وجلاء حُزني، وذهاب همِّي، إلا أذهب الله همه وحزنه وأبدله مكانه فرحاً وسروراً)[أخرجه أحمد] قال ابن القيم :لما كان الحُزنُ والهمُّ والغمُّ يُضادُ حياة القلب واستنارته، سأل أن يكون ذهابها بالقرآن فإنها أحرى أن لا تعود، وأما إن ذهبت بغير القرآن من صحةٍ أو دنيا أو جاه أو زوجةٍ أو ولدٍ فإنها تعود بذهاب ذلك وقال: كتاب الله هو الشفاء النافع، وهو أعظم الشفاء..فعلى العبد أن يرتع قلبه في رياض القرآن وأن يتعزى به عن كل مُصيبة، ويستشفي به من أدواء صدره، فيكون جلاء حزنه وشفاء همه وغمه، وقال : الفاتحة .الشفاء التام والدواء النافع والرقية التامة. ودافعة الهم والغم والخوف والحزن لمن عرف مقدارها وأعطاها حقها وأحسن تنزيلها على دائه وعرف وجه الاستشفاء والتداوي بها
ملازمة الاستغفار
عن ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجاً، ومن كل همٍّ فرجاً، ورزقه من حيث لا يحتسب) [أخرجه أبو داود] فمن لزم الاستغفار، زالت همومه، وانجلت أحزانه، وجعل الله مخرجاً مما أصابه، من ضيق صدر، قال الإمام الشوكاني رحمه الله: في الحديث فضيلة عظيمة، وهي أن الاستكثار من الاستغفار، فيه المخرج من كل ضيق، والفرج من كل همِّ، وحصول الأرزاق، من حيث لا يحتسب، فمن حصل له ذلك، عاش في نعمة سالماً من كل نقمة، وقال الإمام السهارنفوري رحمه الله: ( من كل ضيق ) أي شدة ومحنة، ( فرجاً ) أي خلاصاً، وقال الإمام محمد أشرف العظيم آبادي رحمه الله: ( مخرجاً ) أي طريقاً وسبباً يُخرجُ إلى سعة ومنحة، وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: الإنسان إذا لزم الاستغفار، جعل الله من كُلِّ همٍّ فرجاً، ومن كُلِّ ضيقٍ مخرجاً.
رؤية نعم الله الظاهرة والباطنة
قال العلامة السعدي رحمه الله: التحدث بنعم الله الظاهرة، والباطنة... يدفع الله به الهم، والغم، ويحثّ العبد على الشكر، الذي هو أرفع المراتب، وأعلاها، حتى ولو كان العبد في حالة فقر، أو مرض، أو غيرهما، من أنواع البلايا، فإنه إذا قابل بين نعم الله عليه، التي لا يحصى لها عد، ولا حساب، وبين ما أصابه من مكروه، لم يكن للمكروه إلى النعم نسبة.... وكلما طال تأمل العبد بنعم الله الظاهرة والباطنة، الدنية والدنيوية، رأى ربه قد أعطاه خيراً كثيراً، ودفع عنه شروراً متعددة، ولا شك أن هذا يدفع الهموم والغموم، ويوجب الفرح والسرور.
الإكثار من الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم
عن أُبي بن كعب رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله إني أكثر الصلاة عليك فكم أجعل لك من صلاتي ؟ قال: (ما شئت) قلت: الربع ؟ قال: (ما شئت، فإن زدت فهو خير لك) قلت: النصف ؟ قال: (ما شئت، وإن زدت فهو خير لك) قلتُ: فالثلثين ؟ قال: (ما شئت، فإن زدت فهو خير لك ؟) قُلتُ: أجعلُ لك صلاتي كُلها ؟ قال: (إ ذاً تُكفى همَّك، ويُغفرُ لك ذنبك) [أخرجه الترمذي] قال العلامة ابن القيم رحمه الله: من الفوائد والثمرات الحاصلة بالصلاة عليه صلى الله عليه وسلم أنها سبب لكفاية الله العبد ما أهمَّه، وقال الإمام الشوكاني رحمه الله: قوله: جعلتُ لك صلاتي كلها، المراد بالصلاة هنا الدعاء، ومن جملته الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس المرد الصلاة ذات الأذكار والأركان، وقوله: ( إذن تكفى همك، ويغفر ذنبك ) في هذين الخصلتين جماع خير الدنيا والآخرة، فإن من كفاه الله همه سلم من محن الدنيا وعوارضها، لأن كل محنة لا بدّ لها من تأثير الهم، وإن كانت يسيرة.
أكل التلبينة
أكلُ التلبينة يٌخفف الحزن، فعن عائشة رضي الله أنها كانت تأمرُ بالتلبينة للمريض، وللمحزون على الهالك، وتقول أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( إن التلبينة تجمُّ فؤاد المريض، وتذهبُ ببعض الحزن ) [أخرجه البخاري] قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: التلبينة حساء يعمل من دقيق أو نخاله ويجعل فيه عسل، ( تجمُّ): المعنى أنها تريح فؤاده، وتُزيلُ عنه الهم، وتنشطه".
وقد ذكر أحد الرقاة أنه نصح بها كثيراً من المحزونين والمكتئبين والمهمومين، وأن غالب الحالات بفضل الله تم شفاؤها، خاصة إذا كانت الحالة في بداية الحزن.
طلب العلم المورث عن النبي علية الصلاة والسلام
قال العلامة ابن القيم رحمه الله: العلم.. يشرح الصدر، ويوسعه حتى يكون أوسع من الدنيا، والجهل يورثه الضيق والحصر والحبس، فكلما اتسع علم العبد، انشرح صدره واتسع، وليس هذا لكل علم، بل للعلم المورث عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو العلم النافع، فأهله أشرحُ الناس صدراً، وأوسعهم قلوباً، وأحسنهم أخلاقاً، وأطيبهم عيشاً.
مجالسة الصالحين والابتعاد عن الوحدة
ما يخفف الهموم، ويذهبها، ويجلو الأحزان، ويطردها، مجالسة أهل العلم والخير، وسماع نصائحهم، وتوجيهاتهم، وعلى رأسهم العلماء، وطلبة العلم، فكم من همٍ أزالوه، قال يعقوب بن بختان: ولد لي سبع بناتٍ، فكنتُ كلَّما ولد لي ابنة، دخلتُ على أحمد بن حنبل فيقول لي: يا أبا يوسف، الأنبياء آباء بنات، فكان يُذهبُ قولُهُ همِّي.
ومات ولد لرجل من السلف، فعزاه الناس، وهو في حزن شديد، فجاءه الفضيل بن عياض فقال له: يا هذا أرأيت لو كنت وابنك في سجن، فأفرج عن ابنك قبلك، أما كنت تفرح ؟ قال: بلى، فقال الفضيل فإن ابنك خرج من سجن الدنيا قبلك فسري عن الرجل وقال: تعزيت
قال الشيخ عبدالعزيز بن محمد السدحان: الاجتماع بالجلساء الصالحين والاستئناس بسماع حديثهم والاستفادة من ثمرات كلامهم وتوجيهاتهم، فالجلوس مع هؤلاء مرضاة للرحمن، مسخطة للشيطان، فلازم جلوسهم ومجالسهم، واطلب مناصحتهم ترى في صدرك انشراحاً وبهجة، ثم إياك والوحدة.. لا جليس لك ولا أنيس خاصة عند اشتداد الأمور عليك، فإن الشيطان يزيد العبد وهناً وضعفاً إذا كان وحيداً.
الإحسان إلى الناس بالصدقات وتفريج الكروب
قال عز وجل: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 274] وقال عز وجل { الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 262] قال ابن عثيمين رحمه الله: الإنفاق يكون سبباً لشرح الصدر، وطرد الهم والغم لقوله تعالى: { وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } وهذا أمر مجرب مشاهد أن الإنسان إذا أنفق يبتغي بها وجه الله انشرح صدره, وسرت نفسه, واطمأن قلب, وقال ابن القيم رحمه الله: المتصدق كلما تصدق بصدقة انشرح لها قلبه وانفسح بها صدره وقوي فرحه وعظم سروره, وقال : من أسباب شرح الصدر الإحسان إلى الخلق ونفعهم بما يمكن من المال فإن الكريم المحسن أشرح الناس صدراً وأطيبهم نفساً وأنعمهم قلباً والبخيل..أضيق الناس صدراً، وأنكدهم عيشاً وأعظمهم همّاً وغمّاً، قال السعدي رحمه الله:من الأسباب التي تزيل الهم والغم والقلق الإحسان إلى الخلق بالقول والفعل، وأنواع المعروف..وبها يدفعُ الله عن البر والفاجر الهموم والغموم بحسبها ولكن للمؤمن منها أكمل الحظ والنصيب ويتميز بأن إحسانه صادر عن إخلاص، واحتساب لثوابه، فيهون الله عليه بذل المعروف، لما يرجوه من الخير، ويدفعُ عنه المكارة، بإخلاصه واحتسابه، قال الله تعالى: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 114] فأخبر تعالى أن هذه الأمور كلها خير ممن صدرت عنه والخير يجلب الخير ويدفع الشر وأن المؤمن المحتسب يؤتيه الله أجراً عظيماً ومن جملة الأجر العظيم زوال الهم والغم.
ترك فضول النظر والكلام والمخالطة
قال العلامة ابن القيم رحمه الله: فضول النظر والكلام والاستماع والمخالطة، والأكل، والنوم، هذه الفضول تستحيل آلاماً، وغموماً، وهموماً في القلب، تحصره وتحبسه، وتضيِّقهُ، ويتعذب بها، بل غالب عذاب الدنيا والآخرة منها، فلا إله إلا الله، ما أضيق صدر من ضرب في كل آفة من هذه الآفات بسهم، وما أنكد عيشه، وما أسوأ حاله.
صيام النافلة
كثرة الصيام نفلاً يجلو الأحزان ويذهب الهموم، قال ابن القيم رحمه الله: الصوم جنة من أدواء الروح والقلب والبدن منافعه تفوت الإحصاء وله تأثير عجيب في حفظ الصحة..وفيه خاصية تقتضي إيثاره، وهي تفريحه للقلب عاجلاً وآجلاً
العمل وترك البطالة والكسل
الكسل جالب للهموم والغموم، قال العلامة ابن القيم رحمه الله: ولهذا تجد الكُسالى أكثر الناس همًّا وغمًّا وحزناً، ليس لهم فرح ولا سرور، بخلاف أرباب النشاط، والجدِّ في العمل، وقال العلامة السعدي رحمه الله: ومن أسباب دفع القلق الناشئ عن توتر الأعصاب، وإشغال القلب ببعض المكدرات: الاشتغال بعمل من الأعمال، أو علم من العلوم النافعة، فإنها تلهي القلب عن اشتغاله بذلك الأمر، الذي أقلقه، وربما نسي بسبب ذلك الأسباب التي أوجبت له الهم، والغم، ففرحت نفسه، وازداد نشاطه.. فكم من إنسان ابتلي بالقلق، وملازمة الأكدار، فحلت به الأمراض المتنوعة، فصار دواؤه الناجع: نسيان السبب الذي كدره، وأقلقه، واشتغاله بعمل من مهماته، وينبغي أن يكون الشغل الذي يشتغل فيه مما تأنس به النفس، وتشتاقه، فإن هذا أدعى لحصول هذا المقصود النافع، والله أعلم.
إخراج دغل القلب من الصفات المذمومة
من أراد جلاء أحزانه وذهاب همومه فليتخلص من آفاته القلبية قال العلامة ابن القيم رحمه الله: من أسباب شرح الصدر... بل من أعظمها إخراج دغل القلب من الصفات المذمومة التي توجب ضيقه وعذابه، وتحول بينه وبين البُرء، فإن الإنسان إذا أتى الأسباب التي تشرح صدره، ولم يُخرج تلك الأوصاف المذمومة من قلبه، لم يحظ من انشراح صدره بطائل، وغايته أن يكون له مادتان تعتوران على قلبه، وهو للمادة الغالبة عليه منهما.
الجهاد في سبيل الله
عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عليكم بالجهاد في سبيل الله، فإنه باب من أبواب الجنة، يذهبُ الله به الهمَّ، والغمَّ) [أخرجه الطبراني في الأوسط] قال العلامة ابن القيم رحمه الله: فلو لم يكن في النضال إلا أنه يُزيل الهمَّ، ويدفع الغمَّ عن القلب، لكان ذلك كافياً في فضله، وقد جرَّب ذلك أهله، وقال رحمه الله: تأثير الجهاد في دفع الهم والغم أمر معلوم بالوجدان، فإن النفس متى تركت صائل الباطل وصولته واستيلاءه، اشتد همُّها وغمُّها وكربها وخوفها، فإذا جاهدته لله أبدل الله ذلك الهمِّ والحُزنَ فرحاً ونشاطاً وقوةً ،كما قال الله تعالى: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ * وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ} [التوبة: 14، 15] فلا شيء أذهب لجوى القلب وغمه وهمِّه وحزنه من الجهاد.
كتبه/ فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ