عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 13-09-2020, 03:27 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,685
الدولة : Egypt
افتراضي كن لليتيم كالأب الرحيم

كن لليتيم كالأب الرحيم


الشيخ محمد كامل السيد رباح







الحمد لله رب العالمين ونشهد أن لا إله الا الله وحده لا شريك له ونشهد أن محمدًا عبده ورسوله وبعد.




أيها المسلمون:

إن الحالة الاجتماعية التي يمر بها اليتيم خلال فترة طفولته تستوجب الكثير من الاهتمام من قبل المجتمع وخاصة المحيطين به، ففقدان الأب ليس بالشيء السهل على طفل لم يبلغ الحلم، ففي مثل هذه السن يكون الطفل أحوج ما يكون إلى رعاية الأب وإرشاداته وتوجيهاته وعنايته به لكي يمارس دوره الطبيعي في الحياة، ويترتب على إهمال حالة اليتيم في المجتمع عواقب وخيمة تظهر آثارها عليه وعلى مجتمعه، فينبغي أن تأخذ مثل هذه الحالة الاجتماعية مقدارها من الاهتمام، بأن يمارس اليتيم الحياة الطبيعية لمثل سنه وان يكون موضع عناية خاصة تهتم بشؤونه تعوضه عما فقده من حنان الأبوة، لكي لا يتعرض لإحباطات تؤدي به الى التشاؤم من وضعه مما يدعوه الى عدم التكيف مع مجتمعه ومن ثم يكون ناشزاً في حياته فيحاول إثبات ذاته بردود فعل عدائية وسلوكيات منحرفة أو بانطوائية يائسة تنظر الى المجتمع بنفور واشمئزاز.




ونجد ان الدين الإسلامي الحنيف يحضنا على الأخذ بنظر الاعتبار حالة اليتيم وغيرها من الحالات الاجتماعية ومشاكلها واضعاً الحلول المناسبة والملائمة لكل مشاكل المجتمع، فنراه يرافق الإنسان منذ تكوينه واضعاً له منهجاً قويماً لممارسة حياته بشكل سليم.




فقد أولى ديننا الإسلامي الحنيف عناية خاصة باليتيم حينما فرض على المجتمع رعايته وكلف كل فرد من أبنائه بذلك، ونرى العناية الإلهية تتجلى في أبهر صورها حينما تتبنى مشكلة تعاني منها المجتمعات في جميع الأدوار والمراحل التاريخية إلا وهي مشكلة اليتامى، فالأطفال الذين يفقدون اليد التي تحنو عليهم يبقون في مهب الريح العاتية وعرضه للرذائل والانحراف لذلك أحاطت الرحمة الإلهية اليتيم وأولته حصة وافرة من العناية لئلا ينشأ فاقداً للتوجيه ويصبح عاهة وعالة على مجتمعه، فإهمال اليتيم يساوي إهمال المجتمع وهدم كيانه.



الكفالة لغة:

مصدر قولهم: كفل به يكفل كفالة، وهو مأخوذ من مادّة (ك ف ل) الّتي تدلّ على تضمّن الشّي ء للشّيء. يقول ابن فارس: ومن الباب الكفيل وهو الضّامن، والكافل، وهو الّذي يكفل إنسانا يعوله، وقال صاحب البصائر: الكفالة: الضّمان.




يقال: هو كافيه وكافله، وهو يكفيني ويكفلني: أي يعولني وينفق عليّ، وأكفلته إيّاه وكفّلته (بمعنى)، وهو كفيل بنفسه وبماله.. والكافل: العائل والضّامن.




اليتيم في اللّغة اسم على وزن فعيل مأخوذ من قولهم: يتم الصّبيّ ييتم يتما ويتما، قال الجوهريّ: اليتيم في النّاس من قبل الأبوقال ابن منظور: اليتم: الانفراد، واليتيم الفرد، واليتم فقدان الأب.



كفالة اليتيم اصطلاحا:

قال ابن حجر: كافل اليتيم: أي القيّم بأمره ومصالحه وقال صاحب القاموس الفقهيّ: كافل اليتيم: هو القائم بأمر اليتيم المربّي له وإذا كاناليتيم شرعا هو الصّغير الّذي فقد أباه، فإنّ كفالة اليتيم حينئذ تكون: القيام بأمر الطّفل الصّغير ورعاية مصالحه وتربيته والإحسان إليه حتّى يبلغ مبلغ الرّجال إن كان ذكرا أو تتزوّج إن كان بنتا.




الأيتام هم رافدٌ من روافدِ السعادة في مجتمع المسلمين؛ لأنَّهم يملؤون فراغًا روحيًّا صاديًا عند مَن أكرمه الله -تعالى- برقة القلب لهم، والحُنُوِّ الدائم عليهم، فهم من أسباب رقة القلوب الحاضرة، والنُّفوس الشاكرة، ويجمعون - مع ذلك - أرواحًا من شتاتها في بوتقة الإيمان؛ لصيانة سلامة المجتمع وحصاد الحسنات، تلك التي تأتلف على سَوْقِ الأفراح إلى القلوب التي يحتويها اليتم، فيتحول الأسى والحرمان إلى مُرُوج من العطاء والإكرام، بعيدًا عن الأحزان.




أيها المسلمون، وقد جعل الله الإحسان إلى اليتيم سبيلاً للنجاة من عذابه يوم القيامة، ﴿ فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ ﴾ [البلد: 11 - 16]، وجعل إهانته سبيل غير المتقين، ﴿ كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ * وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ ﴾ [الفجر: 17، 18]، ونهى عن قهر اليتيم وإهانته، ﴿ فَأَمَّا ٱلْيَتِيمَ فَلاَ تَقْهَرْ [الضحى:9]، وقال: ﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ * وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ ﴾ [الماعون: 1 - 3]، وأمر تعالى بالإنفاق على اليتيم، وجعل ذلك من وجوه الإنفاق فقال: ﴿ يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ﴾ [البقرة: 215]، وقال: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ ﴾ [البقرة: 220]، وأمر بحفظ أموال الأيتام، فقال: ﴿ وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ﴾ [الأنعام: 152]، وأمر باختباره عند دفع ماله إليه، حتى يكون الولي على ثقة من أن هذا اليتيم عرف وميز: ﴿ وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آَنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا ﴾ [النساء: 6]، وأخبر أن أكل مال اليتيم سبب للعذاب يوم القيامة، إذاً فهو من كبائر الذنوب يقول الله جل وعلا: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا ﴾ [النساء: 10]، وفي السبع الموبقات يقول : ((اجتنبوا السبع الموبقات)) قالوا: ما هن يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((الإشراك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات)).




لقد حثّ الإسلام على رعاية الأيتام وعلى الوقوف معهم وعلى مناصرتهم وعلى مد يد العون لهم، ورتّب على ذلك أجرًا عظيمًا جِدّ عظيم، يوم أن يقف المسلم مع يتيم فقد الناصر والمعين، يقوم هذا الرجل المسلم من مشرق الأرض أو مغربها فيكون أبًا لهذا اليتيم، يكون ناصرًا لهذا اليتيم، يكون معينًا لهذا المسكين، فيقف معه في مصيبته وينسيه هذه الجائحة الذي بُلي بها بتقدير الله -سبحانه وتعالى-: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ ﴾ [البقرة:220]، ﴿ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا ﴾ [الإنسان: 8، 9].




ويكفي في فضل كفالة اليتيم -يا عباد الله- أن المعصوم -صلى الله عليه وسلم- خير من وطئت الأرضَ قدماه محمد -صلى الله عليه وسلم- أفضل الخلق يقول: "أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين"، وأشار بالسبابة والوسطى وفرّج بينهما. رواه البخاري. محمد -صلى الله عليه وسلم- خير خلق الله قاطبة، أعظم الناس منزلة يوم القيامة، يكون كافل اليتيم معه في الجنة، أي أجر أعظم من هذا الأجر؟! وأي منزلة ودرجة يصلها كافل اليتيم أعظم من هذه المنزلة وهذه الدرجة أن يكون رفيقًا لمحمد -صلى الله عليه وسلم- في الجنة!!




وروي في سنن الترمذي وفيه ضعف: "من قبض يتيمًا من بين مسلمين إلى طعامه وشرابه حتى يغنيه الله أوجب الله له الجنة البتة، إلا أن يعمل عملاً لا يغفر له"، وهو الشرك بالله تعالى. وفي معجم الطبراني الكبير بإسناد صححه الألباني أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أتحب أن يلين قلبك وأن تدرك حاجتك؟! ارحم اليتيم، وامسح المسكين، وامسح رأسه، وأطعمه من طعامك، يلن قبلك وتدرك حاجتك". وفي سنن أبي داود أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أيما مسلم كسا مسلمًا ثوبًا على عري كساه الله من خضر الجنة، وأيما مسلم أطعم مسلمًا على جوع أطعمه الله من ثمار الجنة، وأي مسلم سقى مسلمًا على ظمأ سقاه الله من الرحيق المختوم".



وأمر جل وعلا بالإنفاق عليهم، وجعل ذلك من خصال البر والتقوى، ﴿ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ ﴾ [البقرة: 177]، وجعل لهم تعالى سهماً في فيء المسلمين فقال: ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ ﴾ [الأنفال: 41]، وقال جل وعلا: ﴿ مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ ﴾[الحشر: 7].




أيها المسلمون: لقد وبّخ -جل وعلا- من لم يكرم يتيمًا: ﴿ كَلاَّ بَل لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ ﴾ [الفجر: 17]. وقَرَن دعّه -وهو قهرُه وظلمه- قرن ذلك بالتكذيب بيوم الدين: ﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ ﴾ [الماعون: 1، 2]، ونهى الله صفوة خلقه -عليه الصلاة والسلام- أن يقهر أحدًا منهم: (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ) [الضحى: 9]، أي لا تذله ولا تنهره ولا تهنه، ولكن أحسن إليه وتلطف به. ونهى عن قرب مال اليتيم إلا بالحسنى: ﴿ وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ [الأنعام: 152].




صورتان بين الإكرام والإهانة

إن الطباع الكريمة والتربية الرَّشيدة تميل بصاحبها إلى إكرام اليتامى وعدم إيذائهم، أمَّا عندما يكون حكم الجاهليَّة هو فصلَ القضاء في حياة النَّاس، فحدِّث ولا حرج عن صور العنت الذي يُحدثه بعضُ أفراد المجتمع لليتامى، كهذه الصورة القُرآنية التي تحكي واقعًا أخلاقيًّا مفرطًا في المرارة لليتيمات في قلب المجتمع العربي قبل الإسلام؛ يقول الله -تعالى-: ﴿ وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ ﴾ [النساء: 127].



وبيانًا لذلك نطوف في تفسير الإمام ابن كثير - رحمه الله - لنجد أنَّه يثبت صورًا من ظُلم اليتيمات، فيقول: "والمقصود أنَّ الرجل إذا كان في حجره يتيمة يَحل له تزويجها، فتارة يرغب في أن يتزوجها، فأمره الله - عزَّ وجل - أن يمهرها أسوة أمثالها من النِّساء، فإن لم يفعل، فليعدل إلى غيرها من النِّساء، فقد وسع الله - عزَّ وجل - وهذا المعنى في الآية الأولى التي في أوَّل السورة، وتارة لا يكون للرجل فيها رغبة لِدَمَامَتِهَا عنده، أو في نفس الأمر، فنهاه الله - عزَّ وجل - أن يُعضِلها عن الأزواج؛ خشية أن يشركوه في ماله الذي بينه وبينها؛ كما قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله: ﴿ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ ﴾ [النساء: 127] الآية، فكان الرَّجل في الجاهلية تكون عنده اليتيمة، فيُلقي عليها ثوبه، فإذا فعل ذلك بها، لم يقدر أحد أن يتَزَوَّجها أبدًا، فإن كانت جميلة وهويها، تَزَوَّجَها وأكل مالَها، وإن كانت دميمة، منعها الرجال أبدًا حتَّى تموت، فإذا ماتت ورثها، فَحَرَّم الله ذلك ونهى عنه"؛ هذه صور من الإيذاء لليتيمات في مُجتمعات لم تكن تتقي الله فيهن، ولا شكَّ أن كل من يقلد أيًّا من هذه المسالك يبوء بالإثم والتَّبعة على عاتقه.




ولقد ذلت -ولسوف تذل- كل أمة تضيِّع ضعيفها ويتيمها، وتجعل من نفسها مسبعة لا يعيش فيها إلا الوحوش الضارية، أو الثعالب الماكرة وعلى ضفاف المعنى الكريم لرعاية وكفالة اليتيمات في سابق الأزمان، نَجد أنَّ القرآن الكريم يرسم صورة رائعة لمجموعة من أهل الخير الذين يتسابقون فيما بينهم على كفالة يتيمتهم وبنت حبرهم مريم بنت عمران، والدة سيدنا عيسى - على الجميع السلام - قال الله -تعالى-: ﴿ ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ ﴾ [آل عمران: 44]، فقد كان كل واحد منهم يطمع في أن يفوز برعايتها، ولم يجدوا بدًّا من الاقتراع فيما بينهم وإلقاء أقلامهم في نهر الأردن أيهم يفوز بهذا الشرف العظيم، ألا وهو كفالة اليتيمة، حتَّى فاز بذلك نبي الله زكريا - عليه السلام.



وأسوق إليك - وُدًّا - هذه الوصية الغالية لشاعر النِّيل حافظ إبراهيم يقول فيها:



أَيُّهَا الْمُثْرِي أَلاَ تَكْفُلُ مَنْ

بَاتَ مَحْرُومًا يَتِيمًا مُعْسِرَا



أَنْتَ مَا يُدْرِيكَ لَوْ رَاعَيْتَهُ

رُبَّمَا رَاعَيْتَ بَدْرًا نَيِّرَا



رُبَّمَا أَيْقَظْتَ سَعْدًا ثَابِتًا

يُحْسِنُ الْقَوْلَ وَيَرْقَى الْمِنْبَرَا



رُبَّمَا أَيْقَظْتَ مِنْهُمْ خَالِدًا

يَدْخُلُ الْغِيلَ عَلَى أُسْدِ الشَّرَى



كَمْ طَوَى الْبُؤْسُ نُفُوسًا لَوْ رَعَتْ

مَنْبَتًا خِصْبًا لَصَارَتْ جَوْهَرًا



كَمْ قَضَى الْيُتْمَ عَلَى مَوْهِبَةٍ

فَتَوَارَتْ تَحْتَ أَطْبَاقِ الثَّرَى



إِنَّمَا تُحْمَدُ عُقْبَى أَمْرِهِ

مَنْ لِأُخْرَاهُ بِدُنْيَاهُ اشْتَرَى



يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 34.86 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 34.23 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.80%)]