عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 03-09-2020, 03:52 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,030
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الولاء والبراء.. حوار بين الشيخ والتلميذ

بلى والله.
ولكن لما تخلى المسلمون عن واجب النصرة لهم، كانت الفتنة في الأرض والفساد الكبير..أرأيت نتيجة التفريط في عقيدة الولاء والبراء وآثاره الكارثية!

أطرق الشاب رأسه في ذهول واستغراب، ولم ينطق من هول المفاجأة.
ساد صمت قصير أرجاء المكان، وقطعه الشيخ بقوله: إنها الحقيقة.
حقًّا إنها تدمي القلب...هل من نافذة أخرى؟!
نعم، ولكن لا بد من تنبيه!
نعم.

حِفظ دماء المسلمين وأعراضهم وأموالهم وأمنهم واجتماع كلمتهم والحرص على ذلك: مِن أركان الموالاة ولوازمها التي لا تنفكُّ عنها!

هل هذه قاعدة ثابتة لا يمكن تجاوزها؟
نعم، لا يمكن تجاوزها أبدًا تحت أي تبرير؛ لأنها مِن مقاصد الإسلام العظمى.
وهذا يدل على أن عقيدة الولاء تحفظ مصالح المجتمعات المسلمة، وجَبْهتهم الداخلية أيضًا!
بكل تأكيد؛ فلا تسمح لأحد كائنًا من كان بالعبث بالأمن أو الدماء، أو الأموال والممتلكات، تحت أي تبرير.

إذًا الولاء والبراء يجعل المسلمين قوة خارجية لا يستهان بها، وفي نفس الوقت يحفظهم داخليًّا بحفظ أمنهم، واجتماع كلمتهم، وعصمة دمائهم وأعراضهم وأموالهم.
صحيح.

سبحان الله! لم أكن مدركًا لهذه العظمة! وهذه صورة مشرقة بعد تلك، هل ثم نافذة أخرى؟!
نعم.
أتمنى ألا تكون مؤلمة!
لا أظن، ودعني أقربها لك بمثال.
جميل.
رجل ينتمي إلى حزب علماني وآخر ينتمي إلى حزب ديني، وهناك قضية ما للنقاش.
حجاب المرأة مثلًا.
فليكن، ألا تستطيع أنت أو غيرك أن تعرف الخطوط العريضة لكل رأي؟
بلى.
كيف عرفتَ؟!
لا أدري، ولكنها نتيجة بدهية!

هل يمكن لرجل علماني متعصب أن يدافع عن حجاب المسلمة ضد آخر متدين يهاجم الحجاب ويدعو إلى خلعه!
لا يمكن.
لأن الإطار العام للحزب والفكر الذي يتبناه ويؤمن به هذا الرجل يفرض عليه التقيد بالإطار العام.
وإلا لتم طردُه وإقصاؤه عند المخالفة.

سبحان الله! هذا حزب أرضي ويرسم خطوطًا عريضة لا يسمح بتجاوزها! ثم يطالبون ممن ينتسب إلى الدين الذي نزل من السماء أن يكون هلاميًّا بلا قواعد ولا خطوط حمراء!
صحيح يا شيخ.

وهكذا تجد المسلمين في كل مكان يتفقون على مبادئ وأطر يتمايزون بها عن غيرهم.
صحيح.
مما يثمر انتماءً وانحيازًا وميلًا قد لا نستطيع وصفه.
هذا واقع ومحسوس شيخنا، فلنأخذ صورًا من الموالاة؛ حتى نكون منها على حذَر.
أولًا التشبه بهم في الملبس والمظهر وأسلوب الحياة.
هذا منتشر.
نعم بسبب الجهل والانبهار بمظاهر التحرر والانفتاح.
وهل التشبه بهم خطير إلى هذا الحد؟!
نعم؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((مَن تشبَّه بقوم، فهو منهم))، أرأيت؟!
أوووه.

وقد قال الله عز وجل: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ﴾ [المائدة: 51]، ثم ﴿ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ﴾ [المائدة: 51].
هكذا إذًا!

أتدري ما قال الله بعدها؟!
لا.
﴿ فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ.. ﴾ [المائدة: 52].
ما معنى هذا؟

أي: يقول المنافقون والذين ضعُف إيمانهم: نخشى أن تكون الغلَبةُ لليهود والنصارى؛ فنريد أن تكون لنا يد تشفَعُ لنا عندهم!
يعني: يتقربون لهم ويَذِلُّون لهم؛ خشية على مستقبلهم.

بزعمهم، ولكن الدافع لهم هو النفاق، ومرض القلوب، فيبذلون دِينهم؛ لتسلَمَ دنياهم.
طيب يا شيخ، ما حُكم التشبُّه بهم؟
دَعْنا نوضح أولًا معنى التشبُّه وضابطه.
جميل.
التشبه هو المحاكاة؛ فإذا حاكيتَ غيرك في قوله أو فعله أو في سائر شؤونه..
فإنك متشبِّه به.
نعم.
ولكن العالم اليوم اختلف واختلط الناس بعضهم ببعض.
نعم، وهذا مما يوجب علينا معرفة أحكامه بشكل أكبر وأدقَّ.
صدقت، ولكن يا شيخ، ما ضابطه؟
كل ما كان من خصائص الكفار الدينية والعادية، فإنه يحرُمُ مشابهتهم فيها مطلقًا.
ولو كان بدون قصد؟
نعم، ولو كان بدون قصد.
أووه.
فلا يلبَس أحدٌ قلادةً أو ملابسَ عليها الصليب ثم يقول: لا أقصد.
نعم، نعم.
لأن هذا من شعائرهم الدينية.
حسنًا، أنت ذكرت عاداتهم أيضًا، فما تقصد بهذا؟
نعم، أقصد أمورهم العادية الخاصة بهم.
كطريقة لبسهم مثلًا.
نعم، أو أكلهم، أو شُربهم أيضًا.
أليس هذا من الأمور المشتركة بين البشر يا شيخ؟!

نعم، نعم، ولكن إذا كان الكفار يتميزون بطريقة خاصة بهم، مَن رآها يميزهم ويعرفهم بها، فمَن حاكاهم وقلدهم في هذه العادة الخاصة بهم، فإنه قد تشبَّه بهم.

حسنًا، إذا انتشرت هذه العادة يا شيخ وأصبحت عادة عند المسلمين أيضًا؟
أحسنت، وهنا قاعدة مهمة في هذا الباب.
جميل يا شيخ.

أن ما كان مِن باب العادات، إذا انتفى عنها صفة الخصوصية وصارت مشتركة بينهم وبين المسلمين، فإنها ليست من التشبُّه.
آه، واضح يا شيخ، ولكن هل نستطيع تطبيق هذه القاعدة على العبادات أيضًا؟!

لا، لا يمكن يا بني، فعندما ينتشر الصليب مثلًا في العالم، أو بعض طريقتهم في صلاتهم، أو عباداتهم، فلا يعني هذا الانتشار خروجه من التشبه، بل هو من صميم التشبه.

إذًا، هناك فرق بين التشبه في العادات والتشبه في العبادات.
نعم، أحسنت.
فالتشبه في العادات إذا صار مشتركًا بين المسلمين والكفار، فلا يعتبر تشبهًا.
نعم.
وأما العبادات، فالتشبُّه حاصل بمحاكاتها، بغض النظر عن أي اعتبار آخر.
أحسنت يا بني.
حسنًا يا شيخ، هل يعني هذا أن التشبه في العبادات أخطر من التشبه في العادات؟
نعم، نعم، لا شك في ذلك، ولكن لا بد من تنبيه.
آه، جميل.
ليس هذا دعوة للتساهل في التشبه بعاداتهم، بل كلا النوعينِ خطرٌ على الدين، أتدري لماذا؟
لماذا؟
لأن التشبُّه بهم في الظاهر يورِث مشاكَلة وموافَقة في الباطن، وهنا مكمَن الخطر.
قد تؤدي إلى تعظيمهم ومحبة ما هم عليه.
نعم، وهذا ضد مراد الله عز وجل؛ لأن دِينهم وعباداتهم باطلة، وعاداتهم فاسدة.
فلا نحتاج لشيء من عاداتهم ولا عباداتهم.
أحسنت يا بني؛ فقد أكمل الله لنا الدين، وأتم علينا نعمته، والحمد لله.
الحمد لله..هل ترى يا شيخ أن نتوقف هنا ونكمل في الأسبوع القادم أو الذي بعده؛ فقد أخذتُ من وقتك الكثير.
على بركة الله، وسيكون معنا صور أخرى تعتبر مِن نواقض الإسلام.
مثل ماذا؟
مثل محبتهم لأجل دِينهم، أو اعتقاد صحة دينهم، أو عدم كفرهم، أو التوقف فيه، أو تمني انتصارهم على المسلمين.
نحتاج تعلُّمها والتذكير بها.
لا شك، وسنتعرض لها بإذن الله.
قام الشاب وقبَّل الشيخَ على رأسه، ثم خرج من المسجد.
• •

انتهى الشيخ من درسه، وانفضَّ الطلاب من حوله، غير بقية تسأل وتستفتي وتسلم، ثم انصرف الجميع، ولم يتبقَّ سوى شاب بشوش، أقبل على الشيخ، ولم يعرفه حتى أمعن النظر فيه جيدًا، وقال: أأنت صاحبي؟!
ضحك الشاب، وقال: نعم.
لقد تغيرتَ بشكل كبير خلال وقت وجيز، حتى إني لم أكد أعرفك!
ارتسمَتْ على محياه علامات الخجل وهو يقول: الحمد لله.
نعم، الحمد لله، ولكن ما سر هذا التغير الكبير؟!
إنه الولاء والبراء.
ارتسمت علامات الذهول على الشيخ الذي اعتدل في جلسته مرددًا: الولاء والبراء!
نعم، ولعلك لا تدري يا شيخ مدى أثره في نفسي.
وكيف ذلك؟
هل تصدق يا شيخ أني لم أبِتْ ليلة في حياتي كما بتُّ تلك الليلة التي جلست فيها معك!
نعم نعم - وكأنه يستزيده.

لما انصرفت من عندك، عكفت على كتابة ما جرى بيني وبينك، ثم تأملت فيه طويلًا، حتى عادت بي الذاكرة إلى سنين من حياتي كنت منغمسًا في جحيم حضارة الغرب الكافر، منبهرًا بما توصلوا له من رقيٍّ وتقدم، حتى سجدت سجودًا ما تلذذت بمثله في حياتي...ثم تهدج صوته وانفجر باكيًا!

سكت الشاب، وسكت الشيخ، وساد الهدوء.
رفع الشاب رأسه مستطردًا: حين تأملت في كلامك وشرحك، عزمت على التطبيق مباشرة، وتخلَّصت من كل هيئة تدل على تأثري بتلك الثقافة البائسة، وراجعت شريط ذكرياتي بنيَّة التخلص من كل شائبة تمتُّ لها بصلة، ورفعت رأسي بنشوة النصر، التي يغمرها الفرح ابتهاجًا بحمل هذا الدين الذي كأني ما عرفته إلا بالأمس!

ثبتك الله يا بني.
لقد كنت منبهرًا بحضارتهم! حريصًا على الطنطنة بلغتهم! متلهفًا على تقليد حياتهم وأسلوبهم، محبًّا لهم، ومصادقا ومجالسًا لهم، بل ربما تكون معرفتي بتقويمهم وأيامهم وشخصياتهم أكثر من معرفتي بتاريخنا ورجالاتنا!

سبحان الله!
لم أكن مدركًا توغل هذه المظاهر في نفسي حين أتيتك، وكنت أظن أني سأسمع كلمات وعظية عابرة ثم أرجع بعدها لِما كنت عليه من قبل، لم أكن أتوقع.. أتوقع..ثم يدخل في نوبة من البكاء..

أطرَق الشيخ متأثرًا من صدق هذه الكلمات وحرارتها، وهو يقول: نعم.
كنت أظنها ستمر كما مر غيرها، ولم أتوقع أنها ستستقر في نفسي وقلبي.
الحمد لله، الحمد لله.

نعم، الحمد لله على هذه الهداية، ووالله يا شيخ لم أكن أظن أن عقيدة الولاء والبراء لها هذا التأثير والسلطان والقوة في التغيير.
سبحان الله!
لم أعلم أنها ستزرع في نفسي هذه العزة والأنفة، والتميُّز والثقة.

يهز الشيخ رأسه بتفكُّر وتأمُّل.
نعم والله، وحيث إن من لا يشكر الناس لا يشكر الله عز وجل، فإني أشكرك على هذا البيان الضافي، والنبع الصافي، الذي أوردتني له، وأسقيتني منه؛ فشكر الله لك، وبارك في علمك.

والشكر موصول لك يا بني! فإن هذا التأثير الذي لمسته فيك قد أذهلني! وما كنت أظن أنها ستبلُغُ بك هذا المبلغ!
هل تجاملني يا شيخ؟!

أبدًا أبدًا يا بني، بل أقول ما أقول بصدق وبطعم الحسرة والفرح!
ولماذا الحسرة يا شيخ؟
بطعم الحسرة! لأني لم أكن مستوعبًا لحجم عقيدة الولاء والبراء، ومدى تأثيره في تغيير الإنسان قلبًا وقالبًا بهذه السرعة والعمق والقوة!

أصحيح؟!
نعم والله يا بني! كان أكثر ما لدي هو التنظير والمعلومات، ثم ترجمتها أنت إلى واقع ملموس.
ضحك الشاب فرحًا بهذا الإطراء مستغربًا!
ربما لا تعلم حجم تأثيرك في نفسي، والذي قد لا يقل عن حجم تأثيري فيك!
الشاب معترضًا: عفوًا يا شيخ، ولكن الشيخ يقاطعه بحدة وحرارة.

بلى، بلى، وسأبدأ الاهتمام من جديد بكل ما يتعلق بديني وشعائره العظمى، التي قد نحسن تقريرها، ولكن ربما نفشل في تنزيلها على أنفسنا وواقعنا.
جميل.

ولا أكتمك سرًّا باكتشاف قصور كبير!
عجيب.
لأن القرآن عندما يعرض لأي قضية، فإنه يتناولها بشكل شمولي، ثم نركز نحن على جانب أو جانبينِ فقط!
ممكن تفصيل ذلك شيخنا؟

خذ مثالًا على هذا! في آخر سورة المجادلة: ﴿ لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ... ﴾ [المجادلة: 22]، ثم يقف أكثرنا عند نصف الآية ولا يكملها.

مع أنها في صميم الموضوع.
بل بشارة لكل مَن كان حبُّه وبُغضه لله وفي الله: ﴿ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [المجادلة: 22]، هل سمعت بأفضل مِن هذه البشارات؟!

سبع بشارات، الواحدة منها خير من الدنيا وما فيها.
ولذا؛ فإني لا أبالغ في حجم تأثيرك في نفسي، وعمق ذلك فيها، ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله عز وجل؛ فشكر الله لك وبارك فيك يا بني..

عفوًا شيخنا.. قد أتحفتَني بعلمك، ثم بكرمك.
لا، لا، إنها الحقيقة، وليس غيرها؛ ولذا فلديَّ طلب وحيد!
انتفض الشاب موافقًا، وقال: طلبُك أمرٌ.
أكرمك الله يا بني، ولكن أتذكر حين كنتُ شيخًا وأنتَ الطالب؟
وما زلتَ يا شيخ!
فقبَّلتَني على رأسي!
هذا بعض حقك يا شيخ، ولكن ما المناسبة؟!

المناسبة: أنت اليوم شيخي، واستفدتُ منك ما لم أكن أدركه.
فقاطعه الشاب مشدوهًا: أتقصد أن.. أن... هذا مستحيل يا شيخ.
قام الشيخ وقبَّل الشابَ على رأسه، ثم قبَّله الشاب على رأسه، وتعانقا، ثم خرجا من المسجد بإيمانٍ كالجبال.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 43.06 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 42.44 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.46%)]