
28-08-2020, 03:42 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,441
الدولة :
|
|
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة البقرة - (59)
الحلقة (66)
تفسير سورة البقرة (3)
الناس ثلاث أصناف: متقون، وكافرون، ومنافقون، وقد جاء في بيان حال المنافقين من الآيات أكثر مما جاء في الصنفين الأولين؛ لعظم خطر هذا الصنف على المجتمع المسلم، فهو يظهر الإسلام ويبطن الكفر، صيانة لدنياه ويظن أنه بهذا العمل يخدع الله ويخدع المسلمين، ولا يدري أنه يخدع نفسه، لأنه سيحاسب ويجازى على كل صغيرة وكبيرة اقترفها في حياته الدنيا، ثم تكون النار هي مصيره الأبدي.
مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة البقرة
الحمد لله، نحمده تعالى، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصِ الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً. أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون.. ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا مع كتاب ربنا في مثل هذه الليلة والتي بعدها، وها نحن مع سورة البقرة، السورة الحاوية لألف خبر، وألف أمر، وألف نهي.وهذه السورة كان الأصحاب رضوان الله عليهم إذا حفظها أحدهم ولوه القضاء والحكم.وهذه السورة لا تقرأ على الموتى لطولها.وهي إحدى سورتين تظللان صاحبهما يوم القيامة: سورة البقرة وسورة آل عمران، وتسميان بالزهراوين.
الفلاح للمتقين
هذه السورة مفتتحة بقول الله تعالى بعد بسم الله الرحمن الرحيم: الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ [البقرة:1-2]، وقد درسنا هذه الآيات، وخلاصتها من باب تذكير الناسين وتعليم غير العالمين: أن القرآن الكريم لا ريب ولا شك فيه، فإن كان هناك شك أو ريب في نفس أحد فليس السبب هو القرآن، إذ القرآن لوضوحه وبيانه وسلامة ما يحمله من الهدى والنور لا يتطرق إليه الشك ولا الريب بحال.وهذا القرآن يحمل هدى ولكن للمتقين الذين آمنوا بالله ولقائه وكتبه ورسله، فخافوه وأطاعوه بفعل الأوامر واجتناب النواهي، فهؤلاء لهم في القرآن نور وهداية إذا هم اتقوا ربهم.وقد وصف الله المتقين بصفات نسأل الله أن تكون عندنا ونحن من أهلها، فقال: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ [البقرة:3-4]، فيدخل مؤمنو اليهود ومؤمنو النصارى في حضرة المؤمنين المتقين.وهؤلاء المتقون قد قضى الله تعالى وحكم بأنهم هم المفلحون فقال: أُوْلَئِكَ السامون الأعلون عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ أي: متمكنين من ذلك الهدى، كأنما اتخذوه سفينة نجاة، وَأُوْلَئِكَ هُمُ لا سواهم، ولا غيرهم، الْمُفْلِحُونَ أي: الفائزون الناجون من النار، الداخلون للجنة؛ دار الأبرار.ولو سئلت: ما المراد من الفلاح والفوز الذي يذكره الله في القرآن؟ فقل له: أما سمعت هذا البيان من سورة آل عمران فالله يقول: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ [آل عمران:185]، هذا هو الفوز.وهذا صنف من الناس: مؤمنون متقون، من العرب ومن العجم، من المشركين ومن أهل الكتابين، آمنوا واتقوا واستقاموا، فحكم الله لهم بالفلاح.
الختم على قلوب الكافرين
هنا صنف آخر وهم الكافرون، قال الله تعالى عنهم: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ * خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [البقرة:6-7]. وهذا الصنف من الناس يشمل الأبيض والأسود، والعربي والعجمي، وهم -والعياذ بالله تعالى- قد كفروا، وكفروا بمعنى جحدوا وغطوا وستروا، أو كفروا عناداً ومكابرة فعرفوا وجحدوا.وهؤلاء المكذبون، الجاحدون، المعاندون، المكابرون منهم من هو متهيئ ومستعد لأن يقبل الهداية متى عرضت عليه، ومنهم أفراد يقلون أو يكثرون موجودون في كل زمان ومكان قد ضربوا بسهم عظيم، وتوغلوا في الجحود والعناد والمكابرة والفسق والفجور، فمضت فيهم سنة الله، فختم على قلوبهم، فما أصبحوا يفقهون أو يعقلون أو يفهمون أبداً، ولو حدثتهم عن الله وعن لقائه .. عن الإخاء .. عن المودة .. عن الرحمة .. فلكثرة فسقهم وفجورهم وضلالهم وشركهم أصبحوا لا يسمعون الخير، ولا يعقلون أو يفهمون، إذ ختم الله على قلوبهم، فلا يدخلها نور، ولا وعي، ولا فهم، ولا إدراك. وَعَلَى سَمْعِهِمْ أي: لا يسمعون نداء الخير أبداً.وجعل الله تعالى على أبصارهم غشاوة أي: ستراً عليها كالبياض الذي يصيب العينين، فصاحبه لا يشاهد شيئاً فهو أعمى.فهؤلاء قضى الله تعالى عليهم وحكم بكفرهم وعدم إيمانهم، وبخلودهم في دار الشقاء: وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [البقرة:7] لأنهم كفار في الدرجة الأولى، فمنهم من كفر عناداً ومكابرة، ومنهم من كفر تقليداً، ولكن توغل وضرب بسهم كبير في باب الكفر والضلال، وما أصبح يقبل الهداية، وفي سورة يس يقول تعالى: وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ * إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ [يس:10-11] أي: المؤمن الحي القابل للهداية، أما من تراكمت عليه ذنوبه وآثامه وجرائمه وموبقاته فإن هذا ما أصبح قابلاً للهداية، فلا تكرب عليه يا رسول الله ولا تحزن، ولم يقل له: لا تدعهم ولا تنذرهم؛ لأن هذا غيب، والرسول لا يعلم الغيب، فما يفرق بين أبي جهل وبين أبي طالب ، فمهمته أن ينذر وأن يبلغ، ولكن لما يشعر بالألم في نفسه والحزن من أجل أنهم أعرضوا وعاندوا وكابروا يخفف الله تعالى عنه بمثل قوله: وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ [يس:10]، فهون على نفسك.إذاً: القسم الثاني من أقسام البشر الثلاثة هم الكفرة.
تفسير قوله تعالى: (ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين)
القسم الثالث هو قسم المنافقين، ولا رابع بعدهم. فالناس ثلاثة أصناف: مؤمنون متقون، كافرون فاجرون.والمنافقون هم الذين ينطقون بالشهادتين ويأتون بالأعمال الصالحة ويصومون أمام المسلمين ويجاهدون، وهم مرضى القلوب، فيظهرون الإسلام بالنطق والعمل، ويبطنون الكفر والإلحاد في قلوبهم.قال الله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ [البقرة:8-9] وفي قراءة سبعية (وما يخادعون) إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ [البقرة:9-10].وهؤلاء هم المنافقون، والسياق فيهم إلى كذا آية؛ لأنهم أخطر ما يكونون على المجتمع الإسلامي، فالكافر واضح صريح الكفر، لك أن تدعوه وترغبه، وتنذره وتخوفه، وإن كان قد توغل في الشر والفساد فلن يسمع نداءك، ولا يقبل دعوتك، وإن كان ما توغل في الفساد، وما عنده منافع في كفره يحافظ عليها فإن هذا قد يهتدي، وأما المنافق فهو يخاف أنه إذا أعلن عن كفره فإنه سيقتل أو يتوب، ولكي يحافظ على ماله وعلى شخصيته في المجتمع ماذا يصنع؟ تجده يتزيا بزي المؤمنين، ويأتي ما يأتونه من الأعمال الظاهرة كالصلاة والنفقة والجهاد، وهو مظلم النفس خبيث.
من صفات المنافقين وعلاماتهم
من التعاليم المحمدية؛ وأنتم تعلمون من هو محمد رسول الله، فهو أستاذ الحكمة ومعلمها، أنه أعطانا بطاقة لنا نحن بوصفنا رجال الدولة، وكل مؤمن يجب أن يحمي دولة الإسلام، وأن يحافظ على راية لا إله إلا الله .. محمد رسول الله، وأن يحافظ على الطهر، والصفاء، والأمن، والرخاء في ديار المسلمين.أعطانا بطاقة علنية، ما هي؟ اسمعوا أيها المجاهدون: ( آية المنافق ثلاث )، وبهذه العلامات نعرف بها المنافقين بينكم، والقرآن الكريم ما نزل يسمي المنافقين بأسمائهم؛ لأن النفاق ليس في أيام الصحابة فقط بل هو إلى اليوم، فماذا يسمي؟ إذاً يعطي الخبر العام.قال: ( آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب ). وأنتم تعيشون في مجتمع يوجد فيه منافقون، فكيف نعرفهم حتى نتقيهم، وحتى ننذرهم أو نرغبه؟ كشف الرسول صلى الله عليه وسلم الستار عنهم بهذه البطاقة المحمدية.إذا كنت تحدث جارك أو من معك في العمل أو السفر، أو في المسجد وكلما يحدثك يكذبك؛ لأنه يريد أذاك وإرهاقك وتعبك، فهو كلما أخبرك كذبك، إذا جربت عليه المرة الأولى والثانية والثالثة والرابعة فهذا هو: ألق القبض عليه، هذا منافق.ثانياً: ( إذا وعد أخلف )، مثلاً: تجده يعدك قائلاً: نلتقي غداً إن شاء الله في الساعة الثانية عشرة ظهراً عند باب الكومة. فأنت لإيمانك إذا جاء الموعد ذهبت وجلست تنتظره هناك، وهو في بيته مع أولاده غير مبالٍ، يتلذذ ويقول: دعه في الشمس. هذه المرة الأولى. وفي المرة الثانية تتواعدان على أنكما تسافران غداً الساعة الواحدة ليلاً في المكان الفلاني، فذهبت أنت أيها المؤمن وجلست تنتظره وهو نائم مع زوجته وأولاده فرحان ومسرور. وهكذا: جربته المرة الأولى والثانية والثالثة .. فهذا هو المنافق الذي يبطن الكفر في نفسه، فما آمن بالله ولا بلقائه.والثالثة: ( وإذا اؤتمن خان )، إذا أمنته على فلس .. على عَرَض، على كلمة، تجده المرة الأولى يخون، والمرة ثانية يخون، والثالثة يخون، ولو وضعت عنده كل قوتك في جيبه، وقلت له: حتى أعود. ولما ترجع يقول: لعلك واهم، لست أنا الذي أعطيتني، وما وضعت عندي شيئاً أبداً. وهكذا كلما ائتمنته خانك، فإذا جرب في المرة الأولى والثانية والثالثة عرفنا أنه يتعمد الخيانة؛ لأنه يكره المؤمنين ويبغضهم، ويود خسارهم وهلاكهم.عندكم هذه البطاقة أو لا؟ تعرفون بها المواطن الذي يحمل النور في قلبه؛ نور الإيمان بالله ولقائه، أو هي مجرد صورة خالية فقط، والمؤمن الحق هو الذي لا يكذب إذا حدث، ولا يخلف إذا وعد، ولا يخون إذا ائتمن، نعم قد يحدث منه ذلك مرة في دهره، لكن أن يتكرر هذا منه فوالله لا يكون، إلا إذا كان قلبه ميتاً، يعيش في ظلام كامل، ظلام الكفر والشرك والعياذ بالله. إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ [البقرة:6]، والعلة: خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [البقرة:7]. (عذاب عظيم) ما حدد موعده، فيكون في الدنيا، ويكون في الآخرة.وهل المنافقون أيام الصحابة سعداء؟ والله لأشقياء، عذاب الخزي في الدنيا، وأما عذاب الآخرة فلا تسأل، وأيما مجتمع طاهر يوجد فيه منافقون إلا وهم في خزي وعذاب تام وعظيم، أما عذاب الآخرة فلا تسأل.
فقدان الإيمان عند أهل النفاق
قوله: وَمِنَ النَّاسِ من أين اشتق لفظ (الناس)؟الجواب: إما من ناس ينوس إذا تحرك، وإما من نسي ينسى، أو من الأُنس، وهذا كله محتمل، ولا معنى للاشتقاق، ولا حاجة إليه، فالناس هم الآدميون.لكن من هم في الآية؟ قال: مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ [البقرة:8]. والله تعالى يشهد لعلمه بما في قلوبهم وما في نفوسهم بأنهم غير مؤمنين، فقال تعالى: وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ [البقرة:8] ولا تظن أن هذا خاص بالمنافقين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاللفظ يدل على العموم إلى يوم القيامة وَمِنَ النَّاسِ أي: هم أناس شأنهم كذا وكذا؛ والمنافقون قبيل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم انقرضوا وما بقي منافق في المدينة، فكلهم ماتوا وهلكوا، ولكن البشرية هي البشرية، وهداية الله هي هداية الله، وفي كل زمان ومكان يوجد منافقون.يقولون: آمَنَّا بِاللَّهِ [البقرة:8] أي: بألسنتهم: أشهد أن لا إله إلا الله، وقد كان ابن أبي رئيس المنافقين يدخل على الرسول صلى الله عليه وسلم في الروضة، ويقول: والله إني لأشهد أنك رسول الله، فأنزل الله في القرآن: إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ * اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً [المنافقون:1-2] يجتنون ويتقون ويستترون بها فقط حتى تحفظ أموالهم ودماؤهم لا أقل ولا أكثر، أما الإيمان فما حلّ قلوبهم ولا دخلها.
الإيمان بالله واليوم الآخر هو أصل الإيمان
يقول المنافقون: آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ [البقرة:8]، هنا عرف الدارسون والسامعون والسامعات أن الإيمان بالله واليوم الآخر هو أصل الإيمان، وإذا حصل فيه أي ضعف انهار البناء وما بقي إيمان، ومعنى الإيمان بالله: كونه رباً لا رب سواه، وإلهاً معبوداً بحق لا معبود بحق غيره، وموجوداً، عالماً، قديراً، رحيماً، ذا صفات علا، وأسماء حسنى.وإذا وجد الإيمان بالله في قلب العبد هان عليه أن يلاقي ما يلاقي في الحياة، وأصبح أهلاً للكمال، وإذا ضعف هذا الإيمان وخفت نوره هبط، وإذا انطفأ أصبح حجراً ومن شر الخلق.فالإيمان بلقاء الله .. وبيوم القيامة .. وبالبعث والجزاء والدار الآخرة هو الذي يكيف حياة الإنسان، ومتى قوي إيمان العبد بأنه سيلاقي الله وجهاً لوجه، وسيسأله وسيستنطقه وسيحاسبه وسيجزيه بعمله الخير بالخير والشر بالشر، متى رسخت هذه العقيدة في صاحبها فإنه يستطيع أن يصوم الدهر، ويستطيع أن يرابط عشرات السنين، ويستطيع أن يخرج من ماله ويستطيع .. ويستطيع، كل ذلك لقوة هذا النور في قلبه، أما الذي لا يؤمن بحساب ولا جزاء ولا حياة أخرى ولا لقاء، سبحان الله! كيف يصبح ذا كمال وكيف يكون له قلب رقيق؟! وكيف توجد له عاطفة؟! وكيف توجد له رحمة؟ فوالله ما هو إلا شر من الثعابين والحيات.دائماً نقول: الذي لا يوجد في قلبه إيمان بالبعث الآخر والحياة الآخرة والجزاء بالنعيم المقيم أو بالعذاب الأليم، إذا لم يوجد هذا في قلب العبد والله لئن تنام إلى جنب أسد أو ذئب أو ثعبان، وقد تسلم وتقوم في الصباح وأنت بعافية، وإذا نمت إلى هذا المخلوق، واحتاج إليك والله ما تسلم، فلو احتاج إلى دمك امتصه، إلى لحمك أكله، إذ ليس هناك ما يمنع ذلك أبداً، فمن لا يؤمن بلقاء الله والدار الآخرة لا يوثق فيه ولا يصدق، ولا يؤتمن ولا ولا؛ لأنه شر الخليقة.وقد كنا نعجب أيام الاشتراكية في بلاد العرب ممن كان يتمدح بها بصوته العالي، وينظر إلى أهل العلم نظرة استهزاء وسخرية -والعياذ بالله-، والحمد لله قضى الله على الاشتراكية والشيوعية وأساسها: إن حرباً ظاهرة في بلاد الروس اللهم أنهِ وجودهم، وهم لا ينادون بالدين .. بالإسلام، بل ينادون بالقيم الإنسانية! ونحن نعجب من شخص لا يؤمن بالله ولا بلقائه كيف تكون له قيم ويحافظ عليها ويدعو إليها، وهذه كلمة باطلة فيها تدجيل وتضليل، فأي قيم هذه! وهو يعرض عن مصدر القيم ومنبعه وهو شرع الله وتعاليم الله وهداية الله في كتابه وحكمة رسوله، وقد جربناهم وعرفناهم أنهم من أخبث الناس وشرهم.نعم. الإيمان أركانه ستة: الإيمان بالله .. بملائكته .. بكتبه .. برسله .. باليوم الآخر .. بالقضاء والقدر، ولكن الركيزة المتينة هي الإيمان بالله واليوم الآخر، وليس بمعقول أن من آمن بالله رباً وإلهاً فإنه يكفر بالكتاب أو يكذبه بأنه أرسل رسولاً، أو يكذبه في قضائه وقدره وتدبيره لخلقه، هذا غير معقول! لكن قد يؤمن بالله ولا يؤمن بالبعث الآخر.ومن هنا: لو تتبعنا القرآن فإننا نقف على هذه الحقيقة، يقول تعالى: إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [النساء:59]، ويقول: ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [الطلاق:2]، وحتى النساء في قضية الحيض يقول تعالى: إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [البقرة:228]، فما يجحدن الحيض.وهنا أحب أن تركزوا على أن المحرك القوي الدافع للإنسان والموجه له هو الإيمان بالله وبلقائه، فمن ضعف إيمانه بالله أو بلقائه هبط، وإن انطمس النور وكفر بالله وبيوم القيامة أصبح شر الخليقة، فلا تأمنوه أبداً، وإذا به يفرغ تمام الفراغ من شيء اسمه رحمة أو إنسانية، والتمنطق بالإنسانية والقيم كله هراء وباطل، وانكشفت سوءاتهم وعرفهم البشر بكذبهم.
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|