اشتراط أن يطعم السابق أصحابه
عبد الله آل سيف
صورة المسألة:
أن يتسابق اثنان على عوض، ويتفقا على شرط: أن يطعم السابق العوض أصحابه أو غيرهم، فهل يصح أو لا؟ محل خلاف بين العلماء.
اختيار ابن تيمية:
اختار شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - جواز ذلك، خلافاً للمشهور من مذهب الحنابلة[1].
أقوال العلماء في المسألة:
القول الأول: يفسد الشرط والعقد، وهذا مذهب الشافعي [2]، وأحد الوجهين عند الحنابلة [3].
القول الثاني: يفسد الشرط دون العقد، وهو وجه ثانٍ عند الحنابلة [4]، ونسب للحنفية [5].
القول الثالث: يصح العقد والشرط، وهو مذهب المالكية [6]، وقياس مذهب الحنفية [7]، واختيار ابن تيمية.
أدلة القول الأول:
1- قالوا: لأنه تمليك بشرط يمنع كمال التصرف، فصار كما لو باعه شيئاً بشرط أن لا يبيعه[8].
ونوقش:
أ- أن ذلك يلزم منه منع المحلل على مذهبكم، وأنتم لا تسلمون بذلك.
ب- لا نسلم منع هذا الشرط في البيع بل هو جائز.
2- قالوا: يفسد العقد؛ لأنه بذل العوض لهذا الغرض، فإذا لم يحصل له غرضه لا يلزمه العوض[9].
أدلة القول الثاني:
1- قالوا: شرط ينافي مقتضى العقد، فيبطل الشرط دون العقد؛ إذ لا مفسد للعقد.
2- أنه عوض على عمل، فلا يستحقه غير العامل، كالعوض في رد الآبق[10].
3- قالوا: ولا يفسد لأنه عقد لا تقف صحته على تسمية بدل، فلم يفسد بالشرط الفاسد كالنكاح[11].
4- أنه عقد صحيح تم بأركانه وشروطه، فإذا أسقطنا الشرط الفاسد بقي العقد صحيحاً[12].
أدلة القول الثالث:
1- أنه مما يعين على الرمي، وما كان كذلك جاز[13].
2- أنه تبرع به بطيب نفس منه، ولم يجبره أحد على ذلك، وكان بوسعه ترك العقد، وما كان برضا فيجوز.
3- أنه موافق لمقصود الشارع في الرمي ونحوه من تشجيع الراميين، والحضور على هذه الأعمال، ومكافأة الجميع.
4- أن الأصل في الشروط الصحة ما لم يرد دليل على البطلان.
الترجيح:
والراجح - والله أعلم - هو القول الثالث:
1- لقوة أدلته وظهورها.
2- ضعف أدلة المخالفين.
3- موافقته لمقصود الشارع في مشروعية السبق.
4- موافقته للأصل والقاعدة في الشروط والعقود من أن الأصل فيها الصحة والإباحة، ولزوم الوفاء بها.
والله أعلم.
-------
[1] انظر: الفروع: (4/ 463)، الاختيارات: (160)، الإنصاف: (6/94)، المبدع: (5/128-129)، المستدرك: (4/58)، حاشية ابن قاسم: (5/355).
[2] انظر: الأم: (8/395)، تحفة المحتاج: (9/401)، نهاية المحتاج: (8/167)، أسنى المطالب: (4/231)، مغني المحتاج: (4/397)، تحفة الحبيب: (2/351).
[3] انظر: الفروع: (4/463)، المبدع: (5/128-129).
[4] انظر: الفروع: (4/463)، المبدع: (5/128-129).
[5] وممن نسبه لهم: ابن قدامة، وابن القيم، ولم أعثر عليه في كتبهم بعد البحث الطويل. انظر: المغني: (8/410)، الفروسية: (379)، وقياس مذهبهم كما سيأتي خلاف ذلك.
[6] انظر: أحكام القرآن لابن العربي: (3/40)، البروق: (3/3)، حاشية الخرشي: (3/55)، الفواكه الدواني: (2/350)، حاشية الصاوي: (2/325)، منح الجليل: (3/236)، حاشية الدسوقي: (2/209)، التاج والإكليل: (4/609).
[7] إذ الضابط عندهم: أن ما شابه القمار حرم، وما خرج عن شبه القمار فالقياس جوازه. انظر: تبيين الحقائق: (6/227)، البحر الرائق: (6/554)، حاشية ابن عابدين: (6/805).
[8] انظر: مغني المحتاج: (4/397)، تحفة الحبيب: (2/351).
[9] انظر: المغني: (13/410)، المبدع: (5/128-129).
[10] انظر: المغني: (13/410).
[11] انظر: المغني: (13/410).
[12] انظر: المغني: (13/410).
[13] انظر: الاختيارات: (160)، الفروع: (4/463)، الإنصاف: (6/94).