الحلقة (572)
تفسير السعدى
(سورة الرحمن)
من (36)الى (46)
عبد الرحمن بن ناصر السعدى
تفسير سورة الرحمن
{ يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ فَلاَ تَنتَصِرَانِ } 36 { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ }37
ثم ذكر ما أعد لهم في ذلك الموقف العظيم، فقال: { يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ [وَنُحَاسٌ فَلاَ تَنتَصِرَانِ * فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } أي: يرسل عليكما] لهب صاف من النار.
{ وَنُحَاسٌ } وهو اللهب، الذي قد خالطه الدخان، والمعنى أن هذين الأمرين الفظيعين يرسلان عليكما يا معشر الجن والإنس، ويحيطان بكما فلا تنتصران، لا بناصر من أنفسكم، ولا بأحد ينصركم من دون الله. ولما كان تخويفه لعباده نعمة منه عليهم، وسوطاً يسوقهم به إلى أعلى المطالب وأشرف المواهب، امتنَّ عليهم، فقال: { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ }.
{ فَإِذَا ٱنشَقَّتِ ٱلسَّمَآءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَٱلدِّهَانِ } 38 { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } 39 { فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلاَ جَآنٌّ } 40 { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ }41
{ فَإِذَا ٱنشَقَّتِ ٱلسَّمَآءُ } [أي] يوم القيامة من شدة الأهوال، وكثرة البلبال، وترادف الأوجال، فانخسفت شمسها وقمرها، وانتثرت نجومها، { فَكَانَتْ } من شدة الخوف والانزعاج { وَرْدَةً كَٱلدِّهَانِ } أي: كانت كالمهل والرصاص المذاب ونحوه { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلاَ جَآنٌّ } أي: سؤال استعلام بما وقع، لأنه تعالى عالم الغيب والشهادة والماضي والمستقبل، ويريد أن يجازي العباد بما علمه من أحوالهم، وقد جعل لأهل الخير والشر يوم القيامة علامات يعرفون بها، كما قال تعالى:{ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ } [آل عمران: 106].
{ يُعْرَفُ ٱلْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِٱلنَّوَاصِي وَٱلأَقْدَامِ } 42 { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ }43
وقال هنا: { يُعْرَفُ ٱلْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِٱلنَّوَاصِي وَٱلأَقْدَامِ } أي: فيؤخذ بنواصي المجرمين وأقدامهم، فيلقون في النار ويسحبون فيها، وإنما يسألهم تعالى سؤال توبيخ وتقرير بما وقع منهم، وهو أعلم به منهم، ولكنه تعالى يريد أن تظهر للخلق حجته البالغة، وحكمته الجليلة.
{ هَـٰذِهِ جَهَنَّمُ ٱلَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا ٱلْمُجْرِمُونَ } 44 { يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ } 45 { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ }46
أي: يقال للمكذبين بالوعد والوعيد حين تسعر الجحيم: { هَـٰذِهِ جَهَنَّمُ ٱلَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا ٱلْمُجْرِمُونَ } فليهنهم تكذيبهم بها، وليذوقوا من عذابها ونكالها وسعيرها وأغلالها، ما هو جزاء لتكذيبهم، { يَطُوفُونَ بَيْنَهَا } أي: بين أطباق الجحيم ولهبها { وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ } أي: ماء حار جداً قد انتهى حرّه، وزمهرير قد اشتدّ برده وقره، { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } ولما ذكر ما يفعل بالمجرمين، ذكر جزاء المتقين الخائفين، فقال: