عرض مشاركة واحدة
  #93  
قديم 22-08-2020, 04:00 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,301
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة البقرة - (52)
الحلقة (59)




تفسير سورة البقرة (23)


حاول موسى أشد المحاولة مع فرعون من أجل الخروج ببني إسرائيل إلى أرض الميعاد، ولكن دون جدوى، فأمر الله موسى أن ينحاز مع قومه في جهة معينة استعداداً للخروج، فلما جاء أمر الله خرجوا جميعاً، فلما بلغ فرعون الخبر لحقهم بجنوده الجرارة، عند البحر وقف جمع موسى، وكادوا يفتنون، ولكن تداركتهم رحمة الله وحدثت المعجزة؛ ضرب موسى بعصاه البحر فانفلق ونجّا الله موسى وقومه، فكانت هذه نعمة عظيمة، ومعجزة ظاهرة.

سبب نزوح اليهود إلى المدينة في جزيرة العرب

الحمد لله، نحمده تعالى، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصِ الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً. أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إن السورة ما زالت كعهدنا بها سورة البقرة، وإن الآيات المباركات التي نستعين الله تعالى على تفسيرها وفهم معانيها سائلين الله عز وجل أن يرزقنا الاهتداء بهديها والعمل بها، إنه قريب مجيب سميع الدعاء.قراءة تلك الآيات بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ * وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ * ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [البقرة:50-53].معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات!ما زال السياق الكريم مع بني إسرائيل، وقد كانوا يسكنون هذه المدينة، وهم ثلاث فرق أو طوائف أو قبائل: بنو قينقاع، وبنو النضير، وبنو قريظة، ونزحوا إلى هذه البلاد وسكنوها لعلتين:الأولى: اضطهاد النصارى لهم، وبغض النصارى لهم، ومضايقتهم، ولِم؟ لأن اليهود في اعتقادهم قتلوا إلههم وصلبوه، فالمسيحي الصليبي ينظر إلى اليهودي نظرة لو يمكن أن يميته بها لأماته؛ لاعتقاده أن اليهود قتلوا الإله عيسى، وما زال النصارى إلى اليوم يعتقدون هذه الكذبة، والقرآن الكريم قد صرح ببطلانها، إذ قال تعالى: وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ [النساء:157].ومن الغريب والعجيب -والدنيا لا تخلو من غرائب وعجائب- أن بولس الثامن منذ حوالي عشر سنين أو خمس عشرة سنة أصدر بياناً وتصريحاً بأن اليهود برآء من دم السيد المسيح، ويومها كنا في باب المجيدي فهللنا وكبرنا، وقلنا: الحمد لله. ألف وأربعمائة سنة والقرآن يصرح بأن اليهود ما قتلوا عيسى ولا صلبوه، وعيسى رفعه الله إليه، وهم مصرون على الحنث العظيم والكذب الباطل، ثم يأتي رجل الدين والكنيسة وينقض ما كان عليه النصارى من أكثر من ألفي سنة، وقلنا: الحمد لله.نزح اليهود لمضايقة الروم لهم والرومان.ونزحوا أيضاً إلى هذه البلاد لما عندهم في التوراة من نعوت النبي صلى الله عليه وسلم وصفاته، وأنه يخرج من جبال فاران؛ جبال مكة، وأن دار هجرته أو مهاجره يثرب ذات السبخة والنخيل، فقالوا: هذا المنقذ الذي إذا جاء نلتف حوله، ونؤمن به، ونسترد أمجادنا، ودولتنا، ومملكتنا.ومما يشهد لهذه القضية أو النظرية التي سمعتم أنهم كانوا أحياناً يقولون للعرب لما ينازعوهم، أو يختصمون معهم، يقولون لهم: إن نبياً قد أظل زمانه، وسوف نؤمن به، ونقتلكم قتال عاد وإرم، واذكروا لهذا قول الله عز وجل من هذه السورة المباركة سورة البقرة، إذا جاء فيها قول الله تعالى: وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ [البقرة:89]، سبحان الله! المفروض أن يقول: فلعنة الله عليهم، لِم عدل؟ لا إله إلا الله، لو كنت أنا لقلت: فلعنة الله عليهم، اسمع .. اسمع الآية: وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ ، لِم لعن الكافرين ولم يلعنهم؟ لأن اللعنة هذه وهي الطرد من ساحة الخير وأفناء الرحمة والسلام سببها الكفر، لتبقى هذه خالدة: لعنة الله على الكافرين، سواء كانوا يهوداً أو نصارى، عرباً أو عجماً، هذا البعد من الرحمة سببه الكفر، ما قال: فلعنة الله عليهم، قد يسلمون أو يسلم من يسلم، لكن لعنة الله على الكافرين دائماً وأبداً.

إجلاء اليهود إلى خارج المدينة لغدرهم وخيانتهم

معاشر المستمعين والمستمعات! كان اليهود ينتظرون بفارغ الصبر النبوة الأخيرة الخاتمة للنبوات، ولما بعث صلى الله عليه وسلم ما زالوا يراقبون الحال، ويتطلعون إلى ما يحدث، وكلهم أمل، حتى نزل المدينة سنة ثلاث وخمسين من مولده، وشاهدوا التيار ليس ملائماً لهم، وكان بداية ذلك يوم انتصاره صلى الله عليه وسلم على قريش في بدر، من ثم عرفوا وبدءوا يكشفون عن نواياهم، وبدأت الفتنة مع بني قينقاع فحاصرهم صلى الله عليه وسلم برجاله، فاستسلموا له، ولم يقتلهم، ولم يسلب أموالهم، وطلب إليهم أن يخرجوا من المدينة وأن يلتحقوا بالشام، فالتحقوا بأذرعات من الشام، والقرآن ينزل.وتآمر بنو النضير أيضاً بعد كذا سنة على قتله صلى الله عليه وسلم، والله عز وجل أنجاه، وأبطل كيدهم ومكرهم، ونجا من تلك المؤامرة الدنية، وأعلن صلى الله عليه وسلم الحرب عليهم؛ لأنهم نقضوا عهدهم، وحاصرهم برجاله، ونزلوا على حكمه صلى الله عليه وسلم، وما قتلهم ولا صلبهم، ولكن أمرهم أن يخرجوا فقط من المدينة، وأن يحملوا ما يستطيعون حمله من أموالهم وأمتعتهم، والله إنهم كانوا يحملون الأخشاب والأبواب من بيوتهم، وفي ذلك يقول تعالى: يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ [الحشر:2]، تعجبه الخشبة أو العمود يحمله على البعير، كيف يتركه للمسلمين!ونزل بعضهم في خيبر، وبعضهم في تيم، وبعضهم التحق بالشام، وبقي بنو قريظة، بنو قريظة على عهدهم، حتى جاء يوم الأحزاب، تعرفون يوم الأحزاب، حيث كان مؤامرة عظيمة لإنهاء الإسلام، كمؤامرة حرب الخليج من سنتين أو ثلاث بالضبط، من قام بهذه المكيدة، من هو؟ لا بأس من باب المداعبة، صهر النبي صلى الله عليه وسلم، هذا اليهودي، لما أجلاهم الله من المدينة أخذ يطوف بقبائل العرب، من منطقة إلى منطقة، ويؤلبهم على الرسول صلى الله عليه وسلم، ما اسمه؟ حيي بن أخطب النضري وكان زعيماً، وابنته: من هي؟ هي صفية تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن أعتقها وكانت أم المؤمنين، فرضي الله عنها وأرضاها.فألب العرب من الشمال إلى الجنوب، من الشرق إلى الغرب، وزحفت خيل الشيطان، وطوقوا المدينة بطوق عجب، واذكروا: إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ [الأحزاب:10]، يا لها من ليالٍ! خمس وعشرين ليلة، والرسول ورجاله محاصرون في سلع، فالجبل وراءهم والخندق أمامهم، وكان هناك جوع، وكان هناك ظمأ، وكان هناك خوف.فهذا حيي -لا أحياه الله- ذهب إلى بني قريظة، وأخذ يعرفهم ويفتلهم، حتى نقضوا عهدهم، ليتألبوا مع المتألبين، فدفع الله الشر، وأبعد الخطر بآية من آياته، أرسل الله تعالى عليهم ريحاً وهي الصبا، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور )، والدبور: ريح تأتي من المغرب، وهو الدبر، والمشرق هو القبل، وأما الصبا فريح تأتي من المشرق، وهذه الريح ماذا فعلت بهم؟ اقتلعت الخيام، معسكر أبي سفيان -رضي الله عنه؛ إذ أسلم بعد ذلك- ورجاله، القدور المنصوبة فيها اللحم والأكل قلبتها الريح، إذ قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا * إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا [الأحزاب:9-11]، يا لها من أيام! وأعقبها الفرج، لما رحلوا قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( الآن نغزوهم )، لما غزونا وفشلوا الآن نغزوهم، وكان ذلك سنة ست من الهجرة، السابعة: خرج برجاله للعمرة وحصل ما حصل في الحديبية.والشاهد عندنا في هذه الجماعات اليهودية: كان المفروض أنهم أول من يؤمن برسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ كانوا يتطلعون له، ويخبرون العرب به ويهددونهم، فلما ظهر أنه على منهج غير منهجهم وطريق على غير طريقهم تنكروا له.
تابع تفسير قوله تعالى: (وإذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب ...)
ها نحن الآن والقرآن ينزل قبل أن يخرجوا من المدينة والله يذكرهم بنعمه عليهم، علهم يقولون: الحمد لله، آمنا بالله، هات يدك يا رسول الله نبايعها ونصافحها على الإسلام فأبوا، واسمعوا هذه الخمس أو الست النعم التي بين أيدينا في هذه الآيات الخمس. ‏

نجاة بني إسرائيل من عذاب آل فرعون

النعمة الأولى: في قوله: وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ [البقرة:49]، آل فرعون -كما علمتم- رجاله من جيوشه ووزرائه وأقاربه، فالكل آل؛ لأن الأمر يئول إليهم، وستمائة ألف هم بنو إسرائيل، نجاهم الله وأنقذهم واستخرجهم من ملايين، وأبعدهم من ساحتهم، وما قتلوهم ولا صلبوهم. نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ [البقرة:49]، وكيف؟إن آل فرعون كانوا يسومونهم الخسف ويعذبونهم، يذبحون أبناءهم، ويستحيون نساءهم، وقد علمتم أن كاهناً من الكهنة قال لفرعون: إن سقوط عرشك وهبوط دولتك على يد هؤلاء الأجانب، وقد رُدَّ هذا، ولا حاجة إلى الكهنة، وقلنا: إنهم الساسة، ساسة الحكومة، قالوا: إن هذا الشعب له أصل، وله شرف ومجد وملك، فإذا تقووا هنا وكثروا قد يسقطون عرش فرعون ويحكمونه، لما لهم من شرف وأصاله في الملك والحكم، وهذا هو الصواب.فمن هنا: قالوا: الطريق أن نذلهم، فنحمل رجالهم تبعة العمل الشاق، فكانوا يصنعون الطوب، فهذه مهمتهم، وفي هذا إرهاق لأبدانهم، وضعف لقلوبهم ومعنوياتهم.ثانياً: حتى ما يكثر التناسل نذبح الأولاد الذين يولدون من الآن، وقد اتخذوا قراراً -كما علمتم- أن على شيخ القرية أو الحي أن يطلع على كل حبلى، وعلى الرجل أن يبلغ البلدية أن امرأته حبلى في الشهر الخامس أو السادس، وإذا آن أوان الولادة لابد من الاتصال بالمسئولين ليحضروا الولادة، فالقابلة بمجرد ما تتلقى الولد من فرج أمه تنظر إن كان ذكراً قالت: ذكراً وذبحوه، وإن كان أنثى تركوها.ومع هذا قال الساسة: إذا فعلنا هذا باستمرار قضينا على اليد العاملة، من يشتغل، فمن الخير أن نقتل الأولاد سنة بعد سنة، سنة نذبح الأطفال، وسنة نبقيهم، وفعلوا.وقد قلت لكم: من تدبير الله جل جلاله، أن السنة التي كان فيه العفو ولد هارون أخو موسى وشقيقه، والسنة التي فيها القتل والذبح ولد موسى، فمن يحفظ موسى غير الله.فأوحى الله تعالى إلى أم موسى: أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ [طه:39] النيل: فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ [طه:39]، وهل هي نبية؟ لا، ولكن أي مانع أن يهتف بها هاتف، أو ترى رؤيا صادقة.وبالفعل ما إن وضعته والشُّرط على الباب، وقد أعدت التابوت وهيأته، وضعته في الصندوق وأعطته لأختها: ارمه في النيل، ليس عندنا ولد، ويعبث به الماء حتى يصل به إلى حديقة الملك فرعون، وإذا بالجواري عند الماء يأخذن الصندوق بسرعة، ورفعنه إلى الملكة؛ امرأة فرعون عليها السلام آسية بنت مزاحم ، قال تعالى: وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي [طه:39]، فما إن يراه أحد يكاد يدخله في قلبه، ومن يفعل هذا؟! فما إن شقوا الصندوق، وأزالوا الغطاء، ورأته الجواري والمرأة وإذا بكل واحدة تصرخ، تريد أن تدخله في أحشائها: وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي [طه:39]، تحت نظري وبصري، أنا الحامي أنا الواقي، أنا الحافظ لك يا موسى، فسبحان الله! إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ [طه:40]، من تدبير الله أنه لما أخذ موسى إلى قصر فرعون، واحتضنته آسية ، كان الولد يصرخ، وأبى أن يرضع أبداً، العطش والجوع وهو في أسبوعه الأول، وكلما تأتي مرضعة أو ضئر تقدم ثديها يلفظه ويدفعه، تدبير من هذا؟! كلما تأتي امرأة وزير .. شريفة .. امرأة غني .. طيبة الرائحة .. جميلة كذا، ما إن تدنو منه يصرخ، وإذا بأخت موسى تقول لها أمها: إي فلانة! تجولي في المدينة وتحسسي، علَّك تسمعين عن أخيك ما فعل الله به: إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ [طه:40]، لما سمعت أن الولد في بيت فرعون وأنه لم يقبل الرضع، فقالت لهم: أنا أدلكم عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ [القصص:12]، وهذه الكلمة تلقت صفعات من الجواسيس ورجال الحكومة. كيف يكونون ناصحين له؟ أنت تعرفين هذا من هو؟ قالت: أبداً. أنا أعرف أسرة فقيرة، فرجوت أن يرضع عندها، فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ [طه:40]، ما إن رأى أمه حتى التقم ثديها في نهم، فأصبحت أمه رئيسة، لو تطلب مليون دينار لأعطيته. تدبير من هذا؟ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ [طه:40].وحدثت حادثة تذكر أيضاً للعبرة: لما كان موسى يحبو ويحاول أن يقوم ليمشي، وإذا بفرعون جالس أمامه، فيمد موسى يده ويمسك فرعون من لحيته، ويجذبها. قال أحدهم ممن سمعني ذات مرة: سبحان الله! فرعون بلحيته؟! قلت: إي نعم، ما كان الفحل أبداً يحول نفسه إلى أنثى فيحلق وجهه، لابد من هذا. قال: لم فحول اليوم يحلقون؟ قلنا: لأنهم قلدوا المائعين، وضربوا في طريق الجاهلين، وإلا جمالك يا ابن آدم في لحيتك، وكنا نضرب لذلك مثلاً، نقول: أخبروني أيها الفحول! لو أن امرأة تلصق بوجهها لحية فحل صناعية كالباروكة، أفيكم من يرضى بهذا؟ هناك فحل يقبل؟ كيف ينظر إليها؟ مسخت، هكذا.فالذين يحلقون وجوههم ما شعروا أنهم في هذه المحنة، فقد أزالوا منظر الجمال والقوة والذكورة والفحولة، وأصبحوا كالإناث، وهم لا يشعرون.وهذه الكلمة نفع الله بها، فقد مضت علينا فترة كان المجلس كهذا لا يوجد فيه عُشره ملتحون، والكل حالقون، الآن انتشر الحق والحمد لله؛ لأن العلة هي الجهل فقط، مؤمنون صالحون غرروا بهم وقالوا: علماء، وقالوا .. وقالوا، فضللوهم وإلا من يرضى من الفحول أن يساوى بالإناث، ويصبح من جماعتهن، والرسول يقول: ( من تشبه بقوم فهو منهم )، ويقول: ( لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء، ولعن الله المتشبهات من النساء بالرجال )، كذا قال؟ إي، والله العظيم.ومن يُلعن على لسان رسول الله كيف يسعد؟! كيف يرتاح وتطيب نفسه؟!كما قلت لكم: ملعون الرجل إذا تشبه بالمرأة، والمرأة ملعونة إذا تشبهت بالرجل، فلو تعمل عمامتها و.. و، وتلصق اللحية في وجهها وقالوا: هذا رجل، ملعونة على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم.ولا نطيل في هذه النعمة: وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ [البقرة:49] وجهه وبيانه: يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ [البقرة:49] أي: للخدمة والشغل: وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ [البقرة:49]، امتحان كبير، لِم ما تؤمنون بالله ورسوله، وتدخلون في رحمة الله، وتمشون وراء رسول الله خاتم الأنبياء وإمام المرسلين؟!ثم قال لهم النعمة الثانية: وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ [البقرة:50] اذكروا الوقت الذي تمت فيه ترتيبات عجيبة.



يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 35.25 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 34.62 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.78%)]