144 فائدة من حديث جابر الطويل المشهور في صفة حج النبي - للعلامة العثيمين
بكر البعداني
144 فائدة من حديث جابر - رضي الله عنه - الطويل المشهور
في صفة حج النبي - صلى الله عليه وآله وسلم –
للعلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسولنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فهذه جملة من الفوائد التي تبلغ 144 فائدة تقريبًا ذكرها سماحة العلامة محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - أثناء شرحه لحديث جابر - رضي الله عنه - نقلتها من مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين (24/ 506) جمع وترتيب: فهد بن ناصر بن إبراهيم السليمان، وفي ثناياها جملة من التساؤلات والفوائد أضعاف هذا؛ ولكني حذفت الكثير منها - مع ما فيها من الفوائد النافعة، والماتعة - طلبًا للاختصار وهي جميعها أو أكثرها من المسائل التي ذكرها - رحمه الله - استطرادًا للفائدة، أو تساؤلًا لدفع إشكال ما، أو بيان وتوضيح للمسألة، أو للترجيح بين أقوال العلماء، أو نحو ذلكم، وأنوه إلى أني - أيضًا - نقلت حواشي الجامع بشيء من التصرف والزيادة.
وإلى فوائد هذا الحديث:
1- أن حجة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كانت في السنة العاشرة من الهجرة، لقوله: " ثم أذن في الناس في العاشرة أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - حاج ".
2- أن ميقات أهل المدينة ذو الحليفة. لقوله: (فخرجنا معه حتى أتينا ذا الحليفة).
3- أن الصحابة - رضي الله عنهم - من أحرص الناس على طلب العلم، ذكورهم وإناثهم، لقوله: (فولدت أسماء بنت عميس محمد بن أبي بكر، فأرسلت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كيف أصنع).
4- أن طلب العلم لا يختص بالرجال؛ فكما أن الرجل يشرع له طلب العلم، بل يتعين عليه، إذا كانت عبادته لا تقوم إلا به فإنه يتعين عليه فكذلك المرأة ولا فرق.
5- أنه يستحب الغسل للإحرام للرجال والنساء حتى من لا تصلي فإنها تغتسل، لقوله - صلى الله عليه وآله وسلم - لأسماء بنت عميس: ((اغتسلي)). فأمرها أن تغتسل. وإذا كانت النفساء - وهي لا تصلي - تؤمر بالغسل، فكذلك من سواها.
6- أن الحيض أو النفاس لا يمنع انعقاد الإحرام، كما لا يمنع دوامه، بدليل قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: ((وأحرمي)). وبناء على ذلك، فإن المرأة إذا وصلت إلى الميقات وهي حائض، أو أصابها حيض فلا تقل: لن أحرم حتى أطهر، بل نقول: أحرمي.
7- جواز الإحرام ممن عليه جنابة. وجه ذلك أنه أمر النفساء أن تحرم، والنفاس موجب للغسل.
8- أنه ينبغي التلبية إذا استوى على البيداء لقوله: ((حتى إذا استوت به على البيداء أهل بالتوحيد)). وهذه المسألة اختلف فيها العلماء - رحمهم الله..
9- أن الإنسان لا ينقل إلا ما بلغه علمه؛ فإن جابرًا - رضي الله عنه - لم ينقل ما نقله عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: أهل حين استوى على ناقته، بل قال: "حتى إذا استوت به على البيداء". وهذا بعد ما ذكره عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما.
10- مشروعية رفع الصوت بالتلبية، لقول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: (( أتاني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي أن يرفعوا أصواتهم بالإهلال )). (2) فينبغي للرجل أن يرفع صوته امتثالًا لأمر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - واتباعًا لسنته، وسنة أصحابه. فقد قال جابر - رضي الله عنه -: " كنا نصرخ بذلك صراخا"[1].
ولا يسمع صوت الملبي من حجر، ولا مدر، ولا شجر إلا شهد له يوم القيامة، فيقول: أشهد أن هذا حج ملبيًا.
ومع الأسف أن كثيرًا من الحجاج لا يرفعون أصواتهم بالتلبية إلا نادرًا.
فإن قال قائل: أليس النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -قال لأصحابه وقد كبروا في سفر معه: (( أيها الناس اربعوا على أنفسكم- أي: هونوا عليها- فإنكم لا تدعون أصم ولا غائباً إن الذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته ))[2]..
قلنا: لكن التلبية لها شأن خاص؛ لأنها من شعائر الحج، فيصوت بها.
أو يقال إن أمر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أن يهونوا على أنفسهم لأنهم كانوا يرفعون رفعًا شديدًا يشق عليهم.
أما المرأة فتسر بها؛ لأن المرأة مأمورة بخفض الصوت في مجامع الرجال، فلا ترفع صوتها بذلك، كما أنها مأمورة إذا نابها شيء في الصلاة مع الرجال أن تصفق، لئلا يظهر صوتها، فصوت المرأة - وإن لم يكن عورة - لكن يخشى منه الفتنة. ولهذا نقول: المرأة تلبي سرًا بقدر ما تسمع رفيقتها ولا تعلن.
11- مشروعية رفع الصوت بالتلبية من حين الإحرام.
12- مشروعية تعيين النسك في التلبية. فإذا كان في العمرة يقول: لبيك اللهم عمرة، وفي الحج يقول: لبيك اللهم حجًا، وفي القِرَان يقول: لبيك اللهم عمرة وحجًا.
13- أنه ينبغي للإنسان أن يستحضر أنه في مجيئه إلى مكة وإحرامه أنه إنما يفعل ذلك تلبية لدعاء الله. قال الله تعالى: ﴿ وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ﴾ [الحج:27]. فالأذان بأمر الله يعتبر أذانًا من الله. فإذا كان الله هو الذي أذن فأنا أجيبه وأقول: لبيك اللهم لبيك... إلخ.
14- أن التلبية توحيد خالص؛ لأن الإنسان يقول: لبيك اللهم لبيك. ولبيك هذه جواب، جواب دعوة. ولهذا إذا دعي أحدنا فقيل: يا فلان! قال للداعي: لبيك، وهي بصيغة التثنية، ولكن المراد التكرار، ومن ثم يقول النحويون إنها ملحقة بالمثنى؛ لأن لفظها لفظ تثنية، ومعناها التكثير. والتلبية هي الإجابة؛ فكأنك تقول: يا رب إجابة لك بعد إجابة. وتكرر توكيدًا.
15- الثناء على الله - عز وجل - بالحمد والنعمة؛ فإنه هو المتفضل - عز وجل -بذلك ﴿ وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ﴾ [النحل:53].
16- انفراد الله بالملك لقوله: ((.. لك والملك لا شريك لك)).
17- جواز الزيادة على تلبية النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لأنه - صلى الله عليه وآله وسلم - كان يسمعهم يزيدون ولا ينكر عليهم. وممن زاد في التلبية عمر وابنه - رضي الله عنهما -: "لبيك وسعديك، والرغباء إليك والعمل". وكما قال أنس - رضي الله عنه -: "منا المهل، ومنا المكبر". وكان النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يسمعهم ولا يرد عليهم شيئًا. لكن لزوم تلبية النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أفضل وأتم في التأسي.
18- أن الناس كانوا لا يعرفون العمرة في أشهر الحج، بل إن العرب في الجاهلية يرونها من أفجر الفجور، ويقولون: لا يمكن أن تأتي إلى مكة بعمرة وحج، بل لابد أن تأتي بعمرة في سفر، وحج في سفر وهم ينظرون إلى ذلك من ناحية اقتصادية، حتى يكثر الزوار والحجاج، وتكون الأسواق أكثر اشتغالًا.
19- أنه ينبغي للإنسان الحاج أو المعتمر أن يبادر حين الوصول إلى مكة إلى الذهاب إلى المسجد ليطوف؛ لأن هذا هو المقصود ولا ينبغي أن يجعل غير المقصود، مقدمًا، بل المقصود ينبغي أن يكون مقدمًا، على كل شيء.
20- حرص الصحابة - رضي الله عنهم - على العلم بأفعال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ليتبعوه فيها.
21- مشروعية البداءة في الطواف بالحجر الأسود؛ فإن بدأ دونه مما يلي الباب لم يعتد بالشوط.
22- مشروعية استلام الحجر الأسود عند ابتداء الطواف، لقوله: ((حتى إذا أتينا البيت معه استلم الركن)).
23- مشروعة تقبيل الحجر الأسود في الطواف. وأما تقبيل غيره من الجمادات والأحجار فبدعة.
24- مشروعية استلام الحجر الأسود والركن اليماني في الطواف بالبيت. ولا يشرع استلام غيرهما من أركان الكعبة أو جدرانها سوى هذين الركنين.
25- أن السنة كما تكون بالفعل تكون كذلك بالترك، فإذا وجد سبب الفعل في عهد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ولم يفعله دل هذا على أن السنة تركه.
26- مشروعية الاضطباع في جميع الطواف.
وهل يبقى مضطبعًا بعد الطواف أم لا؟
الصحيح أنه لا يبقى مضطبعًا. وأن الإنسان يستر منكبه من حين أن يفرغ من طوافه.
وقال بعض العلماء - رحمهم الله -: بل إنه يبقى مضطبعًا في السعي. ولكن الصحيح الأول.
27- مشروعية الرمل في الأشواط الثلاثة الأولى من طواف القدوم دون الأربعة الباقية.
28- مشروعية الرمل في الأشواط الثلاثة الأولى من الحجر إلى الحجر، لأن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فعل ذلك وأن السنة المشي في الأربعة الباقية.
29- أن الطواف بالبيت سبعة أشواط كاملة. فلو نقص خطوة واحدة من أوله أو آخره لم يصح. كما لو نقص شيئًا من الصلاة فإنها لا تصح.
30- أنه تسن الصلاة خلف المقام بعد الطواف، ومعلوم أن الركعتين خلف المقام قريبًا منه أفضل من كونها بعيدًا عنه أو ليست خلفه. لكن إذا لم يتيسر للإنسان أن يصلي خلف المقام قريبًا منه فليصل خلف المقام بعيدًا منه، فإن لم يتيسر فليصل في أي مكان من المسجد؛ لأن المطلوب منه شيئان:
الأول: الصلاة.
والثاني: كونها خلف المقام.
فإن تعذر المكان بقيت مشروعية الصلاة، وليس من شرط الصلاة أن تكون خلف المقام، حتى نقول إذا تعذر خلف المقام سقطت الصلاة.
31- أنه ينبغي للإنسان بعد أن يصلي الركعتين أن يرجع إلى الحجر الأسود فيستلمه لفعل النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -.
32- أنه ينبغي المبادرة بالسعي بعد الطواف بدون تأخير، وهذا على سبيل الأفضلية وليس على سبل الوجوب.
ولهذا قال العلماء- رحمهم الله-: إن الموالاة بين الطواف والسعي سنة وليست بشرط. فلو طاف في أول النهار وسعى في آخره فلا بأس، لكن الأفضل الموالاة.
33- أنه ينبغي أن يخرج من باب الصفا؛ لأنه أيسر، وكان المسجد الحرام فيما سبق له أبواب دون المسعى يخرج منه الناس. أما الآن فيتجه إلى جهة الصفا.
34- أنه يِنبغي إذا دنا من الصفا أن يتلو الآية ﴿ إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ ﴾ [ البقرة: 158]، اقتداء برسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وليشعر نفسه أنه إنما سعى؛ لأنه من شعائر الله وتعظيمًا لشعائر الله عز وجل وحرماته.
35- أنه ينبغي أن يقول: ((أبدأ بما بدأ الله به)) ليتحقق بذلك الامتثال. ولا يقال هذا الذكر إلا إذا أقبل على الصفا من بعد الطواف، فلا يقال بعد ذلك لا عند المروة ولا عند الصفا في المرة الثانية؛ لأنه ليس ذكرًا يختص بالصعود، وإنما هو ذكر يبين أن ابتداء الإنسان من الصفا إنما هو لتقديم الله له.
36- أن ما بدأ الله به هو أولى بالتقديم، ولهذا بدأ النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -بالصفا، لأن الله بدأ به.
37- أنه ينبغي صعود الصفا حتى يرى البيت فيستقبله، وهو واضح من قوله: "فرقي الصفا حتى رأى البيت".
38- أنه ينبغي في هذا الحال أن يوحد الله ويكبره، ويقول الذكر، ويدعو بين الأذكار التي يقولها ثلاث مرات. وقد ورد عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - حينئذ رفع يديه دعاء، وليس رفع إشارة كما يفعل في الصلاة.
39- أن السنة أن يمشي ما بين الصفا إلى طرف الوادي الشرقي، ثم يسعى من طرف الوادي الشرقي إلى طرفه الشمالي، ثم يمشي إلى المروة.
40- أن الإسراع في كل المسعى ليس بمشروع.
41- أنه ينبغي الإسراع في بطن الوادي لفعل الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -وبطن الوادي الآن جعل له علم منصوب (عمود أخضر)، فإذا وصلته فابدأ بالإسراع.
42- أنه ينبغي لك وأنت تسعى أن تستشعر بأنك في ضرورة إلى رحمة الله - عز وجل - كما كانت أم إسماعيل - رضي الله عنها - في ضرورة إلى رحمة الله - سبحانه وتعالى -، فكأنك تستغيث به - تبارك وتعالى - من آثار الذنوب وأوصابها.
43- أن الإسراع في السعي مشروع في كل الأشواط السبعة، لأن جابرًا - رضي الله عنه -لم يستثن شيئًا منه، بخلاف الرمل في الطواف، فمشروع في الثلاثة الأولى.
وفرق آخر: هو أن الإسراع في السعي في جزء منه، والرمل في الطواف في جميع الأشواط الثلاثة فهذان فرقان.
الفرق الثالث: أن الإسراع في السعي أشد من الرمل في الطواف، لأن الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - كان يسرع جدًا بخلاف الطواف، فإنه يرمل، والرمل إسراع المشي دون الخبب، يعني: دون الركض الشديد.
44- أن اختتام الأشواط السبعة يكون بالمروة.
45- أن الأيدي لا ترفع حال الذكر والدعاء، لا في السعي ولا في الطواف؛ لأن الذين وصفوا طواف النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ودعاءه فيه: ((ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار)). لم يذكروا رفع اليدين، وكونهم يذكرون رفع اليدين على الصفا وعلى المروة يدل على أن ما عدا ذلك ليس فيه رفع.
46- جواز قول (لو) إذا كان لقصد الإخبار. لقوله: (( لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت )).
47- حسن تعليم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ودعوته إلى الحق.
48- مشروعية فسخ نية الحج إلى عمرة ليصير متمتعًا، إلا أن يسوق الهدي.
49- أن من فسخ نية الحج إلى عمرة ليصير متمتعًا، فإنه يتحلل بالعمرة تحللًا كاملًا.
50- أن الحج يمتاز عن غيره من العبادات بجواز تغيير النية فيه. فنجد الرجل يحرم بالحج، ثم يقلبه إلى عمرة ليصير متمتعًا ويصح، ويحرم بالعمرة أولًا ثم يضيق عليه الوقت فيدخل الحج عليها ليصير قارنًا ويصح.
يتبع