عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 20-08-2020, 04:03 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,968
الدولة : Egypt
افتراضي استقلال السنة بالتشريع

استقلال السنة بالتشريع
د. محمد أكجيم









الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:



فإن استقلال السنَّة بالتَّشريع قضية من أهم القضايا الجديرة بالتذكير بها، والتأكيد عليها، وإشاعة حُجَجها وبراهينها؛ لأنها قضية المصدر الثاني من مصادر التَّشريع الإسلامي الحنيف، الذي لا غنى عنه في بيان الإسلام وتقرير أحكامه وتشريعاته، والذي لا يألو خصوم الإسلام في القديم والحديث الجهد في محاولة النيل منه، والتشكيك في حجيته، كله أو بعضه؛ بُغيةَ تحريف الإسلام عما أنزله الله به؛ نورًا وهدى ورحمة للعالمين.







والمنكرون للسنَّة عبر العصور أصناف ومراتب:



الأولى: مَن ينكر الاحتجاج بالسنَّة جملة؛ فلا حجة إلا في القُرْآن، ولا دليل إلا ما كان مستمدًّا منه، معتمدًا عليه.



الثانية: مَن ينكر خبر الآحاد، ويقصُرُ الاحتجاج على القُرْآن والحديث المتواتر.



الثالثة: مَن لا يقبَل مِن السنَّة إلا ما كان بيانًا لحكم قُرْآني؛ لأن السنَّة - في زعم هؤلاء - ليست حجة في ذاتها، وإنما هي مبينة للقُرْآن فقط[1].







والقصد من هذا الموضوع الإسهام في سد الذريعة إلى النيل من السنَّة الشريفة بما من شأنه من الأقاويل - في استقلالها بالتَّشريع - أن يسند مذهب الطاعنين فيها المنكرين لحجيتها على اختلاف مراتبهم.







إنها قضية العقيدة تجاه السنَّة الشريفة أولًا، كما أنها من صميم علم الحديث ومرتكزه، ومن صميم علم التفسير والفقه وأصوله، فأي خلل في الاعتقاد الصحيح فيها ينعكس ضرورة على كل العلوم الشرعية الخادمة للفتوى، ثم الفتوى نفسها، والأحكام الشرعية في جوانب الحياة ومجالاتها المختلفة.







وسأتناول هذا المحور في العناصر الآتية:



أولًا: مقدمات تعريفية بعنوان الموضوع.



ثانيًا: أقوال العلماء في استقلال السنَّة بالتَّشريع، وأدلتهم.



ثالثًا: الموازنة بين الآراء وتقرير الراجح منها.











أولًا: مقدمات تعريفية بعنوان الموضوع.



1 - تعريف السنَّة لغة واصطلاحًا:



أ - السنَّة لغة:



السنَّة في اللغة مشتقة من فعل (سَنَّ) بفتح السين المهملة وتشديد النون، أو من فعل (سنن)، وهذه المادة تفيد أن الشيء تكرر حتى أصبح قاعدة.







ولها عدة معانٍ، الأصل فيها:



السيرة المستمرة والطريقة المتبعة المعتادة، حسنةً كانت أو سيئة، قال ابن الأثير: قد تكرر في الحديث ذكر السنَّة وما تصرف منها، والأصل فيها: الطريقة والسيرة[2].







ب - السنَّة اصطلاحًا:



يختلف تعريف السنَّة في اصطلاح العلماء بحسب مجال تعريفها، في علم الحديث، أو الأصول، أو الفقه.



ويَعنينا في هذا المقام تعريفُها عند علماء أصول الفقه خاصة، بأنها: ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير؛ مما يصلح أن يكون دليلًا لحُكم شرعي[3].







2 - أقسام السنَّة بالنسبة للقُرْآن الكريم.



تنقسم السنَّة في علاقتها بالقُرْآن الكريم - بمعناها عند علماء أصول الفقه - إلى أقسام ذكرها "الشافعي" ثم من بعده "ابن القيم" حيث قال: "والسنَّة مع القُرْآن على ثلاثة أوجه:



أحدها: أن تكون موافقة له من كل وجه، فيكون توارد القُرْآن والسنَّة على الحكم الواحد من باب توارد الأدلة وتضافرها.



الثاني: أن تكون بيانًا لِما أريد بالقُرْآن وتفسيرًا له.



الثالث: أن تكون موجبة لحكم سكت القُرْآن عن إيجابه، أو محرِّمة لِما سكت عن تحريمه، ولا تخرج عن هذه الأقسام [4].








3 - معنى استقلال السنَّة بالتَّشريع:



أ - المراد باستقلال السنَّة: أن تأتي بما لم يُنَص عليه في الكتاب، إما بوحي غير القُرْآن، وإما باجتهاد معصوم فيه[5].



فالسنَّة المستقلة لا تعني الخروج عن دائرة الوحي العام، وإن خرجت عن دائرة الوحي "القُرْآن" من حيث ما وردت به من أحكام خاصة.







قال تعالى: ﴿ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا ﴾ [النساء: 113].



يقول الشافعي: فذكر الله الكتاب، وهو القُرْآن، وذكر الحكمة، فسمِعتُ مَن أرضى من أهل العلم بالقُرْآن يقول: الحكمة سنَّة رسول الله[6].







ب - التَّشريع في الإسلام هو: وَضْعُ الحُكم الشرعي لكل فعل من أفعال المكلفين، سواء أكان ذلك الحكم هو الوجوب أو الحرمة أو الندب أو الكراهة أو الإباحة [7].








ج - فاستقلال السنَّة بتشريع الأحكام معناه: أن تأتي السنَّة بأحكام زائدة على ما في القُرْآن الكريم، بحيث لا يمكن للمجتهد أن يستنبطها منه.











ثانيًا: آراء العلماء في استقلال السنَّة بالتَّشريع:



للعلماء في هذه المسألة قولان:



1 - قول باستقلال السنَّة بالتَّشريع.



2 - وقول بعدم استقلاليتها بالتَّشريع.



وهو ما ذكره "الشافعي" في كتابه "الرسالة" في معرِض ذكره لأقسام السنَّة الشريفة[8].








1 - القائلون باستقلال السنَّة بالتَّشريع وأدلتهم.



ذهب إلى القول باستقلال السنَّة بالتَّشريع جمهور العلماء، وعلى رأسهم الإمام الشافعي:



ويستند هذا المذهب في رأيه إلى أدلة، منها:



أ - إيجاب الله تعالى الطاعةَ لرسوله، والتسليم لحكمه في نصوص، منها:



قوله تعالى: ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [النساء: 65].



يقول الشافعي: نزلت هذه الآية في رجل خاصم "الزبيرَ" في أرض، فقضى النبيُّ بها "للزبير".



وهذا القضاء سنَّة من رسول الله، لا حُكم منصوص في القُرْآن[9].








فاستدل الشافعيُّ بهذه الآية على أن هذا الحكم لم يكن في كتاب الله نصًّا واضحًا، وبأنه لو كان كذلك، لكان عدم إيمانهم ناشئًا عن ردِّهم حُكمَ الكتاب، وعدم تسليمهم له، وليس بناشئ عن عدم تحكيم الرسول وعدم التسليم له، وعن الحرج مما قضى، وحينئذ كان الظاهر أن يقال: فلا وربك لا يؤمنون، حتى يقبَلوا حُكمَ الكتاب ويسلموا له[10].








قوله تعالى: ﴿ مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ﴾ [النساء: 80].







وجه الدَّلالة: لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يطاع فيما زاد من سنَّته على القُرْآن الكريم، لم يكن لطاعتِه معنًى، ولسقطت طاعته المختصة به، وإذا لم تجب طاعته إلا فيما وافق القُرْآن لا فيما زاد عليه، لم يكن له طاعة خاصة تختص به، وقد قال الله تعالى: ﴿ مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ﴾ [النساء: 80][11].








قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ﴾ [النساء: 59].







يقول ابن القيم: "فأمَر تعالى بطاعته وطاعة رسوله، وأعاد الفعل إعلامًا بأن طاعة الرسول تجب استقلالًا من غير عرضِ ما أمَر به على الكتاب، بل إذا أمر وجبت طاعتُه مطلقًا، سواء كان ما أمر به في الكتاب أو لم يكن فيه؛ فإنه أوتي الكتابَ ومِثلَه معه..." [12].








ب - إسناد الله تعالى إلى نبيِّه تحليلَ الطيبات وتحريم الخبائث إسنادًا عامًّا:



قال سبحانه في أوصاف نبيه: ﴿ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ ﴾ [الأعراف: 157].







فالآيةُ الكريمة أَسندت إلى النبي صلى الله عليه وسلم تحليلَ الطيبات وتحريم الخبائث دون تفرقة بين ما ذكر في القُرْآن وما لم يُذكَر فيه؛ لأن هذا الكل مِن عند الله عز وجل.







ومن الأحاديث الصريحة في هذا المعنى: حديث الرجل الذي قال عن الحج: "أفي كلِّ عام يا رسول الله؟ فقال: ((لو قلتُ: نَعم، لوجَبَتْ))[13]، فكان مناط الوجوب مِن عدمه قوله: "نعم".







وكذلك حديث: ((لولا أن أشقَّ على أمَّتي، لأمرتُهم بالسواك عند كل صلاة))[14].



وجه الدَّلالة: يقول العيني فيها: فيه جواز الاجتهاد منه فيما لم ينزل عليه فيه نص؛ لكونه...ترَك الأمر به لخوف المشقة، والأمر منه أمرٌ من الله في الحقيقة؛ لأنه لا ينطِقُ عن الهوى[15].








ويتأكد هذا المعنى بحديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه: ((ألَا إني أُوتيتُ الكتابَ ومِثلَه معه، ألا لا يوشك رجل على أريكته يقول: عليكم بهذا القُرْآن، فما وجدتم فيه من حلال فأحلُّوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرِّموه، وإن ما حرَّم رسولُ الله كما حرم الله، ألا لا يحِلُّ لكم الحمارُ الأهلي، ولا كلُّ ذي ناب مِن السباع، ولا لقطة معاهَد، إلا أن يستغنيَ عنها صاحبُها، ومن نزل بقوم فعليهم أن يَقْرُوه، وله أن يُعقِبَهم بمثل قِراه))[16].








وجه الدلالة: فهذا الحديث يدل على أن الشريعة تتكون من الأصلين معًا: الكتاب والسنَّة، وأن في السنَّة ما ليس في الكتاب، وأنه يجب الأخذ بما في السنَّة كما يجب الأخذ بما في الكتاب الكريم؛ لأن الحديث صريح في أن الذي أحلَّه أو حرَّمه رسول الله مِثلُ الذي أحله أو حرمه الله في الحكم؛ لأن الله أوجب طاعة رسوله طاعةً عامة في القُرْآن الكريم.




يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 39.42 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 38.80 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.59%)]