عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 15-08-2020, 02:21 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,040
الدولة : Egypt
افتراضي رد: منهج الزمخشري في الاستشهاد بالقراءات القرآنية


11 - ذكر الكلمة ومرادفها:
وقد جاء ذلك في عرضه للجذر (عرش)، حيث قال:
«أين ما غرسوه وما عرشوه؟ (ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون )[58]، وقرئ (يغرسون)»[59].

هو يعرض هنا لهذا الجذر (عرش)، ثم يستدعي مرادفه وهو (غرس)، ثم يربط بين هاتين الكلمتين المترادفتين؛ فيورد تلك القراءة (يغرسون) دليلاً على وجود هذا الترادف.

مما سبق يتبين لنا أن الزمخشري قد استخدم المنهج الوصفي في عرضه هذه القراءات؛ لتأصيل الدلالة، حيث لم يفضل قراءة على أخرى، أو استخداماً على آخر، بل اكتفى بالعرض فقط.

إسناد القراءة:
اتسم منهج الزمخشري في إسناد القراءة التي يذكرها بما يلي:-
أولاً:
ذكر القراءة عرضاً، دون نسبتها إلى صاحبها الذي رويت نه، أو مصدرها. وهو في ذلك إما أن يذكرها مسبوقة بالفعل الماضي المبني للمجهول (قرئ) وإما أن يذكرها من غير تقديم؛ بحيث لا يفصل بينها وبين ما هي فيه من سياق.

فما ذكره مسبوقاً بالفعل الماضي (قرئ) عشرة مواضع هي:
وقرئ السَجن.
وقرئ يغرسون.
(لوّوا رؤسهم) وقرئ بالتخفيف.
وقرئ أفتمرونه.
وقرئ لملّئت منهم رعباً.
(والذي تولى كبره)، قرئ باللغتين.
وقرئ (أفرأيتم ما تَمنون).
وقرئ مستنفِرة ومستنفَرة.
وقرئ (حتى يُنفِضوا).

وما ذكره من غير تقديم أربعة مواضع هي:
(إذا قومك منه يصُدون ويصِدون).
(ولا تصاعر خدك).
(وقال لفتيته ولفتيانه).
(وقِرن في بيوتكن).

ثانياً:
ذكر صاحب القراءة الذي رويت عنه، وذلك في ثلاثة مواضع هي:
قراءة (ولأرقصوا) عزاها إلى ابن الزبير، فقال:
«وقرأ ابن الزبير (ولأرقصوا خلالكم)».

قراءة (ننشزها) ردها إلى زيد، فقال:
«(كيف ننشزها) في قراءة زيد».

قراءة (تكهر) عزاها على ابن مسعود، فقال:
«وفي قراءة ابن مسعود (فلا تكهر)».

ثالثاً:
ذكر مصدر القراءة دون صاحبها، وجاء ذلك في موضعين هما:
«عن المفضل أنه قرأ في مصحف (فلما رأى قميصه عط من دبر )»، حيث نسب مصدر هذه القراءة إلى أحد المصاحف التي قرأ فيها المفضل.

«عن أبي زيد أنه قال: سمعت من الأعراب من يقرأ (فما وهِنوا)».

حيث نسب مصدر هذه القراءة إلى واحد من الأعراب سمعه أبو زيد.

ويلاحظ على الزمخشري هنا أنه لم يذكر أحداً من القراء العشرة أصحاب القراءات الصحيحة، رغم أنه استشهد ببعض مما قرأوا به - كما سنفصل بعد قليل.

كما أنه لم يهتم كثيراً بعزو القراءات إلى أصحابها. فإذا كانت جملة ما أحصيناه عنده من الكلمات التي استشهد بها تسع عشرة كلمة؛ فقد ذكر أربع عشرة منها دون نسبة إلى من قرأ بها. وذكر كلمتين دون تحديد القارئ بهما؛ بل أسندهما إلى أحد المصاحف التي قرأ فيها المفضل، وهي كلمة (عُط)، وإلى أحد الأعراب الذي لا ندري من هو؟ ومن أية قبيلة؟ وهل كان ما قرأه لحنا أم رواية سمعها من أحد قبله؟ وهي كلمة (وهِنوا).

على حين اكتفى بذكر أصحاب ثلاث من الكلمات؛ هي (أرقصوا - ننشزها - تكهر). ويؤخذ عليه كذلك أنه في قراءة (ننشزها) لم يذكر قارئاً لها إلا زيداً فقط، رغم أنها قراءة صحيحة؛ قرأ بها حمزة والكسائي وعاصم وابن عامر[60].

وهنا أيضاً نرى أنه قد استخدم المنهج الوصفي، إذ وصف الواقع اللغوي كما هو في القراءة التي تدلل على ما يقول؛ دون محاولة استقرائها للوصول إلى صاحبها، أو مصدرها.

ذكر الكلمة وسياقها:
في استشهاد الزمخشري بالقراءات القرآنية، نجده لا يذكر الكلمة وحدها، الدالة على القراءة والدلالة اللتين يريدهما. بل يذكرها داخل سياقها القرآني الذي وردت فيه. وقد فعل ذلك في كل الكلمات التي استشهد بها إلا كلمة واحدة هي (مستنفرة)؛ حيث ذكرها وحدها دون سياقها الذي جاءت فيه.

أما باقي الكلمات التي أتى فيها بسياقها القرآني، فلم يكن يذكر إلا الجملة القرآنية التي تؤدي ما يريد أن يثبته فقط من دلالات. حيث لم يذكر الآية التي وردت فيها الكلمة، بل جزءا منها فقط. وليست هنا حاجة لإعادة كتابة هذه الجمل القرآنية التي كتبها الزمخشري؛ إذا سبق عرضها[61].

مقارنة القراءة بغيرها:
للزمخشري منهج واضح في إيراد الكلمة التي يستشهد بها، مقارنة بغيرها، في قراءة أخرى، وله في ذلك حالتان؛ إما أن يذكر الكلمة وحدها دون ذكر ما يقابلها في قراءة أخرى، حيث يكتفي بذلك. وإما أن يذكر الكلمة وما يقابلها في قراءة أخرى.

الحالة الأولى:
وهي التي يذكر فيها الكلمة وحدها، وجاءت في عشرة مواضع. هي:
1 - (ولأرقصوا).
مع أن لها مقابلان[62] آخران هما: (أوفضوا - أوضعوا)[63].

2 - (ولا تصاعر).
ولها مقابلان آخران هما: (تُصعّر - تُصْعِر).

3 - (عُط).
ولها مقابلان آخران هما: (قُدّ - قُطّ).

4 - (وقِرْن).
ولها مقابل آخر هو: (وقِرْن).

5 - (فلا تكهر).
ولها مقابل آخر هو (تقهر).

6 - (ولـملئت).
ولها مقابلات أخرى هي: (لـملِئْت - لـملِّيت - لـملِيت).

7 - (تَمنون).
ولها مقابل آخر هو: (تُمنون).

8 - (ننشزها).
ولها مقابلات أخرى هي: (نَنْشرها - نَنْشُرها - نُنشِرها).

9 - (يُنفِضوا).
ولها مقابل آخر هو: (يَنْفَضّوا).

10 - (فما وهِنوا).
ولها مقابلات أخرى هي: (وَهَنوا - وَهُنوا - وَهْنوا).

الحالة الثانية:
وهي التي يذكر فيها الكلمة مقارنة بكلمة أخرى في قراءة أخرى. وقد جاء ذلك في تسعة مواضع هي:
(رتَقا) في مقابل (رتْقا).
(السَجن) في مقابل (السِجن).
(يصُدون) في مقابل (يصِدون).
(يغرسون) في مقابل (يعرِشون) و(يعرُشون).
(لفتيته) في مقابل (لفتيانه).
(كُبره) في مقابل (كِبره).
(لوَوا) في مقابل (لوّوا).
(أفتَمرونه) في مقابل (أفتُمارونه).
(مستنفَرة) في مقابل (مستنفِرة).

مما سبق يمكن أن نستخلص أن الزمخشري لم يهتم بالقراءة بوصفها علماً؛ يجب تأصيله، بالبحث عن مصدرها، وقائلها، وما تقابله من كلمات في قراءات أخرى. بل كان هم الزمخشري أن يبحث عن الدلالة فقط. وذلك شأن المعجميين، باستثناء ابن منظور المصري؛ الذي أكثر من الاستشهاد والتأصيل في معجمه الضخم (لسان العرب).

كما نلاحظ أنه لم يذكر الآية التي تحتوي على الكلمة التي يريد تأصيلها، بل كان يذكر الجملة التي تحتوي عليها. وذلك شيء اشترك فيه كثير من العلماء الذين درسوا القراءات، أو تعرضوا لها. بل إن اللغويين والنحاة - حين تعرضهم لقراءة ما - لم يذكروا إلا ما يكفي للتدليل على ما يريدون. وكتبهم شاهدة بذلك.

يُلاحظ أيضاً أنه ليس هناك أثر للفكر الاعتزالي؛ الذي اعتنقه الزمخشري؛ في هذه القراءات. ذلك لأنه عامل تلك الكلمات بفكر لغوي موضوعي؛ دون أن تتأثر هذه المعاملة بأي فكر آخر. بحيث يمكن أن يلصق ما قاله الزمخشري؛ عن تلك الكلمات التسع عشرة؛ بأي لغوي آخر، دون أن تظهر شخصية القائل. وهذا هو ما ينادى به علم اللغة الحديث؛ بل كل العلوم.

أي إن منهجه وصفي؛ اتسم ببعض صفات المنهج الوصفي؛ كالموضوعية، وإيراد الواقع اللغوي كما هو؛ دون تحسين أو تقبيح فيه؛ أو تفضيل صيغة على أخرى. ولكن يؤخذ عليه عدم الاستقرار الكامل؛ بل الاكتفاء بما يؤدي الهدف الذي يريده فقط.


[1] البيت في اللسان بغير نسبة (بكى) 1/ 252 والبيت من المتقارب.

[2] البيت في العقد الفريد 1/ 88 بلفظ (والشمس) والبحر المحيط 8/ 36 بلفظ (فالشمس)، وتفسير القرطبي 25/ 74 بلفظ (والشمس)، وعجز البيت في تذكرة النحاة 616 والبيت من البسط.

[3] سنن ابن ماجه (كتاب الجنائز) 1/ 507، ونص الحديث كاملاً هو:
«عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بنساء عبد الأشهل؛ يبكين هلكاهن يوم أحد. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لكن حمزة لا بواكي له. فجاء نساء الأنصار يبكين حمزة، فاستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ويحهن ما انتقلين بعد، مروهن فليتقلبن ولا يبكين على هالك بعد اليوم».

[4] سورة الدخان 44/ 29.

[5] أساس البلاغة (بكى) 48.

[6] انظر: لسان العرب (بكى) 1/ 252 ومجمل اللغة 1/ 285.

[7] انشر: تفسير القرطبي 16/ 139، 140 وتفسير الطبري 25/ 74 والبحر المحيط 8/ 36.

[8] سورة الإسراء 17/ 47.

[9] سورة يوسف 12/ 80 وتمام الجملة في الآية ( فلما استيأسوا منه خلصوا نجياً )

[10] البيت من الكامل.

[11] البيان لسحيم بن وثيل اليربوعي في لسان العرب (نجا) 3/ 593 ولهما بيت ثالث مع اختلاف بسيط في الرواية: إني إذا ما القوم كانوا أنجيهْ.
واضطرب القوم اضطراب الأرشيه
هاك أوصيني ولا توصي بيهْ.

[12] أساس البلاغة (نجو) 621.

[13] انظر لسان العرب (نجو) 3/ 591 - 593.

[14] لمعرفة الفرق بين القراءة الصحيحة والشاذة انظر: النشر في القراءات العشر 1 - 9، والمرشد الوجيز 171 - 172 والبرهان في علوم القرآن 1/ 333، 332 والتسهيل لعلوم التنزيل 1/ 19.

[15] سورة المدثر 74/ 50.

[16] أساس البلاغة (نفر) 646.

[17] سورة آل عمران 3/ 146.

[18] المرجع السابق (وهن) 692.

[19] سورة الزخرف 43/ 57.

[20] أساس البلاغة (صدد) 350.

[21] المماثلة الصغرى هي إدغام صوتين متماثلين من أصوات الكلمة.

[22] انظر: لسان العرب (صدد) 2/ 415 والقاموس المحيط 1/ 306، 307.

[23] سورة المنافقون 63/ 5.

[24] أساس البلاغة (لوى) 577.

[25] سور الكهف 18/ 18.

[26] أساس البلاغة (ملأ) 601.

[27] سورة الواقعة 56/ 58.

[28] أساس البلاغة (منى) 606.

[29] انظر ص 43 من هذا الكتاب.

[30] سورة لقمان 31/ 18.

[31] أساس البلاغة (صعر) 355.

[32] سورة النجم 53/ 12.

[33] أساس البلاغة (مرى) 592.

[34] سورة الأحزاب 33/ 33.

[35] أساس البلاغة (وقر) 685.

[36] سورة النور 24/ 11.

[37] أساس البلاغة (كبر) 533.

[38] انظر صـ 46 من هذا الكتاب.

[39] سورة الأنبياء 21/ 30.

[40] أساس البلاغة (رتق) 220.

[41] انظر صـ 59 من هذا الكتاب.

[42] سورة يوسف 12/ 33.

[43] أساس البلاغة (سجن) 287.

[44] انظر صـ 39 من هذا الكتاب.

[45] سورة يوسف 12/ 62.

[46] أساس البلاغة (فتى) 463.

[47] سورة التوبة 9/ 47.

[48] أساس البلاغة (رقص) 245.

[49] البيت من الوافر.

[50] سورة يوسف 12/ 26.

[51] أساس البلاغة (عطط) 426.

[52] سورة الضحى 93/ 9.

[53] أساس البلاغة (كهر) 553.

[54] سورة البقرة 2/ 259.

[55] أساس البلاغة (نشز) 633.


[56] سورة المنافقون 63/ 7.

[57] أساس البلاغة (نفض) 648.

[58] سورة الأعراف 7/ 137.

[59] أساس البلاغة (عرش) 414.

[60] انظر صـ 54 من هذا الكتاب، وهامش رقم 1 في الصفحة ذاتها.

[61] راجع صـ 19 وما بعدها من هذا الكتاب.

[62] كلمة (مقابل) هنا تعني اللفظ المتبادل مع لفظ آخر؛ في آية ما. وقد ذكرت كلمة (مقابل) لتعود على اللفظ لا الكلمة.

[63] أرجأت ذكر التفاصيل في هذه المقابلات، وذكر أصحابها؛ إلى فصل (تخريج القراءات) في هذا الكتاب.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 46.09 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 45.46 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.36%)]