عرض مشاركة واحدة
  #97  
قديم 27-07-2020, 03:53 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,740
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الاول
[كتاب الحج والعمرة]
صـــــ 634 الى صــــــــ
643
الحلقة (79)

[مبحث الحج عن الغير]
تنقسم العبادات إلى ثلاثة أقسام:
بدنية محضة: كالصلاة، والصوم، فإن القصد من كل منهما التذلل والخضوع لله سبحانه وتعالى بالنفس، ولا دخل للمال فيهما،
ومالية محضة:
كالزكاة، والصدقة؛ فإن القصد منهما نفع المتصدق عليهم بالمال،
ومركبة منهما:
كالحج؛ فإن فيه الخضوع لله تعالى بالطواف والسعي وغيرهما من الأعمال، وفيه أيضاً إنفاق المال في هذا السبيل، أما القسم الأول فلا يقبل النيابة مطلقاً، فلا يجوز للمرء أن يستنيب من يصلي عنه أو يصوم، ولو فعل ذلك فلا ينفعه، وأما القسم الثاني فيقبل النيابة، فيجوز لمالك المال أن يوكل من يخرج عنه زكاة ماله، أو يدفع صدقة للغير، وأما القسم الثالث - وهو الحج - ففي كونه يقبل النيابة أو لا يقبلها تفصيل المذاهب، فانظر مذاهبهم تحت الخط (1) .
[زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم]
لا ريب في أن زيارة قبر المصطفى عليه الصلاة والسلام من أعظم القرب وأجلها شأناً، فإن بقعة ضمت خير الرسل وأكرمهم عند الله لها شأن خاص؛ ومزية يعجز القلم عن وصفها؛على أن الغرض الصحيح من زيارة القبور هو تذكر الآخرة، كما ورد في الحديث الصحيح الذي نص على الإذن في زيارة القبور للموعظة الحسنة وتذكر الآخرة، فمتى كانت الزيارة لغرض صحيح يقرّه صاحب الشريعة كانت ممدوحة من جميع الجهات؛ ومما لا خفاء فيه أن زيارة قبر المصطفى صلى الله عليه وسلم تفعل في نفوس أولي الألباب أكثر مما تفعله أي عبادة أخرى، فالذي يقف على قبر المصطفى ذاكراً ما لاقاه صلى الله عليه وسلم في سبيل الدعوة إلى الله، وإخراج الناس من ظلمات الشرك إلى نور الهداية، وما بثه من مكارم الأخلاق في العالم أجمع، وما محاه من فساد عام شامل، وما جاء به من شريعة مبنية على جلب المصالح للمجتمع الإنساني، ودرء المفاسد عنه، لا بد أن يمتلئ قلبه حباً لذلك الرسول الذي جاهد في الله حَق جهاده، ولا بد أن يحبب إليه العمل بكل ما جاء به، ولا بد أن يستحي من معصية الله ورسوله، وذلك هو الفوز العظيم.إن زيارة قبر المصطفى صلى الله عليه وسلم، ومشاهدة مهبط الوحي وزيارة العاملين المخلصين في الذود عن الدين الله تعالى الذين ضحوا بأرواحهم وأموالهم في سبيل الله وحده بدون أن تؤثر عليهم لذة ملك، أو تستولي على أنفسهم شهوة من متاع الحياة الدنيا وزينتها، بل خرجوا من أموالهم الكثيرة، ولذاتهم التي لا حد لها إلى الكفاح والنضال في سبيل الله ومن أجل الله، فنصروا دين الله - لهي جديرة بأن تكون من أجل القرب، لما تحدثه في أنفس الزائرين من عظات بليغة تحملهم على القدوة بهؤلاء في أعمالهم وأقوالهم، ولو أن المسلمين استمسكوا حقاً بما استمسك به سكان هؤلاء القبور الذين هزموا الفرس والرومان إبان قوتهم، مع أن قوة المسلمين المادية يومئذ لا تكاد تذكر بجانب قوة أعدائهم، لكان لهم شأن آخر، ولما تغلب عليهم أحد، فزيارة قبر المصطفى صلى الله عليه وسلم، وزيارة أصحابه العاملين من أجل القرب وأشدها تأثيراً على نفوس العاملين المخلصين، الذين يعبدون الله وحده، ويأتمرون بما أمرهم به رسوله، وينتهون عما نهاهم عنه، وأولئك هم الفائزون.فإذا لم يكن في زيارة قبر المصطفى سوى هذه الموعظة الحسنة، وهذا الأثر الجليل لكفى في كونها من أجلّ الأعمال الصالحة التي يحث عليها الدين الحنيف، وكيف يسكن قلب المؤمن المسلم الذي يستطيع أن يحج البيت، ويستطيع أن يزور المصطفى صلى الله عليه وسلم ولا يبادر إلى هذا العمل؟ كيف يرضى المؤمن القادر أن يكون بمكة قريباً من المدينة مهبط الوحي،
ولا تهتز نفسه شوقاً إلى زيارتها: وزيارة المصطفى صلى الله عليه وسلم؟ على أن على دعوة سيدنا إبراهيم صلوات الله عليه متحققة في أهل المدينة أيضا؛ فإن الله تعالى حكي عنه {ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم، ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم، وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون} فأهل المدينة أيضاً، وهي البلدة التي نشأ منها عز الإسلام. وعلى أهلها من الأنصار، ومن هاجر إليها من المؤمنين المخلصين قيام الدين الحنيف، في حاجة إلى من يزورهم، ويتبادل معهم المنافع، فعمرانها والإحسا إلى أهلها، وتبادل المنافع فيها من أقدس الأمور وأظمها شأناً؛ وما كان لقادر أن يصل إلى مكة، ولا يزور المدينة ويستمتع بمشاهدة أماكن مهبط الوحي،
ومنبع الدين الحنيف:
أما ورد من الأحاديث في زيارتها فسواء كان سنده صحيحاً أو لا؛ فإنه في الواقع لا حاجة إليه بعد ما بينا من فوائد زيارتها ومحاسنها التي يقرها الدين، وتحث عليها قواعده العامة.هذا، وقد بين الفقهاء آداب زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم،
وزيارة المساجد الأخرى على الوجه الآتي:
قالوا: إذا توجه لزيارة المصطفى صلى الله عليه وسلم يكثر من الصلاة والسلام عليه مدة الطريق، ويصلي في طريقه من مكة إلى المدينة في المساجد التي يمر بها، وهي عشرون مسجداً، متى أمكنه ذلك، وإذا عاين حيطان المدينة يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم؛ ويقول: اللهم هذا حرم نبيك فاجعله وقاية لي من النار، وأماناً من العذاب وسوء الحساب، ويغتسل قبل الدخول وبعده إن أمكنه، ويتطيب ويلبس أحسن ثيابه، ويدخلها متواضعاً عليه السكينة والوقار،
وإذا دخل المدينة يقول:
اللهم رب السموات وما أظللن، ورب الأرضين وما أقللن، ورب الرياح وما ذرين، أسألكخير هذه البلدة، وخير أهلها، وخير ما فيها، وأعوذ بك من شرها، وشر ما فيها؛ وشر أهلها؛ اللهم هذا حرم رسولك، فاجعل دخولي فيه وقاية لي من النار، وأماناً من العذاب وسوء الحساب؛ وإذا دخل المسجد فعل ما يفعله في سائر المساجد من تقديم رجله اليمنى،
ويقول: اللهم اجعلني اليوم من أوجه من توجه إليك، وأقرب من تقرب إليك، وأنجح من أعال وابتغى مرضاتك؛ ويصلي عند منبره ركعتين ويقف بحيث يكون عمود المنبر بحذاء منكبه الأيمن؛ وهو موقفه عليه السلام، وهو بين القبر الشريف والمنبر، ثم يسجد شكراً لله تعالى على ما وفقه، ويدعوه بما يحب، ثم ينهض فيتوجه إلى قبره صلى الله عليه وسلم فيقف عند رأسه الشريف مستقبل القبلة، ثم يدنو منه ثلاثة أذرع أو أربعة، ولا يدنو أكثر من ذلك، ولا يضع يده على جدار التربة ويقف كما يقف في الصلاة، ويمثل صورته الكريمة البهية، كأنه نائم في لحده، عالم به يسمع كلامه،
ثم يقول:
السلام عليك يا نبي الله ورحمة الله وبركاته، أشهد أنك رسول الله، فقد بلغت الرسالة، وأديت الأمانة، ونصحت الأمة، وجاهدت في أمر الله حتى قبض الله روحك حميداً محموداً، فجزاك الله عن صغيرنا وكبيرنا خير الجزاء، وصلى عليك أفضل الصلاة وأزكاها، وأتم التحية وأنماها، اللهم اجعل نبينا يوم القيامة أقرب النبيين، واسقنا من كأسه، وارزقنا من شفاعته، واجعلنا من رفقائه يوم القيامة، اللهم لا تجعل هذا آخر العهد بقبر نبينا عليه السلام وارزقنا العود إليه يا ذا الجلال والإكرام، ولا يرفع صوته ولا يخفضه كثيراً، ويبلغه سلام من أوصاه
فيقول: السلام عليك يا رسول الله من فلان ابن فلان يتشفع بك إلى ربك، فاشفع له ولجميع المسلمين، ثم يقف عند وجهه مستدبراً القبلة، ويصلي عليه ما شاء، ويتحول قدر ذراع حتى يحاذي رأس الصديق رضي الله عنه،
ويقول:
السلام عليك يا خليفة رسول الله، السلام عليك يا صاحب رسول الله في الغار، السلام عليك يا رفيقه في الأسفار، السلام عليك يا أمينة في الأسرار، جزاك الله عنا أفضل ما جزى إماماً عن أمه نبيه، ولقد خلفته بأحسن خلف، وسلكت طريقه ومنهاجه خير مسلك، وقاتلت أهل الردة والبدع، ومهدت الإسلام، ووصلت الأرحام، ولم تزل قائماً للحق، ناصراً لأهله حتى أتاك اليقين، السلام عليك ورحمة الله وبركاته، اللهم أمتنا على حبه، ولا تخيب سعينا في زيارته برحمتك يا كريم، ثم يتحول حتى يحاذي قبر عمر رضي الله عنه.
ويقول:
السلام عليك يا أمير المؤمنين، السلام عليك يا مظهر الإسلام، السلام عليك يا مكسر الأصنام. جزاك الله عنا أفضل الأيتام. ووصلت الأرحام. وقوي بك الإسلام. وكنت للمسلمين إماماً مرضياً. وهادياً مهدياً. جمعت من شملهم. وأغنيت فقيرهم. وجبرت كسرهم. السلام عليك ورحمة الله وبركاته.
ثم يرجع قدر نصف ذراع فيقول:
السلام عليكما يا ضجيعي رسول الله. ورفيقيه. ووزيريه. ومشيريه، والمعاونين له على القيام في الدين. القائمين بعده بمصالح المسلمين جزاكم الله أحسن الجزاء.ثم يدعو لنفسه ووالديه ولمن أوصاه بالدعاء ولجميع المسلمين.
ثم يقف عند رأسه الشريف كالأول:
ويقول اللهم إنك قلت وقولك الحق: {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً} . وقد جئناك سامعين قولك. طائعين أمرك. متشفعين بنبيك "ربنا اغفر لا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان. ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا. ربنا إنك رؤوف رحيم" ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين. والحمد لله رب العالمين، ويدعو بما يحضره من الدعاء، ثم يأتي أسطوانة أبي لبابة التي ربط نفسه فيها حتى تاب الله عله، وهي بين القبر والمنبر. فيصلي ركعتين. ويتوب إلى الله. ويدعو بما شاء. ثم يأتي الروضة. وهي كالحوض المربع. فيصلي فيها ما تيسر له ويدعو ويكثر من التسبيح والثناء على الله تعالى والاستغفار. ثم يأتي المنبر فيضع يده على الرمانة التي كان صلى الله عليه وسلم يضع يده عليها إذا خطب. لتناله بركة الرسول. فيصلي عليه. ويدعو بما شاء. ويتعوذ برحمته من سخطه وغضبه. ثم يأتي الأسطوانة الخنانة، وهي التي فيها بقية الجذع الذي حن إلى النبي صلى الله عليه وسلم حين تركه وخطب على المنبر. ويستحب بعد زيارته عليه السلام أن يخرج إلى البقيع. ويأتي المشاهد والمزارات فيزور العباس ومعه الحسن بن علي. وزين العابدين. وابنه محمد الباقر. وابنه جعفر الصادق. ويزور أمير المؤمنين سيدنا عثمان وقبر إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم. وجماعة من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وعمته صفية، وكثيراً من الصحابة والتابعين. خصوصاً سيدنا مالكاً، وسيدنا نافعاً. ويستحب أن يزور شهداء أحد يوم الخميس، خصوصاً قبر سيد الشهداء سيدنا الحمزة،
ويقول:
سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار، سلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لا حقون. ويقرأ آية الكرسي، وسورة الإخلاص، ويستحب أن يأتي مسجد قباء يوم السبت،
ويدعو بقوله: يا صريخ المستصرخين، ويا غياث المستغيثين، يا مفرج كرب المكروبين، ويا مجيب دعوة المضطرين، صل على محمد وآل واكشف كربي وحزني كما كشفت عن رسولك كربه وحزنه في هذا المقام، يا حنان يا منان، يا كثير المعروف، ويا دائم الإحسان، يا أرحم الراحمين، ويستحب له أن يصلي الصلاة كلها في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ما دام في المدينة، وإذا أراد الرجوع إلى بلده استحب له أن يودع المسجد بركعتين، ويدعو بما أحب ويأتي قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويدعو بما شاء، والله مجيب الدعاء.
[مباحث الأضحية]
[تعريفها]
الأضحية - بضم الهمزة، وكسرها، مع تخفيف الياء -، وهي اسم لما يذبح أو ينحر من النعم تقرباً إلى الله تعالى في أيام النحر، سواء كان المكلف بها قائماً بأعمال الحج أو لا؛ باتفاق ثلاثة، وخالف المالكية،
فقالوا:
إنها لا تطلب من الحاج.
[دليلها]
شرعت في السنة الثانية عن الهجرة: كالعيدين، وزكاة المال، وزكاة الفطر، وثبتت مشروعيتها بالكتاب، والسنة، والإجماع،
قال تعالى:
{فصل لربك وانحر} ،
وروى مسلم عن أنس رضي الله عنه قال:
"ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بيده، وسمى وكبر ووضع رجله على صفاحهما"؛
والأملح:
الأبيض الخالص، وقيل: الذي بياضه أكثر من سواده،
والأقرن:
الذي له قرنان معتدلان، وغير ذلك من الأحاديث، وقد أجمع المسلمون على مشروعيتها.[حكمها]أما حكمها فهو السنية، فالأضحية سنة عين مؤكدة يثاب فاعلها، ولا يعاقب تاركها، وهذا القدر متفق عليه في الحقيقة،
ولكن الحنفية قالوا:
إنها سنة عين مؤكدة لا يعذب تاركها بالنار؛ ولكن يحرم من شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، ويعبرون عن ذلك بالواجب،
وقال الشافعية:
إنها سنة عين للمنفرد لا لأهل البيت الواحد، كما هو موضح في مذهبهم تحت الخط (2) .

(1) المالكية قالوا: الحج وإن كان عبادة مركبة من بدنية ومالية؛ لكنه غلب فيه جانب البدنية، فلا يقبل النيابة، فمن كان عليه حجة الإسلام، وهي حجة الفريضة، فلا يجوز له أن ينيب من يحج عنه، سواء كان صحيحاً أو مريضاً ترجى صحته، ولو استأجر من يحج عنه حجة الفريضة كانت الإجارة فاسدة، وإذا حج الأجير وأتم عمله كان له أجرة المثل؛ أما إذا لم يتم عمله بأن فسخ الحاكم الإجارة حين الاطلاع عليها فلا شيء له من الأجرة أصلاً، ومن استأجر غيره للحج عنه تطوعاً، كالمريض الذي لا يرجى برؤه وكمن حج حجة الإسلام فإن الإجارة مكروهة لكنها تصح، ومثل ذلك الاستئجار على العمرة فتكون الإجاربة مكروهة وتصح لأن العمرة سنة لا فرض، ومن ع جز عن الحج بنفسه، ولم يقدر عليه في أي عام من حياته، فقد سقط عنه الحج بتاتاً، ولا يلزمه استئجار من يحج عنه إذا كان قادراً على دفع الأجرة، وإذا استأجر الشخص من يحج عنه، سواء كان صحيحاً أو مريضاً. وسواء كان الحج الذي استأجر عليه فرضاً أو نفلاً؛ فلا يكتب له أصلاً، بل يقع الحج نفلاً للأجير وإنما يكون للمستأجر ثواب مساعدة الأجير على الحج، وبركة الدعاء الذي يدعو به، كما أنه إذا أوصى الشخص قبل موته بالحج عنه، وحج عنه بعد الموت، أو فعلت ذلك ورثته بدون إيصاء منه؛ بأن استأجروا له بعد موته من يحج عنه؛ فإنه لا يكتب للميت أصلاً؛ لا فرضاً، ولا نفلاً.
ولا يسقط به عنه حجة الإسلام إذا كان لم يؤدها حال حياته، وهو مستطيع قادر عليها، وإنما يكون للميت ثواب مساعدة الأجير على الحج، كما تقدم، وتكره الوصية بالحج، ولكن يجب على الورثة بعد موت الموصي أن ينفذوها من ثلث التركة إذا لم يعارضها وصية أخرى غير مكروهة، بحيث لا يسع ثلث التركة إلا إحدى الوصيتين فتقدم الوصية الأخرى في التنفيذ؛ وتلغى الوصية بالحج، مثال ذلك: أو يوصي بالحج عنه، ويوصي بخمسين جنيهاً للفقراء، وكانت أجرة الحج عنه خمسين جنيهاً، وثلث التركة خمسين جنيهاً ففي هذه الحالة لا يسع الثلث إلا إحدة الوصيتين - الحج عنه، والصرف على الفقراء - فيصرف ثلث التركة للفقراء، وتلغى الوصية بالحج، سواء كان الموصى عليه حجة الإسلام أو لا، على الراجح، ومتى لم يعارض الوصية بالحج وصية أخرى، فإن الوصية بالحج تنفذ، كما تقدم ويستأجر للميت من يحج عنه من بلده الذي مات فيه إذا لم يعين الميت مكاناً غيره، فإن عين مكاناً غيره، كأن قال: حجوا عني من مكة، تعين اتباع شرطه، فيستأجر له من مكة من يحج عنه، ولا يستأجر له من بلده الذي مات فيه، فإن كان ثلث التركة لا يسع الحج مما عينه، أو من بلده عند عدم التعيين وكان يحتمل الحج به من مكان آخر حج عنه من الممكن تنفيذاً للوصية بقدر الإمكان، ومثل ذلك ما إذا عين مقداراً من المال للحج عنه كثلاثين جنيهاً، وكان الحج بها غير ممكن من بلده الذي مات فيه، أو من المكان الذي عينه، فإنه يحج به من أي بلد يمكن الاستئجار منها بقدر الإمكان، وإذا كان ثلث التركة أو المال الذي عينه المتوفى للحج عنه يسع أكثر من حجة واحدة، فإنه يحج عنه مرة واحدة والباقي من الثلث أو المال المعين يكون ميراثاً، إلا إذا قال: حجوا عني بالثلث أو بهذا المبلغ، كمائة جنيه، فإنه يلزم الورثة أو يستأجروا أشخاصاً يحجون
عنه كر واحد حجة بقدر ما يسع الثلث أو المال المخصص للحج، فإذا وسع ما ذكر حجتين استأجر الورثة شخصين يحج كل منهما عن الميت. ويكون ذلك كله في عام واحد على الراجح، فإن بقي بعد الحجتين مقدار لا يسع حجة صار ميراثاً، وهكذا الحكم لو وسع الثلث أو المال المعين للحج ثلاث حجج أو أكثر.
الحنفية قالوا: الحج مما يقبل النيابة، فمن عجز عن الحج بنفسه وجب عليه أن يستنيب غير ليحج عنه، ويصح عنه بشروط:
منها أن يكون عجزه مستمراً إلى الموت عادة؛ كالمريض الذي يرجى برؤه، وكالأعمى والزَّمن، ومتى كان عاجزاً بحيث لا يرجو القدرة على الحج إلى الموت، أنا من يحج عنه وحج عنه النائب فقط سقط الفرض عنه ولو زال عذره وقدر على الحج بعد، المريض الذي يرجى برؤه، والمحبوس فإنه إذا أناب عنه الغير فحج عنه ثم زال عذره بعد، فإن ذلك لا يسقط فرض الحج، ومنها نية الحج عن الأمر، فيقول: أحرمت عن فلان، ولبيت عن فلان؛ وتكفي نية القلب.
فلو نوى النائب الحج عن نفسه، فلا يجزئ عن المنيب، ومنها أن يكون أكثر النفقة من مال المحجوج عنه، فلو تبرع شخص بالحج عن غيره من ماله، فلا يجزئه ذلك إن كان قد أوصى بالحج عنه، أما إذا لم يوص، وتبرع أحد الورثة أو غيرهم، فإنه يرجى قبول حجهم عنه إن شاء الله تعالى، وأما إذا خلط شخص ماله بمال المحجوج عنه، ثم حج، فإنه يجزئ المحجوج عنه، ثم إذا كان المال المدفوع إليه من المحجوج عنه أقل من النفقة عليه رجع بباقي النفقة عليه، ومنها عدم استراط الأجرة للنائب، بل يتكفل بأن ينفق عليه نفقة المثل، فإذا دفع إليه نفقة ليصرفها في الحج عنه، ثم بقيت منها بقية، فعليه أن يردها للمحجوج عنه إلا إذا تبرع له، أو تبرع الورثة، وكانوا أهلاً للتبرع، بأن كانوا راشدين: أما إذا اشترط الأجرة للنائب، كأن يقول: استأجرك للحج عني بكذا، فإن حجة لا يجوز، ولا يجزئ عن المستأجر، وتكون الإجارة باطلة، كالاستئجار للحج عني بكذا، فإن حجه لا يجوز، ولا يجزئ عن المستأجر، وتكون الإجارة باطلة، كالاستئجار على بقية الطاعات، إلا ما استثني للضرورة، كتعليم العلم والأذان والإمامة، ومنها عدم مخالفة ما شرطه المستنيب، فلو أمر بالإفراد، فحج عنه الغائب قارناً أو متمتعاً لم يقع عنه ويضمن النفقة التي صرفت له، أو لو أمره بالعمرة فنفذ أمره واعتمر عنه، ثم حج عن نفسه، أو أمره بالحج فحج عنه، ثم اعتمر عن نفسه، فإن ذلك يجوز، وتجزئ العمرة في الصورة الأولى، والحج في الصورة الثانية عن المستنيب، إلا أن نفقة إقامته للحج عن نفسه في الأولى؛ والعمرة عن نفسه في الثانية تلزمه في ماله؛ فإذا فرغ من العمل المختص به عادت النفقة في مال المستنيب، فلو قدم عمل نفسه على عمل المستنيب، كأن يأمره بالحج عنه، فيعتمر عن نفسه أولاً، ثم يحج عن المستنيب بعد ذلك، فإنه لا يصح،
ويضمن النفقة كلها في ماله، ومنها أن يحرم بحجة واحدة، فلو أحرمبحجة عن الأمر، ثم بأخرى عن نفسه لم يجز، ولا يجزئ عن الأمر إلا إن رفض الثانية، ولو أمره رجلان كل منهما بالحج عنه، فأحرم لهما معاً لم يصح، وضمن النفقة لكل منهما، ومنها أن يكون كل من الأمر والمأمور مسلماً عاقلاً، فلا يصح الحج عن الكافر، ولا عن المجنون، إلا إذا كان جنونه طارئاً بعد أن وجب عليه الحج، فيصح الإحجاج عنه، ومنها أن يكون النائب مميزاً، فلا يصح أن يحج عن الغير صبي غير مميز. أما المراهق فإنه يصح أيحج عن الغير، كما يصح حج المرأة والعبد عن غيرهما، وكذلك من لم يؤد فريضة الحج عن نفسه؛ وهذه الشروط كلها في الحج عن الغير إذا كان فرضاً، أما الحج عن الغير نفلاً، فإنه لا يشترط في صحته إلا الإسلام والعقل فيهما - المستنيب والنائب - وتمييز النائب وعدم الاستئجار.
هذا؛ وإذا فعل المأمور ما يفسد الحج، فإن كان ذلك قبل الوقوف بعرفة فإنه يضمن المال للمنيب، وإن كان ذلك بعد الوقوف فلا يضمن، لأنه أدى الركن الأعظم - وهو الوقوف - وكل كفارة جنابة تجب على المأمور، لأنه سببها؛ وأما هدي الإحصار فعلى المنيب. لأنه الإحصار لا اختيار للمأمور فيه، ومن أوصى بأن يحج عنه بعد موته، فإن عين مالاً ومكاناً وجب تنفيذ وصيته على ما عين، وإن لم يعين وجب أن يحج عنه من بلده إن كان ثلث ماله يكفي، فإن لم يكف وجب أن يحج عنه من المكان الذي يكفي منه المال، فإن لم يكف أصلاً بطلت وصيته، وإن كان الثلث يكفي لأكثر من حجة، فإن عين حجة واحدة فالباقي للورثة، وإلا حج به كله في سنة واحدة حججاً متعددة، هذا أفضل من أن يحج حججاً متعددة في سنين متعددة.
الشافعية قالوا: الحج من الأعمال التي تقبل النيابة فيجب على من عجز عن الحج أن ينيب غيره ليحج بدله إما باستئجاره لذلك، أو بالإنفاق عليه، والعجز إما أن يكون لعاهة أو كبر سن أو مرض لا يرجى برؤه بقول طبيبين عدلين، أو بمعرفته هو إن كان عارفاً بالطب، وحد العجز أن يكون على حالة لا يستطيع معها أن يثبت على راحلته إلا بمشقة شديدة لا تحتمل عادة؛ وأيس من المقدرة، ثم أو وجوب الإنابة تارة يكون على الفور، وذلك إذا عجز بعد الوجوب والتمكن من الحج، وتارة يكون على التراخي، وذلك إذا عجز قبل الوجوب أو معه أو بعده، وكان غير متمكن من الأداء، ويشترط في العاجز أن يكون بينه وبين مكة مرحلتان فأكثر فإن كان بينه وبين مكة أقل من مرحلتين، أو كان بمكة فلا تجوز له الإنابة، بل يلزمه أن يباشر النسك بنفسه لاحتماله المشقة حينئذ، فإن عجز عن مباشرة الحج بنفسه في هذه الحالة يحج عنه الغير بعد موته من تركته، إلا إذا أنهك المرض قواه، وصار في حالة لا يحتمل معها الحركة، فإن الإنابة تجوز عنه حينئذ، ويشترط أيضاً أن يكون النائب قد أدى فرضه، فلا تجوز إنابة من لم يحج حجة الفرض، وأن يكون ثقة عدلاً، ويشترط لصحة عقد الاستئجار على الحج والعمرة معرفة العاقدين أعمال الحج فرضاً ونفلاً؛ حتى لو ترك النائب شيئاً من سنن الحج سقط من الأجرة بقدره، وكذلك يشترط لصحة الإجارة أن يكون الأجير قادراً على الشروع في العمل؛ فلا يصح استئجار من لم يمكنه الشروع بعذر ما، ولا يشترط ذكر الميقات؛ نعم يجب على الأجير أن يخرج إلى ميقات المحجوج عنه أو إلى مثل مسافته إذا عينوا ميقاتاً ليحرم منه.
وإذا لم يعينوا ميقاتاً فيجوز للأجير أن يحرم من ميقات غير ميقات المحجوج عنه؛ ولو كان أقصر مسافة منه، ولا يشترط معرفة من استؤجر عنه، ويشترط أن ينوؤ عمن استؤجر عنه؛ وإذا برأ العاجز بعد حج النائب عنه لزمه أن يحج عن نفسه بعد شفائه، لتبين فساد الإجارة، ووقع الحج للنائب، ولا أجرة له؛ بل يسترد منه ما أخذه، وكما تكون الإنابة في الحج عن الأحياء كذلك تكون عن الأموات، فيجب على وصي الميت، فوارثه فالحاكم أن ينيب عنه من يفعله من تركته فوراً؛ فإن لم تكن له تركة، فلا تجب الإنابة، بل يسن للوارث أو الأجنبي - وإن لم يأذن له الوارث - أن يؤديه عنه بنفسه أو بالإنابة، ويشترط أن يكون الميت غير مرتد، وأن يكون الحج والعمرة واجبين عليه ولو بالنذر فإذا لم يكونا واجبين عليه فلا يحج عنه من تركته، لكن للغير الحج والإحجاج عنه، وإن لم يكن مخاطباً به حال حياته.
هذا كله فيمن لم يحج أصلاً، وأما من أدى الحجة المفروضة ويراد الحج عنه تطوعاً، فلا يجوز الحج والعمرة عنه إلا إذا أوصى به، وإذا أفسد النائب الحج لزمه قضاؤه عن نفسه، ويقع القضاء له، ويلزمه رد ما أخذه من المستأجر له، أو يأتي بالحج عن المنيب في عام آخر غير العام الذي يقضي فيه الحج عن نفسه، أو يستنيب من يحج عنه في ذلك العام.
الحنابلة قالوا: الحج يقبل النيابة وكذلك العمرة، فإذا عجز من وجبا عليه عن أدائهما وجب عليه أن ينيب من يؤديهما عنه وجوباً فورياً، وأساب العجز كبر السن، والعاهة، والمرض الذي لا يرجى برؤه، وثقل الجسم الذي لا يقدر المرء أن يركب معه الراحلة إلا بمشقة شديدة، والهزال الذي لا يستطيع أن يثبت معه على الراحلة إلا بمشقة لا تحتمل بحسب العادة، ومن ذلك ما إذا لم تجد المرأة محرماً تحج معه، ولا يشترط في النائب أن يكون رجلاً، بل تجزئ إنابة المرأة أيضاً، وإذا عوفي العاجز وقدر على الحج أو العمرة بنفسه، فلا يلزم بأدائهما مرة أخرى، سواء كانت قدرته بعد فراغ النائب من أعمالهما أو بعد الشروع وقبل الفراغ، أما إذا عوفي قبل إحرام النائب بهما؛ فلا بد من أدائهما بنفسه، ولا يجزئه حج النائب عنه، ولا عمرته لو فعل، وكذلك العاجز الذي يرجى زوال عجزه لا تجزئه النيابة، ويجب عليه أن يحج ويعتمر بنفسه متى زالت علته وإذا كان العاجز قادراً على الإنفاق على النائب، ولم يجد نائباً لم يجب عليه الحج، فإذا وجد النائب بعد ذلك لم تلزمه الإنابة إلا إذا كان مستطيعاً، ومن توفي قبل أن يحج الحج الواجب عليه، سواء كان ذلك بعذر أو بغير عذر، وجب أن يخرج من جميع ماله نفقة حجة وعمرة، ولو لم يوص، وأن يحج عنه من المكان الذي وجب عليه فيه الحج، لا من المكان الذي مات فيه ويجوز أن يكون الإحجاج عنه من خارج بلده إذا كان بينهما أقل من مسافة القصر، فإن كان أكثر فلا يجوز، ولا يجزئه حج النائب عنه، ويسقط الحج عن الميت بحج أجنبي عنه، ولو بلا إذن وليه، ويجب أن يكون النائب ليس عليه حجة الإسلام، ولا حجة قضاء، ولا نذر، فإذا استناب من عليه شيء من ذلك فلا يصح حجة عنه، ويجب عليه أن يرد إلى المنيب ما أخذ منه في مقابلة الحج عنه، والعمرة كالحج في ذلك، فلا يصح
أن يعتمر الشخص نيابة عن غيره إذا كان لم يعتمر عن نفسه عمرة الإسلام، أو عليه عمرة منذورة أو قضاء؛ ويصح أن ينوب في الحج من أداه عن نفسه، وإن كان عليه العمرة؛ وكذلك يصح أن ينوب في العمرة من لم يحج عن نفسه، ولكنه أدى العمرة الواجبة عليه، ويجب أن يؤدي المأمور ما أمر به؛ فلو أمره بالحج فاعتمر أو بالعكس، فلا يجوز، ولا يجزئ عن الآمر، ويجب على المأمور أن يرد إليه ما أخذه، وهذا في الحج والعمرة عن الحي، أما الميت فيقع عنه ما فعله النائب، حجاً كان أو عمرة، ولا إذان لوارثه؛ ويكفي النائب أن ينوي النسك - الحج والعمرة - عن المستنيب، ولا يشترط التلفظ باسمه؛ وللنائب النفقة المعتادة لأمثاله بحسب العرف، ويرد ما زاد على ذلك، وله نفقة العودة ولو طال مقامه بمكة، إلا إذا اتخذها داراً له، ولو زمناً قصيراً، كساعة، فليس له نفقة في العودة منها، وإذا أفسد النائب حجة فعليه القضاء؛ ويجب عليه أن يرد ما أخذه من المستنيب، لأن الحج لم يقع عنه؛ وكذلك إن فاته الحج بتفريطه، فإن لم يفرط فله النفقة. وإن مرض النائب في الطريق فعاد فله النفقة في رجوعه، ودم القران والتمتع على المستنيب إن أذن فيهما، وإلا فعلى النائب، كما أن كفارة الجنايات تكون على النائب
(2) الشافعية قالوا: هي سنة عين للمنفرد، وسنة كفاية لأهل بيت واحد أو بيوت متعددة تلزم نفقتهم شخصاً واحداً، بمعنى أنه إذا فعلها من تلزمه نفقتهم سقط الطلب عنهم، فلا ينافي أنها تسن لكل منهم



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 49.91 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 49.28 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.26%)]