الموضوع: الحج والمراغمة
عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 19-07-2020, 07:44 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,786
الدولة : Egypt
افتراضي الحج والمراغمة

الحج والمراغمة













د. محمود عبدالجليل روزن









الحمد لله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، والصلاة والسلام على مَن لا نبيَّ بعدَه، محمدٍ صلى الله عليه وسلم وآله وأصحابه ومَنْ اتّبع نهجه ولزم حدَّه. وبعد:








فعن سَبْرَةَ بْنِ أَبِي فَاكِهٍ رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «إِنَّ الشَّيْطَانَ قَعَدَ لِابْنِ آدَمَ بِأَطْرُقِهِ، فَقَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الإسلام، فقال له: أَتُسْلِمُ وَتَذَرُ دِينَكَ، وَدِينَ آبَائِكَ، وَآبَاءِ أَبِيكَ؟ قَالَ: فَعَصَاهُ، فَأَسْلَمَ، ثُمَّ قَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْهِجْرَةِ، فَقَالَ: أَتُهَاجِرُ وَتَذَرُ أَرْضَكَ وَسَمَاءَكَ، وَإِنَّمَا مَثَلُ الْمُهَاجِرِ كَمَثَلِ الْفَرَسِ فِي الطِّوَلِ. قَالَ: فَعَصَاهُ فَهَاجَرَ. قَالَ: ثُمَّ قَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْجِهَادِ، فَقَالَ: هُوَ جَهْدُ النَّفْسِ، وَالْمَالِ، فَتُقَاتِلُ فَتُقْتَلُ، فَتُنْكَحُ الْمَرْأَةُ، وَيُقَسَّمُ الْمَالُ؟! قَالَ: فَعَصَاهُ فَجَاهَدَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْهُمْ فَمَاتَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، أَوْ قُتِلَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، وَإِنْ غَرِقَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، أَوْ وَقَصَتْهُ دَابَّةٌ كَانَ حَقًّا عَلَى اللهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ»[1].








وهذا الحديث أصلٌ في عبودية الـمُراغمة، والمراغمة: الإغضاب، يقال: راغمتُ فلانًا: إذا أغضبته، ويقال: أَرْغَمَ الله أنفه، وأَرْغَمَهُ: أسخطه، ورَاغَمَهُ: ساخطه[2].







وعبودية الـمراغمة: أن يراغِم المسلم عدوَّه بمخالفة مبتغاه فيه، وإظهار ما يغيظه، وهو مما يؤجر عليه المسلم بحسب اجتهاده فيها، ووقع مُراغمته على عدو الله وعدوه، يقول ابن القيّم: «كلما جد [السالك] في الاستقامة والدعوة إلى الله، والقيام له بأمره، جدَّ العدو في إغراء السفهاء به، فهو في هذه العقبة قد لبس لأمة الحرب، وأخذ في محاربة العدو لله وبالله، فعبوديته فيها عبودية خواص العارفين، وهي تسمى عبودية المراغمة، ولا ينتبه لها إلا أولو البصائر التامة، ولا شيء أحب إلى الله من مراغمة وليه لعدوه، وإغاظته له، وقد أشار سبحانه إلى هذه العبودية في مواضع من كتابه؛ أحدها: قوله تعالى: ﴿ وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً ﴾ [النساء: 100] سمَّى المهاجر الذي يهاجر إلى عبادة الله مراغمًا يراغم به عدو الله وعدوه، والله يحب من وليه مراغمة عدوه، وإغاظته، كما قال تعالى: ﴿ مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [التوبة: 120]. وقال تعالى في مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتباعه ﴿ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ [الفتح: 29]؛ فمغايظة الكفار غاية محبوبة للرب مطلوبة له، وموافقته فيها من كمال العبودية، وشرع النبي صلى الله عليه وسلم للمصلي إذا سها في صلاته سجدتين، وقال: «إن كانت صلاته تامة كانتا ترغمان أنف الشيطان»، وفي رواية: «ترغيما للشيطان»[3]، وسماها المرغمتين. فمَن تعبد الله بمراغمة عدوه، فقد أخذ من الصديقية بسهم وافر، وعلى قدر محبة العبد لربه وموالاته ومعاداته لعدوه يكون نصيبه من هذه المراغمة، ولأجل هذه المراغمة حُمد التبختر بين الصفين، والخيلاء والتبختر عند صدقة السر، حيث لا يراه إلا الله، لما في ذلك من إرغام العدو، وبذل محبوبه من نفسه وماله لله عز وجل. وهذا باب من العبودية لا يعرفه إلا القليل من الناس، ومن ذاق طعمه ولذته بكى على أيامه الأول... وصاحب هذا المقام إذا نظر إلى الشيطان، ولاحظه في الذنب، راغمه بالتوبة النصوح، فأحدثت له هذه المراغمة عبودية أخرى»[4].







فرأس المراغمةِ الإسلامُ لله والانقيادُ له قلبًا وقالبًا، والهجرة والجهاد في سبيله، وتقوى الله، والتوبة من قريبٍ.







والحجُّ جهادٌ كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في غير ما حديثٍ؛ فعن عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ نَرَى الجِهَادَ أَفْضَلَ العَمَلِ، أَفَلاَ نُجَاهِدُ؟ قَالَ: «لاَ، لَكِنَّ أَفْضَلَ الجِهَادِ حَجٌّ مَبْرُورٌ»[5].







وعن الحسين بن عليٍّ - رضي الله عنهما - أنَّ رجلًا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني جبان، وإني ضعيف، فقال صلى الله عليه وسلم: هلمَّ إلى جهاد لا شوكة فيه: الحجّ»[6].







فلـمَّا كان الحجُّ عبادة جامعة للنُّسك الظاهر والتقوى وتعظيم الشعائر والحرمات ظاهرًا وباطنًا، وكان عبادة مالية وبدنية، وكان استسلامًا وجهادًا وهجرةً = كان حريًّا أن يُتحرَّى فيه نية المراغمة لأعداء الله تعالى، وقصد إظهار عزّة الإسلام والمسلمين، والمتتبع لأعمال النبي صلى الله عليه وسلم وأوامره في حجته وعمرته يرى من عبادة المراغمة المعنى الجليَّ.







فمن ذلك أمر النبيِّ صلى الله عليه وسلم أصحابه بالرَّمل والاضطباع إظهارًا لِجلدهم وقوتهم، وإغاظة للكفار الذين تقاولوا أنَّ المسلمين أنهكتهم حُمَّى يثرب، فعن ابن عبّاس - رضي الله عنهما - قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ رضي الله عنهم مَكَّةَ، وَقَدْ وَهَنَتْهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ، قَالَ الْمُشْرِكُونَ: إِنَّهُ يَقْدَمُ عَلَيْكُمْ غَدًا قَوْمٌ قَدْ وَهَنَتْهُمُ الْحُمَّى، وَلَقُوا مِنْهَا شِدَّةً، فَجَلَسُوا مِمَّا يَلِي الْحِجْرَ، وَأَمَرَهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَرْمُلُوا ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ، وَيَمْشُوا مَا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ، لِيَرَى الْمُشْرِكُونَ جَلَدَهُمْ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّ الْحُمَّى قَدْ وَهَنَتْهُمْ، هَؤُلَاءِ أَجْلَدُ مِنْ كَذَا وَكَذَا " قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «وَلَمْ يَمْنَعْهُ أَنْ يَأْمُرَهُمْ أَنْ يَرْمُلُوا الْأَشْوَاطَ كُلَّهَا، إِلَّا الْإِبْقَاءُ عَلَيْهِمْ»[7].







وكذا سنَّ لهم الاضطباع، فعن ابن عباس – رضي الله عنهما – أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم اضْطَبَعَ فَاسْتَلَمَ وَكَبَّرَ، ثُمَّ رَمَلَ ثَلَاثَةَ أَطْوَافٍ وَكَانُوا، إِذَا بَلَغُوا الرُّكْنَ الْيَمَانِيَ وَتَغَيَّبُوا مِنْ قُرَيْشٍ مَشَوْا، ثُمَّ يَطْلُعُونَ عَلَيْهِمْ يَرْمُلُونَ، تَقُولُ قُرَيْشٌ: كَأَنَّهُمُ الْغِزْلَانُ "، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَكَانَتْ سُنَّةً[8].







ومقصود الاضطباع كشف المناكب؛ يقال: اضطبع بِالثَّوْبِ: إِذا جعله تَحت إبطه وَترك مَنْكِبه مكشوفًا[9].







وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: «فِيمَ الرَّمَلانُ الْآنَ، وَالْكَشْفُ عَنِ الْمَنَاكِبِ، وَقَدْ أَطَّأَ اللهُ الْإِسْلامَ، وَنَفَى الْكُفْرَ وَأَهْلَهُ، وَمَعَ ذَلِكَ لَا نَدَعُ شَيْئًا كُنَّا نَفْعَلُهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم»[10].







ولفظه يدلُّ على أنَّهم كانوا يفعلون ذلك نكاية في الكفر وأهله، فلما ظهر المسلمون لم يرغبوا أن يدعوا ما كانوا يفعلونه على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولتبقى سُنَّة شاهدةً على مشروعية المراغمة.







ومن مظاهر مراغمة الكفار بأعمال الحجِّ رفعُ الصوت بالتلبية، فعن ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي، فَأَمَرَنِي أَنْ أُعْلِنَ التَّلْبِيَةَ»[11]. وعن السائب بن خلاد رضي الله عنه عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَتَانِي جِبْرِيلُ عليه السلام فَقَالَ: مُرْ أَصْحَابَكَ فَلْيَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالْإِهْلَالِ»[12].







وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل، أي الأعمال أفضل؟ قال: «العجُّ والثج»[13]، والعجُّ: رفع الصَّوْت بِالتَّلْبِيَةِ، والثجُّ: سيلان دِمَاء الْهديِ[14].







وقد امتثل الصحابة رضي الله عنهم لذلك فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قال: «قَدِمْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ نَصْرُخُ بِالْحَجِّ صُرَاخًا»[15].







وعن أنس رضي الله عنه قال: «صَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالْمَدِينَةِ الظُّهْرَ أَرْبَعًا، وَالعَصْرَ بِذِي الحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ، وَسَمِعْتُهُمْ يَصْرُخُونَ بِهِمَا جَمِيعًا»[16]، يعني يرفعون أصواتهم ملبين بالحج والعمرة معًا.







والأصل في الذكر عمومًا أن يكون بصوت معتدل، قال تعالى: ﴿ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً[الأعراف: 55]، وعَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَكُنَّا إِذَا أَشْرَفْنَا عَلَى وَادٍ، هَلَّلْنَا وَكَبَّرْنَا ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُنَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، فَإِنَّكُمْ لاَ تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلاَ غَائِبًا، إِنَّهُ مَعَكُمْ إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ، تَبَارَكَ اسْمُهُ وَتَعَالَى جَدُّهُ»[17]. فلعله لـمَّا كان من مقاصد الحجِّ مراغمة الأعداء ندبوا إلى رفع الصوت بالتلبية مراغمة للشيطان، وللكفار، فللشيطان لما في التلبية من الإعلان بالانقياد والاستسلام الذي حرم منه الشيطان بكِبْره، وللكفار لما فيها من إظهار التوحيد، وقد كانت تَلْبِيَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ والـمُلك، لاَ شَرِيكَ لَكَ»[18]، وفيها تكرار لقوله لا شريك له مع إفراده بالحمد والنعمة والملك. وكأنَّه صلى الله عليه وسلم يؤكد على مخالفة تلبية المشركين، وقد كانوا يقولون في تلبيتهم: لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ، قَالَ: فَيَقُولُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «وَيْلَكُمْ، قَدْ قَدْ» فَيَقُولُونَ: إِلَّا شَرِيكًا هُوَ لَكَ، تَمْلِكُهُ وَمَا مَلَكَ، يَقُولُونَ هَذَا وَهُمْ يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ[19].







ومعنى قدْ قدْ: يعني كفاكم هذا الكلام فاقتصروا عليه ولا تزيدوا، لأنه علِم أنهم يُشركون بعده؛ فيقولون: إلا شريكًا هو لك[20]، فلما حجَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم خالفهم، كما خالفهم في الإفاضة إذ كانوا لا يُفيضون حتى تطلع الشمس، فأفاض صلى الله عليه وسلم قبل أن تطلع الشمس، فعن عُمَرَ رضي الله عنه قال: إِنَّ الـمُشركين كَانُوا لاَ يُفِيضُونَ مِنْ جَمْعٍ، حَتَّى تَشْرُقَ الشَّمْسُ عَلَى ثَبِيرٍ، فَخَالَفَهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَأَفَاضَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ»[21].







ومن أذكار النبي صلى الله عليه وسلم لما رَقِيَ على الصفا حَتَّى رَأَى الْبَيْتَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فَوَحَّدَ اللهَ وَكَبَّرَهُ، وَقَالَ: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ، أَنْجَزَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ»[22].







فأيُّ مراغمة للمشركين هي أشدُّ من التعريض باندحارهم ومَن مالأهم من الأحزاب على استئصال هذا الدين وكسر شوكة المسلمين، فكانوا هم المهزومين الأذلّين؟!








ومن المراغمة أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم نزل منزلًا يغيظ الكفّار، وذلك في نزوله بخيف بني كنانة، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنَ الغَدِ يَوْمَ النَّحْرِ، وَهُوَ بِمِنًى: «نَحْنُ نَازِلُونَ غَدًا بِخَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ، حَيْثُ تَقَاسَمُوا عَلَى الكُفْرِ» يَعْنِي ذَلِكَ الـمُحصَّب، وَذَلِكَ أَنَّ قُرَيْشًا وَكِنَانَةَ، تَحَالَفَتْ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي عَبْدِ المُطَّلِبِ، أَوْ بَنِي الـمُطَّلِبِ: أَنْ لاَ يُنَاكِحُوهُمْ وَلاَ يُبَايِعُوهُمْ، حَتَّى يُسْلِمُوا إِلَيْهِمُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم [23].







قال ابن الجوزي: «فآثر النُّزُول بذلك الْمَكَان شكرًا لنعمة الله سُبْحَانَهُ فِي التَّمْكِين لَهُ، ونقضًا لعهدهم»[24]. وقال النووي: «وكان نزوله صلى الله عليه وسلم هنا شكرًا لله تعالى على الظهور بعد الاختفاء، وعلى إظهار دين الله تعالى. والله أعلم»[25].







ومن ذلك سَوْقه في هدايا عام الحديبية جملًا كان لرأس الكفر أبي جهل، فعن ابن عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَهْدَى عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي هَدَايَا رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَمَلًا كَانَ لِأَبِي جَهْلٍ، فِي رَأْسِهِ بُرَةُ فِضَّةٍ. زَادَ النُّفَيْلِيُّ: يَغِيظُ بِذَلِكَ الْمُشْرِكِينَ[26].







وقوله: "يغيظ بذلك المشركين" معناه أنَّ هذا الجمل كان معروفاً بأبي جهل فحازه النبي صلى الله عليه وسلم في سلبه فكان يغيظهم أن يروه في يده وصاحبه قتيل سليب[27].
يتبع







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 27.44 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 26.81 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.29%)]