الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الاول
[كتاب الزكاة]
صـــــ 536 الى صــــــــ546
الحلقة (70)
[كتاب الزكاة]
[تعريفها]
هي لغة التطهير والنماء، قال تعالى: {قد أفلح من زكاها} أي طهرها من الأدناس،
ويقال: زكاة الزرع إذا نما وزاد، وشرعا تمليك مال مخصوص لمستحقه بشرائط مخصوصة،
وهذا معناه: أن الذين يملكون نصاب الزكاة يفترض عليه أن يعطوا الفقراء ومن على شاكلتهم من مستحقي الزكاة الآتي بيانهم قدراً معيناً من أموالهم بطريق التمليك، والحنابلة يعرفون الزكاة بأنها حَق واجب في مال خاص لطائفة مخصوصة في وقت مخصوص؛ وهو بمعنى التعريف الأول إلا أن التعريف الأول قد صرح بضرورة تمليك المستحق وإعطائه القدر المفروض من الزكاة فعلاً، إذ لا يلزم من الوجوب التمليك بالفعل.[حكمها ودليله]الزكاة ركن من أركان الإسلام الخمس، وفرض عين على كل من توفرت فيه الشروط الآتية.وقد فرضت في السنة الثانية من الهجرة. وفرضيتها معلومة من الدين بالضرورة.ودليل فرضيتها: الكتاب، والسنة، والاجماع،
أما الكتاب فقد قال تعالى: {وآتوا الزكاة} .
وقال تعالى: {وفي أموالهم حَق معلوم، للسائل والمحروم} .
وأما السنة فكثيرة: منها قوله صلى الله عليه وسلم: "بني الإسلام على خمس" فذكر من الخمس "إيتاء الزكاة" ومنها ما أخرجه الترمذي عن سليم بن عامر،
قال: سمعت أبا أمامة يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب في حجة الوداع،
فقال: "اتقوا الله، وصلوا خمسكم، وصوموا شهركم، وأدوا زكاة أموالكم وأطيعوا ذا أمركم، تدخلون جنة ربكم" حديث حسن صحيح، ومنها غير ذلك وأما الاجماع فقد اتفقت الأمة على أنها من أركان الإسلام، بشرائط خاصة.
[شروط وجوب الزكاة]
يشترط لوجوب الزكاة شروط: منها البلوغ، فلا تجب على الصبي الذي له مال، ومنها العقل.
فلا تجب على المجنون، ولكن تجب في مال كل منهما؛ ويجب على الولي إخراجها،
عند ثلاثة من الأئمة: وخالف الحنفية؛ فانظر مذهبهم تحت الخط (1) .
[هل تجب الزكاة على الكافر؟]
من شروطها الإسلام، فلا تجب على كافر، سواء كان أصلياً أو مرتداً، وإذا أسلم المرتد، فلا يجب عليه إخراجها زمن ردته، عند الحنفية؛ والحنابلة؛ أما المالكية، والشافعية، فانظر مذهبيهما تحت الخط (2) ؛ وكما أن الإسلام شرط لوجوب الزكاة، فهو شرط لصحتها أيضاً، لأن الزكاة لا تصح إلا بالنية، والنية لا تصح من الكافر، باتفاق ثلاثة،
وقال الشافعية: تصح النية من المرتد،
ولذا قالوا: تجب الزكاة على المرتد وجوباً موقوفاً إلى آخر ما هو مبين في مذهبهم تحت الخط (3) .
[هل تجب الزكاة في صداق المرأة]
يشترط لوجوب الزكاة الملك التام، وهل صداق المرأة قبل قبضه مملوك لها ملكاً تاماً أو لا؟ في ذلك تفصيل في المذاهبن فانظره تحت الخط (4) .
[نصاب الزكاة، وحولان الحول عليه]
يشترط لوجوب الزكاة أن يبلغ المال المملوك نصاباً، فلا تجب الزكاة إلا على من ملك نصاباً، والنصاب معناه في الشرع - ما نصبه الشارع علامة على وجوب الزكاة؛ سواء كان من النقدين أو غيرهما - ويختلف مقدار النصاب باختلاف المال المزكى، وسيأتي بيانه عند ذكر كل نوع من الأنواع التي تجب فيها الزكاة؛ أما حولان الحول فمعناه أن لا تجب الزكاة إلا إذا ملك النصاب، ومضى عليه حول وهو مالكه، والمراد الحول القمري لا الشمسي، والسنة القمرية ثلاثمائة وأربع وخمسون يوماً، والسنة الشمسية تختلف باختلاف الأحوال، فتارة تكون ثلاثمائة وخمسة وستون يوماً، وتارة تزيد على ذلك يوماً، وفي حولان الحول تفصيل المذاهب، فانظره تحت الخط (5) .
[الحرية، وفراغ المال من الدين]
ويشترط لوجوب الزكاة الحرية: فلا تجب على الرقيق ولو مكاتباً، كما يشترط فراغ المال من الدين، فمن كان عليه دين يستغرق للنصاب أو ينقصه، فلا تجب عليه الزكاة على تفصيل في المذاهب مذكور تحت الخط (6) .
[هل تجب الزكاة في دور السكنى وثياب البدن، وأثاث المنزل، والجواهر الثمينة؟]
لا تجب الزكاة في دور السكنى، وثياب البدن، وأثاث المنزل، ودواب الركوب، وسلاح الاستعمال، وما يتجمل به من الأواني إذا لم يكن من الذهب أو الفضة، وكذا لا تجب في الجواهر كاللؤلؤ، والياقوت والزبرجد؛ ونحوها إذا لم تكن للتجارة، باتفاق المذاهب، وكذا لا تجب في آلات الصناعة مطلقاً، سواء أبقي أثرها في المصنوع أم لا، إلا عند الحنفية، فانظر مذهبهم تحت الخط (7) ، وكذا لا تجب في كتب العلم إذا لم تكن للتجارة، سواء أكان مالكها من أهل العلم، أم لا، إلا عند الحنفية، فانظر مذهبهم تحت الخط (8) .
[الأنواع التي تجب فيها الزكاة]
الأنواع التي تجب فيها الزكاة خمسة أشياء الأول: النّعَم - وهي الأبل والبقر والغنم -، والمراد بها الأهلية، فلا زكاة في الوحشية، وهي التي تولد في الجبال؛ فمن كان يملك عدداً من بقر الوحش، أو من الظباء، فإنه لا يجب عليه زكاتها، ومثل ذلك النعم المتولدة بين وحشي وأهلي، فإنها لا زكاة فيها، سواء أكانت الأم أهلية أم لا؛ باتفاق المالكية، والشافعية، وخالف الحنفية والحنابلة، فانظر مذهبيهما تحت الخط (9) ، والمراد بالبقر ما يشمل الجاموس، وبالغنم ما يشمل المعز ولا زكاة في غير ما بيناه من الحيوان، فلا زكاة في الخيل والبغال والحمير والفهد والكلب المعلم ونحوها إلا إذا كانت للتجارة، ففيها زكاة التجارة الآتي بيانها.
الثاني: الذهب والفضة،
ولو غير مضروبين
الثالث: عروض التجارة،
الرابع: المعدن والركاز،
الخامس: الزروع والثمار ولا زكاة فيما عدا هذه الأنواع الخمسة.
[شروط زكاة الإبل والبقر والغنم، وبيان معنى السائمة وغيرها]
تجب الزكاة فيالإبل والبقر والغنم بشرطين:
الشرط الأول: أن تكون سائمة غير معلوفة، خلافاً للمالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (10) ، وفي معنى السائمة تفصيل في المذاهب مذكور تحت الخط (11)
الشرط الثاني: أن يملك منها عدداً معيناً، وهو النصاب، فإذا لم يملك هذا العدد، أو كانت معلوفة عنده لا ترعى الحشائش المباحة فإن الزكاة لا تجب فيها.
معفو عنه لا زكاة فيه، مثلاً الخمس من الإبل فيها شاة، والتسع فيها شاة أيضاً، فلا شيء عليه في مقابل الأربع الزائدة على أصل النصاب، وهكذا.هذا، ولا تجزئ الشاة في الزكاة عن الإبل إلا بشروط مفصلة في المذاهب، مذكورة تحت الخط (12) .
[زكاة البقر]
أول نصاب البقر ثلاثون، فإذا بلغتها، ففيها تبيع، أو تبيعة، وإخراج التبيعة أفضل، عند الشافعية، والمالكية، فإذا بلغت أربعين، ففيها مسنة، ولا يجزئ الذكر المسن، باتفاق ثلاثة؛وخالف الحنفية، فانظر مذهبهم تحت الخط (13) ، فإذا زادت على ذلك ففي كل ثلاثين تبيع أو تبيعة، وفي كل أربعين مسنة، ففي الستين تبيعان أو تبيعتان، وفي السبعين مسنة وتبيع، وفي الثمانين مسنتان وفي التسعين ثلاثة أتبعة، وفي المائة مسنة، وتبيعان، وفي مائة وعشرة مسنتان، وتبيع، وفي مائة وعشرين تجب أربعة أتبعة، أو ثلاث مسنات، إلا عند المالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (14) ، وهكذا؛ وما بين الفريضتين معفو عنه، ولا زكاة فيه. إلا عند الحنفية، فانظر مذهبهم تحت الخط (15) ، والتبيع ما أوفى سنة، ودخل في الثانية، والمسنة ما أوفت سنتين، ودخلت في الثالثة، وتعريف التبيع والمسنة بهذا متفق عليه، إلا عند المالكية. فانظر مذهبهم تحت الخط (16) .
[زكاة الغنم]
أو نصاب الغنم أربعون. وفيها شاة من الضأن أو المعز بالسن التي تقدم بيانها. إلا أنه إذا كانت الغنم ضأناً تعين ألإخراج منها. وإن كانت معزاً فالإخراج من المعز، وإن كانت الغنم ضأنا ومعزاً فإن كان الغالب أحدهما فالشاة المخرجة تكون منه. وإن تساويا مثل أن يكون عنده عشرون من الضأن، وعشرون من المعز كان محصل الزكاة بالخيار في أخذ الشاة من أي الصنفين شاء؛ وهذا الحكم متفق عليه بين الحنفية. والمالكية، أما الشافعية. والحنابلة فانظر مذهبيهما تحت الخط (17) فإذا بلغت مائة وإحدى وعشرين، ففيها شاتان، فإذا بلغت مائتين وواحدة، ففيها ثلاث شياه، وفي أربعمائة شاة أربع شياه، وما زاد ففي كل مائة شاة، وما بين الفريضتين معفو عنه، فلا زكاة فيه.(1) الحنفية قالوا: لا تجب الزكاة في مال الصبي والمجنون، ولا يطالب وليهما بإخراجها من مالهما؛ لأنها عبادة محضة، والصبي، والمجنون لا يخاطبان بها، وإنما وجب في مالهما الغرامات والنفقات، لأنهما من حقوق العباد، ووجب في مالهما العشر وصدقة الفطر، لأن فيهما معنى المؤنة، فالتحقا بحقوق العباد، وحكم المعتوه كحكم الصبي، فلا تجب الزكاة في ماله
(2) المالكية قالوا: الإسلام شرط صحة لا للوجوب، فتجب على الكافر وإن كانت لا تصح إلا بالإسلام، وإذا أسلم فقد سقطت بالإسلام، لقوله تعالى: {قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف} ولا فرق بين الكافر الأصلي والمرتد
(3) الشافعية قالوا: تجب الزكاة على المرتد وجوباً موقوفاً على عودة إلى الإسلام، فإن عاد إليه تبين أنها واجبة عليه لبقاء ملكه، فيخرجها حينئذ، ولو أخرجها حال ردته أجزأت، وتجزئه النية في هذه الحالة، لأنها للتمييز لا للعبادة، أما إذا مات على ردته ولم يسلم، فقد تبين أن المال خرج عن ملكه وصار فيئاً فلا زكاة
(4) الحنفية قالوا: الملك التام هو أن يكون المال مملوكاً في اليد، فلو ملك شيئاً لم يقبضه، فلا تجب فيه الزكاة، كصداق المرأة قبل قبضه، فلا زكاة عليها فيه، وكذلك لا زكاة على من قبض ما ولم يكن ملكاً له، كالمدين الذي في يده مال الغير، أما مال العبد المكاتب، فإنه وإن كان مملوكاً له ملكاً غير تام، إلا أنه خارج بقيد الحرية الآتي؛ وأما مال الرقيق فهو غير مملوك له، وهو خارج أيضاً بقيد الحرية، ولا زكاة في المال الموقوف لعدم الملك فيه، ولا في الزرع النابت بأرض مباحة، لعدم الملك أيضاً.
المالكية قالوا: الملكك التام هو أن يكون الشخص صاحب التصرف فيما ملك، فلا زكاة على العبد بجميع أنواعه فيما ملك من المال لأن ملكه غير تام، ولو كان مكاتباً، لأنه تصرفه ربما أدى إلى عجزه عن أداء دين الكتابة، فيرجع رقيقاً، وكذلك لا زكاة على من كان تحت يده شيء غير مملوك له، كالمرتهن، وأما المرأة فصداقها مملوك لها ملكاً تاماً، إلا أنها لا تزكيه حال وجوده بيد الزوج، وإنما يجب عليها زكاته بعد أن يمضي عليه حول عندها بعد قبضه؛ وأما المدين الذين بيده مال غيره، وكان عيناً، فإن كان عنده ما يمكنه أن يوفي الدين منه من عقار وغيره وجب عليه زكاة المال الذي بيده متى مضى عليه حول، لأنه بالقدرة على دفع قيمته من عنده أصبح مملوكاً له، أما إذا كان المال الذي عنده حرثاً أو ماشية أو معدناً: فإن الدين لا يسقط زكاته، ولا يتوقف وجوب الزكاة على أن عنده ما يوفي به الدين، ولا زكاة في مال مباح لعموم الناس، كالزرع النابت وحده في أرض غير مملوكة لأحد، فيكون الزرع لمن أخذه، ولا تجب الزكاة فيه. وأما الموقوف لا يخرج العين عن الملك، فلو وقف بستاناً ليوزع ثمره على الفقراء، أو على معنين، كبني فلان، وجب عليه أن يزكي ثمره متى خرج منه نصاب، فإن خرج منه أقل من نصاب، فلا زكاة إلا إذا كان عند الواقف ثمر من بستان آخر يكمل النصاب فتجب عليه زكاة الجميع.
الشافعية قالوا: اشتراط الملك التام، يخرج الرقيق والمكاتب، فلا زكاة عليهما، أما الأول فلأنه لا يملك، وأما الثاني فلأن ملكه ضعيف، وكذلك يخرج المال المباح لعموم الناس، كزرع نبت بفلاة وحده بدون أن يستنبته أحد، فلا زكاة فيه على أحد لعدم ملكه له، وخرج أيضاً المال الموقوف على غير معين فلا تجب الزكاة فيه، كما إذا وقف بستاناً على مسجد، أو رباط، أو جماعة غير معينين، كالفقراء والمساكين، فلاتجب الزكاة في ثمره وزرعه؛ أما إذا أجرت الأرض وزرعت، فيجب على المستأجر الزكاة مع أجرة الأرض، وكذلك الموقوف على معين تجب الزكاة فيه؛ وأما صداق المرأة إذا كان بيد زوجها فهو من قبيل الدين؛ وسيأتي أن زكاته واجبة، وإنما تخرج بعد قبضه؛ وكذلك يجب على من استدان مالاً من غيره أن يزكيه إذا حال عليه الحول وهو في ملكه، لأنه ملكه بالاستقراض ملكاً تاماً.
الحنابلة قالوا: الملك تام هو أن يكون بيده لم يتعلق به حَق للغير، ويتصرف فيه على حسب اختياره فوائده له لا لغيره، فلا تجب الزكاة في دين الكتابة، ولا فيما هو موقوف على غيرمعين، كالمساكين، أو على مسجد ومدرسة ونحوها، أما الوقف على معين، فتجب فيه الزكاة، فمن وقف أيضاً أو شجراً على معين، فتجب عليه الزكاة في غلة ذلك متى بلغت نصاباً، أما صداق المرأة فهو من قبيل الدين، وسيأتي حكمه وحكم المال الذي استدانه شخص من غيره، أما العبد فلا زكاة عليه، وسيأتي الكلام فيه عند ذكر شرط الحرية
(5) الحنفية قالوا: يشترط كمال النصاب في طرفي الحول، سواء بقي في أثنائه كاملاً أو لا، فإذا ملك نصاباً كاملاً في أول الحول، ثم بقي كاملاً حتى حال الحول وجبت الزكاة، فإن نقص في أثناء الحول، ثم تم في آخره وجبت فيه الزكاة كذلك أيضاً، أما إذا استمر ناقصاً حتى فرغ الحول، فلا تجب فيه الزكاة، ومن ملك نصاباً في أول الحول ثم استفاد مالاً في أثناء الحول يضم إلى أصل المال، وتجب فيه الزكاة إذا بلغ المجموع نصاباً، وكان المال المستفاد من جنس المال الذي معه، وإنما يشترط حولان الحول في غير زكاة الزرع والثمار؛ أما زكاتهما فلا يشترط فيها ذلك.
المالكية قالوا: حولان الحول شرط لوجوب الزكاة في غير المعدن والركاز والحرث - الزرع والثمار -، أما هي فتجب فيها الزكاة، ولو لم يحل عليها الحول؛ كما يأتي تفصيله في كل من هذه الأنواع الثلاثة؛ وإذا ملك نصاباً من الذهب أو الفضة في أول الحول، ثم نقص في أثنائه، ثم ربح فيه ما يكمل النصاب في آخر الحول؛ فتجب عليه الزكاة، لأن حول الربح أصله وكذا لو ملك أقل من نصاب في أول الحول، ثم اتجر فيه فربح ما يكمل النصاب في آخر الحول وجب عليه زكاة الجميع.
الحنابلة قالوا: يشترط لوجوب الزكاة مضي الحول، ولو تقريباً، فتجب الزكاة مع نقص الحول نصف يوم، وهذا الشرط معتبر في زكاة الأثمان والمواشي وعروض التجارة، أما في غيرها: كالثمار والمعادن والركاز، فلا يشترط لوجوب الزكاة فيها حولان الحول. ولا بد من حولان الحول بتمامه، ولو تقريباً، على النصاب، فإذا ملك أقل من نصاب في أول الحول، ثم اتجر فيه فربح ما يكمل النصاب، فيعتبر حول الجميع من حين تمام النصاب، فلا زكاة إلا إذا مضى حول من يوم التمام، أما إذا ملك في أول الحول نصاباً، ثم استفاد في أثناء الحول مالاً من جنسه بالاتجار فيه، فإنه يضم إلى المال الذي عنده، ويزكي الجميع على حول الأصل، لأن حول الربح حول أصله متى كان الأصل نصاباً.
الشافعية قالوا: حولان الحول شرط لوجوب الزكاة على التحديد، فلو نقص الحول ولو لحظة. فلا زكاة، وإنما يشترط حولان الحول في غير زكاة الحبوب، والمعدن، والركاز وربح التجارة، لأن ربح التجارة يزكى على حول أصله. بشرط أن يكون الأصل نصاباً، فإن كان أقل من نصاب ثم كمل النصاب بالربح، فالحول من حين التمام، ولو كان النصاب كاملاً في أول الحول، ثم نقص في أثنائه، ثم كمل بعد ذلك فلا زكاة، إلا إذا مضى حول كامل من يوم التمام
(6) الشافعية قالوا: لا يشترط فراغ المال من الدين. فمن كان عليه دين وجبت عليه الزكاة ولو كان ذلك الدين يستغرق النصاب.
الحنفية قالوا: ينقسم الدين بالنسبة لذلك إلى ثلاثة أقسام:
الأول: أن يكون ديناً خالصاً للعباد؛
الثاني: أن يكون ديناً لله تعالى، ولكن له مطالب من جهة العباد: كدين الزكاة والمطالب هو الإمام في الأموال الظاهرة. - وهي السوائم. وما يخرج من الأض -، أو نائب الإمام في الأموال الباطنة - وهي أموال التجارة: كالذهب والفضة - ونائب الإمام هم الملاك، لأن الإمام كان يأخذها إلى زمن عثمان رضي الله عنه، ففوّضها عثمان إلى أربابها في الأموال الباطنة،
الثالث: أن يكون ديناً خالصاً لله تعالى ليس له مطالب من جهة العباد، كديون الله تعالى الخالصة من نذور وكفارات، وصدقة فطر؛ ونفقة حج، فالدين الذي يمنع وجوب الزكاة هو دين القسمين الأولين. فإذا ملك شخص نصاب الزكاة، ثم حال عليه الحول ولم يخرج زكاته، ثم حال عليه حول آخر، فإنه لا تجب عليه الزكاة فيه بالنسبة للحول الثاني، لأنه دين زكاة الحول الأول ينقصه عن النصاب، وكذا لو ملك مالاً، وكان عليه دين لشخص آخر لا فرق بين أن يكون الدين قرضاً أو ثمن مبيع، أو نقوداً، أو مكيلاً، أو موزوناً، أو حيواناً، أو غيره، والدين المذكور يمنع وجوب الزكاة بجميع أنواعها إلا زكاة الزروع والثمار - العشر والخراج -، أما القسم الثالث فإنه لا يمنع وجوب الزكاة.
المالكية قالوا: من كان عليه دين ينقص النصاب، وليس عنده ما يفي به من غير مال الزكاة مما لا يحتاج إليه في ضرورياته، كدار السكنى، فلا تجب عليه الزكاة في المال الذي عنده، وهذا الشرط خاص بزكاة الذهب والفضة إذا لم يكونا من معدن أو ركاز، أما الماشية والحرث فتجب زكاتهما. ولو مع الدين، وكذا المعدن والركاز.
الحنابلة قالوا: لا تجب الزكاة على من عليه دين يستغرق النصاب أو ينقصه؛ ولو كان الدين من غير جنس المال المزكى، ولو كان دين خراج؛ أو حصاد، أو أجرة أرض وحرث، ويمنع الدين وجوب الزكاة في الأموال الباطنة: كالنقود وقيم عروض التجارة والمعدن والأموال الظاهرة: كالمواشي والحبوب والثمار، فمن كان عنده مال وجبت زكاته، وعليه دين، فليخرج منه بقدر ما يفي دينه أولاً، ثم يزكي الباقي إن بلغ نصاباً
(7) الحنفية قالوا: آلات الصناعة إذا بقي أثرها في المصنوع: كالصباغة تجب فيها الزكاة، وإلا فلا
(8) الحنفية قالوا: كتب العلم إذا كان مالكها من أهل العلم، فلا تجب فيها الزكاة وإلا وجبت
(9) الحنفية قالوا: المتولد بين وحشي وأهلي ينظر فيه للأم، فإن كانت أهلية ففيها الزكاة؛ وإلا فلا زكاة فيها.
الحنابلة قالوا: تجب الزكاة في الوحشية والمتولد بين وحشية وأهلية
(10) المالكية قالوا: لا شترط في وجوب زكاة النعم السوم، فتجب الزكاة فيها متى بلغت نصاباً، سواء أكانت سائمة أو معلوفة، ولو في جميع السنة، وسواء أكانت عاملة أم غير عاملة
(11) الحنابلة قالوا: السائمة هي التي تكتفي برعي الكلأ المباح في أكثر السنة على الأقل، ويشترط أن تكون مقصودة للدر أو النسل أو التسمين، فلو اتخذت للحمل أو الركوب أو الحرث فلا زكاة فيها، ولو اتخذت للتجارة ففيها زكاة التجارة الآتي بيانها؛ ولا يشترط أن ترسل للرعي، فلو رعت بنفسها أو بفعل غاصب أكثر الحول بدون أن يقصد مالكها ذلك وجب فيها الزكاة.
الشافعية قالوا: السائمة هي النعم التي يرسلها صاحبها العالم بأنه مالك لها أو نائبه لرعي الكلأ المباح كل الحول ومثل الكلأ المباح الكلأ المملوك إذا كانت قيمته يسيرة، ولا يضر علفها بشيء يسير تعيش بدونه بلا ضرر بين، كيوم أو يومين إذا لم يقصد بذلك العلف اليسير فطع السوم، فلو تخلف شرط من هذه الشروط لا تكون سائمة، كأن سامت بنفسها، أو سامها غير مالكها، أو نائبه، أو علفت قدراً لا تعيش بدونه، وكذا لو علفت بشيء تعيش بدونه بضرر بين، أو تعيش بلا ضرر بين لكن قصد بعلفها قطع السوم، أو ورثها وارث ولم يعلم بانتقال الملك إليه، فلا زكاة في كل هذه الأحوال، كما لا زكاة في السائمة المستكملة للشروط إذا قصدت للعمل.
الحنفية قالوا: السائمة هي التي يرسلها صاحبها لترعى في البراري في أكثر السنة لقصد الدر، أو النسل؛ أو السمن الذي يراد به تقويتها لا ذبحها، فلا بد من أن يقصد صاحبها إسامتها لذلك؛ فإن قصد إسامتها للذبح أو الحمل أو الركوب، أو للحرث، فلا زكاة فيها أصلاً، وإن أسامها للتجارة ففيها زكاتها التي سيأتي بيانها، وكذا لا تجب فيها الزكاة إن علفها نصف السنة أو أكثر من نصفها، كما لا تجب الزكاة إن سامت بنفسها بدون قصد من مالكها.
المالكية: لم يحددوا السائمة، لأنه لا فرق عندهم بين السائمة وغيرها في وجوب الزكاة، كما عرفت
(12) المالكية قالوا: إذا بلغت الإبل مائة وإحدى وعشرين إلى تسع وعشرين خير الساعي بين أن يأخذ ثلاث بنات لبون أو حقتين، إذا وجد الصنفان عند المزكي أو فقداً، أما إذا وجد أحدهما فقط، فإنه يتعين الإخراج منه، ولا يكلف رب المال بإخراج النصف المفقود إذا رأى الساعي ذلك.
الحنفية قالوا: إذا زاد العدد على مائة وعشرين استؤنفت الفريضة، وكانت زكاة ما زاد كزكاة النصاب الأول، فيجب في كل خمس يزيد على ذلك شاة مع الحقتين إلى مائة وخمس وأربعين، ففيها حقتان وبنت مخاض، وفي مائة وخمسين ثلاث حقاق، ثم تجب في كل خمس يزيد على مائة وخمسين شاة إلى مائة وأربع وسبعين، وفي مائة وخمس وسبعين ثلاث حقاق وبنت مخاض وفي مائة وست وثمانين ثلاث حقاق وبنت لبون، وفي مائة وست وتسعين أربع حقاق إلى مائتين وفي مائتين يخير المتصدق بين أربع حقاق أو خمس بنات لبو، ثم تستأنف الفريضة، كما تستأنف في الخمسين التي بعد المائة، والخمسين، بمعنى أنه يجب في كل خمس تزيد على المائتين شاة مضافة إلى ما وجب في ذمته إلى مائتين وأربع وعشرين، فإذا بلغت مائتين وست وثلاثين، ففيها بنت لبون مع ما وجب في المائتين. إلى مائتين وخمسين، فإذا زادت، فعل في الخمسين الزائدة مثل ما تقدم، وهكذا
(12) الحنفية قالوا: الشاة التي تجزئ في الزكاة ما أتمت سنة ودخلت في الثانية، معزاً كانت أو ضأناً، ويشترط أن تكون سليمة من العيوب، ولو كانت الإبل المزكاة معيبة.
الحنابلة قالوا: الشاة التي تجزئ في الزكاة إن كانت من الضأن، فيشترط أن تتم ستة أشهر وإن كانت من العز اشترط فيها تمام سنة كاملة، ويجب أن تكون الشاة المخرجنة سليمة من العيوب التي تمنع من إجزائها في الأضحية، إلا أنه إذا كانت الإبل المخرج عنها مريضة تنقص قيمة الشاة بنسبة نقص قيمة الإبل المريضة عن الإبل الصحيحة، مثلاً إذا كان عند الشخص خمس من الإبل تساوي لمرضها ثمانين جنيهاً، ولو كانت صحيحة لكانت قيمتها مائة، فيكون نقص المريضة عن الصحيحة الخمس، فلو كانت الشاة التي تخرج عن الإبل الصحيحة تساوي خمساً، فالتي تخرج عن الإبل المريضة شاة صحيحة تساوي أربعا فقط.
الشافعية قالوا: الشاة التي تجزئ في الزكاة إن كانت ضأناً وجب أن تتم سنة، إلا إذا اسقطت مقدم أسنانها بعد مضي ستة أشهر من ولادتها، فإنها تجزئ، وإن لم تتم الحول، وإن كانت من المعز فيشترط أن تتم سنتين وتدخل في الثالثة، ولا بد في كل منها من السلامة، وإن كانت الإبل التي يخرج زكاتها معيبة.
المالكية قالوا: الشاة التي يجزئ إخراجها في الزكاة لا بد أن تكون جذعة، أو جذعاً، بلغ كل منهما سنة تامة، سواء كانت من الضأن أو المعز، وفي إخراج الواجب من أي الصنفين تفصيل حاصله أنه يتعين إخراج الشاة من الضأن إن كان أكثر غنم أهل البلد الضأن، ولو كانت غنم الزكي بخلاف ذلك، فإن كان أكثر الغنم في بلد المزكي هو المعز، فالواجب إخراج الشاة منه، إلا إذا تبرع بإخراجها من الضأن، فيكفيه ذلك، ويجبر الساعي على قبوله، فإن تساوى الضأن والمعز في البلد، خير الساعي في أخذ الشاة من الضأن أو المعز، ويجب أن تكون الشاة التي يخرجها سليمة من العيوب، فلا يجزئ إخراج المعيبة، إلا إذا رأى الساعي أنها أنفع للفقراء، لكثرة لحمها مثلاً، فيجزئ إخراجها، لكن لا يجبر المالك على دفعها
(13) الحنفية قالوا: الذكر والأنثى سواء. فالأربعون من البقر الواجب فيها مسن أو مسنة
(14) المالكية قالوا: في مائة وعشرين أربعة أتبَعة أو ثلاث مسنات. يخير آخذ الزكاة في أخذ أيهما شاء إذا وجد الصنفان. أو فقد معاً. فإذا وجد أحدهما فقط عند المالك تعين الأخذ منه وليس لأخذ الزكاة جبره على شراء الصنف الآخر
(15) الحنفية قالوا: ما بين الفريضتين عفو إلا فيما زاد على الأربعين إلى الستين. فإنه يبج الزكاة في الزيادة بقدرها من المسنة على ظاهر الرواية. ففي الواحدة الزائدة على الأربعين ربع عشر مسنة. وفي الاثنين نصف عشر مسنة. وهكذا إلى الستين
(16) المالكية قالوا: التبيع هو ما أوفى سنتين. ودخل في الثالثة، أما المسنة فهي ما أوفت ثلاث سنين. ودخلت في الرابعة
(17) الشافعية قالوا: يجزئ إخراج الضأن عن المعز وعكسه مع رعاية القيمة، فلو كانت غنمه كلها ضأناً وأراد أن يخرج ثنية من المعز أجزأه ذلك بشرط أن تكون قيمتها تساوي قيمة الجذعة من الضأن وهكذا.
الحنابلة قالوا: يجزئ إخراج الواحدة من المعز عن الضأن بشرط أن يكون سنها حولاً، كما تجزئ الشاة من الضأن عن أربعين من المعز بشرط أن لا ينقص سنها عن ستة أشهر؛ كما تقدم