الأربعون العلمية (4 / 4)
أ. محمد خير رمضان يوسف
(31)
ثابت بن قيس رضي الله عنه
عن أنس بن مالكٍ أنه قال:
لَمَّا نزلتْ هذه الآية ï´؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ ï´¾ [سورة الحجرات: 2] إلى آخرِ الآية، جلسَ ثابتُ بنُ قيسٍ في بيتهِ وقال: أنا مِن أهلِ النار. واحتبَسَ عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم.
فسألَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ سعدَ بنَ معاذٍ فقال: "يا أبا عمرو، ما شأنُ ثابت؟ أَشتكَى"؟
قالَ سعد: إنه لَجاري، وما علمتُ له بشكوَى.
قال: فأتاهُ سعد، فذكرَ له قولَ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فقالَ ثابت: أُنزِلَتْ هذه الآية، ولقد عَلمتُم أني مِن أرفعِكم صوتًا على رسولِ الله صلى الله عليه وسلَّم، فأنا مِن أهلِ النار.
فذَكرَ ذلكَ سعدٌ للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فقالَ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: "بل هو مِن أهلِ الجنَّة".
صحيح مسلم (119).
تتمةُ الآيةِ الكريمة: ï´؟ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ ï´¾ [الحجرات: 2].
وثابتٌ رضيَ الله عنه ابنُ قيس بنِ شمّاس بنِ زهير بنِ مالك بنِ امرئ القيس. خطيبُ الأنصار، من نجباءِ الصحابةِ رضيَ الله عنهم. قُتلَ يومَ اليمامةِ سنةَ 12 هـ[1].
(32)
عبدالله بن مسعود رضي الله عنه
عن عبدالله بنِ عمرو قال: سمعتُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ يقول:
"استقرؤوا القرآنَ مِن أربعة: من عبدالله بن ِ مسعود، وسالمٍ مولَى أبي حُذيفة، وأُبيِّ بنِ كعب، ومعاذ بنِ جبل".
رواهُ الشيخان، صحيح البخاري (3549)، صحيح مسلم (2464).
(33)
الغميصاء رضي الله عنها
عن أنس، عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ قال:
"دخلتُ الجنة، فسمعتُ خَشْفَة، فقلت: مَن هذا؟ قالوا: هذه الغُمَيصاءُ بنتُ مِلحان، أمُّ أنسِ بنِ مالك".
صحيح مسلم (2456).
الخشْفَة: حركةُ المشي وصوته.
والغُميصاءُ يُقالُ لها الرمَيصاءُ أيضًا، ويُقالُ بالسين. أمُّ سليم، وأختُها أمُّ حرام.
والرمصُ والغمصُ قذًى يابسٌ وغيرُ يابس، يكونُ في أطرافِ العين.
وهذا منقبةٌ ظاهرةٌ لأمِّ سليم، رضيَ الله عنها[2].
(34)
عبدالله بن عمر رضي الله عنهما
عن ابنِ عمرَ ضيَ الله عنهما قال:
رأيتُ في المنامِ كأنَّ في يَدِي قطعةَ إستَبرَق، وليسَ مكانٌ أريدُ من الجنةِ إلا طارتْ إليه، قال: فقَصَصتُهُ على حفصة، فقَصَّتْه حفصةُ على النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، فقالَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: "أرَى عبدَ اللهِ رجلًا صالحًا".
صحيح البخاري (1105)، صحيح مسلم (2478) ومنه لفظه.
فيه فضيلةُ عبدالله بنِ عمر رضيَ الله عنهما، وشهادةُ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ له بالصلاح. فهنيئًا له، وجزاهُ الله خيرًا على ما نشرَ من حديثِ الرسولِ عليه الصلاةُ والسلام.
(35)
بلال بن رباح رضي الله عنه
عن جابر بنِ عبدالله، أن رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ قال:
"أُرِيْتُ الجنة، فرأيتُ امرأةَ أبي طلحة، ثم سمعتُ خشخشةً أمامي، فإذا بلال".
صحيح مسلم (2457).
وهو عند البخاري رحمَهُ الله، كما روَى أبو هريرة:
أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قال لبلالٍ عندَ صلاةِ الفجر: "يا بلال، حدِّثْني بأَرجَى عملٍ عَمِلتَهُ في الإسلام، فإنِّي سمعتُ دَفَّ نعليكَ بينَ يديَّ في الجنة".
قال: ما عملتُ عملًا أَرجَى عندي أنِّي لم أتطهَّرْ طَهورًا في ساعةِ ليلٍ أو نهار، إلا صلَّيتُ بذلكَ الطَّهورِ ما كُتِبَ لي أن أُصلِّي (صحيح البخاري 1098).
والخشخشة: صوتُ المشي اليابسِ إذا حكَّ بعضهُ بعضًا.
والدفُّ: التحريك[3].
وفيه فضيلةٌ ظاهرةٌ لهذا الصحابيِّ الجليل، رضيَ الله عنه.
(36)
جليبيب رضي الله عنه
عن أبي برزةَ الأسلمي:
أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان في مغزًى له، فأفاءَ اللهُ عليه، فقالَ لأصحابِه: "هل تَفقِدون مِن أحد"؟
قالوا: نعم، فلانًا وفلانًا وفلانًا.
ثم قال: "هل تَفقِدون مِن أحد"؟
قالوا: نعم، فلانًا وفلانًا وفلانًا.
ثم قال: "هل تَفقِدون مِن أحد"؟
قالوا: لا.
قال: "لكنِّي أَفقِدُ جُلَيبيبًا، فاطلبوه".
فطُلِبَ في القتلَى، فوجدوهُ إلى جنبِ سبعةٍ قد قتلَهم، ثم قتلوه.
فأتَى النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فوقفَ عليه، فقال: "قتلَ سبعةً ثم قتلوه، هذا منِّي وأنا منه، هذا منِّي وأنا منه".
قال: فوضعَه على ساعدَيه، ليسَ له إلّا ساعِدا النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم.
قال: فحُفِرَ له، ووُضِعَ في قبرِه. ولم يَذكُرْ غَسلًا.
صحيح مسلم (2472).
مغزى له: أي في سفرِ غزو.
وفي حديثهِ أن الشهيدَ لا يُغسل، ولا يصلَّى عليه.
قولهُ صلَّى الله عليه وسلَّم: "هذا منِّي وأنا منه": معناهُ المبالغةُ في اتحادِ طريقتهما واتفاقهما في طاعةِ الله تعالَى[4].
وجُليبيبُ رضيَ الله عنه امرؤ من الأنصار، غيرُ منسوب، وهو تصغيرُ جلباب. خطبَ له رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ امرأةً من الأنصار، فتزوَّجته، ولم تردَّ أمرَهُ عليه الصلاةُ والسلام[5].
(37)
عبدالله بن سلَام رضي الله عنه
قالَ قيس بنُ عُبَاد:
كنتُ في حلقةٍ فيها سعدُ بنُ مالكٍ وابنُ عمر، فمرَّ عبدُاللهِ بنُ سلَام، فقالوا: هذا رجلٌ من أهلِ الجنة. فقمتُ فقلتُ له: إنهم قالوا كذا وكذا، قال: سبحان الله! ما كان ينبغي لهم أن يقولوا ما ليسَ لهم به علم، إنما رأيتُ كأنَّ عمودًا وُضِعَ في روضةٍ خضراء، فنُصِبَ فيها، وفي رأسها عُروة، وفي أسفلها مِنْصَفٌ - والمِنْصَفُ: الوصيفُ - فقيلَ لي: ارْقَهْ. فرَقِيتُ حتى أَخذتُ بالعُروة. فقَصَصتُها على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، فقالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم:
"يموتُ عبدُاللهِ وهو آخِذٌ بالعُروةِ الوثقَى".
متفقٌ عليه: صحيح البخاري (6608)، صحيح مسلم (2484) واللفظُ للأخير.
وفي طريقٍ أخرى للحديثِ عند البخاريِّ رحمَهُ الله تعالَى تفسيرٌ أوضَحُ للرؤيا، قال:
فقصصتُها على النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فقال: "تلكَ الروضةُ روضةُ الإسلام، وذلكَ العمودُ عمودُ الإسلام، وتلكَ العروةُ عروةُ الوثقَى، لا تزالُ مستَمسكًا بالإسلامِ حتى تموت" (صحيح البخاري (6612).
وهو رضيَ الله عنه عبدالله بن سلَام بن الحارث الإسرائيلي، له إسلامٌ قديم، مشهودٌ له بالجنة، من خواصِّ أصحابِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، ممن شهدَ فتحَ بيتِ المقدس. ماتَ بالمدينةِ المنورة سنةَ 43 هـ[6].
(38)
حسّان بن ثابت رضي الله عنه
عن أبي سلَمةَ بنِ عبدالرحمن:
أنه سمعَ حسّانَ بنَ ثابتٍ الأنصاريَّ يَستَشهِدُ أبا هريرة: أَنشُدُكَ اللهَ، هل سمعتَ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يقول: "يا حسّان، أجِبْ عن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، اللهمَّ أيِّدْهُ بروحِ القُدُس"؟
قالَ أبو هريرة: نعم.
رواهُ الشيخان: صحيح البخاري (442)، صحيح مسلم (2485) ولفظهما سواء.
أيِّده: قوِّه.
روحُ القدُس: المرادُ هنا جبريل.
والمرادُ بالإجابةِ الردُّ على الكفّارِ الذين هجَوا رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ وأصحابَه[7].
(39)
أويس القرني رحمه الله
عن أُسَير بن جابر:
أنَّ أهلَ الكوفةِ وفدوا إلى عمر، وفيهم رجلٌ ممَّن كان يَسخَرُ بأُوَيس، فقال عمرُ: هل هاهنا أحدٌ من القَرنِيِّين؟
فجاءَ ذلكَ الرجل، فقال عمر: إنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قد قال: "إنَّ رجلًا يأتيكم من اليمنِ يُقالُ له أُوَيس، لا يدَعُ باليمنِ غيرَ أمٍّ له، قد كان به بياض، فدعا اللهَ فأذهبَهُ عنه، إلا موضعَ الدينارِ أو الدِّرهم، فمن لقِيَهُ منكم فَلْيستَغفِرْ لكم".
صحيح مسلم (2542).
يسخرُ بأُويس: أي يحتقرهُ ويستهزئُ به. وهذا دليلٌ على أنه يُخفي حالَه، ويكتمُ السرَّ الذي بينهُ وبين الله عزَّ وجلَّ، ولا يَظهرُ منه شيءٌ يدلُّ لذلك. وهذه طريقُ العارفين وخواصِّ الأولياءِ رضيَ الله عنهم.
ذكرَ الإمامُ النوويُّ أن في قصَّةِ أويسٍ هذه معجزاتٌ ظاهرةٌ لرسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم.
وفي الحديثِ استحبابُ طلبِ الدعاءِ والاستغفارِ من أهلِ الصلاح، وإن كان الطالبُ أفضلَ منهم[8].
وهو سيِّدُ التابعين، أبو عمرو أويس بن عامر القرنيُّ اليمانيّ، من أولياءِ الله المتقين، ومن عبادهِ المخلَصين. أخباره في الزهد والتقشفِ مرويَّة. سكنَ الكوفة، وقاتلَ مع عليٍّ رضيَ الله عنه في صفين. توفي أو قُتلَ في المعركة عام 37 هـ[9].
(40)
الدجَّال
عن أبي هُريرةَ قال: قالَ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم:
"ثلاثٌ إذا خرجنَ لا يَنفَعُ نفسًا إيمانُها لم تكنْ آمنَتْ من قبل، أو كسبَتْ في إيمانِها خيرًا: طلوعُ الشمسِ من مَغربِها، والدجَّال، ودابَّةُ الأرض".
صحيح مسلم (158).
ثلاث: أي ثلاثُ آيات.
"كسبَتْ في إيمانِها خيرًا": أي طاعة. فلا تنفعُها قرابتها[10].
المراجع[11]
♦ الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان/ ترتيب علاء الدين علي بن بلبان الفارسي؛ حققه وخرَّج أحاديثه شعيب الأرناؤوط.- ط2.- بيروت: مؤسسة الرسالة، 1393-1414هـ [التراث].
♦ الإصابة في تمييز الصحابة/ ابن حجر العسقلاني؛ تحقيق علي محمد البجاوي.-بيروت: دار الجيل، 1412هـ[ التراث].
♦ الأعلام/ خير الدين الزركلي.- ط4.- بيروت: دار العلم للملايين، 1399 هـ.
♦ تاريخ الإسلام/ الذهبي؛ تحقيق بشار عواد معروف.- بيروت: دار الغرب الإسلامي، 1424 هـ.
♦ تحفة الأحوذي/ المباركفوري.- بيروت: دار الكتب العلمية [التراث].
♦ تهذيب الكمال في أسماء الرجال/ جمال الدين المزي؛ تحقيق بشار عواد معروف.- ط5.- بيروت: مؤسسة الرسالة، 1413 هـ.
♦ الديباج على مسلم/ جلال الدين السيوطي [التراث].
♦ سير أعلام النبلاء/ الذهبي؛ تحقيق شعيب الأرناؤوط وآخرين.- ط2.- بيروت: مؤسسة الرسالة، 1401 – 1405 هـ.
♦ شرح النووي على صحيح مسلم.- ط2.- بيروت: دار إحياء التراث، 1392 هـ [التراث].
♦ صحيح ابن حبان = الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان.
♦ صحيح البخاري/ تحقيق مصطفى ديب البغا.- ط3.- بيروت؛ دمشق: دار ابن كثير: دار اليمامة، 1407 هـ [التراث].
♦ صحيح مسلم.- بيروت: دار ابن حزم، 1416هـ.
♦ العبر في خبر من غبر/ الذهبي؛ تحقيق محمد السعيد بن بسيوني زغلول.- بيروت: دار الكتب العلمية، 1405 هـ.
♦ عون المعبود شرح سنن أبي داود/ محمد شمس الحق العظيم آبادي.- ط2.- بيروت: دار الكتب العلمية، 1415 هـ [التراث].
♦ فتح الباري: شرح صحيح البخاري/ ابن حجر العسقلاني.- بيروت: دار المعرفة، 1379هـ [التراث].
♦ النهاية في غريب الحديث والأثر/ ابن الأثير؛ تحقيق طاهر أحمد الزاوي، محمود الطناحي.- بيروت: دار الفكر، 1399هـ [التراث].
[1] سير أعلام النبلاء2/ 308.
[2] شرح النووي على صحيح مسلم 16/ 11.
[3] شرح النووي على صحيح مسلم 16/ 11، فتح الباري 3/ 34.
[4] شرح النووي على صحيح مسلم 16/ 26.
[5] ينظر: الإصابة في تمييز الصحابة 1/ 495، صحيح ابن حبان (4035، 4059).
[6] تاريخ الإسلام 28417، سير أعلام النبلاء 2/ 413.
[7] فتح الباري 1/ 548.
[8] شرح النووي على صحيح مسلم 16/ 95.
[9] سير أعلام النبلاء 4/ 19.
[10] تحفة الأحوذي 8/ 357.
[11] المراجع التي وضع في آخرها لفظ [التراث] هكذا بين معقوفتين، هي للأقراص المدمجة التي أصدرها مركز التراث للبرمجيات في الأردن.