عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 14-07-2020, 02:15 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,341
الدولة : Egypt
افتراضي رد: العز في القناعة والرضا بالكفاف




وذكر الإمام الحافظ ابن الجوزي في كتابه "عيون الحكايات" قال العمري السقطي: رأيت البهلولَ وقد دلى رجله في قبر وهو يلعب بالتراب، قلت: أنت ها هنا؟ قال: نعم، عند قوم لا يؤذوني، وإن غبت لا يغتابونني، قلت له: إن السعر قد غلا، قال: لو بلغت كل حبة بمثقال لا أبالي، نعبده كما أمرنا، ويرزقنا كما وعدنا، ثم أنشد يقول - رحمه الله تعالى -:





أَفْنَيْتَ عُمْرَكَ فِيمَا لَسْتَ تُدْرِكُهُ

وَلاَ تَنَامُ عَنِ اللَّذَّاتِ عَيْنَاهُ




يَا مَنْ تَمَتَّعَ بِالدُّنْيَا وَلَذَّتِهَا

يَقُولُ لِلَّهِ مَاذَا حِينَ يَلْقَاهُ؟!












وفي "الصحيحين": "أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((اللهم اجعلْ رزقَ آل محمد قوتًا))، وفي رواية ((كفافًا))، ومتى كثر تشتت الهمم، فالعاقل من علم أنَّ الدنيا لم تخلق للتنعيم، فقنع بدفع الوقت في كل حال"؛ انتهى.







وقال بعضهم:





هِيَ الْقَنَاعَةُ فَالْزَمْهَا تَعِشْ مَلِكًا

لَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْكَ إِلاَّ رَاحَةُ الْبَدَنِ




وَانْظُرْ لِمَنْ مَلَكَ الدُّنْيَا بِأَجْمَعِهَا

هَلْ رَاحَ مِنْهَا سِوَى بِالْقُطْنِ وَالْكَفَنِ












وما أحسن قول الإمام الشافعي - رضي الله عنه -:





خَبَرْتُ بَنِي الدُّنْيَا فَلَمْ أَرَ مِنْهُمُ

سِوَى خَادِعٍ وَالْخُبْثُ حَشْوُ إِهَابِهِ




فَجَرَّدْتُ عَنْ غِمْدِ الْقَنَاعَةِ صَارِمًا

قَطَعْتُ رَجَائِي مِنْهُمُ بِذُبَابِهِ




فَلاَ ذَا يَرَانِي وَاقِفًا بِطَرِيقِهِ

وَلاَ ذَا يَرَانِي قَاعِدًا عِنْدَ بَابِهِ




غَنِيٌّ بِلاَ مَالٍ عَنِ النَّاسِ كُلِّهِمْ

وَلَيْسَ الْغِنَى إلاَّ عَنِ الشَّيْءِ لاَ بِهِ












وقال غيره وأحسن:





إِذَا أَعْطَشَتْكَ أَكُفُّ اللِّئَامِ

كَفَتْكَ الْقَنَاعَةُ شِبعًا وَرِيَّا




فَكُنْ رَجُلاً رِجْلُهُ فِي الثَّرَى

وَهَامَةُ هِمَّتِهِ فِي الثُّرَيَّا












وقال آخر وأحسن:





وَمَنْ يَطْلُبِ الْأَعْلَى مِنَ الْعَيْشِ لَمْ يَزَلْ

حَزِينًا عَلَى الدُّنْيَا رَهِينَ غُبُونِهَا




إِذَا شِئْتَ أَنْ تَحْيَا سَعِيدًا فَلاَ تَكُنْ

عَلَى حَالَةٍ إلاَّ رَضِيتَ بِدُونِهَا












مِن لازم القناعة الزهدُ:



لا بد من الكلام عن الزهد بعد القناعة، فهو من لازمها، وقد وردت آثار كثيرة عن السلف في الحثِّ على الزهد، منها:



[أورد البيهقي في "شعب الإيمان" عن أبي خلاد، وكانت له صحبة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا رأيتم الرجل المؤمن قد أُعْطِيَ زهدًا في الدنيا، وقلة منطق، فاقتربوا منه، فإنه يُلْقي الحكمة)).







وعن أبي ذر قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما زهد عبد في الدُّنيا إلا أثبت الله الحكمةَ في قلبه، وأنطق لها لسانه، وبصره عيب الدنيا وداءها ودواءها، وأخرجه منها سالِمًا إلى دار السلام))؛ مرسل"[4].







قال علي بن أبي طالب: "من زهد في الدنيا، هانت عليه المصيبات، ومن ارتقب الموت، سارع في الخيرات"، زاد فيه غيره: "من اشتاق إلى الجنة، سلا عن الشهوات، ومن أشفق من النار، رجع عن الحرمات".







وقال إبراهيم بن أدهم: "الزهد ثلاثة أصناف: زهد فرض، وزهد فضل، وزهد سلامة، فالزهد الفرض الزهد في الحرام، والزهد الفضل الزهد في الحلال، والزهد السلامة الزهد في الشبهات"].







وعن حماد بن زيد قال: كان أيوب يقول: ليتقِ الله - عزَّ وجلَّ - رجلٌ وإن زهد، فلا يجعلن زهده عذابًا على الناس، فلأن يُخفي الرجل زهده خير من أن يعلنه، وكان أيوب ممن يُخفي زهده، دخلنا عليه مرة فإذا على فراشه محبس أحمر، فرفعته أو رفعه بعض أصحابنا، فإذا خصفة محشوة بليف[5].







وقال إبراهيم بن أدهم -رحمه الله-: "لو علم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه - يعني من السعادة - لجالدونا عليها بالسيوف".







فلا حياة - والله - أفضل من حياة القناعة والرضا بالكفاف، ففيها السعادة كل السعادة، وهي جادة[6]النبي – صلى الله عليه وسلم - وأصحابه - رضوان الله عليهم أجمعين -، جعلنا الله من عباده الزاهدين القانعين، آمين.







[1] "المعجم الأوسط" للطبراني، و"المستدرك" للحاكم.




[2] من منظومة العلامة المرداوي الحنبلي.




[3] "غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب"، للسفاريني الحنبلي.




[4] والحديث المرسل يستدل به في الترغيب والترهيب، وفضائل الأعمال، على قول بعض المحدثين.




[5] "حلية الأولياء"، للأصبهاني.




[6] طريقة.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 27.46 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 26.84 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.29%)]