عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 10-07-2020, 02:31 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,740
الدولة : Egypt
افتراضي سبل علاج النفس وتهذيبها

سبل علاج النفس وتهذيبها


سيد مبارك




إن الحمد لله، نَحْمده ونستعينه، ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شُرور أنفسنا، ومن سيِّئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلاَّ الله، وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، صلوات ربِّي وسلامُه عليه، وعلى آله وصَحْبه أجمعين.

أمَّا بعد:
فسبُل إصلاح النَّفس وتهذيبها يكون على مَرْحلتين: الأُولى قصيرة المَدى، لا تحتمل التَّأجيل والتسويف، وإلاَّ هلَكَت النفس، وباءت بسخط الله تعالى، والثانية طويلة المدى، فيها جِمَاع كلِّ خير، يؤدِّي إلى نَجاتها وفلاحها في الدُّنيا والآخرة.

ولْنَبدأ في بيان الأمر، والله الْمُستعان.

سبل علاج النفس وتقويمها على المدى القصير:
وتلك السُّبُل لازمة لاِسْتقرار النَّفس والمحافظة على مُسْتواها من الْهُبوط للأَدْنَى، فيصعب العلاج ويطول الأمر، ويفقد المرء الأمل، فتَخُور عزيمته، وتضعف قُوَّتُه، ويهلك نفسه، وأكتفي هنا بذِكْر سبيلين من أهمِّ السُّبل التي فيهما حياة النُّفوس، وفي تركهما ضياعٌ للنَّفس، وليس في إصلاحها بعد ذلك فائدة ألبتَّة، وهما:
1- إخلاص التوحيد لله تعالى بلا شوائب.
2- المحافظة على الصلوات الخمس المفروضة.

ولا مَفرَّ من تقويم النَّفس وترويضها على هذين السَّبيلين على المدى القصير دون تأجيل أو إبْطَاء، إذا نَوى العبد بإخلاص إِصْلاح ما بينه وبين الله - جلَّ شأنه - حقًّا، وقد يكون هذا صَعْبًا وشاقًّا بعض الشَّيء على النَّفس التي طُبِعَت على المعصية، ولكنه فيه نَجاتها وفلاحها.

وإليك البيانَ والتَّوضيح لهما، والله المستعان:
1 - إخلاص التوحيد الله تعالى بلا شوائب:
ولماذا التَّوحيد؟
لأنَّ الشِّرك الذَّنبُ الذي لا يغفره الله تعالى؛ لقوله: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 48].

ولقوله - تعالى -: ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ﴾ [البينة: 5].

وعَنْ أَبِي ذَرٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قال النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلم -: ((أتاني آتٍ من ربِّي فأخبَرَني - أو قال: بشَّرَني - أنه مَن مات مِن أُمَّتِي لا يُشْرك بالله شيئًا دخل الجنَّة))، قلتُ: وإنْ زنَى وإن سرق؟ قال: ((وإن زنَى وإن سرق))[1].

وأنت بتوحيدك لله يكون لنفسك حقٌّ عند الله تعالى أن يُدْخِلها الجنة:
عن معاذ بن جبل قال: كنتُ رِدْفَ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلم - على حِمَار يُقال له: عُفَير، فقال: ((يا معاذ، تدري ما حقُّ الله على العباد؟ وما حقُّ العباد على الله؟)) قال: قلتُ: الله ورسوله أعلم، قال: ((فإنَّ حقَّ الله على العباد أن يَعْبدوا الله ولا يُشْرِكوا به شيئًا، وحقُّ العباد على الله - عزَّ وجلَّ - ألاَّ يُعذِّب من لا يُشرك به شيئًا))، قال: قلتُ: يا رسول الله، أفلا أُبَشِّر الناس؟ قال: ((لا تُبَشِّرْهم فيتَّكلوا))[2].

فإيَّاك والشِّركَ، سواء كان أكبر، كالطَّواف بالقبور، ودُعاء الأموات من دون الله، أو الذَّبح والسُّجود لغيره، أو ما أشبه ذلك مما يُخْرِج الإنسان من المِلَّة، أو شركًا أصغر، لا يُخرج الإنسان من الملَّة، ولكنه لا يَأْمَن على نَفْسِه من سخط الله عليه، فضلاً عن إحباطه للعمل، ومن أنواع هذا الشِّرك الحلف بغير الله، أو تصديق العرَّافين والدجَّالين، أو الرِّياء أو الطِّيَرة، وما أشبه ذلك.

ويجب علينا ترويض النَّفس على التوحيد الخالص لله تعالى بأنواعه الثلاثة:
(توحيد الربوبيَّة)؛ أيْ: لا ربَّ سواه، وإفراده - سبحانه وتعالى - بالخلق، والمُلْك، والتَّدبير، قال - تعالى -: ﴿ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ﴾ [فاطر: 3].

(توحيده الألوهيَّة)؛ أي: لا إله سواه، وإدراك أنَّ مَن يشرك به ويموت على ذلك مَصِيره النَّار؛ لقوله - تعالى -: ﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ﴾ [النساء: 36].

(توحيد الأَسْماء والصفات)؛ أيْ: إفراد الله - سبحانه وتعالى - بما سَمَّى ووصف به نفسه في كتابه، أو على لسان رسوله - صلَّى الله عليه وسلم - مثل صفة النُّزول من السماء، والضَّحِك والفرَح والعجَب، واليد، والعين، والرِّجل... إلخ، وذلك بإِثْبات ما أثبَتَه سبحانه وتعالى لِنَفْسِه، وما أثبته له رسولُه - صلَّى الله عليه وسلم - من غير تَحْريف، ولا تَعْطيل، ومن غير تَكْييف، ولا تمثيل؛ لقوله - تعالى -: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الشورى: 11].

2- المحافظة على الصلوات الخمس المفروضة:
الصَّلاة هي الرُّكن الثَّاني من أركان الإسلام، وهي عمود الدِّين وذرْوة سنَامه، مَن أقامها فقد أقام الدِّين، ومن تركها فقد هدم الدِّين، وهي الصِّلة التي تربط العبد بربِّه خَمْسَ مرَّات في اليوم واللَّيلة، وتنهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، لماذا؟


لأنَّها تجعل العبد دائمًا مُراقِبًا لله تعالى في أعماله وأقواله، في ذَهابه وإِيابه، في سَريرته وعلانيته؛ لأنَّه سبحانه معه حيث كان، فتطمئنُّ نفسه، وتَسْكن جوارحه، ويستريح قلبه وفؤاده من هُموم الدُّنيا ومتاعبها؛ ولهذا كان النبِيُّ - صلَّى الله عليه وسلم - إذا حان وقت الصَّلاة يقول لِمُؤذِّنه بلال - رضي الله عنه -: ((قُمْ يا بلال، فأَرِحْنا بالصَّلاة))[3].

ومِن ثَم أداء الصلاة أمر لا يحتمل التَّأجيل، وإلاَّ وقع صاحب هذه النَّفس المتمرِّدة على شرع الله تحت وعيد قوله - تعالى -: ﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا ﴾ [مريم: 59 - 60].

قال ابن كثير في "تفسيره" ما مُخْتصَره: ﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ ﴾ [مريم: 59]؛ أيْ: قرون أُخَر، ﴿ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ ﴾ [مريم: 59] وأقبَلوا على شهوات الدُّنيا وملاذِّها، ورَضُوا بالحياة الدُّنيا واطمأنُّوا بها، فهؤلاء سيَلْقون غيًّا؛ أيْ: خسارًا يوم القيامة، وقد اختلفوا في الْمُراد بإضاعة الصَّلاة هاهنا، فقال البعض: المراد بإضاعتها تَرْكُها بالكُلِّية، وقال غيرُهم كالأوزاعيِّ: إنَّما أضاعوا المواقيت ولو كان تركًا كان كفرًا.

وقال الأوزاعي: قرَأ عُمَر بن عبدالعزيز: ﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ ﴾ [مريم: 59]، ثم قال: لَم تكن إضاعتُهم تَرْكها، ولكن أضاعوا الوقت، وقال مُجاهد: ذلك عند قيام الساعة، وذهاب صالِحي أُمَّة محمد - صلَّى الله عليه وسلم - يَنْزُو بعضهم على بعض في الأَزِقَّة، وقال الحسن البصريُّ: عَطَّلوا المساجد ولزموا الضَّيعات))[4].

وقوله - تعالى -: ﴿ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ * فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ ﴾ [المدثر: 42 - 48].

وفي السُّنَّة الصحيحة عشرات من الأدلَّة، فيها من التحذير والوعيد الشديدَيْن؛ ما يجعل ترك الصلاة كبيرة من أعظم الكبائر التي تؤدِّي بصاحبها إلى النار، والعياذ بالله الرحيم منها.

من ذلك:
ما رواه أحمد وغيرُه أن النبي - صلَّى الله عليه وسلم - قال: ((مَن حافظ عليها كانت له نورًا وبُرْهانًا ونَجاة يوم القيامة، ومَن لَمْ يُحافظ عليها لم يكن له نورٌ ولا برهانٌ ولا نجاة، وكان يوم القيامة مع قارون وفِرْعون وهامان وأُبَيِّ بن خلف))[5].

ما رواه مسلم عن جابر بن عبدالله قال: سمعتُ النبي - صلَّى الله عليه وسلم - يقول: ((إنَّ بين الرجل وبين الشِّرك والكُفْر تَرْكَ الصلاة))[6].

وقال النوويُّ في شرح الحديث ما مُختصره: "ومعنى ((بينه وبين الشرك ترك الصلاة)): أنَّ الذي يَمْنع من كُفْرِه كونُه لم يَتْرك الصلاة، فإذا ترَكَها لم يَبْقَ بينه وبين الشِّرك حائل، بل دَخَل فيه، وأمَّا تارك الصَّلاة فإنْ كان مُنْكِرًا لِوُجوبها فهو كافِرٌ بإِجْماع المُسْلمين، خارج من ملَّة الإسلام؛ إلاَّ أن يكون قريبَ عَهْد بالإسلام، ولم يُخالِط المُسْلِمين مُدَّة يَبْلغه فيها وجوب الصَّلاة عليه، وإن كان تَركه تكاسُلاً مع اعتقاده وجوبَها كما هو حال كثير من الناس، فقد اختلف العلماء فيه، فذهب مالك والشُّافعي - رحمهما الله - والجماهيرُ من السَّلَف والخلَف إلى أنَّه لا يكفر، بل يفسق ويُستتاب، فإن تاب وإلاَّ قتلناه حدًّا كالزَّاني المُحْصَن، ولكنه يُقْتَل بالسَّيف، وذَهب جماعة من السَّلَف إلى أنه يكفر" اهـ.

ومن ثَمَّ، فمَن أراد لِنَفسه النَّجاة ينبغي أن يَحْملها على عمَلِ المكاره، فالجَنَّة لا يدخلها أحدٌ إلاَّ بِمَشقَّة، والصَّلاة يجب أداؤُها في أوقاتها وهي ثقيلة على النُّفوس الغافلة، ولا يُواظِب عليها إلاَّ مَن عرف كيف يُرَوِّض نفْسَه ويحملها على المكاره ومرضاةِ الله تعالى.

وكلمة أخيرة قبل أن نَشْرع في بيان السُّبُل على المدى الطويل لأصحاب النُّفوس الضعيفة الَّذين لا يجدون غَضاضة في ترك الصلاة، أقول لهم: لقد رخَّص الشَّرع لأصحاب الأعذار بالصَّلاة في البيوت حتَّى زوال العذر، كمَرض، أو مطَر، أو بَرْد شديد، أو ظُلْمة، وغير ذلك، وكذلك رخَّص بالتيمُّم عند فَقْد الماء، والجمع بين الصلوات عند المشقَّة، وقَصْرها عند السَّفر وما أشبه ذلك، وفي ديننا سعَة، ولله الحمد والمِنَّة.

ولكن لَمْ يُرَخِّص الشرع في تَرْكها بالكُلِّية أبدًا، ولو فرضًا واحدًا، مهما كانت الأعذار والمُبَرِّرات، اللَّهم إلاَّ مَن ينطبق عليه قول النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: ((رُفِع القلم عن ثلاثة: عن المجنون المغلوب على عقله حتَّى يبرأ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصَّبِي حتى يَحْتَلم))[7]،‌ثُم إنِّي لَم أجد ما أقوله لمن يستسلم لنفسه الأمَّارة بالسُّوء ويترك الصَّلوات الخمس المفروضة، أو بعضها إلاَّ قوله - تعالى وجلَّ شأنه -: ﴿ بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ ﴾ [القيامة: 14 - 15].

فقد صارت الصلاة عند مثل هؤلاء ثقيلةً على القلوب، وصار لسان حالِهم يقول: "يا بلالُ، أرِحْنا من الصَّلاة"! وحسبنا الله ونِعْم الوكيل.


ثانيًا: السُّبُل التي تعين النَّفْس على المدى الطويل:
وهذه السُّبل تحتاج لتحقيقها جميعًا على المدى الطويل إلى صَبْر ويقين برحمة الله لا يتَزَعزع، وتوكُّلٍ عليه وعزيمة لا تَلِين، ومن هذه السُّبل على سبيل المثال لا الحصر، وفيها مُجْمل الأمر في اعتقادي:
1- لا تَفْتُر عن ذِكْر الله تعالى.

2- أتَبْعِ السيِّئةَ الحسنةَ تَمْحُها، وحافِظْ على حسناتك.

3- تفقَّهْ في دينك؛ لِتَعبد الله على بصيرةٍ من أَمْرِك.

4- لا تفرح بما آتاك الله، ولا تَحْزن على ما فاتك.

5- لا تغترَّ بِكَثْرة الهالكين، والحَقُّ أحَقُّ أن يُتَّبع.

6- لا تَخْش إلاَّ الله تعالى، ولا تأخُذْك فيه لومةُ لائم.

7- إيَّاك وطولَ الأمل في الدُّنيا، واذكر الموت والبِلَى.

8- لا تُحبَّ إلاَّ في الله، ولا تُبْغِض إلاَّ فيه.

9- لا يَغُرَّك الحسَب والنَّسب والمال عن أمر الحِساب.

10- تخَلَّص من آفات الجوارح المُحْبِطة للعمل.

11- لا تُهْمِل محاسبة نفسك ومراقبتها يوميًّا.

12- لا تتحمَّل أوزار غيرك، وكُنْ قوَّامًا على أهلك.

13- أَطِبْ مطعمك، ولا تأكل من حرام أو شبهة.
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 31.07 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 30.44 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.02%)]