الأربعون الخيرية (4 / 4)
أ. محمد خير رمضان يوسف
(31)
الخير في الخيل
عن عروةَ البارقيِّ رضيَ الله عنه، عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ قال:
"الخيلُ معقودٌ في نواصيها الخيرُ: الأجرُ والمغنم، إلى يومِ القيامة".
صحيح البخاري (2951) واللفظُ له، صحيح مسلم (1873).
"معقودٌ في نواصيها" أي: ملازمٌ لها كأنه معقودٌ فيها... والمرادُ أنها أسبابٌ لحصولِ الخيرِ لصاحبها، فاعتُبِرَ ذاكَ كأنهُ عقدٌ للخيرِ فيها. ثم لَمّا كان الوجهُ هو الأشرف، ولا يُتصَوَّرُ العقدُ في الوجهِ إلا في الناصية، اعتُبِرَ ذاكَ عقدًا له في الناصية[1].
وفي الحديثِ بيانُ أن الخيلَ إنما تكونُ في نواصيها الخيرُ والبركة إذا كان اتخاذُها في الطاعة، أو في الأمورِ المباحة، وإلا فهي مذمومة.
والمغنمُ المقترنُ بالأجرِ إنما يكونُ من الخيلِ بالجهاد[2].
(32)
من الطب النبوي
عن جابر بنِ عبدالله قال: سمعتُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ يقول:
"إِنْ كانَ في شيءٍ مِن أدويتِكُم خير، ففي شَربةِ عسل، أو شَرطةِ مِحجَم، أو لَذْعةٍ مِن نار، وما أحبُّ أن أَكتوي".
صحيح البخاري (5375)، صحيح مسلم (2205)، واللفظُ للأول.
هذا من بديع الطبِّ عند أهلهِ كما ذكر النووي، فهو إشارةٌ إلى جميعِ ضروبِ المعافاة.
"شَرطةُ محجم" هي الحجامة، والمرادُ بالمحجمِ هنا الحديدةُ التي يُشرَطُ بها موضعُ الحجامةِ ليَخرُجَ الدم.
"لذعةٌ من نار": الخفيفُ من حرقِ النار.
وقولهُ صلَّى الله عليه وسلَّم: "وما أحبُّ أن أَكتوي": إشارةٌ إلى تأخيرِ العلاجِ بالكيّ حتى يضطرَّ إليه، لما في استعمالِ (استعجالِ) الألمِ الشديدِ في دفعِ ألمٍ قد يكونُ أضعفَ من ألمِ الكيّ[3].
(33)
خروج النساء إلى صلاة العيد
عن أُمِّ عطيَّةَ قالت:
أمرَنا رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّمَ أن نُخرجَهنَّ في الفِطرِ والأضحَى، العواتقَ والحُيَّضَ وذواتِ الخدور. فأمّا الحُيَّضُ فيَعتَزلْنَ الصلاة، ويَشهَدْنَ الخيرَ ودعوةَ المسلمين.
قلت: يا رسولَ الله، إحدانا لا يكونُ لها جِلباب؟
قال: "لِتُلْبِسْها أختُها من جلبابِها".
صحيح البخاري (318)، صحيح مسلم (890)، واللفظُ له.
العواتقُ جمعُ عاتق، وهي من بلغتِ الحُلم، أو قاربت، أو استحقَّتِ التزويج، أو هي الكريمةُ على أهلها.
والخدورُ جمعُ خِدْر، وهو البيتُ أو الستر. وقالَ السيوطي: هو سترٌ في ناحيةِ البيتِ تقعدُ البكرُ وراءه.
وفي الحديثِ أن من شأنِ العواتقِ والمخدَّراتِ عدمُ البروزِ إلا فيما أُذِنَ لهنَّ فيه.
وفيه استحبابُ إعدادِ الجلبابِ للمرأة، ومشروعيةُ عاريَّةِ الثياب.
وفيه استحبابُ خروجِ النساءِ إلى شهودِ العيدين، سواءٌ كنَّ شوابَّ أم لا، وذواتِ هيآتٍ أم لا[4].
(34)
فضيلة الصلاة في المسجد النبوي
عن أبي هريرةَ رضيَ الله عنه، أن النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ قال:
"صلاةٌ في مسجدي هذا خيرٌ مِن ألفِ صلاةٍ فيما سواه، إلّا المسجدَ الحرام".
صحيح البخاري (1133)، صحيح مسلم (1394)، واللفظُ للبخاري.
روى الإمامُ أحمد في مسنده (15306) وغيرُه حديثَ جابر بنِ عبدالله المرفوع: "صلاةٌ في مسجدي هذا أفضلُ مِن ألفِ صلاةٍ فيما سواه، إلّا المسجدَ الحرام، وصلاةٌ في المسجدِ الحرامِ أفضلُ من مائةِ ألفِ صلاةٍ فيما سواه"[5].
واستدلَّ بهذا الحديثِ على تفضيلِ مكةَ على المدينة؛ لأن الأمكنةَ تَشرفُ بفضلِ العبادةِ فيها على غيرها، مما تكونُ العبادةُ فيه مرجوحة. وهو قولُ الجمهور[6].
(35)
صفوف الرجال والنساء
عن أبي هريرةَ قال: قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلم:
"خيرُ صفوفِ الرجالِ أوَّلُها، وشرُّها آخرُها، وخيرُ صفوفِ النساءِ آخرُها، وشرُّها أوَّلُها".
صحيح مسلم (440).
قال الإمامُ النوويُّ رحمَهُ الله تعالَى: وأما إذا صلَّين متميِّزات لا مع الرجال، فهنَّ كالرجال، خيرُ صفوفهنَّ أولها، وشرُّها آخرها.
والمرادُ بشرِّ الصفوفِ في الرجالِ والنساءِ أقلُّها ثوابًا وفضلًا، وأبعدُها من مطلوبِ الشرع، وخيرُها بعكسه.
وإنما فُضِّلَ آخرُ صفوفِ النساءِ الحاضراتِ مع الرجالِ لبعدهنِّ من مخالطةِ الرجالِ ورؤيتهم، وتعلُّقِ القلبِ بهم عند رؤيةِ حركاتهم وسماعِ كلامهم ونحوِ ذلك. وذُمَّ أولُ صفوفهنَّ لعكسِ ذلك. والله أعلم[7].
(36)
خير ما يكون للجنازة
عن أبي هريرةَ قال: سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّمَ يقول:
"أسرِعوا بالجنازة، فإنْ كانتْ صالحةً قرَّبتموها إلى الخير، وإنْ كانتْ غيرَ ذلكَ كانَ شرًّا تَضعونَهُ عن رقابكم".
صحيح البخاري (1252)، صحيح مسلم (944) واللفظُ له.
أسرعوا بالجنازة: أي بحملها إلى قبرها.
وعن الشافعي والجمهور: المرادُ بالإسراعِ ما فوق سجيَّةِ المشي المعتاد. ويُكرَهُ الإسراعُ الشديد.
قال الحافظُ ابنُ حجر: والحاصلُ أنه يستحبُّ الإسراع، لكنْ بحيثُ لا ينتهي إلى شدَّةٍ يُخافُ معها حدوثُ مفسدةٍ بالميت، أو مشقَّةٍ على الحاملِ أو المشيِّع؛ لئلّا ينافي المقصودَ من النظافةِ وإدخالِ المشقَّةِ على المسلم[8].
(37)
المباح والمذموم من الشِّعر
عن ابنِ عمرَ رضيَ الله عنهما، عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ قال:
"لأنْ يمتلئَ جوفُ أحدِكُم قيحًا، خيرٌ له مِن أنْ يَمتَلئَ شعرًا".
صحيح البخاري (5802) واللفظُ له، صحيح مسلم (2257).
الصوابُ أن المرادَ أن يكونَ الشعرُ غالبًا عليه، مستوليًا عليه، بحيثُ يَشغلهُ عن القرآنِ وغيرهِ من العلومِ الشرعيةِ وذكرِ الله تعالَى، وهذا مذمومٌ من أيِّ شعرٍ كان، فأما إذا كان القرآنُ والحديثُ وغيرهما من العلومِ الشرعيةِ هو الغالبَ عليه، فلا يضرُّ حفظُ اليسيرِ من الشعرِ مع هذا؛ لأن جوفَهُ ليس ممتلئًا شعرًا. والله أعلم.
واستدلَّ بعضُ العلماءِ بهذا الحديثِ على كراهةِ الشعرِ مطلقًا، قليلهِ وكثيره، وإن كان لا فُحشَ فيه...
وقال العلماءُ كافَّة: هو مباحٌ ما لم يكنْ فيه فُحشٌ ونحوه. قالوا: وهو كلامٌ حسنهُ حسن، وقبيحهُ قبيح. وهذا هو الصواب. فقد سمعَ النبيُّ صلَّى الله عليه و سلَّم الشعر، واستنشده، وأمرَ به حسَّانَ في هجاءِ المشركين، وأنشدَهُ أصحابُهُ بحضرتهِ في الأسفارِ وغيرها، وأنشدَهُ الخلفاءُ وأئمةُ الصحابةِ وفضلاءُ السلف، ولم يُنكرْهُ أحدٌ منهم على إطلاقه، وإنما أنكروا المذمومَ منه، وهو الفُحش ونحوه. ذكرهُ النووي[9].
(38)
خير المال في الفتن
عن أبي سعيد الخُدريِّ رضيَ الله عنه قال: قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم:
"يوشكُ أن يكونَ خيرُ مالِ الرجلِ غنمٌ يَتْبَعُ بها شَعَفَ الجبالِ ومواقعَ القَطْر، يفرُّ بدينهِ من الفتن".
صحيح البخاري (3124).
يوشِك: يَقرب.
شعَفُ الجبال: رؤوسُ الجبال.
مواقعُ القَطر: بطونُ الأودية.
وخُصَّا بالذكرِ لأنهما مظانُّ المرعَى.
هذا ما ذكرَهُ الحافظُ ابنُ حجر. وقال في عون المعبود: مواقعُ القَطر: أي مواضعُ المطرِ وآثاره، من النباتِ وأوراقِ الشجر، يريدُ بها المرعَى من الصحراءِ والجبال.
يفرُّ بدينه: أي بسببِ دينه. ويعني صيانةً لدينه.
قال السندي: وفيه أنه يجوزُ العزلة، بل هي أفضلُ أيامَ الفتن[10].
(39)
خطر الفتن
عن أبي هريرةَ رضيَ الله عنه قال: قالَ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم:
"ستكونُ فِتَن، القاعدُ فيها خيرٌ مِن القائم، والقائمُ فيها خيرٌ مِن الماشي، والماشي فيها خيرٌ مِن الساعي، ومَن يُشرِفْ لها تَسْتَشْرِفْهُ، ومَن وجدَ مَلجأً أو مَعاذًا فَلْيَعُذْ به".
صحيح البخاري (3406)، صحيح مسلم (2886)، واللفظُ للبخاري.
الإشرافُ للشيءِ هو التطلُّعُ إليه والتعرُّضُ له.
"ومَن وجدَ مَلجأً": أي عاصمًا وموضعًا يلتجئُ إليه ويعتزل.
"فَلْيَعُذْ به": أي فليعتزل.
قال الإمامُ النوويُّ رحمَهُ الله تعالَى: وأما قولهُ صلَّى الله عليه وسلَّم: "القاعدُ فيها خيرٌ مِن القائم" إلى آخره، فمعناهُ بيانُ عظيمِ خطرها، والحثُّ على تجنُّبها، والهربُ منها، ومن التشبُّثِ في شيء، وأن شرَّها وفتنتَها يكونُ على حسبِ التعلُّقِ بها[11].
(40)
الإيمان ولو كان قليلاً
عن أنس بنِ مالك، أن النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ قال:
"يَخرجُ من النَّارِ مَن قال: لا إلهَ إلَّا اللَّهُ وكانَ في قلبهِ منَ الخيرِ ما يَزنُ شَعيرة، ثمَّ يَخرجُ منَ النَّارِ مَن قال: لا إلهَ إلَّا اللَّهُ وكانَ في قلبِهِ منَ الخيرِ ما يزنُ بُرَّةً،ثمَّ يَخرجُ منَ النَّارِ مَن قال: لا إلهَ إلَّا اللَّهُ وكانَ في قلبهِ منَ الخيرِ ما يزنُ ذَرَّة".
صحيح البخاري (6975)، صحيح مسلم (193)، واللفظُ للأخير.
البُرَّة: حبَّةُ القمح.
قال الحافظُ ابنُ حجر: ومقتضاهُ أن وزنَ البُرَّةِ دونَ وزنِ الشعيرة؛ لأنه قدَّمَ الشعيرةَ وتلاها بالبُرَّة، ثم الذرَّة. وكذلك هو في بعضِ البلاد.
ومعنَى الذرَّةِ قيل: هي أقلُّ الأشياءِ الموزونة، وقيل: هي الهباءُ الذي يَظهرُ في شعاعِ الشمسِ مثلَ رؤوسِ الإبر[12].
المراجع:[13]
• تحفة الأحوذي/ المباركفوري.- بيروت: دار الكتب العلمية [التراث].
• حاشية السندي على سنن النسائي/ بعناية عبدالفتاح أبو غدة.- ط2.- حلب: مكتب المطبوعات الإسلامية، 1406 هـ [التراث].
• شرح السيوطي لسنن النسائي/ بعناية عبدالفتاح أبو غدة.- ط2.- حلب: مكتب المطبوعات الإسلامية، 1406 هـ [التراث].
• شرح النووي على صحيح مسلم.- ط2.- بيروت: دار إحياء التراث، 1392 هـ [التراث].
• صحيح البخاري/ تحقيق مصطفى ديب البغا.- ط3.- بيروت؛ دمشق.
• صحيح مسلم.- بيروت: دار ابن حزم، 1416هـ.
• عون المعبود شرح سنن أبي داود/ محمد شمس الحق العظيم آبادي.- ط2.- بيروت: دار الكتب العلمية، 1415 هـ [التراث].
• فتح الباري: شرح صحيح البخاري/ ابن حجر العسقلاني.- بيروت: دار المعرفة، 1379هـ [التراث].
• لسان العرب/ محمد بن مكرم بن منظور.- بيروت: دار صادر [التراث].
• مسند أحمد بن حنبل.- القاهرة: مؤسسة قرطبة [التراث].
• النهاية في غريب الحديث والأثر/ ابن الأثير؛ تحقيق طاهر أحمد الزاوي، محمود الطناحي.- بيروت: دار الفكر، 1399هـ [التراث].
[1] حاشية السندي على سنن النسائي 6 / 221.
[2] ينظر تحفة الأحوذي 5 / 217، 282.
[3] شرح النووي على صحيح مسلم 14/ 193، 197، فتح الباري 10 / 141.
[4] فتح الباري 1 / 423، 2 / 470، حاشية السندي على سنن النسائي 3 / 180، شرح السيوطي على سنن النسائي 1 / 194.
[5] ذكر الإمام النووي أن إسناده حسن (شرح النووي على صحيح مسلم 9/ 164)، وقال الشيخ شعيب: إسناده صحيح على شرط البخاري.
[6] قاله ابن حجر في فتح الباري 3/ 67.
[7] شرح النووي على صحيح مسلم 4/ 159.
[8] فتح الباري 3/ 184، عون المعبود 3/ 326.
[9] شرح النووي على صحيح مسلم 15/ 14 مع شيء من الاختصار.
[10] فتح الباري 1/ 69، عون المعبود 11/ 234، حاشية السندي على سنن النسائي 8/ 124.
[11] شرح النووي على صحيح مسلم 18/ 9.
[12] فتح الباري 1/ 104.
[13] المراجع التي وضع في آخرها لفظ [التراث] هكذا بين معقوفتين، هي للأقراص المدمجة التي أصدرها مركز التراث للبرمجيات في الأردن .