عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 10-07-2020, 02:18 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,755
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الأربعون الخيرية

الأربعون الخيرية (3 / 4)
أ. محمد خير رمضان يوسف





(21)

الخير والشر

عن حذيفةَ بنِ اليمانِ قال:

كان الناسُ يَسألونَ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عنِ الخير، وكنتُ أسألُهُ عن الشرِّ مخافةَ أن يُدرِكَني، فقلتُ:

يا رسولَ الله، إنّا كنّا في جاهليةٍ وشرّ، فجاءنا اللهُ بهذا الخير، فهل بعدَ هذا الخيرِ من شرّ؟

قال: "نعم".

قلتُ: وهل بعدَ ذلكَ الشرِّ من خير؟

قال: "نعم، وفيه دَخَنٌ".

قلتُ: وما دَخَنُه؟

قال: "قومٌ يَهْدُونَ بغيرِ هَديي، تَعرِفُ منهم وتُنكِر".

قلتُ: فهل بعدَ ذلك الخيرِ من شرّ؟

قال: "نعم، دُعاةٌ على أبوابِ جهَنَّم، مَن أجابَهم إليها قَذفوهُ فيها".

قلتُ: يا رسولَ الله، صِفْهُم لنا.

قال: "هم من جِلدَتِنا، ويتكلَّمونَ بألسِنَتِنا".

قلتُ: فما تأمرُني إنْ أدرَكني ذلك؟

قال: "تَلزَمُ جماعةَ المسلمينَ وإمامَهم".

قلتُ: فإنْ لم يكنْ لهم جماعةٌ ولا إمام؟

قال: "فاعتَزِلْ تلك الفِرَقَ كلَّها، ولو أن تَعَضَّ بأصلِ شجرة، حتى يُدرِكَكَ الموتُ وأنتَ على ذلك".

صحيح البخاري (3411) واللفظُ له، صحيح مسلم (1847).



الدخَن: كدورةٌ إلى سواد. قالوا: والمرادُ هنا أن لا تصفوَ القلوبُ بعضُها لبعض، ولا يزولَ خبثُها، ولا ترجعَ إلى ما كانت عليه من الصفاء.



قال القاضي عياض: قيل: المرادُ بالخيرِ بعد الشرِّ أيامُ عمر بنِ عبد العزيز رضيَ الله عنه.

قولهُ بعده: "تعرفُ منهم وتُنكر": المرادُ الأمرُ بعد عمر بنِ عبد العزيز رضيَ الله عنه.

قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: "ويهتدون بغيرِ هديي" الهدي: الهيئةُ والسيرةُ والطريقة.



قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: "دعاةٌ على أبوابِ جهنَّم، من أجابهم إليها قذفوهُ فيها" قال العلماء: هؤلاءِ مَن كان مِن الأمراءِ يدعو إلى بدعةٍ أو ضلال، كالخوارجِ والقرامطة.



وفي حديثِ حذيفةَ هذا: لزومُ جماعةِ المسلمين وإمامهم، ووجوبُ طاعتهِ وإنْ فسقَ وعملَ المعاصي، مِن أخذِ الأموالِ وغيرِ ذلك، فتجبُ طاعتهُ في غيرِ معصية.



وفيه معجزاتٌ لرسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وهي هذه الأمورُ التي أخبرَ بها، وقد وقعتْ كلُّها[1].



(22)

التصدق بالثلث

عن سعد بنِ أبي وقّاصٍ رضيَ الله عنه قال:

جاءنا رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَعودُني مِن وَجَعٍ اشتَدَّ بي زمَنَ حَجَّةِ الوَداعِ، فقلت: بلغَ بي ما ترَى، وأنا ذو مال، ولا يَرِثُني إلا ابنةٌ لي، أفأتصدَّقُ بثلُثَي مالي؟

قال: "لا".

قلت: بالشَّطر؟

قال: "لا".

قلت: الثُّلُث؟

قال: "الثُّلثُ كثير، أنْ تَدَعَ ورَثتَكَ أغنياء، خيرٌ مِن أنْ تَذرَهُم عالةً يَتكفَّفونَ الناس، ولن تُنفِقَ نفقةً تبتَغي بها وجهَ اللَّه، إلا أُجِرْتَ عليها، حتى ما تَجعَلُ في فِي امرأتِك".

صحيح البخاري (5344)، صحيح مسلم (1628)، واللفظُ للأول.



يتكفَّفون: يسألون الناسَ في أكفِّهم.

قالَ الإمامُ النووي: في هذا الحديثِ مراعاةُ العدلِ بين الورثةِ والوصية، قال أصحابنا [الشافعيةُ] وغيرُهم من العلماء: إن كانت الورثةُ أغنياءَ استحبَّ أن يوصيَ بالثلثِ تبرُّعًا، وإن كانوا فقراءَ استحبَّ أن ينقصَ من الثلث.



وفيه حثٌّ على صلةِ الأرحام، والإحسانِ إلى الأقارب، والشفقةِ على الورثة، وأنَّ صلةَ القريبِ الأقربِ والإحسانَ إليه أفضلُ من الأبعد.



وفيه استحبابُ الإنفاقِ في وجوهِ الخير.

وفيه أن الأعمالَ بالنيّات، وأنه إنما يُثابُ على عملهِ بنيَّته.

وفيه أن الإنفاقَ على العيالِ يُثابُ عليه إذا قصدَ به وجهَ الله تعالى.

وفيه أن المباحَ إذا قُصِدَ به وجهُ الله تعالى صارَ طاعة، ويُثابُ عليه[2].



(23)

خير اليدين

عن حَكيم بنِ حزامٍ رضيَ الله عنه، عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ قال:

"اليدُ العُليا خيرٌ من اليدِ السُّفلَى، وابدأْ بمن تَعول، وخيرُ الصدقةِ عن ظهرِ غِنًى، ومن يَستعفِفْ يُعِفَّهُ الله ، ومن يَستَغْنِ يُغْنِهِ اللهُ".



صحيح البخاري (1361) واللفظُ له، صحيح مسلم (1034).



اليدُ العليا هي المنفقة، والسفلى هي السائلة.

والمرادُ بالعلوِّ علوُّ الفضلِ والمجدِ ونيلُ الثواب.

ومن يستعفف: أي يمتنعْ عن السؤال.

يعفُّهُ الله: أي أنه يجازيهِ على استعفافهِ بصيانةِ وجهه، ودفعِ فاقته.

ومن يَستغن: أي باللهِ عمَّن سواه.

يُغنه: أي يعطيهِ ما يَستغني به عن السؤال، ويخلقُ في قلبهِ الغنَى، فإن الغنَى غنَى النفس.



وفي الحديثِ الحثُّ على الإنفاقِ في وجوهِ الطاعات، والحضُّ على الاستغناءِ عن الناس، والتعفُّفِ عن سؤالهم بالصبرِ والتوكلِ على الله، وانتظارِ ما يرزقهُ الله[3].



(24)

المفاضلة بين الغني والفقير



عن سهل [بن سعد الساعديِّ قال]:

مرَّ رجلٌ على رسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم فقال: "ما تقولون في هذا

قالوا: حريٌّ إنْ خَطبَ أنْ يُنكَح، وإن شَفَعَ أنْ يُشَفَّع، وإنْ قالَ أن يُستَمَع.

قال: ثم سكتَ، فمرَّ رجلٌ من فقراءِ المسلمين فقال: "ما تقولون في هذا

قالوا: حريٌّ إنْ خطبَ أنْ لا يُنكَح، وإنْ شَفَعَ أنْ لا يُشَفَّع، وإنْ قال أنْ لا يُسْتمَع.

فقال رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: "هذا خيرٌ مِن ملءِ الأرضِ مثلَ هذا".

صحيح البخاري (4803).



أي: هذا الفقيرُ خيرٌ من ملءِ الأرضِ مثلَ هذا الغني.



قال الحافظُ ابنُ حجر: أُطلِقَ تفضيلُ الفقيرِ المذكورِ على الغنيِّ المذكور، ولا يلزمُ من ذلكَ تفضيلُ كلِّ غنيٍّ على كلِّ فقير[4].



(25)

الصبر خير من المال

عن أبي سعيد الخُدريِّ رضيَ الله عنه:

أَنَّ ناسًا من الأنصارِ سألوا رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فأعطاهم، ثم سألوهُ فأعطاهم، حتى إذا نَفِدَ ما عندهُ قال:

"ما يكنْ عندي مِن خيرٍ فلن أدَّخرَهُ عنكم، ومَن يستعفِفْ يُعِفَّهُ اللهُ، ومَن يَستَغنِ يُغنِهِ اللهُ، ومَن يَصبِرْ يُصبِّرْهُ اللهُ، وما أُعطِيَ أحدٌ من عطاءٍ خيرٌ وأوسعُ من الصَّبر".



صحيح البخاري (1400)، صحيح مسلم (1053)، واللفظُ له.



سبقَ شرحُ بعضِ ألفاظِ الحديث، وذكرُ فوائدَ له.

ومن يتصبَّر: أي يعالجْ نفسَهُ على تركِ السؤال، ويصبرْ إلى أن يحصلَ له الرزق.



وقوله "يصبِّرْهُ الله" أي: فإنه يقوِّيه، ويمكِّنه من نفسهِ حتى تنقادَ له ويُذعِنَ لتحمُّلِ الشدَّة، فعند ذلك يكونُ الله معه، فيُظفِرَهُ بمطلوبه.



وإنما جُعِلَ الصبرُ خيرَ العطاء؛ لأنه حبسُ النفسِ عن فعلِ ما تحبُّه، وإلزامُها بفعلِ ما تكرهُ في العاجل، مما لو فعلَهُ أو تركَهُ لتأذَّى به في الآجل[5].



(26)

العمل خير من المذلَّة

عن أبي هريرةَ رضيَ الله عنه، أن رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ قال:

"والذي نَفسي بيده، لأنْ يأخُذَ أحدُكم حَبلَهُ، فيَحتَطِبَ على ظهرِه، خيرٌ له مِن أنْ يأتيَ رجلًا فيَسألَه، أعطاهُ أو مَنعَه".



صحيح البخاري (1401).



يحتطب: يجمعُ الحطَب.

على ظهره: أي حاملاً على ظهره. فيتصدَّقُ منه ويستغني به.

"خيرٌ": أي: ما يَلحقهُ من مشقَّةِ الغدوّ، والاحتطاب، ثم التصدُّق، والاستغناءِ به، خيرٌ من ذُلِّ السؤال[6].



(27)

الصدقة وما يقوم مقامها

عن سعيدِ بنِ أبي بُردة، عن أبيه، عن جدِّه، عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ قال:

"على كلِّ مسلمٍ صدقة".

قيل: أرأيتَ إنْ لم يَجد؟

قال: "يَعتَمِلُ بيديهِ فيَنفَعُ نفسَهُ ويتصدَّق".

قال: قيل: أرأيتَ إنْ لم يستطع؟

قال: "يُعِينُ ذا الحاجةِ الملهوفَ".

قال: قيلَ له: أرأيتَ إنْ لم يستطع؟

قال: "يأمرُ بالمعروفِ أو الخير".

قال: أرأيتَ إنْ لم يفعل؟

قال: "يُمسِكُ عن الشرّ، فإنها صدقة".



صحيح مسلم (1008).



نقلَ السيوطيُّ عن الإمامِ النوويِّ قولَ العلماء: المرادُ صدقةُ نَدبٍ وترغيب، لا إيجابٍ وإلزام[7].

والملهوفُ عند أهلِ اللغةِ يُطلَقُ على المتحسِّر، وعلى المضطرّ، وعلى المظلوم.



"تُمسِكُ عن الشرِّ فإنها صدقة": معناهُ صدقةٌ على نفسه، كما في غيرِ هذه الرواية. والمرادُ أنه إذا أمسكَ عن الشرِّ لله تعالَى، كان له أجرٌ على ذلك، كما أن للمتصدِّقِ بالمالِ أجرًا[8].



(28)

الخير لا يأتي بالشر

عن أبي سعيدٍ الخُدريّ، أن رجلًا سأل:

أوَيأتي الخيرُ بالشرِّ يا رسولَ الله؟

فقال: "إنه لا يأتي الخيرُ بالشرّ".

وبطريقٍ أخرى قولهُ عليه الصلاةُ والسلام: "لا يأتي الخيرُ إلا بالخير" ثلاثًا.



جزءٌ من حديثٍ مع اختصارِ الخبر، رواه الشيخان، البخاري (1396)، ومسلم (1052)، واللفظُ للأخير.



قال الحافظُ ابنُ حجر وهو يربطُ الحديثَ بما قبله: يؤخَذُ منه أن الرزقَ ولو كثرَ فهو من جملةِ الخير، إنما يَعرضُ له الشرُّ بعارضِ البخلِ به عمَّن يستحقُّه، والإسرافِ في إنفاقهِ فيما لم يشرع، وأن كلَّ شيءٍ قضَى الله أن يكونَ خيرًا فلا يكونُ شرًّا، وبالعكس، ولكن يُخشَى على من رُزِقَ الخيرَ أن يَعرضَ له في تصرُّفهِ فيه ما يجلبُ له الشرّ[9].



(29)

الثناء على العمل الحسن

عن أبي ذرٍّ قال:

قيلَ لرسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: أرأيتَ الرجلَ يَعمَلُ العملَ مِن الخيرِ ويَحمَدُهُ الناسُ عليه؟

قال: "تلكَ عاجلُ بُشرَى المؤمن".

صحيح مسلم (2642).



أوردَ فيه الإمامُ النوويُّ قولَ العلماء: معناه: هذه البشرَى المعجَّلةُ له بالخير، وهي دليلٌ على رضاءِ الله تعالَى عنه ومحبَّتهِ له فيحبِّبهُ إلى الخلق... ثم يوضَعُ له القبولُ في الأرض. هذا كلُّهُ إذا حمدَهُ الناسُ من غيرِ تعرُّضٍ منه لحمدهم، وإلا فالتعرُّضُ مذموم.



قلت: يبدو أن مقصودَ الإمامِ النوويِّ هو أن المرءَ لا يذهبُ إلى الناسِ ويطلبُ منهم الثناءَ عليه، لكنَّ أفعالَهُ وأخلاقَهُ ومعاملتَهُ هي التي تجلبُ له هذا الحمدَ والثناء[10].



(30)

ذكرُ الله والتقرب إليه

عن أبي هريرةَ رضيَ الله عنه قال: قال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم:

"يقولُ اللهُ تعالَى: أنا عندَ ظنِّ عبدي بي، وأنا معه إذا ذكَرَني، فإنْ ذكَرَني في نفسِهِ ذكرتهُ في نفسي، وإنْ ذكَرَني في ملأٍ ذكرتهُ في ملأٍ خيرٍ منهم، وإنْ تقرَّبَ إليَّ شبرًا تقرَّبتُ إليه ذراعًا، وإنْ تقرَّبَ إليَّ ذراعًا تقرَّبتُ إليه باعًا، وإنْ أتاني يمشي أتيتهُ هَرولة".



صحيح البخاري (6970)، صحيح مسلم (2675)، واللفظُ للأول.



"أنا عند ظنِّ عبدي بي": المرادُ به الرجاءُ وتأميلُ العفو.

"وإنْ ذكَرَني في ملأٍ ذكرتُه في ملأٍ خيرٍ منهم ": الذاكرون غالبًا يكونون طائفةً لا نبيَّ فيهم، فإذا ذكرَهُ الله تعالَى في خلائقَ من الملائكةِ كانوا خيرًا من تلك الطائفة.

الباع: قدرُ مدِّ اليدين[11].





[1] شرح النووي على صحيح مسلم 12/ 236 مع شيء من الاختصار.




[2] مختصر من شرح النووي على صحيح مسلم 11 / 77.




[3] مستفاد من شرح النووي على صحيح مسلم 7 / 124، 125، وفتح الباري 11 / 304.





[4] فتح الباري 9/ 136.




[5] باختصار من فتح الباري 11 / 304.




[6] تحفة الأحوذي 3/ 288، مع شيء من التصرف.




[7] شرح السيوطي لسنن النسائي 5/ 64.




[8] شرح النووي على صحيح مسلم 3/ 81 باختصار.




[9] فتح الباري 11/ 246.




[10] شرح النووي على صحيح مسلم 16/ 189.




[11] فتح الباري 13/ 514، شرح النووي على صحيح مسلم 17/ 2، 3.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 46.16 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 45.54 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.36%)]