عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 06-07-2020, 10:49 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,655
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير أعظم سورة في القرآن


تفسير أعظم سورة في القرآن

محمد بن علي بن جميل المطري

هدايات وفوائد مهمة في سورة الفاتحة:


(1) فضل ذكر اسم الله، والابتداء باسمه في الأمور المهمة كالقراءة والكتابة والأكل والشرب ونحو ذلك، فإذا ذُكِر اسم الله في شيء وضع الله فيه بركته، وقد أخبر الله عن نبيه نوح عليه الصلاة والسلام أنه قال لأصحاب السفينة: ï´؟ وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا ï´¾ [هود: 41].

(2) الله هو الرحمن الرحيم، وقد بدأ سورة الفاتحة بهذين الاسمين الكريمين، وكررهما في هذه السورة للتأكيد على سعة رحمته، ودين الله هو دين الرحمة، فإذا علم المسلم سعة رحمة الله رجاه، ولم يقنط من رحمته، وتاب إلى الله من ذنوبه مهما عظمت وكثرت، قال الله تعالى: ï´؟ قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ï´¾ [الزمر: 53]، والله يحب الرحماء من عباده، وأخبر أن رحمته قريب من المحسنين الذين يرحمون عباده، قال تعالى: ï´؟ إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ï´¾ [الأعراف: 56]، وفي الحديث الصحيح الذي رواه الترمذي (1924) وأبو داود (4941) عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء))، فمن أعظم الأخلاق التي يأمر بها الإسلام: الرحمة بالخلق، وعلى الدعاة إلى الله أن يكونوا رحماء بالناس، وأن يكونوا ميسِّرين لا معسِّرين، ومبشِّرين لا منفِّرين، وعليهم أن يستغفروا للمذنبين، مع نصحهم بالحكمة والكلمة اللينة الطيبة، ووعظهم بالموعظة الحسنة، وهكذا كان نبي الرحمة محمد صلى الله عليه وسلم، الذي أرسله الله رحمة للعالمين، كما قال سبحانه: ï´؟ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ ï´¾ [آل عمران: 159]، وقال عز وجل: ï´؟ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ï´¾ [النحل: 125].

(3) إذا علم المسلم استحقاق الله لجميع المحامد، واستحقاقه الشكر على نعمه التي ربى بها جميع خلقه، فإنه يمتلئ قلبه من محبة الله، كما قال الله عن عباده المؤمنين: ï´؟ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ ï´¾ [البقرة: 165]، ومن أحب الله اجتهد في عبادته، وحرص على طلب رضاه.

(4) إذا تذكر المسلم أن الله هو مالك يوم القيامة، وأنه يبعث عباده للحساب والجزاء، خاف ذلك المقام العظيم، فترك المعاصي والآثام، قال الله تعالى: ï´؟ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ï´¾ [النازعات: 40، 41]، وتقدَّم أن تذكر المسلم سعة رحمة الله تجعله يرجو رحمته الواسعة، ويجب على المسلم أن يجمع في قلبه بين رجاء رحمة الله والخوف من عذابه، كما قال تعالى: ï´؟ وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا ï´¾ [الأعراف: 56]، وقال سبحانه: ï´؟ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ï´¾ [الأنبياء: 90].

(5) حث المسلم على الاستعداد ليوم الحساب بالأعمال الصالحة، والصبر على البلاء في الدنيا الفانية، والرغبة في الآخرة الباقية، فالدنيا أمد، والآخرة أبد، قال الله تعالى: ï´؟ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ ï´¾ [الحشر: 18 - 20].

(6) في قوله تعالى: ï´؟ إِيَّاكَ نَعْبُدُ ï´¾ براءة من الشرك والرياء، فيعاهد العبد ربه أنه يعبده وحده، وأنه لا يشرك به شيئا، وفي قوله: ï´؟ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ï´¾ براءة من الكِبْر والعُجْب، فيتذكر العبد أن أي فضيلة فيه دينية أو دنيوية فهي من فضل الله عليه، وهو الذي أنعم بها عليه وأدامها، فلماذا يتكبر ويفخر بها على غيره؟ ولماذا يعجب بها وهي من فضل الله عليه، ولو شاء لسلبه إياها؟ فيتواضع العبد حين يتذكر أن الله هو الذي أنعم عليه النعم التي لا تعد ولا تحصى، وأعانه على تحصيل الفضائل، فلا يتكبر على عباده، ويشكر ربه على نعمه.

(7) تقديم العبادة على الاستعانة في قوله تعالى: ï´؟ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ï´¾ لأن العبادة هي الغاية من خلق الخلق، كما قال تعالى: ï´؟ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ï´¾ [الذاريات: 56]، والاستعانة هي الوسيلة، فقُدِّمت الغاية على الوسيلة، فيجب على المسلم أن يجعل عبادة الله همه وغايته، ويستعين بالله على تحقيقها.

(8) علَّمنا الله أن نقول: ï´؟ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ï´¾، ولم: يقل: إياك أعبد وإياك أستعين، وهذا يدل على أهمية الاجتماع في العبادات التي يشرع الاجتماع فيها كالصلاة، كما قال تعالى: ï´؟ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ ï´¾ [البقرة: 43]، فيصلي المسلم الفريضة في المسجد مع جماعة المسلمين، وفي الآية حث للمسلمين على التعاون على البر والتقوى فيما ينفعهم في أمور دينهم ودنياهم.

(9) قوله: ï´؟ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ï´¾ هذا أعظم دعاء على الإطلاق، فالمسلم يحتاج أن يهديه الله لمعرفة الحق في أمور دينه، ومعرفة الصواب في أمور دنياه، وما يجهله العبد أكثر مما يعلمه، كما قال تعالى: ï´؟ وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ï´¾ [الإسراء: 85]، ويحتاج العبد أن يوفقه الله لأحسن الأعمال والأخلاق في جميع أموره وأحواله، وإذا علم العبد الحق يحتاج أن يوفقه الله للعمل به، وإذا عمل به يحتاج أن يوفقه الله للثبات عليه، فحاجة المسلم إلى هذا الدعاء فوق كل حاجة؛ ولذلك أوجب الله على المسلم أن يدعو ربه بهذا الدعاء في كل ركعة في صلاته.

(10) القرآن كتاب هداية، فمن أراد الهداية إلى الصراط المستقيم فليتدبر القرآن ويتبعه، فهو يهدي للخصلة التي هي أحسن الخصال في جميع الأمور، وفي جميع الأحوال، كما قال تعالى: ï´؟ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ï´¾ [الإسراء: 9]، وتأمل قول الله في أول سورة البقرة التي تلي سورة الفاتحة: ï´؟ ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ï´¾ [البقرة: 2]، فكأن الله يقول: يا من يريد الهداية إلى الصراط المستقيم تدبر هذا القرآن العظيم واتبعه، فهو يهدي المتقين، ويبين لهم كل ما يحتاجون إلى بيانه، كما قال الله تعالى: ï´؟ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ï´¾ [النحل: 89]، وقال سبحانه: ï´؟ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ï´¾ [البقرة: 38]، وقال عز وجل: ï´؟ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا* قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى ï´¾ [طه: 123 - 126].

(11) الصراط المستقيم طريق قديم، سلكه جميع الصالحين من قبلنا، وليس طريقا جديدا محدثا، ففي هذه الآية إبطال لجميع البدع التي لم تكن من منهج الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، قال الله لنبيه محمد عليه الصلاة والسلام بعد أن ذكر الأنبياء السابقين: ï´؟ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ï´¾ [الأنعام: 90]، وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه، فهو رد)) رواه البخاري (2697) ومسلم (1718)، أي: من أحدث شيئًا في الدين فهو باطل غير معتدٍّ به، وهذا الحديث صريح في رد كل البدع، وفي الحديث الصحيح الذي رواه أبو داود (4607) عن العرباض بن سارية رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة)).

(12) هذه الآية: ï´؟ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ï´¾ قسَّمت جميع الناس إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: من علم الحق وعمل به، القسم الثاني: من علم الحق ولم يعمل به، القسم الثالث: من جهل الحق، وعمل بالباطل على جهل، وهو يحسب أنه يحسن صنعا. ففي جميع الأمور ينقسم الناس إلى هذه الثلاثة الأقسام، في الواجبات، وفي المحرمات، وفي الفتن والخلافات المالية والأسرية والسياسية، فمن الناس من يعلم الحق ويعمل به، ومنهم من يعلم الحق ولا يعمل به، اتباعا لهواه، أو طلبا لدنيا زائلة، ومن الناس من يضل عن الحق جهلا، وهو يحسب أنه يحسن صنعا، وهذا التقسيم في جميع الأمور والأحوال، فمثلا: من الناس من يعلم أن الصلوات الخمس واجبة عليه، فهو يحافظ عليها في أوقاتها، فهذا علم الحق في هذا الأمر وعمل به، ومن الناس من يعلم أن الصلوات الخمس واجبة عليه، لكنه يتهاون بها، ويترك بعض الصلوات مع علمه بإثمه العظيم، فهذا تَشبَّه باليهود الذين يعلمون الحق ولا يعملون به، ويُخشى عليه غضب الله إن لم يتب إلى الله، ومن الناس من لا يعلم أن الصلوات الخمس واجبة عليه، ولا يعلم أنها عمود الدين، ولا يعلم أنه يأثم أعظم الإثم بترك صلاة واحدة، فأضاع الصلاة، واتبع الشهوات، ولا يصلي إلا صلاة الجمعة أو بعض الصلوات بحسب رغبته، فهذا ضال. ومثال آخر: من الناس من يعلم أن التعامل بالربا محرم، فهو يترك التعامل بالربا؛ لعلمه بأن الله حرمه، وأن الله لا يحرم شيئا إلا لضرره في العاجل والآجل، فهذا من المهتدين في هذا الأمر، ومن الناس من يعلم أن الربا محرم لكنه يتعامل بالربا، مع علمه بأنه من كبائر الذنوب، ومع علمه بأن آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهده ملعونون، ومع هذا يتعامل بالربا طمعا في ربحٍ فانٍ أو رغبة في مصلحة زائلة، فهذا فيه شبه باليهود المغضوب عليهم، ومن الناس من يجهل أن الربا محرم، فهو يتعامل به أو يقع في بعض المعاملات الربوية التي لا يعلم أنها من الربا، ولا يسأل أهل العلم عن حكمها، فهذا ضال. وهكذا في جميع الواجبات وفي جميع المحرمات ينقسم الناس إلى هذه الأقسام الثلاثة، فعلى المسلم أن يحرص على سؤال الله الهداية في جميع أموره، وأن يدعو الله دعاء الغريق أن يهديه إلى الحق في جميع أحواله، ï´؟ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ï´¾ [البقرة: 213].

(13) على المسلم أن يتعلم دينه، وأن يسأل الفقهاء عن الحلال والحرام حتى لا يكون من الضالين، وعليه أن يعمل بالحق الذي تعلمه حتى لا يكون من المغضوب عليهم.

(14) الحذر من طاعة اليهود والنصارى، ومن التشبه بهم فيما هو من خصائصهم، والحرص على مخالفتهم في أمورهم، قال الله تعالى: ï´؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ ï´¾ [آل عمران: 100]، وقال سبحانه: ï´؟ وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ï´¾ [البقرة: 120]، وقال عز وجل: ï´؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ï´¾ [المائدة: 51]، وروى البخاري (3456) ومسلم (2669) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لتتبعن سَنَن الذين من قبلكم، شبرا بشبر، وذراعا بذراع، حتى لو دخلوا في جُحر ضَبٍّ لاتبعتموهم!)) قلنا: يا رسول الله: اليهود والنصارى؟! قال: ((فمَن؟)). وقد دل هذا الحديث على أن طوائف من شرار هذه الأمة سيتبعون طرق المغضوب عليهم والضالين، فلا يقع اليهود والنصارى في شيء من الضلالات إلا ومن هذه الأمة من يقع فيما وقعوا فيه، فحذرنا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من اتباع سبل أولئك الذين تركوا الحق عمدا لفساد نياتهم أو تركوا الحق جهلاً لفساد علمهم، فما من انحراف في هذه الأمة إلا وأصله يرجع إلى تَشَبُّهٍ باليهود المغضوب عليهم أو تَشَبُّهٍ بالنصارى الضالين؛ ولذلك شرع الله للمسلم أن يسأله دائما الهداية إلى الاستقامة التي لا يهودية فيها ولا نصرانية، فأي مخالفة للحق من هذه الأمة فهي ترجع إلى شُعبةٍ من شُعَب اليهود أو شُعبةٍ من شُعَب النصارى، فمثلاً عدم تعظيم الله ورسله، وكتمان الحق، وخلط الحق بالباطل، والحسد، وعقوق الوالدين، والتهاون بالصلاة، ومنع الزكاة، وأكل الربا، وأكل أموال الناس بالباطل، وظلم الناس، والقتل بغير الحق، والإعراض عن الحكم بما أنزل الله، والإيمان ببعض الكتاب دون بعض؛ كلها من صفات اليهود كما بيَّن الله ذلك في كتابه، والجهل بالعقيدة الصحيحة، والابتداع في الدين ابتغاء رضوان الله بما لم يدل عليه دليل، والغلو في الصالحين؛ كلها من صفات النصارى كما بيَّن الله ذلك في كتابه.

(15) سورة الفاتحة هي أم القرآن وأساسه، فإليها ترجع جميع معاني آيات القرآن الكريم، وكل آيات القرآن تُفصِّل معنى ما أجملته الفاتحة، وبيان ذلك فيما يلي:
♦ الآيات التي فيها بيان عظمة الله، والتعريف بأسمائه الحسنى، كلها تبيين وتفصيل لمعنى قوله تعالى: ï´؟ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ï´¾ [الفاتحة: 1].

♦ الآيات التي فيها حمد الله وشكره، وبيان كثرة نعمه على عباده، وربوبيته لجميع خلقه من الإنس والجن والملائكة وجميع الدواب والجمادات، كلها تبيين وتفصيل لمعنى قوله: ï´؟ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ï´¾ [الفاتحة: 2].

♦ الآيات التي فيها رحمة الله العامة بخلقه، ورحمته الخاصة بعباده الصالحين، كلها تبيين وتفصيل لمعنى قوله تعالى: ï´؟ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ï´¾ [الفاتحة: 3].

♦ الآيات التي فيها إثبات البعث بعد الموت، وذكر القيامة والحساب والجزاء والجنة والنار، كلها تبيين وتفصيل لمعنى قوله تعالى: ï´؟ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ï´¾ [الفاتحة: 4].

♦ الآيات التي فيها الأمر بعبادة الله وحده، والتحذير من الشرك به، والآيات التي فيها بيان العبادات المتنوعة من صلاة وصوم وزكاة وصدقة وحج وعمرة وجهاد وصبر وشكر وذكر لله ودعاء واستعاذة وتوكل وغير ذلك من العبادات الظاهرة والباطنة، كلها تبيين وتفصيل لمعنى قوله تعالى: ï´؟ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ï´¾ [الفاتحة: 5]، وكذلك الآيات التي فيها الحث على الاجتماع، وترك التفرق والاختلاف، والأمر بالتعاون على البر والتقوى، كلها تدخل في معنى هذه الآية.

♦ الآيات التي فيها بيان الاعتقاد الصحيح والعمل الصالح والأخلاق الفاضلة، وتوضيح الإسلام وأحكامه وشرائعه، والأمر بالتوسط بلا إفراط ولا تفريط، والنهي عن الغلو والتكلف، كلها تبيين وتفصيل لمعنى قوله تعالى: ï´؟ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ï´¾ [الفاتحة: 6].

♦ الآيات التي فيها الإخبار عن النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وذكر قصصهم، كلها تبيين وتفصيل لمعنى قوله تعالى: ï´؟ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ï´¾ [الفاتحة: 7]؛ لنقتدي بهم في دعوتهم وصبرهم وأخلاقهم وعبادتهم لله ودعائهم.

♦ الآيات التي فيها الإخبار عن الكفار والمشركين، وبيان صفات اليهود والنصارى والمنافقين، والمعرضين عن كتاب الله وتحكيمه، والغافلين عن عبادة الله وطاعته، كلها تبيين وتفصيل لمعنى قوله تعالى: ï´؟ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ï´¾ [الفاتحة: 7]؛ لنحذر من الاتصاف بصفاتهم.

فما أعظم سورة الفاتحة التي هي أفضل سورة في القرآن، فنسأل الله أن يبارك لنا فيها، وأن يهدينا إلى الاعتصام بالقرآن فنتلوه حق تلاوته، ونتدبره ونعمل به ونتحاكم إليه، ونسأل الله برحمته أن يهدينا بالقرآن إلى صراطه المستقيم، وأن يجنبنا طريق المغضوب عليهم والضالين، آمين، والحمد لله رب العالمين.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 29.97 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 29.35 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.09%)]