• حكم تخطِّي الصفوف:
يُكرَه تخطِّي الناس يوم الجمعة بدون عذر.
روى البخاري عن سلمان الفارسي قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يغتسل رجلٌ يوم الجمعة ويتطهر ما استطاع من طُهرٍ، ويدَّهن من دُهنه، أو يمَس من طِيب بيته، ثم يخرج فلا يفرِّق بين اثنين، ثم يصلي ما كُتب له، ثم يُنصت إذا تكلم الإمام - إلا غُفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى))؛ (البخاري حديث 91).
وروى أبو داود عن عبدالله بن بُسرٍ: جاء رجلٌ يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطُبُ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((اجلِسْ؛ فقد آذَيْتَ))؛ (حديث صحيح؛ صحيح أبي داود للألباني حديث 989).
• ويستثنى من ذلك الإمام، أو مَن كان بين يديه فرجة لا يصل إليها إلا بالتخطي، أو من قام من مجلسه لضرورة.
روى البخاري عن عقبة بن الحارث قال: صليت وراء النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة العصرَ، فسلَّم، ثم قام مسرعًا، فتخطى رقاب الناس إلى بعض حُجَر نسائه، ففزع الناس من سرعته، فخرج عليهم فرأى أنهم عجبوا من سرعته، فقال: ((ذكرتُ شيئًا مِن تِبْرٍ عندنا، فكرهت أن يحبِسَني، فأمرت بقسمته))؛ (البخاري حديث 851).
روى مسلم عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا قام أحدكم - وفي حديث أبي عوانة: من قام - من مجلسه ثم رجع إليه، فهو أحقُّ به))؛ (مسلم حديث 2179).
• هل الجمعة لها سنة راتبة قَبْلية؟
أخي المسلم الكريم، ليس للجمعة سنةٌ راتبةٌ قبلها؛ لأن ذلك لم يثبت في حديث صحيح عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ولا عن خلفائه الراشدين، ولأن صلاة الجمعة لها أحكام خاصة بها تختلف عن صلاة الظهر، وهذا قول جمهور العلماء.
وسوف أذكر فتاوى بعض أهل العلم في هذه المسألة الهامة:
(1) الإمام الشافعي:
قال الإمام الشافعي (رحمه الله تعالى): أحب أن يكون الأذان يوم الجمعة حين يدخل الإمام المسجد ويجلس على موضعه الذي يخطب عليه، خشب أو جريد أو منبر أو شيء مرفوع له، أو الأرض، فإذا فعل، أخذ المؤذن في الأذان، فإذا فرغ، قام فخطب، لا يزيد عليه؛ (الأم للإمام الشافعي جـ 1 صـ 195).
(2) شيخ الإسلام ابن تيمية:
قال ابن تيمية (رحمه الله تعالى): إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يصلي قبل الجمعة بعد الأذان شيئًا، ولا نقَل هذا عنه أحدٌ؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يؤذَّن على عهده إلا إذا قعد على المنبر، ويؤذن بلالٌ، ثم يخطب النبي صلى الله عليه وسلم الخطبتين، ثم يقيم بلالٌ، فيصلي النبي صلى الله عليه وسلم بالناس، فما كان يمكن أن يصلي بعد الأذان لا هو ولا أحدٌ من المسلمين الذين يصلُّون معه صلى الله عليه وسلم، ولا نقَل عنه أحدٌ أنه صلى في بيته قبل الخروج يوم الجمعة، ولا وقَّت بقوله: صلاةٌ مقدرةٌ قبل الجمعة، بل ألفاظه صلى الله عليه وسلم فيها الترغيب في الصلاة إذا قدم الرجل المسجد يوم الجمعة من غير توقيتٍ؛ كقوله: ((مَن بكَّر وابتكر، ومشى ولم يركَب، وصلَّى ما كُتب له)).
وهذا هو المأثور عن الصحابة، كانوا إذا أتَوا المسجد يوم الجمعة يصلُّون من حين يدخلون ما تيسَّر؛ فمنهم من يصلي عشر ركعاتٍ، ومنهم من يصلي اثنتي عشرة ركعةً، ومنهم من يصلي ثمانَ ركعاتٍ، ومنهم من يصلي أقل من ذلك.
ولهذا كان جماهير الأئمة متفقين على أنه ليس قبل الجمعة سنةٌ مؤقتةٌ بوقت، مقدرةٌ بعدد؛ لأن ذلك إنما يثبُتُ بقول النبي صلى الله عليه وسلم أو فعله، وهو لم يسُنَّ في ذلك شيئًا، لا بقوله ولا فعله، وهذا مذهب مالكٍ، ومذهب الشافعي، وأكثر أصحابه، وهو المشهور في مذهب أحمد؛ (فتاوى ابن تيمية جـ 24 صـ: 189:188).
(3) الإمام ابن القيم:
قال الإمام ابن القيم (رحمه الله تعالى): كان بلالٌ إذا فرغ من أذان الجمعة أخذ النبي صلى الله عليه وسلم في الخطبة، ولم يقُمْ أحدٌ يركع ركعتين البتة، ولم يكن الأذان إلا واحدًا، وهذا يدل على أن الجمعة كالعيد، لا سنَّة لها قبلها، وهذا أصح قولي العلماء، وعليه تدل السنَّة؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج من بيته، فإذا رقي المنبرَ أخذ بلالٌ في أذان الجمعة، فإذا أكمله أخذ النبي صلى الله عليه وسلم في الخطبة من غير فصلٍ، وهذا كان رأيَ عينٍ، فمتى كانوا يصلون السنَّة؟ ومن ظن أنهم كانوا إذا فرغ بلالٌ رضي الله عنه من الأذان قاموا كلهم فركعوا ركعتين، فهو أجهل الناس بالسنَّة، وهذا الذي ذكرناه - مِن أنه لا سنَّة قبلها - هو مذهب مالكٍ، وأحمد في المشهور عنه، وأحد الوجهين لأصحاب الشافعي، والذين قالوا: إن لها سنةً، منهم من احتج أنها ظُهرٌ مقصورةٌ، فيثبت لها أحكام الظهر، وهذه حجةٌ ضعيفةٌ جدًّا؛ فإن الجمعة صلاةٌ مستقلةٌ بنفسها، تخالف الظهر في الجهر، والعدد، والخطبة، والشروط المعتبرة لها، وتوافقها في الوقت، ومنهم من أثبت السنَّة القبلية للجمعة بالقياس على الظُّهر، وهو أيضًا قياسٌ فاسدٌ؛ فإن السنة ما كان ثابتًا عن النبي صلى الله عليه وسلم من قولٍ أو فعلٍ، أو سنة خلفائه الراشدين، وليس في مسألتنا شيءٌ من ذلك، ولا يجوز إثبات السنن في مثل هذا بالقياس، ومنهم من احتج بما ذكره البخاري في (صحيحه) فقال: باب الصلاة قبل الجمعة وبعدها، ثم روى البخاري عن عبدالله بن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي قبل الظهر ركعتين، وبعدها ركعتين، وبعد المغرب ركعتين في بيته، وبعد العِشاء ركعتين، وكان لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف، فيصلي ركعتين؛ (البخاري حديث:937).
وهذا الحديث لا حجة فيه، ولم يُرِد به البخاري إثبات السنَّة قبل الجمعة، وإنما مراده أنه: هل ورد في الصلاة قبلها أو بعدها شيءٌ؟ ثم ذكر هذا الحديث؛ أي: إنه لم يرو عنه فعل السنة إلا بعدها، ولم يرد قبلها شيءٌ، وهذا نظيرُ ما فعل في كتاب العيدين؛ فإنه قال: باب الصلاة قبل العيد وبعدها، وقال أبو المعلى: سمعت سعيدًا عن ابن عباسٍ: أنه كره الصلاة قبل العيد، ثم ذكر حديث سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عباسٍ: أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوم الفطر فصلى ركعتين لم يصلِّ قبلهما ولا بعدهما، ومعه بلالٌ..؛ الحديث، وذكر للعيد حديثًا دالًّا على أنه لا تشرع الصلاة قبلها ولا بعدها، فدل على أن مراده من الجمعة كذلك، وقد ظن بعضهم أن الجمعة لما كانت بدلًا عن الظهر، دلَّ على أن الجمعة كذلك، وإنما قال: وكان لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف؛ بيانًا لموضع صلاة السنة بعد الجمعة، وأنه بعد الانصراف، وهذا الظن غلطٌ منه؛ لأن البخاري قد ذكر في باب التطوع بعد المكتوبة حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: صليتُ مع النبي صلى الله عليه وسلم سجدتين قبل الظهر، وسجدتين بعد الظهر، وسجدتين بعد المغرب، وسجدتين بعد العِشاء، وسجدتين بعد الجمعة، فأما المغرب والعِشاء ففي بيته؛ (البخاري حديث:1172).
فهذا صريحٌ في أن الجمعة عند الصحابة صلاةٌ مستقلةٌ بنفسها غير الظهر، وإلا لم يحتَجْ إلى ذكرها؛ لدخولها تحت اسم الظهر، فلما لم يذكر لها سنةً إلا بعدها، عُلِم أنه لا سنَّة لها قبلها، وأما بالنسبة لما رواه مسلمٌ عن جابر بن عبدالله قال: جاء سليكٌ الغطفاني يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب فجلس، فقال له: ((يا سليك، قُمْ فاركع ركعتين وتجوَّز فيهما))، ثم قال: ((إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب، فليركع ركعتينِ، وليتجوَّزْ فيهما))؛ (مسلم ـ كتاب الجمعة ـ حديث: 59) - فإن النبيَّ صلى الله عليه وسلم لم يأمر بهاتين الركعتين إلا الداخلَ؛ لأجل أنها تحيةُ المسجد، ولو كانت سنةَ الجمعة لأمر بها القاعدين أيضًا، ولم يخصَّ بها الداخل وحده؛ (زاد المعاد لابن القيم جـ 1 صـ 431: 435).
• أذان الجمعة:
أذان يوم الجمعة يكون بعد صعود الإمام على المنبر.
روى البخاري عن السائب بن يزيد قال: كان النداء يوم الجمعة أوله إذا جلس الإمام على المنبر على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكرٍ وعمر رضي الله عنهما، فلما كان عثمان رضي الله عنه، وكثر الناس، زاد النداءَ الثالثَ على الزَّوْراء؛ (البخاري حديث 912).
وروى النسائي عن السائب بن يزيد قال: كان بلالٌ يؤذِّن إذا جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر يوم الجمعة، فإذا نزل أقام، ثم كان كذلك في زمن أبي بكرٍ وعمر رضي الله عنهما؛ (حديث صحيح؛ صحيح النسائي للألباني، حديث 1321).
• ما يلزم نداء الجمعة:
إذا صَعِدَ الإمام على المنبر، وأذَّن المؤذن، يحرُمُ البيع والشراء، وكل ما هو من نوعه؛ من العقود، وواجب أيضًا السعي إلى المسـاجد، وهذان الأمران يختصان بالمخاطَبين بصلاة الجمعة؛ وذلـك لقوله تعالى: ï´؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ï´¾ [الجمعة: 9].
وأما غيرهم من النساء والصِّبيان والعبيد والمسافرين، فلا يثبت في حقهم ذلك، وأما إذا كان أحد المتبايِعَيْنِ مخاطبًا بصلاة الجمعة والآخر غير مخاطب بها، حرُمُ في حق المخاطَب، وكُرِه في حق غيره؛ لما في ذلك من الإعانة على الإثم، ويحتمل أن يحـرم؛ لقوله تعالى: ï´؟ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ï´¾ [المائدة: 2]، وتعليق النهي عن البيع مرتبط بنداء الجمعة، ولو كان قبل الزوال، ومن كان بيته بعيدًا، لزمه السعي قبل الأذان بوقت يستطيع به أن يدرك الجمعة؛ (المغني لابن قدامة جـ 3 صـ 163)، (روضة الطالبين للنووي جـ 2 صـ 47).
• شروط صحة صلاة الجمعة:
إن لصلاة الجمعة شروطًا أربعة لا تصح إلا بها، وهي:
(1)الوقت، (2) الاستيطان، (3) العدد، (4) الخطبتان؛ (الشرح الكبير مع المغني جـ 3 صـ 33).
وسوف نتحدث عن شروط صحة الجمعة بإيجاز:
• أولًا: الوقت:
وقت الجمعة هو وقت صلاة الظهر؛ (المغني لابن قدامة جـ 3 صـ 159)، (بداية المجتهد لابن رشد جـ 1 صـ 226).
روى البخاري عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الجمعة حين تميلُ الشمس؛ (البخاري حديث 9، 4).
وروى الشيخان عن سلمة بن الأكوع عن أبيه قال: كنا نجمِّعُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا زالت الشمس، ثم نرجع نتتبع الفَيْءَ؛ (أي الظِّلَّ)؛ (مسلم جـ 2 حديث 86).
• قال ابن قدامة: اتفق علماء الأمة على أن ما بعد الزوال (أي وقت الظهيرة) وقت الجمعة، (المغني جـ 3 صـ 16).
• ثانيًا: الاستيطان:
المقصود بالاستيطان هو الإقامة في قرية أو مدينة؛ ولذا فإن صلاة الجمعة ليست واجبةً على المسافر؛ (المغني جـ 3 صـ 2، 6).
قد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم، والخلفاء مِن بعده، كانوا يسافرون فلا يصلون الجمعة، ويظهر ذلك جليًّا: أن النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع قد جاء يوم عرفات يوم جمعة، فجمع النبي صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر جمعَ تقديم، ولم يصلِّ الجمعة؛ (مسلم حديث 1218).
• ثالثًا: العدد الذي تنعقد به الجمعة:
تنعقد صلاة الجمعة باثنين مع الخطيب.
• قال شيخ الإسلام ابن تيمية: تنعقد الجمعة بثلاثة: واحد يـخطب، واثنان يستمعان، وهو إحدى الروايات عن أحمد، وقول طائفة من العلماء؛ (الفتاوى الكبرى جـ 5، الاختيارات العلمية صـ 355).
روى أبو داود عن أبي الدرداء قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما مِن ثلاثةٍ في قريةٍ ولا بدوٍ لا تقام فيهم الصلاة إلا قد استحوذ عليهم الشيطان، فعليك بالجماعةِ؛ فإنما يأكل الذئبُ القاصيةَ))؛ (حديث حسن؛ صحيح أبي داود حديث 511).
• قال ابن عثيمين: الصلاة عامة تشمل الجمعة وغيرها، فإن كانوا ثلاثة في قرية لا تقام فيهم الصلاة، فإن الشيطان قد استحوذ عليهم، وهذا يدل على وجوب صلاة الجمعة على الثلاثة، ثم قال: لا بد من جماعة تستمع، وأقلها اثنان، والخطيب هو الثالث، وحديث أبي الدرداء يؤيد ذلك؛ (شرح زاد المستقنع جـ 5 صـ 51: 53).
يتبع