وسيجزي الله الشاكرين.. قرن الله جل جلاله بموته صلى الله عليه وسلم الشكر دون الصبر
أ. د. فهمي أحمد عبدالرحمن القزاز
الحمدُ لله، وأفضل الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وبعد:
قد تقصر أحيانًا العبارات، وتُصم الإشارات، ولم يبق إلا أحوال مستشعرات، تُنبيك عن مشاعرَ ثائرات؛ أن يُفقَد الحبيب فلا يَملأ الفراغَ صديقٌ ولا قريب، مَن كان حياته رحمات فموته أكبر المصيبات، ومن سبقه أمانًا لذي العاهات فحريٌّ بالسابق أناس الغربات، من هنا كان في الموت عزاء وفي الذهاب بلاء، لكنْ في البِدَار إعفاء، كذا قضى القضاء، فما أعظمه من رسول رحمة في القضاء والبقاء!
ما أصعبَ الامتحانَ على الشعور؛ أن تقضيَ نفسُ الحبيب وتهجر الأوطان؛ كيف للعين أن ترى العيان؟ بعد ذاك المحيا والتباشير الحسان، بعد تبسُّمٍ يورِث الخائفَ الأمل، ويمنح الحزين الجذَل، كيف لآذانٍ أن تسمع - بعد حُلو المنطق ونغماته، من إيجاز وإطناب أعجَز هُواته - مزاميرَ داود في أصواته، وترانيمَ الجمال في نبراته؟!
مضَت كفٌّ وضعَت بين صدر الشباب؛ ليعود من الخنا إلى مَتاب، وأخرى بين ثديَيْ مرتاب؛ ليجد البرد واليقين فلا ارتياب، وأخرى تُواسي الحزين بمُصاب، فيكون أبًا وحبيبًا بل الآباء والأحباب، أم من يعزي الحجَر؟ فقد سلامَه والشجر، ورده الرخيم المنتظَر: وعليك السلام كما البشر.
أيا جذعُ؛ أبيتَ الصمت لبعد ساعة وموقف الخطاب، أيا جذع؛ عُزِّيت بيد ووعد غير كذاب، أيا جذع؛ ماذا يقول المسكينُ منهم وقد وارى بيده التراب؟ أينفجر صراخًا فقد نُهي عن الانتحاب! أم يمضي صامتًا؟ لعَمرك قد أحرق الجوى من نار ولهاب، ولكن لأجله، من أجله، وفي أجَله أبكي وأفرح وأحزن وأشكر بمصاب وليس فوقه مصاب.
ليس بِدعًا من القول: إن الموت مصيبة؛ قال تعالى: ﴿ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ ﴾ [المائدة: 106]، وأخبرنا عن ثواب الصبر عندها، فقال: ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 155 - 157].
ومِن أعظم مصائب الموت موتُ الحبيب الشفيع سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فعن عائشة رضي الله عنها: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم أقبَل على الناس، فقال: ((يا أيها الناس، مَن أُصيب منكم بمصيبةٍ من بعدي فليتَعزَّ بمصيبته بي عن مصيبته التي تصيبه؛ فإنه لن يُصاب أحدٌ من أمتي بعدي بمثل مصيبته بي))[1].
وفي رواية: ((إذا أصاب أحدَكم مصيبةٌ فليَذكُر مصيبته بي؛ فإنها من أعظم المصائب))[2]، وفي رواية: ((إذا أصابَت أحدَكم مصيبة فليذكر مصابه بي، وليُعزِّه ذلك من مصيبته بي))[3].
قال ابن عبدالبر: ونعم العزاءُ فيه لأمته صلى الله عليه وسلم، فما أصيب المسلمون بعدَه بمثل المصيبة به، وفيه العزاء والسلوى، وأي مصيبة أعظمُ من مصيبةِ مَن انقطع بموته وحيُ السماء، ومَن لا عِوَض منه رحمة للمؤمنين وقضاءً على الكافرين والمنافقين ونهجًا للدين؟! ولأبي العتاهية شعرٌ يقول[4]:
وإذا ذكَرتَ محمدًا ومُصابَه ♦♦♦ فاجعَل مصابَك بالنبيِّ محمدِ
وله أيضًا:
لكلِّ أخي ثُكلٍ عزاءٌ وأُسوةٌ ♦♦♦ إذا كان مِن أهل التُّقى في محمدِ
وعن أنسٍ قال: "لَمَّا ثقُل النبيُّ صلى الله عليه وسلم جعل يتغشَّاه، فقالت فاطمةُ عليها السلام: واكرب أباه! فقال لها: ((ليس على أبيك كربٌ بعد اليوم))، فلما مات قالت: يا أبتاه؛ أجاب ربًّا دعاه، يا أبتاه؛ مَن جنَّةُ الفردوس مأواه، يا أبتاه؛ إلى جبريل ننعاه! فلما دُفن قالت فاطمةُ عليها السلام: يا أنسُ؛ أطابت أنفُسُكم أن تَحْثُوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم التُّراب؟!"[5].
قال ابن حجر: وأشارت عليها السلام بذلك إلى عتابهم على إقدامهم على ذلك؛ لأنه يدل على خلاف ما عرَفَته منهم من رقة قلوبهم عليه؛ لشدة محبتهم له، وسكَت أنس عن جوابها رعايةً لها، ولسانُ حاله يقول: لم تطب أنفسنا بذلك، إلا أنا قهَرناها على فعله؛ امتثالًا لأمره[6].
يقول سيدنا أنس: "لما كان اليوم الذي قدم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينةَ أضاء منها كلُّ شيء، فلما كان اليوم الذي مات فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم أظلم منها كل شيء"، قال: "وما نفَضْنا أيديَنا من تراب قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أنكَرْنا قلوبَنا"[7]!
ومع ذلك عندما حدثنا القرآن عن موته صلى الله عليه وسلم أمرَنا أن نشكر، لا أن نصبر فحَسْب؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ﴾ [آل عمران: 144]، فلم يقل: وسيَجزي الله الصابرين، وإنما قال: ﴿ الشَّاكِرِينَ ﴾.
قال الزمخشري (538هـ): وسمَّاهم شاكرين؛ لأنهم شكَروا نعمة الإسلام فيما فعلوا؛ المعنى: أن موت الأنفس محال أن يكون إلا بمشيئة الله، فأخرَجه مخرج فعلٍ لا ينبغي لأحد أن يُقدِم عليه إلا أن يأذن الله له فيه تمثيلًا، ولأن ملَك الموت هو الموكل بذلك، فليس له أن يقبض نفسًا إلا بإذنٍ من الله، وهو على معنيين: أحدهما: تحريضهم على الجهاد وتشجيعهم على لقاء العدو؛ بإعلامهم أن الحذر لا ينفع، وأن أحدًا لا يموت قبل بلوغ أجله وإن خاض المهالك واقتحم المعارك، والثاني: ذِكر ما صنع اللهُ برسوله عند غلبة العدو والتفافِهم عليه، وإسلام قومه له نهزة للمختلس من الحفظ والكلاءة وتأخير الأجل[8].
قال الرازي (604هـ): لما وقعَت الشبهة في قلوب بعضهم بسبب تلك الهزيمة ولم تقع الشبهة في قلوب العلماء الأقوياء من المؤمنين، فهم شكَروا الله على ثباتهم على الإيمان وشدة تمسكهم به، فلا جرَم مدَحَهم الله تعالى بقوله: ﴿ وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ﴾، وروى محمد بن جرير الطبري عن علي رضي الله عنه أنه قال: المراد بقوله: ﴿ وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ﴾ أبو بكر وأصحابه، وروي عنه أنه قال: أبو بكر من الشاكرين، وهو من أحبَّاء الله، والله أعلم بالصواب[9].
قال الخازن (741): يعني الثابتين على دينهم الذين لم ينقَلِبوا عنه؛ لأنهم شكروا نعمة الله عليهم بالإسلام وثباتِهم عليه، فسماهم الله شاكرين لِمَا فعلوا؛ والمعنى: وسيُثيب الله مَن شكَره على توفيقه وهدايته[10].
قال أبو حيان (754هـ): ﴿ الشَّاكِرِينَ ﴾ هم الذين صبروا على دينه، وصدَقوا الله فيما وعَدوه، وثبَتوا، شكَروا نعمة الله عليهم بالإسلام، ولم يكفروها، والشاكرون لفظ عامٌّ يندرج فيه كلُّ شاكر فعلًا وقولًا، وظاهر هذا الجزاء أنه في الآخرة، وقيل: في الدنيا؛ بالرزق، والتمكين في الأرض[11].
قال أبو السعود (982هـ): أي: الثابتين على دين الإسلام الذي هو أجلُّ نعمة وأعزُّ معروف، سمُّوا بذلك؛ لأن الثبات عليه شكر له وعرفان لحقه، وفيه إيماءٌ إلى كفران المنقلبين، وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن المراد بهم الطائعون لله تعالى من المهاجرين والأنصار، وعن عليٍّ رضي الله عنه: أبو بكر وأصحابه رضي الله عنهم، وعنه رضي الله عنه أنه قال: أبو بكر من الشاكرين ومن أحبَّاء الله تعالى، وإظهار الاسم الجليل في موقع الإضمار؛ لإبراز مَزيدِ الاعتناء بشأن جزائهم[12].
قال ابن عجيبة (1224هـ): ﴿ وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ ﴾ [آل عمران: 145] الذين ذكَروا نِعمَ الله، فلم يَشغَلهم شيء عن الجهاد في سبيل الله، بل كان همُّهم رضا اللهِ ورسوله دون شيء سواه.
والإشارة: ينبغي للمريد أن يستغنيَ بالله، فلا يَركن إلى شيء سواه، وتكون بصيرته نافذة حتى يغيب عن الواسطة بشهود الموسوط؛ فإن مات شيخُه لم ينقلب على عَقِبيه؛ فإن تمكَّن من الشهود فقد استغنى عن كل موجود، وإن لم يتمكَّن نظَر من يُكْمله، فالوقوف من الوسائط وقوفٌ مع النِّعم دون شهودِ المنعم، فلا يكون شاكرًا للمُنعم حتى لا يحجبه عنه شيء، ولما مات عليه الصلاة والسلام دُهِشَت الناس، وتحيَّرت لوقوفهم مع شهود النعمة، إلاَّ الصدِّيق؛ كان نَفذ من شهود النعمة إلى شهود المُنعم، فخطَب حينئذٍ على الناس، وقال: "مَن كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حيٌّ لا يموت"، ثمَّ قرأ: ﴿ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ ﴾، إلى قوله: ﴿ وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ ﴾ [آل عمران: 144، 145]، وهم الذين نفذوا إلى شهود المنعم، ولم يقفوا مع النعمة[13].
قال الشوكاني (1250هـ): أي: الذين صبَروا وقاتَلوا واستُشهدوا؛ لأنهم بذلك شكروا نعمة الله عليهم بالإسلام، ومَن امتثل ما أُمر به فقد شكَر النعمة التي أنعَم الله بها عليه[14].
قال الألوسي (1270هـ): أي: سيُثيب الثابتين على دين الإسلام، ووضَع الشاكرين موضع الثابتين؛ لأن الثبات عن ذلك ناشئٌ عن تيقُّن حقيَّته، وذلك شكرٌ له، وفيه إيماء إلى كفران المنقلبين.
وإلى تفسير الشاكرين بالثابتين ذهَب عليٌّ كرم الله تعالى وجهه، وقد رواه عنه ابنُ جرير، وكان يقول: الثابتون هم أبو بكر وأصحابه، وأبو بكر رضي الله تعالى عنه أمير الشاكرين، وعن ابن عباس: أن المراد بهم الطائعون من المهاجرين والأنصار، وإظهار الاسم الجليل في موضع الإضمار للإعلان بمزيد الاعتناءِ بشأن جزائهم، واتصال هذا بما قبله اتصال الوعد بالوعيد[15].
قال الشعراوي: لأن الشكر إنما يؤديه العبد على نعمة؛ نعمة تمحيص وتعليم وبيان مكانة الرسول صلى الله عليه وسلم من ربه، لقد تعلَّم المؤمنون أن الله يستحق منهم الشكر على هذه النعم[16].
أقول: وتعليل ذلك أن منزلة الشكر أعلى من منزلة الصبر؛ لأن الشكر يقتضي الرضا، والرضا أعلى من الصبر؛ فالله تعالى أراد الصبر وزيادةً عن هذا المصاب الجلَل:
قال ابن القيم (751هـ): وهي من أعلى المنازل، وهي فوق منزلة الرضا وزيادة؛ فالرضا مندرجٌ في الشكر؛ إذ يستحيل وجود الشكر بدونه، وهو نصف الإيمان كما تقدم، والإيمان نصفان: نصفٌ شكر، ونصفٌ صبر، وقد أمر الله به ونهى عن ضده، وأثنى على أهله ووصف به خواصَّ خلقِه، وجعله غاية خلقه وأمره، ووعَد أهله بأحسن جزائه، وجعله سببًا للمزيد من فضله وحارسًا وحافظًا لنعمته، وأخبر أن أهله هم المنتفِعون بآياته، واشتق لهم اسمًا من أسمائه؛ فإنه سبحانه هو الشَّكور، وهو يوصل الشاكر إلى مشكوره، بل يعيد الشاكر مشكورًا، وهو غاية الرب من عبده، وأهله هم القليل من عباده؛ قال الله تعالى: ﴿ وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ﴾ [النحل: 114]، وقال: ﴿ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ ﴾ [البقرة: 152]، وقال عن خليله إبراهيم صلى الله عليه وسلم: ﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ ﴾ [النحل: 120، 121]، وقال عن نوح عليه السلام: ﴿ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا ﴾ [الإسراء: 3]، وقال تعالى: ﴿ وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [النحل: 78]، وقال تعالى: ﴿ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [العنكبوت: 17]، وقال تعالى: ﴿ وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ﴾ [آل عمران: 144]، وقال تعالى: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [إبراهيم: 7]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ﴾ [لقمان: 31].
وسمَّى نفسه شاكرًا وشَكورًا، وسمى الشاكرين بهذين الاسمين، فأعطاهم من وصفه وسمَّاهم باسمه، وحسبك بهذا محبةً للشاكرين وفضلًا، وإعادته للشاكر مشكورًا كقوله: ﴿ إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا ﴾ [الإنسان: 22]، ورِضا الرب عن عبده به كقوله: ﴿ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ ﴾ [الزمر: 7]، وقلة أهله في العالمين تدل على أنهم هم خواصُّه كقوله: ﴿ وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴾ [سبأ: 13].
وفي "الصحيحين" عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قام حتى تورَّمَت قدماه، فقيل له: تفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدَّم من ذنبك وما تأخر؟! فقال: ((أفلا أكون عبدًا شَكورًا))[17])
وإلى هذا أشار الشيخ صالح آل الشيخ فقال: الشكر لا يمكن أن يكون إلا برِضًا، فمرتبة الشكر أرفع؛ لأن الرضا مُنطوٍ تحت الشكر، فكل شاكرٍ راضٍ، والراضي بالنعمة يشكرها، والرضا مختلف عن الصبر؛ الصبر: حبس، وأما الرضا فهو التسليم لهذه، واستئناف القلب لها ورضاه عن هذه المصيبة، أو رضاه عن فعل الله جل وعلا، فيجب عليه أن يرضى وأن لا يتَّهِم الله جل وعلا في فعله ولا في قضائه.
فالرضا بالقضاء واجب، والرضا بالمقضيِّ مستحب، وهذا تحـقيقُ القول في هذه المسألة التي اختَلف فيها أهل العلم، والصبر - كما هو معلوم - غير الرضا؛ الرضا شيء والصبر شيءٌ آخر؛ لأنه قد يصبر مَن لم يرضَ، فإذا رضي عن الله جل وعلا ورضي بالمصيبة التي جاءته صار ذلك كمالًا في حقه، وهو زيادةٌ على الصبر[18].
يتبع