عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 04-07-2020, 03:48 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,657
الدولة : Egypt
افتراضي رد: حكم الصلاة مع الإخلال بالاتصال والاصطفاف.. (مع إضافات جديدة)

حكم الصلاة مع الإخلال بالاتصال والاصطفاف.. (مع إضافات جديدة)






فهد بن يحيى العماري


وهنا كذلك عدة مسائل، يَحْسُن التنبيه عليها في الصلاة في المساجد:
المسألة الأولى: حكم وضع خف أو قفازات في اليد بسبب الاحترازات من مرض كورونا، هذه المسألة مبنية على مسألة يذكرها أهل العلم وهي:
هل لابد من مباشرة اليد للأرض في السجود كالجبهة؟

محل خلاف بين العلماء رحمهم الله:
القول الأول: لا يجب مباشرة اليد، وهو مذهب جمهور الفقهاء، وحكى الإجماعَ الكرماني وزكريا الأنصاري الشافعي.

القول الثاني: يجب مباشرة المصلي باليد في السجود على الأرض، وهو وجه عند الشافعية ورواية عند الحنابلة.

الراجح: لا يجب؛ لأن مسمى السجود يحصل بوضع الأعضاء على الأرض دون كشفها، ولما ورد عن الحسن أنه قال: (كان القوم يسجدون على العمامة والقلنسوة ويداه في كمه) رواه البخاري.

قال ابن رجب: (قد حكي عن الصحابة أنهم كانوا يفعلونه) وممن كان يسجد ويداه في ثوبه لا يخرجهما: سعيد بن جبير، وعلقمة، ومسروق، والأسود. وبكل حال؛ فيجزئ السجود وإن لم يباشر الأرض بيديه رواية واحدة، ولا يصح عن أحمد خلاف ذلك البتة، وإنما أصل نقل الخلاف في ذلك عن أحمد مأخوذ من كتب مجهولة).

حكم النازلة: يجوز للحاجة على الرواية الأخرى عند الحنابلة، فقد روي عن أحمد وإسحاق: لا يسجد ويداه في ثوبه، إلا من برد أو علة، وكذا نقل غير واحد عن أحمد: أنه لا يفعل ذلك إلا من علة، ولا يفعله من غير علة، وهو كذلك مذهب المالكية: أنه إن كان حر أو برد جاز له أن يبسط ثوباً يسجد عليه، ويجعل عليه كفيه.
المسألة الثانية: تغطية الفم محل حل خلاف بين العلماء رحمهم الله:
القول الأول: يكره، وهو مذهب المالكية والشافعية والحنابلة، للحديث الآتي، ولأن في التغطية منعاً من القراءة.

القول الثاني: التحريم، وهو مذهب الحنفية، وبعض أهل الحديث، لأن الأصل في النهي التحريم.

الأقرب: الجواز، لعدم المانع، بشرط ألا تعيقه عن القراءة، وأما ما ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن السدل في الصلاة، وأن يغطي الرجل فاه) رواه أبو داود، ومختلف في صحته، وقال الذهبي: هو منكر، وضعَّفه ابن حجر وابن الخراط وغيرهم.

المسألة الثالثة: تغطية الأنف محل خلاف بين العلماء رحمهم الله:
القول الأول: يكره، وهو مذهب جمهور الفقهاء، كالفم، ولأنه يمنع من مباشرة السجود، ولأن ذلك مظنة الكبر.

القول الثاني: يحرم، وهو مذهب الحنفية، لأنه يشبه فعل المجوس.

القول الثالث: مباح، وهو رواية عند الحنابلة، وروي عن ابن عباس والحسن.

والراجح: الجواز مع الكراهة لغير حاجة؛ لأنه يمنع مباشرة الأنف للأرض كالجبهة، وقد اختلفت تعليلات الفقهاء كما تقدم.

حكم النازلة: الجواز في المسألتين، وعلى القول بالكراهة فتزول الكراهة عند الحاجة، لما تقدم وحتى على التعليل بأن ذلك يمنع المباشرة، فقد روى البخاري: عن أنس رضي الله عنه قال: (كنّا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم فيضع أحدنا طرف الثوب من شدة الحر في مكان السجود).

وهذه المسألة كذلك تنبني على حكم السجود على الأنف، قيل: سنة، وقيل: واجب، والراجح الوجوب، لما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أمرت أن أسجد على سبعة أعظم الجبهة، وأشار بيده على أنفه واليدين، والرجلين، وأطراف القدمين، ولا نكفت الثياب، ولا الشعر) رواه البخاري.

والكراهة تزول بالحاجة قاعدة من القواعد الفقهية، ولها فروع في الشريعة كثيرة، ويعبر عنها ب: (كل ما نهي عنه لغيره يباح للحاجة، وما نهي عنه لذاته يباح للضرورة)، (والمحرم لسد الذريعة يباح للمصلحة الراجحة).

المسألة الرابعة: المريض العاجز عن حضور الجماعة تسقط عنه الصلاة اتفاقاً، لأنه لما مرض صلى الله عليه وسلم ترك الصلاة بالمسجد رواه البخاري.

المسألة الخامسة: المريض الذي يؤذي الناس بمرضه ورائحته التي لا تعالج تسقط عنه الجماعة، ويحرم حضوره، ويجب إخراجه من المسجد، وهو مذهب المالكية ومقتضى مذهب الشافعية ورواية عند الحنابلة لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (من أكل من هذه الشجرة يعني الثوم فلا يقربن مصلانا) رواه البخاري، ولحديث: (كان رسول الله إذا وجد من رجل ريحاً في المسجد أمر به فأخرج إلى البقيع) رواه مسلم.

وقيل: يستحب إخراجه، وهو قول عند المالكية، ومذهب الحنابلة.

المسألة السادسة: الخوف على النفس يعد من الأعذار التي تسقط حضور الجمعة والجماعة، وهو محل اتفاق، والدليل:
ظ،- ما ورد أن عتبان بن مالك رضي الله عنه وكان أعمى، وقد خاف على نفسه من السيل إذا جاءت الأمطار أن يذهب إلى المسجد خوفاً على أن يغرق في السيل أو أن يؤذيه فأرخص له الرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك رواه مسلم.

ظ¢- ما ورد من حديث ابن عباس قال: قال رسول الله: "من سمع النداء فلم يمنعه من اتباعه عذر"، قالوا: وما العذر يا رسول الله؟ قال: "خوف، أو مرض، لم يقبل الله منه الصلاة التي صلى".رواه أبو داود ومتكلم في صحته.

فرع: والخوف على درجات:
أ-خوف وهم وشك، فهذا لا يعمل به في الجانب العلمي ولا العملي.

ب-خوف ظن مرجوح وضعيف، وهذا لا يعمل به كذلك، وحكي الإجماع عليه.

ج-خوف حقيقي ويغلب على الظن وقوعه وهو راجح، وهذا يعمل به بالإجماع، ونصوص الشرع وقواعده تؤيده.

المسألة السابعة: بسبب التباعد بين المصلين في المساجد، وبالتالي سيكون عدد المصلين في المساجد قليل في صلاة الجمعة، وحينئذ هل يجوز تكرار الجمعة في المسجد الواحد لضيق المكان؟

هذه المسألة شبيهة أو مبنية على مسألة حكم تعدد الجمعة في البلد الواحد وهي محل خلاف بين العلماء:
القول الأول: المنع إلا عند الحاجة، وهو مذهب المالكية والشافعية والحنابلة، لعدم تكرار الجمعة في عصر النبوة والخلفاء الراشدين في المدينة.

القول الثاني: المنع مطلقاً، وهو قول عند المالكية ووجه عند الشافعية ورواية عند الحنابلة.

القول الثالث: يجوز مطلقاً، وهو مذهب عطاء والحنفية وابن حزم وقول عند المالكية، لعدم الدليل الذي يمنع.

الراجح، الأول: لأن هذا الذي عليه عمل المسلمين، وهذا الذي يسعهم ويرفع الحرج عنهم.

حكم النازلة: محل خلاف بين المعاصرين:
القول الأول: يجوز، وبه أفتت لجنة الفتوى في الأزهر الشريف، وبعض لجان الفتوى في أوربا.

القول الثاني: لا يجوز، وبه أفتى ابن باز مع اللجنة الدائمة.

الراجح: الجواز، وهو مقتضى مذهب الجمهور، وذلك لما يلي:
1-أنه يتوافق مع قواعد الشريعة في رفع الحرج.

2-أن من قواعد الشريعة: (أن الأمر إذا ضاق اتَّسع)، (والحاجة تقدَّر بقدرها).

3-أن الأصل إقامة الجمعة، ولا يجوز إسقاطها إلا بدليل صحيح صريح متى تيسر إقامتها بشروطها.

4-أن القول الأول يفضي إلى ترك الجمعة، وهو ممتنع شرعاً، لعدم المانع الشرعي، ولعدم وجود الخلل في شروطها الموجب لسقوطها.

5-أن هذه المسألة هي نازلة وواقعة لم توجد في كلام الفقهاء، فإما نقيسها على تكرار الجمعة في البلد الواحد، وقد تقدم تقريرها، وإما نقول ليست مثلها، فهي تحتاج إلى اجتهاد خاص، وإذا كان كذلك فقد تقدم تقريرها، وكون ذلك لم يوجد في عصر النبوة، والأصل في العبادة التوقيف.

فالجواب: أن السبب لم ينعقد، والصورة هذه غير موجودة في عصر النبوة حتى نطبق قاعدة الترك.

فرع: ضوابط تكرار الجمعة في المسجد الواحد لضيق المكان:
1-تعذر إقامة الجمعة في مساجد أخرى أو الصلاة خارج المسجد تبعاً للجمعة الأولى.
2-أن هذه الحاجة والضرورة تقدر بقدرها فلا تكرر الجمعة لغير حاجة وضرورة.
3-أن يكون قدر التكرار بقدر الحاجة فلا تكرر ثالثة في المسجد الواحد لغير حاجة وضرورة.
4-أن يكون العدد المكرر عدداً كبيراً، وليس عدداً يسيراً.
5-أن يعود الإذن في ذلك إلى أهل الفتوى في البلد ومن في حكمهم.
6-أن يكون التكرار في وقت صلاة الجمعة.

فرع: هل يصح أن يكون الإمام واحداً في الجمعتين؟
نعم، يصح، فتكون الثانية في حقه نافلة، وهذا يجوز، والتكرار للفريضة على أن تكون نافلة دلت عليه عدة نصوص شرعية، منها ما ورد عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: «أن معاذ بن جبل كان يصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء الآخرة، ثم يرجع إلى قومه، فيصلي بهم تلك الصلاة». رواه البخاري، وإن وجد غير الإمام الأول كان أفضل وأولى.

أخيراً: الالتزام بما يصدر من ولي الأمر، ومن جميع الجهات شرعية وصحية وأمنية، ولا تجوز المخالفة، لعموم أدلة وجوب الطاعة، والطاعة هنا يترتب على مخالفتها مفاسد، وضرر على النفس والغير، وحفظ النفس ضرورة من ضرورات الدين، فالطاعة فيها آكد، والمخالفة فيها أشد نهياً وإثماً.

وفي الختام: نسأل الله أن يرفع عن الأمة البلاء والوباء، ويشفي مرضى المسلمين، ويرحم موتاهم ويحمي سائر المسلمين، وأن يتقبل الصيام والقيام، هو خير مسؤول وأكرم مأمول، والصلاة والسلام على الرسول صلى الله عليه وسلم(1).

_______________________
(1) هذا المبحث مسائله مقتطعة من شرح عمدة الفقه للكاتب، وهو غير مطبوع، والمسائل هي مشتهرة في كتب أهل العلم، ولا تخفى على طلاب العلم، بحث تكرار الجمعة لضيق المكان للغليقة، وأشرت لبعض المراجع في ثنايا البحث، وخاصة مع توفر وسائل البحث في عصرنا فيسهل الرجوع إليها.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 24.51 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 23.88 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.56%)]