الأربعون الشبابية (4 / 4)
أ. محمد خير رمضان يوسف
(31)
السؤال عن خمس
عن عبدالله بنِ مسعود، عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال:
"لا تزولُ قدَما ابنِ آدمَ يومَ القيامةِ من عندِ ربِّهِ حتى يُسألَ عن خمسٍ: عن عمُرهِ فيمَ أفناهُ، وعن شبابِه فيمَ أبلاهُ، ومالِه من أين اكتسَبهُ وفيمَ أنفقَه، وماذا عمِلَ فيما علِم".
سنن الترمذي (2416) وقال: حديثٌ غريب، وحسَّنَهُ له في صحيح الجامع (7299).
وبرواية أبي برزة الأسلمي في مسند أبي يعلى (7434)، وسنن الدارمي (537) وحسَّنَ محققاهما سنده.
(32)
أهل الجنة شباب
عن أبي هريرةَ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:
"أهلُ الجنَّةِ جُرْدٌ مُرْدٌ كُحْل، لا يَفنَى شبابُهم، ولا تَبلَى ثيابُهم".
رواه الترمذي (2539) وقال: حديث حسن غريب، وحسَّنهُ في صحيح الجامع الصغير (2525)، كما رواه الدارمي(2826) وحسَّن محققه إسناده، مسند أحمد (9742، 8813، 9268)، واللفظُ للأول.
وهو عند مسلمٍ بلفظ: "من يدخلِ الجنَّةَ يَنعمُ ولا يَبأس، لا تَبلَى ثيابه، ولا يَفنَى شبابه". صحيح مسلم (2836).
جُرد: ليس على بدنهم شعر.
مُرد: لا لحى لهم.
الكَحَل: سوادٌ في أجفان العين خِلقة.
(33)
الصوم لمن لم يتزوج
عن عبدالله بن مسعودٍ رضيَ الله عنه قال: قالَ لنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:
"يا معشرَ الشباب، من استطاعَ منكم الباءةَ فليتزوج، فإنه أغضُّ للبصر، وأحصَنُ للفَرج، ومن لم يستطعْ فعليه بالصوم، فإنه له وِجاء".
متفقٌ عليه، صحيح البخاري (4779)، صحيح مسلم (1400).
الباءة، أو الباهة: النكاح، أو القدرةُ على مؤنِ النكاح.
الوِجاء: ما يُذهبُ شهوةَ الجِماع.
قال الحافظُ ابنُ حجر: أغضُّ: أي: أشدُّ غضًّا، وأحصن: أي: أشدُّ إحصانًا له ومَنعًا من الوقوعِ في الفاحشة.
وقال: خُصَّ الشبابُ بالخطابِ لأن الغالبَ وجودُ قوةِ الداعي فيهم إلى النكاح، بخلافِ الشيوخ، وإنْ كان المعنَى معتبرًا إذا وُجِدَ السببُ في الكهولِ والشيوخِ أيضًا[1].
وقال الإمامُ النووي: الوِجاءُ هو رضُّ الخصيتين، والمرادُ هنا أن الصومَ يقطعُ الشهوة، ويقطعُ شرَّ المنيِّ كما يفعلهُ الوِجاء.
قال: وفي هذا الحديثِ الأمرُ بالنكاحِ لمن استطاعَهُ وتاقتْ إليه نفسه، وهذا مجمعٌ عليه، لكنه عندنا وعند العلماءِ كافَّةً أمرُ ندبٍ لا إيجاب، فلا يلزمُ التزوُّجُ ولا التسرِّي، سواءٌ خافَ العنتَ أم لا، هذا مذهبُ العلماءِ كافَّة، ولا يُعلَمُ أحدٌ أوجبَهُ إلا داودَ ومن وافقَهُ من أهلِ الظاهر، وروايةٌ عن أحمد، فإنهم قالوا: يلزمهُ إذا خافَ العنتَ أن يتزوَّجَ أو يتسرَّى...[2].
(34)
صبوةُ الشابّ
عن عقبةَ بنِ عامرٍ قال: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلَّم:
"إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ لَيَعجَبُ من الشابِّ ليستْ له صَبْوَة".
مسند أحمد (17409) وذكرَ الشيخ شعيب أنه حسنٌ لغيره، وضعفه في ضعيف الجامع (1658)، وكذا في مسند أبي يعلى (1749).
الصبوة: الميلُ إلى اللهو.
(35)
بين امرأةٍ وزوجها
عن أبي سعيدٍ الخُدري قال: جاءتِ امرأةٌ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقالت:
يا رسولَ الله، إنَّ زوجي صفوانَ بنَ المُعطَّلِ يَضرِبُني إذا صلَّيتُ، ويُفطِّرُني إذا صُمتُ، ولا يُصلِّي صلاةَ الفجرِ حتَّى تطلُعَ الشَّمس.
قال: وصفوانُ عندَه، فسأَلَهُ عمَّا قالت، فقال: يا رسولَ الله، أمَّا قولُها: يضرِبُني إذا صلَّيتُ، فإنَّها تقرَأُ بسورتَين، وقد نهَيتُها عنها.
فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "لو كانت سورةً واحدةً لكفتِ النَّاسَ"
قال: وأمَّا قولُها: يُفطِّرُني إذا صُمْتُ، فإنَّها تنطلِقُ فتصومُ وأنا رجُلٌ شابٌّ ولا أصبِرُ.
فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يومئذ: "لا تصومُ امرأةٌ إلَّا بإذنِ زوجِها".
قال: وأمَّا قولُها لا أُصَلِّي حتَّى تطلُعَ الشَّمسُ، فإنَّا أهلُ بيتٍ لا نكادُ نستيقظُ حتَّى تطلُعَ الشَّمس.
فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "فإذا استيقَظتَ فصَلِّ".
سنن أبي داود (2459) وصححه في صحيحه، المستدرك على الصحيحين (1594) وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، صحيح ابن حبّان (1488) وصححه الشيخ شعيب. واللفظ للأخير.
صفوان بنُ المعطَّل السلميُّ ثم الذكواني، صحابي، سكنَ المدينة، وشهدَ الخندقَ والمشاهد، وهو الذي قال فيه أهلُ الإفكِ وفي عائشةَ رضيَ الله عنها، وقال فيه النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "ما علمتُ عليه إلا خيرًا". استُشهد بأرمينيةَ سنة 19 هـ، في خلافةِ عمرَ رضي الله عنه[3].
(36)
عِدَّةُ الحامل
عن أمِّ سلَمةَ قالت:
ولَدَتْ سُبَيْعَةُ الأسلميَّةُ بعدَ وفاةِ زوجِها بنصفِ شهر، فخطبَها رجلان، أحدُهُما شابٌّ والآخرُ كَهْل، فحطَّتْ إلى الشَّابّ، فقالَ الكَهْل: لم تَحلُلْ، وكانَ أهلُها غُيَّبًا، فَرجَا إذا جاءَ أهلُها أن يؤثِروهُ بها، فجاءَتْ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّم، فقال:
"قد حللتِ، فانكِحي مَن شئتِ".
سنن النسائي (3510)، وصحَّحه الألباني في صحيح سننه، مسند أحمد (26758)، صحيح ابن حبّان (4297) وصحح الشيخ شعيب إسناده على شرط الشيخين فيهما، موطأ مالك (1225)، وقال ابنُ عبدالبرّ: حديثٌ صحيحٌ جاءَ من طرقٍ شتَّى كثيرةٍ ثابتة. التمهيد 20/ 33.
قال في التمهيد 22/ 208: فقهُ هذا الحديث، أن المتوفَّى عنها الحاملُ عِدَّتُها تضعُ ما في بطنها، خلافَ قولِ من قال: عِدَّتُها آخرُ الأجلين.
(37)
المباشرة للصائم
عن أبي هريرة:
أن رجلًا سألَ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلم عن المباشرةِ للصائم، فرخَّصَ له، وأتاهُ آخرُ فسأله، فنهاه، فإذا الذي رخَّصَ له شيخ، والذي نهاهُ شابّ.
سنن أبي داود (2387)، قال في صحيح سننه: حسن صحيح.
وعن ابنِ عباسٍ رضيَ الله عنهما قال: رُخِّصَ للكبيرِ الصائمِ في المباشرة، وكُرِهَ للشابّ. (سنن ابن ماجه 1688، وصححه الألباني في صحيح سننه).
تعني المباشرةُ هنا ما دون الجماعِ للصائم، أما بمعنَى الجماعِ فهو محظورٌ في الصوم.
وبالمعنَى الأولِ قد تكونُ مباحة، وقد تكونُ مكروهة. وكرهها المالكيةُ مطلقًا.
وبيانُ أنها تُكرَهُ لمن لا يملكُ نفسه، كما بدا في الحديثِ الشريف، وقد قالت عائشةُ رضي الله عنها: "كان رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ يقبِّلُ وهو صائم، ويباشرُ وهو صائم، ولكنهُ أملكُكم لإربه" (رواه مسلم 1106).
فقولها "ولكنهُ أملكُكم لإربهِ" أشارتْ بذلك إلى أن لإباحةَ لمن يكونُ مالكًا لنفسه، دون من لا يأمَنُ من الوقوعِ فيما يحرم[4].
(38)
نظرةُ الشابّ
في حجَّةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، عندما جاوزَ الوادي فوقف، وأردفَ الفضلَ بن عباس... استَفتتْهُ جاريةٌ شابَّةٌ مِن خَثْعَمَ، فقالت: إنَّ أبي شيخٌ كبير، قد أدركَتْهُ فريضةُ اللهِ في الحجِّ، أفيُجزِئُ أن أَحُجَّ عنه؟ قال: حُجِّي عن أبيك.
قال: ولَوَى عُنُقَ الفضل، فقال العبّاسُ: يا رسولَ الله، لِمَ لَوَيْتَ عُنَقَ ابنِ عمِّك؟ قال: "رأيتُ شابًّا وشابَّة، فلم آمَنِ الشيطانَ عليهما".
جزءٌ من حديثٍ رواهُ الترمذي عن عليٍّ رضيَ الله عنه (885) وقال: حديثٌ حسنٌ صحيح، مسند أحمد (564)، وحسَّنهُ له الشيخ شعيب، مسند أبي يعلى (312) وذكرَ محقِّقهُ أن رجالَهُ ثقات.
قال الإمامُ النوويُّ رحمَهُ الله تعالى: فهذا يدلُّ على أن وضعَهُ صلَّى الله عليه و سلَّم يدَهُ على وجهِ الفضلِ كان لدفعِ الفتنةِ عنه وعنها.
وفيه أن من رأى منكرًا وأمكنَهُ إزالتَهُ بيده، لزمَهُ إزالته، فإن قال بلسانهِ ولم ينكفَّ المقولُ له وأمكنَهُ بيده، أثمَ ما دامَ مقتصرًا على اللسان. والله أعلم[5].
يتبع