ما فسره الإمام الزركشي من سورة القمر
د. جمال بن فرحان الريمي
﴿ حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ ﴾ [القمر: 5]
قال القاضي أبو المعالي عزيزي بن عبدالملك رحمه الله: وسماه - أي القرآن - حكمة، فقال: ﴿ حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ ﴾[1].
﴿ فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ ﴾ [القمر: 6]
قوله تعالى: ﴿ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ ﴾، حذف الواو؛ لسرعة الدعاء وسرعة الإجابة[2].
﴿ فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ ﴾ [القمر: 10]
قوله تعالى: أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ ، بَيَّن في مواضع أخر: ﴿ وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ﴾ [الأنبياء: 77] [3].
﴿ وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ * تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ ﴾ [القمر: 13، 14]
قوله تعالى: ﴿ وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ ﴾، أي: سفينة ذات ألواح[4].
وقوله تعالى: ﴿ تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا ﴾، أي: بمرأى منّا لما كانت العين آلة الرؤية[5].
﴿ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ﴾ [القمر: 17]
قوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ ﴾، قال في الكشاف: أي سهّلناه للادِّكار والاتعاظ بأن نسجناه بالمواعظ الشافية، وصرّفنا فيه من الوعد والوعيد[6].
وقوله: ﴿ لِلذِّكْرِ ﴾، أي: لأجل الذِّكر، كما قال تعالى: ﴿ فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴾ [الدخان: 58] [7].
﴿ إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ ﴾ [القمر: 31]
قال رحمه الله: ذكر أبو عمرو الداني أنّ "المُحتظِر" بالظاء، بمعنى: المنع والتحويط، ولم يأت بهذا المعنى إلا في موضع واحد، هو قوله تعالى: ﴿ فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ ﴾ [8].
﴿ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ ﴾ [القمر: 39]
قوله تعالى: ﴿ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ ﴾، قال الزمخشري: تكررت الآية ليجدوا عند سماع كلِّ نبإ منها اتعاظًا وتنبيهًا، وأن كلاًّ من تلك الأنباء مستحق باعتبارٍ يختص به، وأن يتنبهوا كيلا يغلبَهم السرور والغفلة[9].
﴿ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ ﴾ [القمر: 42]
قوله تعالى: ﴿ فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ ﴾، أبلغ من "قادر"؛ لدلالته على أنه قادرٌ متمكن القدرة، لا يرد شيء عن اقتضاء قدرته، ويسمى هذا قوة اللفظ لقوة المعنى[10].
﴿ أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ ﴾ [القمر: 44]
قوله تعالى: ﴿ أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ ﴾، فقيل لهم: ﴿ مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ ﴾ [الصافات: 25] [11]، وسبب نزول الآية هو قول أبي جهل: نحن ننتصر اليوم[12].
﴿ سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ ﴾ [القمر: 45]
قوله تعالى: ﴿ سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ ﴾ قال عمر بن الخطاب: كنت لا أدري: أي الجمع يهزم؟ فلما كان يوم بدر رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ﴿ سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ ﴾ [13].
﴿ إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ ﴾ [القمر: 47]
قال ابن فارس: كلُّ شيء في القرآن من ذكر "السعير" فهو النار والوقود، إلا قوله عز وجل: ﴿ إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ ﴾ [القمر: 47]، فإنه العناد[14].
﴿ يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ ﴾ [القمر: 48]
قوله تعالى: ﴿ يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي و مِنَّا يُصْحَبُونَ ﴾ [الأنبياء: 43] [15]، فبالسين من الجرِّ، وبالصاد من الصُّحبة[16].
﴿ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ ﴾ [القمر: 55]
قوله تعالى: ﴿ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ ﴾، لم يقل "مجلس" إذ لا زوال عنه[17].
[1] المصدر السابق: معرفة أسمائه واشتقاقاتها 1/ 192.
[2] المصدر السابق: علم مرسوم الخط - حذف الواو 1/ 276.
[3] سورة الأنبياء: 77. البرهان: معرفة تفسيره وتأويله - تقسيم القرآن إلى ما هو بين بنفسه... 2/ 124- حذف الفعل 3/ 132.
[4] البرهان: أساليب القرآن وفنونه البليغة - حذف الموصوف 3/ 101.
[5] المصدر السابق: بيان حقيقته ومجازه - إطلاق اسم آلة الشيء عليه 2/ 175.
[6] الكشاف 5/ 658. البرهان: أساليب القرآن وفنونه البليغة - التكرار على وجه التأكيد 3/ 9.
[7] سورة الدخان:58. البرهان: أساليب القرآن وفنونه البليغة - التعليل 3/ 63.
[8] البرهان: جمع الوجوه والنظائر 1/ 90.
[9] الكشاف 5/ 662 بتصرف في العبارة. البرهان: أساليب القرآن وفنونه البليغة - فوائد التكرير 3/ 16.
[10] البرهان: أساليب القرآن وفنونه البليغة - الزيادة في بنية الكلمة 3/ 25.
[11] سورة الصافات: 25. البرهان: معرفة تفسيره وتأويله - تقسيم القرآن إلى ما هو بين بنفسه وإلى ما ليس ببين بنفسه فيحتاج إلى بيان 2/ 123.
[12] الكشاف 5/ 662، تفسير القرطبي 20/ 103. البرهان: بيان حقيقته ومجازه - إقامة صيغة مقام أخرى 2/ 179.
[13] الكشاف 5/ 662. البرهان: معرفة أسباب النزول - تقدم نزول الآية على الحكم 1/ 40.
[14] أفراد كلمات القرآن العزيز لابن فارس ص/ 12، البرهان: جمع الوجوه والنظائر 1/ 87.
[15] سورة الأنبياء: 43.
[16] البرهان: علم مرسوم الخط - حروف متقاربة تختلف في اللفظ لاختلاف المعنى 1/ 295.
[17] المصدر السابق: أساليب القرآن وفنونه البليغة - ألفاظ يظن بها الترادف وليست منه 4/ 55.