الأربعون الملائكية (2 /4)
أ. محمد خير رمضان يوسف
(11)
سمع الله لمن حمده
عن أبي هريرة، أن رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ قال:
"إذا قالَ الإمامُ: سمعَ الله لمن حَمَدَه، فقولوا: اللهمَّ ربَّنا لكَ الحمد، فإنهُ مَن وافقَ قولُهُ قولَ الملائكةِ، غُفِرَ له ما تقدَّمَ من ذنبِه".
صحيح البخاري (3056)، صحيح مسلم (409). ولفظهما سواء.
"غُفِرَ له ما تقدَّمَ من ذنبه": ظاهرهُ غفرانُ جميعِ الذنوبِ الماضية، وهو محمولٌ عند العلماءِ على الصغائر، قالَهُ الحافظُ [ابنُ حجر].
قال الخطّابي: في هذا دلالةٌ على أن الملائكةَ يقولون مع المصلِّي هذا القول، ويستغفرون، ويحضرون بالدعاءِ والذكر[1].
(12)
تأمين الملائكة
عن أبي هريرة، أن رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ قال:
"إذا قالَ الإمامُ: ï´؟ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ï´¾ [سورةُ الفاتحة: 7] فقولوا: آمين، فإنهُ مَن وافقَ قولُهُ قولَ الملائكةِ، غُفِرَ له ما تقدَّمَ من ذنبِه".
صحيح البخاري (749)، وهو بلفظ آخر عند مسلم (410).
قال الحافظُ ابنُ حجر: والذي يَظهرُ أن المرادَ بهم مَن يَشهدُ تلك الصلاةَ من الملائكة، ممن في الأرضِ أو في السماء.
وقال: ظاهرهُ غفرانُ جميعِ الذنوبِ الماضية، وهو محمولٌ عند العلماءِ على الصغائر[2].
(13)
في الركوع والسجود
عن مطرِّف بن عبدالله بن الشخِّير، أن عائشةَ نبَّأته:
أن رسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم كان يقولُ في ركوعهِ وسجوده: "سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ ربُّ الملائكةِ والروح".
صحيح مسلم (487).
"سبُّوحٌ قدُّوس" معناهما مُسَبَّحٌ مُقدَّس، والمسبَّحُ: المبرَّأُ من النقائصِ والشريكِ وكلِّ ما [لا] يَليقُ بالإلهية، والمقدَّس: المطهَّرُ من كلِّ ما لا يليقُ بالخالق.
والروح: قيل: هو ملَكٌ عظيم، وقيل: جبريل...[3].
(14)
الملائكة في يوم الجمعة
عن أبي هريرةَ قال: قالَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم:
"إذا كان يومُ الجمُعةِ وقفَتِ الملائكةُ على بابِ المسجد، يَكتبونَ الأوَّلَ فالأول، ومَثَلُ المُهَجِّرِ كمَثَلِ الذي يُهدي بدَنَةً، ثم كالذي يُهدي بقرةً، ثم كَبشًا، ثم دَجاجةً، ثم بَيضةً، فإذا خرَجَ الإمامُ طَوَوْا صُحُفَهم، ويَستَمِعونَ الذِّكر".
صحيح البخاري (887)، صحيح مسلم (850) واللفظُ للأول.
المرادُ بطيِّ الصحف: طيُّ صحفِ الفضائلِ المتعلِّقةِ بالمبادرةِ إلى الجمعة، دون غيرها، من سماعِ الخطبة، وإدراكِ الصلاة[4].
(15)
الاجتماعُ على تلاوةِ كتاب الله
عن أبي هريرةَ رضيَ الله عنه قال: قالَ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم:
"ما اجتمعَ قومٌ في بيتٍ من بيوتِ الله، يَتلون كتابَ الله، ويَتدارسونَهُ بينهم، إلّا نَزلتْ عليهم السكينة، وغَشيَتهم الرحمة، وحفَّتهم الملائكة، وذكرَهم اللهُ فيمن عنده".
جزءٌ من حديثٍ رواهُ مسلمٌ في صحيحه (2699).
السكينة: الوقار، والطمأنينة.
حفَّتهم الملائكة: أحاطتْ بهم ملائكةُ الرحمة.
ذكرهم الله: أثنَى عليهم، أو أثابهم.
فيمن عنده: من الأنبياءِ وكرامِ الملائكة[5].
(16)
حِلَق الذِّكر
عن الأغرِّ أبي مسلم أنه قال: أشهدُ على أبي هريرةَ وأبي سعيدٍ الخدريّ، أنهما شَهِدا على النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ أنه قال:
"لا يَقعدُ قومٌ يَذكرون اللهَ عزَّ وجلَّ إلا حفَّتْهم الملائكة، وغَشيتهم الرحمة، ونزلتْ عليهم السكينة، وذكرَهم اللهُ فيمن عنده".
صحيح مسلم (2700).
الحديثُ السابقُ في تلاوةِ القرآنِ الكريم، وهذا عام، في مطلقِ الذكر.
(17)
الدعاء بظهر الغيب
عن أبي الدرداءِ رضيَ الله عنه، أنه سمعَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلمَ يقول:
"مَن دعا لأخيهِ بظهرِ الغيب، قالَ الملَكُ الموكَّلُ به: آمين، ولكَ بمِثْلٍ".
صحيح مسلم (2732).
بظهرِ الغيب: معناه في غيبةِ المدعو له وفي سرِّه؛ لأنه أبلغُ في الإخلاص.
بمثل: أي عديله، سواء.
قال الإمامُ النوويُّ رحمَهُ الله تعالَى: وفي هذا فضلُ الدعاءِ لأخيهِ المسلمِ بظهرِ الغيب، ولو دعا لجماعةٍ من المسلمين حصلتْ هذه الفضيلة، ولو دعا لجملةِ المسلمين فالظاهرُ حصولُها أيضًا. وكان بعضُ السلفِ إذا أرادَ أن يدعوَ لنفسهِ يدعو لأخيهِ المسلمِ بتلكَ الدعوة؛ لأنها تُستجاب، ويَحصلُ له مثلُها[6].
(18)
صياح الديكة
عن أبي هريرةَ رضيَ الله عنه، أن النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ قال:
"إذاسمِعتُمصِياحَالدِّيَكَةِفاسأَلوا اللهَ مِن فضلِه، فإنها رأَتْ ملَكًا، وإذا سمِعتُمنَهيقَ الحمارِ فتعوَّذوا باللهِ منَ الشيطان، فإنه رأى شيطانًا" .
صحيح البخاري (3127)، صحيح مسلم (2729).
ذكرَ الحافظُ ابنُ حجر أن للديكِ خصيصةً ليست لغيره، من معرفةِ الوقتِ الليلي، فإنه يقسطُ أصواتَهُ فيها تقسيطا لا يكادُ يتفاوت، ويوالي صياحَهُ قبل الفجرِ وبعده، لا يكادُ يخطئ، سواءٌ أطالَ الليلُ أم قصر.
قوله "فإنها رأتْ ملَكًا"، قال عياض: كان السببُ فيه رجاءَ تأمينِ الملائكةِ على دعائه، واستغفارهم له، وشهادتهم له بالإخلاص.
ويؤخذُ منه استحبابُ الدعاءِ عند حضورِ الصالحين...
وأن كلَّ من استفيدَ منه الخيرُ لا ينبغي أن يُسَبّ، ولا أن يُستهانَ به، بل يُكرمُ ويُحسَنُ إليه. "وإذا سمِعتُم نَهيقَ الحمارِ فتعوَّذوا باللهِ منَ الشيطان..": قال عياض: وفائدةُ الأمرِ بالتعوذ، لِمَا يُخشَى من شرِّ الشيطانِ وشرِّ وسوسته، فيُلجأُ إلى الله في دفعِ ذلك[7].
(19)
ساعة وساعة
عن حنظلةَ الأسيديِّ، قال: وكان من كتَّابِ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال:
لَقِيَني أبو بكرٍ فقال: كيف أنتَ يا حنظلة؟
قال: قلت: نافقَ حنظلةُ!
قال: سبحان الله! ما تقول؟
قال: قلت: نكونُ عند رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، يذكِّرنا بالنارِ والجنةِ حتى كأنَّا رأيَ عَينٍ، فإذا خرجنا من عند رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، عافَسْنا الأزواجَ والأولادَ والضَّيعات، فنَسِينا كثيرًا.
قال أبو بكر: فواللهِ إنَّا لنَلقَى مثلَ هذا.
فانطلقتُ أنا وأبو بكرٍ حتى دخَلْنا على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قلتُ: نافقَ حنظلةُ يا رسولَ الله!
فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "وما ذاك؟".
قلتُ: يا رسولَ الله، نكونُ عندكَ تُذكِّرُنا بالنارِ والجنةِ حتى كأنَّا رأيُ عَينٍ، فإذا خرَجْنا من عندِكَ عافَسْنا الأزواجَ والأولادَ والضَّيعات، نَسينا كثيرًا.
فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "والذي نفسي بيده، إنْ لو تدومون على ما تكونون عندي، وفي الذِّكر، لصافحَتْكم الملائكةُ على فُرُشِكم وفي طرُقِكم، ولكنْ يا حنظلةُ ساعةً وساعة". ثلاثَ مرات.
صحيح مسلم (2750).
على ما تكونون عندي: أي: من صفاءِ القلبِ والخوفِ من الله.
ساعة وساعة: أي: ساعةً كذا، وساعةً كذا، يعني لا يكونُ الرجلُ منافقًا بأنْ يكونَ في وقتٍ على الحضور، وفي وقتٍ على الفتور، ففي ساعةِ الحضورِ تؤدُّون حقوقَ ربِّكم، وفي ساعةِ الفتورِ تقضون حظوظَ أنفسكم [8].
(20)
يوم عرفة
قالت عائشةُ رضيَ الله عنها: إن رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ قال:
"ما مِن يومٍ أكثرَ مِن أن يُعتِقَ اللهُ فيهِ عبدًا مِن النارِ مِن يومِ عرفةَ، وإنَّهُ ليَدنو ثم يُباهي بهم الملائكة، فيقول: ما أرادَ هؤلاءِ؟".
صحيح مسلم (1348).
فيه بيانُ فضلِ يومِ عرفة.
قال ابنُ عبدالبرِّ رحمَهُ الله: وفي فضلِ يومِ عرفةَ دليلٌ أن للأيامِ بعضها فضلًا على بعض، إلا أن ذلك لا يُدرَكُ إلا بالتوقيف، والذي أدركنا من ذلك بالتوقيفِ الصحيح: فضلُ يومِ الجمعة، ويومِ عاشوراء، ويومِ عرفة، وجاءَ في يومِ الإثنينِ ويومِ الخميسِ ما جاء، وليس شيءٌ من هذا يُدرَكُ بقياس، ولا فيه للنظرِ مدخل[9].
[1] عون المعبود 3/ 60.
[2] فتح الباري 2/ 265.
[3] الديباج على مسلم 2/ 179.
[4] فتح الباري 2/ 367.
[5] ينظر عون المعبود 4/ 230.
[6] شرح النووي على صحيح مسلم 17/ 49.
[7] باختصار من فتح الباري 6/ 353.
[8] تحفة الأحوذي 7/ 126، 184.
[9] التمهيد 6/ 41.