عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 19-04-2020, 02:58 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,416
الدولة : Egypt
افتراضي رد: من آثار الإيمان باسم الله تعالى العفو

ومن الأسباب التي ينال العبد بها عفو الله تعالى:



♦ الإلحاح في الدعاء: فيكثر من سؤال العفو في صلاته وجلوسه وممشاه وفي يومه كله.







♦ التحلي بالعفو: فإذا أردت أن يعفو الله عنك فاعفُ عن عباده، فكيف ترجو عفو الله عنك وقد أسأت وأصررت، وتأبى أن تعفو عن غيرك.







قال تعالى: ï´؟ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ï´¾ [النور: 22]؛ أي: "إذا عاملتم عبيده بالعفو والصفح، عاملكم بذلك"[13].







2- التحلي بصفة العفو:



من أعظم صور التعبد باسم الله تعالى (العفو) مجاهدة النفس للتخلق بصفة العفو؛ يقول الإمام الغزالي حجة الإسلام عليه رحمة المنان: "وحظ العبد من ذلك لا يخفى، وهو أن يعفو عن كل من ظلمه بل يحسن إليه، كما يرى الله تعالى محسنًا في الدنيا إلى العصاة والكفرة غير معاجل لهم بالعقوبة، بل ربما يعفو عنهم بأن يتوب عليهم، وإذا تاب عليهم محا سيئاتهم؛ إذ التائب من الذنب كمن لا ذنب له، وهذا غاية المحو للجناية"[14].







وقد رغب الله تعالى في التحلي بالعفو في كثير من الآيات؛ من ذلك قوله تعالى: ï´؟ إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا ï´¾ [النساء: 149]؛ يقول القاضي البيضاوي رحمه الله تعالى: "أي: يكثر العفو عن العصاة مع كمال قدرته على الانتقام، فأنتم أولى بذلك، وهو حث للمظلوم على العفو بعدما رخص له في الانتظار[15]؛ حملًا على مكارم الأخلاق"[16].







ويقول الله تعالى: ï´؟ ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ ï´¾ [الحج: 60]، قد يقول قائل: سياق الكلام يقتضي أن تختم الآية باسم أو أسماء تدل على العزة والانتقام والانتصار؛ كقوله: ï´؟ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ ï´¾ [إبراهيم: 47]، أو نحو هذا، والجواب - والله أعلم - من وجهين:



♦ أن الآية ختمت باسمي العفو والغفور؛ للترغيب في العفو والصفح والتجاوز والغفران.







♦ الإشارة إلى أن أجلَّ صور النصر أن يجعل الله عبده في مقام العافين، فإن العبد لا يزداد بعفوه إلا عزة.







يقول العلامة السعدي رحمه الله تعالى: "ï´؟ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ ï´¾ [الحج: 60]؛ أي: يعفو عن المذنبين، فلا يعاجلهم بالعقوبة، ويغفر ذنوبهم فيزيلها، ويزيل آثارها عنهم، فالله هذا وصفه المستقر اللازم الذاتي، ومعاملته لعباده في جميع الأوقات بالعفو والمغفرة، فينبغي لكم أيها المظلومون المجني عليهم أن تعفوا وتصفحوا وتغفروا؛ ليعاملكم الله كما تعاملون عباده؛ ï´؟ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ï´¾ [الشورى: 40]"[17].







وقال تعالى مخاطبًا نبيه صلى الله عليه وسلم: ï´؟ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ï´¾ [آل عمران: 159]، وقال جل وعلا: ï´؟ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ï´¾ [الأعراف: 199].







ولقد أحسن القائل:






مكارم الأخلاق في ثلاثة

من كملت فيه فذاك الفتى


إعطاء من يحرمه ووصل من

يقطعه والعفو عمن اعتدى










فحري بكل عاقل أن يجاهد نفسه للتحلي بهذه الصفة العظيمة؛ فإن الشارع الحكيم علق عليها أمورًا عظيمة، الواحد منها كفيل بالحث على الاتصاف بها.







من ذلك:



♦ العفو سبب لنيل المغفرة:



قال تعالى: ï´؟ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ï´¾ [النور: 22]، فمن عفا عن الناس وتجاوز عن زلاتهم، جزاه الله تعالى من جنس عمله؛ فعفا عنه وتجاوز عن أخطائه وزلاته.







♦ العفو سبب لنيل الأجر العظيم:



قال تعالى: ï´؟ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ï´¾ [الشورى: 40]: أي: "يجزيه أجرًا عظيمًا، وثوابًا كثيرًا... وفي جعل أجر العافي على الله ما يهيج على العفو، وأن يعامل العبد الخلق بما يحب أن يعامله الله به، فكما يحب أن يعفو الله عنه، فَلْيَعْفُ عنهم، وكما يحب أن يسامحه الله، فليسامحهم؛ فإن الجزاء من جنس العمل"[18]، ومما يورده البعض في هذا الباب الحديث المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا كان يوم القيامة ينادي منادٍ من بُطْنان العرش: ليقم من على الله أجره، فلا يقوم إلا من عفا عن ذنب أخيه))، لكنه حديث ضعيف[19]، وقد روي موقوفًا عن الحسن رحمه الله تعالى بلفظ: ((ينادي منادٍ يوم القيامة: ألا من كان له على الله أجر فليقم، فلا يقوم إلا من عفا...))[20].







♦ العفو سبب لنيل التقوى:



قال الله جل في علاه: ï´؟ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ï´¾ [البقرة: 237]، عن ابن عباس: "ï´؟ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ï´¾ قال: أيما عفا، كان أقرب إلى الله عز وجل"[21]؛ يقول الإمام الرازي رحمه الله تعالى: "موضع ï´؟ أَنْ ï´¾ رفع بالابتداء، والتقدير: والعفو أقرب للتقوى، واللام بمعنى "إلى"... ومعنى الآية: عفو بعضكم عن بعض أقرب إلى حصول معنى التقوى، وإنما كان الأمر كذلك لوجهين؛ الأول: أن من سمح بترك حقه فهو محسن، ومن كان محسنًا فقد استحق الثواب، ومن استحق الثواب، نفى بذلك الثواب ما هو دونه من العقاب وأزاله، والثاني: أن هذا الصنع يدعوه إلى ترك الظلم الذي هو التقوى في الحقيقة؛ لأن من سمح بحقه وهو له معرض تقربًا إلى ربه، كان أبعد من أن يظلم غيره، يأخذ ما ليس له بحق"[22].







♦ العفو سبب الفوز بالجنة:



جعل الله تعالى العفو من صفات أهل الجنان؛ فقال تعالى: ï´؟ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ï´¾ [آل عمران: 133، 134]، فالعفو من أعظم أسباب دخول دار الأبرار، والفوز برضا العزيز الغفار.







♦ العفو سبب لنيل العزة والرفعة:



عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزًّا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله))[23].







وقد ذكر الإمام النووي رحمه الله تعالى أن فيه وجهين:



♦ "أحدهما أنه على ظاهره، وأن من عرف بالعفو والصفح ساد وعظم في القلوب، وزاد عزه وإكرامه



.



♦ والثاني أن المراد أجره في الآخرة وعزه هناك"[24].







يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: "والعفو من المخلوق ظاهره ضيم وذل، وباطنه عز ومهانة وانتقام[25]، ظاهره عز وباطنه ذل، فما زاد الله بعفو إلا عزًّا، لا[26] انتقم أحد لنفسه إلا ذل، ولو لم يكن إلا بفوات عز العفو؛ ولهذا ما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه قط"[27].







♦ العافي يحصل على ما يشاء من الحور العين:



قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من كظم غيظًا وهو قادر على أن ينفذه، دعاه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة، حتى يخيره في أي الحور شاء))[28].







فمن كان متحليًا بالعفو كاظمًا للغيظ في دار الدنيا، أقامه الله يوم القيامة ذلك المقام العظيم مخيرًا إياه في الحور العين اللواتي فاق جمالهن الخيال، فمهما تخيلت، فالوقوف على حقيقة جمالهن من المحال، فما بالك بحورية يقول عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ولو أن امرأة من أهل الجنة اطلعت إلى أهل الأرض، لأضاءت ما بينهما، ولملأته ريحًا، ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها))؛ [متفق عليه][29].







ولما علم سلفنا الصالح مقدار العفو وعظم شأنه، فقد ضربوا أروع الأمثلة في التحلي به متعبدين لله بذلك، ولعلي أكتفي بمثال واحد فيه عبرة وأي عبرة:



روى الإمام البخاري رحمه الله تعالى عن ابن عباس رضي الله عنهما: قال: ((قدم عيينة بن حصن بن حذيفة، فنزل على ابن أخيه الحر بن قيس، وكان من النفر الذين يدنيهم عمر، وكان القراء أصحاب مجالس عمر ومشاورته كهولًا كانوا أو شبانًا، فقال عيينة لابن أخيه: يا ابن أخي، هل لك وجه عند هذا الأمير، فاستأذن لي عليه؟ قال: سأستأذن لك عليه، قال ابن عباس: فاستأذن الحر لعيينة، فأذن له عمر، فلما دخل عليه، قال: هي يا ابن الخطاب، فوالله ما تعطينا الجزل ولا تحكم بيننا بالعدل، فغضب عمر حتى همَّ أن يوقع به، فقال له الحر: يا أمير المؤمنين، إن الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: ï´؟ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ï´¾ [الأعراف: 199]، وإن هذا من الجاهلين، والله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه، وكان وقافًا عند كتاب الله))[30].







فأسال الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يمنَّ علينا بعفوه في الدنيا والآخرة، وأن يجعلنا من العافين عن الناس، إنه مجيب مَن دعاه ومعطي مَن رجاه.







[1] طبعًا مع الفرق العظيم والبون الشاسع بين صفات الله تعالى وصفات مخلوقاته، فالفرق بين صفات الخالق وصفات المخلوق كالفرق بين الخالق والمخلوق، كما أن من صفات الله تعالى ما يختص به سبحانه ولا يشاركه فيه غيره، وإنما كلامي عن الصفات التي فيها مشاركة في أصلها، كصفة العفو والكرم والعلم والجود والجمال وغيرها.




[2] روضة المحبين: 64.




[3] وهذه الأحاديث كلها ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهي مخرجة في صحيح الجامع للعلامة الألباني رحمه الله تعالى، إلا الأول فهو مخرج في المشكاة والإرواء.




[4] شفاء العليل: 116.




[5] روضة المحبين: 64.




[6] ومن أسباب ضلال بعض أهل البدع أنهم سووا بين التشبيه والتمثيل، فعطلوا كثيرًا من الصفات أو بعضها بحجة أنها تستلزم التشبيه، مع أن الذي ورد تنزيه الله تعالى عنه المثيل لا الشبيه؛ قال تعالى: ï´؟ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ï´¾ [الشورى: 11]، والتشبيه أعم من التمثيل، فما من شيئين إلا بينهما تشابه من وجه واختلاف من وجه، بخلاف التمثيل فهو مماثلة الشيء للآخر في خصائصه، وقد تصدى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى لإبطال هذا الضابط الفاسد؛ ألا وهو: اعتماد التشبيه في تنزيه الله تعالى في كتابه القيم "العقيدة التدمرية"، فلينظر فإنه جد مفيد.




[7] الروح: 242.




[8] ومن أهل العلم من يكتفي بقسمين: دعاء المسألة، ودعاء العبادة.




[9] رواه الترمذي وغيره وصححه الألباني.




[10] رواه أبو داود وغيره وصححه الألباني.




[11] بدائع الفوائد: 1/ 172.




[12] أخرجه الترمذي والبيهقي والحاكم وغيرهم، والحديث صحيح: انظر الصحيح (ح رقم: 3337).




[13] تيسير الرحمن: 563.




[14] المقصد الأسنى: 140.




[15] هكذا ثبتت في الكتاب، ولعل الصواب: الانتصار، والله أعلم.




[16] تفسير البيضاوي: 272.




[17] تيسير الرحمن: 543.




[18] تيسير الرحمن: 760.




[19] وممن ضعفه العلامة الألباني رحمه الله تعالى، وقد أورده في السلسة الضعيفة تحت رقم: 2583.




[20] نوادر الأصول في أحاديث الرسول؛ لأبي عبدالله الحكيم الترمذي: 2/ 56.




[21] تفسير الثوري: 70.




[22] مفاتيح الغيب: 6/ 123 - 124.




[23] رواه مسلم في البر والصلة، باب: استحباب العفو والتواضع.




[24] شرح النووي على مسلم: 16/ 141.




[25] هكذا وردت كلمة الانتقام نكرة، ولعل الأنسب التعريف؛ أي: والانتقام ظاهره عز وباطنه ذل.




[26] (لا) هنا بمعنى (ما).




[27] الروح: 242.




[28] صحيح ابن ماجه.




[29] نسأل الله تعالى من فضله.




[30] صحيح البخاري، كتاب التفسير: باب: ï´؟ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ï´¾ [الأعراف: 199]، العرف: المعروف.














__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 30.01 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 29.38 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.09%)]