عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 05-04-2020, 08:39 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,970
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تذكرت الوباء الكبير

تذكرت الوباء الكبير[1]

د. محمود النوبي أحمد سليمان

وفي الأبيات الآتية استشرى الطاعون وتجبر؛ فصار يواجه الناس صباحًا ومساءً؛ قال ابن الوردي[15]:
يا رحمتا لدمشق من طاعونها
فالكل مغتبق به أو مصطبحْ

كم هالك نفث الدما من حلقه
أوَما تراه بغير سكين ذُبحْ


فالأبيات السابقة تبين مراحل تطور الوباء على الترتيب: ففي أول أمره يخرج خلف أذن الإنسان ما يشبه البثرة (قد مات من خلف أذنه)، ثم صار يخرج للإنسان كبة تحت إبطه (فجا طاعونهم من تحت إبط)، وأشد مراحله عندما يشعر الإنسان بحرارة وغثيان فيبصق دمًا ويموت (كم هالك نفث الدما من حلقه - تقتل الناس ببزقه).

وهناك مجموعة أخرى من الشعر الموثق لوباء (سنة 749هـ)، وهي أبيات متقاربة المعاني والصور، غير بعيدة في دلالتها عن الأبيات السابقة؛ منها:
قول الشيخ بدر الدين حسن بن حبيب الحلبي[16]:
إن هذا الطاعون يفتك في العا
لم فتك امرئ ظلوم حسودِ

ويطوف البلاد شرقًا وغربًا
ويسوق الخلوقنحو اللحودِ[17]

(الخلوق: جميع الخلق).

وقول الصلاح الصفدي:
لمَ افترست صحابي
يا عام تسع وأربعينا

ما كنت والله تسعًا
بل كنت سبعًا يقينا[18]


وفيها قال جمال الدين إبراهيم المعمار[19]:
قبح الطاعون داءً
فُقدت فيه الأحبهْ

بيعت الأنفس فيه
كل إنسان بحبهْ[20]



وقال ابن نباتة المصري فيه[21]:
سر بنا عن دمشق يا طالب العيـ
ـش فما للمقام للمرء رغبهْ

رخصت أنفس الخلائق بالطا
عون فيها فكل نفس بحبهْ[22]


وقال:
عج عن العجب فهذى جلق
أصبحت منه على حال ذميمِ

لم تزل بالعجب حتى ضربت
نفسها منه بطاعون عظيمِ[23]


والشعر كثير، والأخبار أكثر، كلها تشير إلى دلالة واحدة، وهي دلالة الموت وكثرته في الخلائق.


[1] د. محمود النوبي أحمد - أستاذ الأدب العربي والنقد الأدبي، وكيل كلية الألسن جامعة الأقصر.

[2] د. قاسم عبده قاسم، دراسات في تاريخ مصر الاجتماعي عصر سلاطين المماليك، ط: دار المعارف، الطبعة الثانية، 1983م، ص: 149.

[3] انظر: ***المقريزي تقي الدين أحمد بن علي، كتاب السلوك لمعرفة دول الملوك، الجزء الثاني، القسم الثاني، ط: مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، الطبعة الأولى، سنة 1958م، ص: 773 - 791، وابن تغري بردي، النجوم الزاهرة، ج: 10، ص: 155 - 184، وابن إياس، بدائع الزهور، ج: 1، ص: 163، ومحمود رزق سليم، موسوعة عصر سلاطين المماليك ونتاجه العلمي والأدبي، المجلد الرابع، ط: مكتبة الآداب، الطبعة الأولى، 1965م، ج: 7، ص: 317.

[4] المقريزي، السلوك، ج: 2، ص: 781 - 782، ابن تغري بردي، النجوم الزاهرة، ج:10، ص: 163، ابن إياس، بدائع الزهور، ج: 1، ص: 163.
(والعدد المذكور مبالغ فيه، ولكنه يدل على كثرة الموتى).

[5] ابن الوردي (691 - 749 هـ = 1292 - 1349 م)، عمر بن مظفر بن عمر بن محمد بن أبي الفوارس، أبو حفص، زين الدين، ابن الوردي المعري الكندي: شاعر، أديب، مؤرخ، ولد في معرة النعمان (بسورية)، وولي القضاء بمنبج، وتوفي في طاعون حلب؛ [الصفدي، صلاح الدين بن أيبك، أعيان العصر وأعوان النصر، حققه: د. علي أبو زيد وآخرون، ط: دار الفكر المعاصر، بيروت، لبنان، ودار الفكر، دمشق، سورية، الطبعة الأولى 1998م، ج: 3، ص: 677 - 678، والزركلي، الأعلام، ج: 5، ص: 67].

[6] الضَّبْعُ بسكون الباء وسط العضد بلحمه يكون للإِنسان وغيره والجمع أضباعٌ، وفي البيت بمعنى ذراعه؛ [ابن منظور، محمد بن مكرم بن منظور الإفريقي المصري، لسان العرب، ط: دار صادر، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى (دت)، (ضبع)].

[7] المقريزي، السلوك، ج: 2، ص: 787.

[8] انظر: الصفدي، أعيان العصر، ج: 3، ص: 60/ ج: 5، ص: 365، وابن تغري بردي، النجوم الزاهرة، ج: 10، ص: 162، والوافي، ج: 18، ص: 240.

[9] المقريزي، السلوك، ج: 2، ص: 790.

[10] ابن تغري بردي، النجوم الزاهرة، ج: 10، ص: 166.

[11] انظر: الصفدي، أعيان العصر، ج: 3، ص: 60، ج: 5، ص: 365، وانظر: ابن تغري بردي، النجوم الزاهرة، ج: 10، ص: 162 – 184.

[12] المقريزي، السلوك، ج: 2، ص: 788.

[13] ابن تغري بردي، النجوم الزاهرة، ج: 10، ص: 157 – 162.
(وتفسير ذلك طبيًّا: أن للطاعون أنواعًا ومراحل هي: 1- طاعون تلوث الدم septicemic plague، ويظهر على شكل بقع نزفية غامقة تحت الجلد (وهو ما أعطاه اسم الموت الأسود)، والأشخاص الذين يموتون من هذا النوع يموتون في نفس يوم ظهور الأعراض المرضية عليهم.
2- الطاعون الرئوي Pneumonic plague: وهو أخطر أنواع الطاعون، وتنتقل عدواه عن طريق استنشاق الرذاذ المعدي أثناء العطس والكحة من إنسان مصاب بالعدوى إلى إنسان آخر بشكل مباشر ... وتتراوح فترة الحضانة لهذا النوع ما بين (1 - 4 أيام)، وهو أخطر أنواع الطاعون ... ومن أعراضه سعال أو قيء يصحب بدم، ونسبة الوفيات من هذا النوع من الطاعون تتراوح ما بين (50 - 90%)؛ [انظر: د.عبدالهادي مصباح، جريدة المصري اليوم، جريدة مصرية يومية مستقلة، عدد السبت الموافق 20/ 6/ 2009م].

[14] المقريزي، السلوك، ج: 2، ص: 789، وابن تغري بردي، النجوم الزاهرة، ج: 10، ص: 167.

[15] الصفدي، أعيان العصر، ج: 3، ص: 41، وابن تغري بردي، النجوم الزاهرة، ج: 10، ص: 167.

[16] ابن حبيب الحلبي (710 - 779 هـ = 1310 - 1377 م) الحسن بن عمر بن الحسن بن حبيب، أبو محمد، بدر الدين الحلبي: مؤرخ، من الكتاب المترسلين، ولد في دمشق، ونصب أبوه محتسبًا في حلب فانتقل معه، فنشأ فيها، ونُسب إليها، ثم رحل إلى مصر والحجاز، وعاد، وتنقل في بلاد الشام واستقر في حلب؛ [الزركلي، الأعلام، ج: 2، ص: 208].

[17] ابن تغري بردي، النجوم الزاهرة، ج: 10، ص: 167.

[18] ابن إياس، بدائع الزهور، ج: 1، ص: 164.

[19] جمال الدين بن نور الدين علي المعمار، وقيل: الحائك، وقيل: الحجار، غلام النوري المصري، عامي مطبوع، تقع له التوريات المليحة المتمكنة، توفي في طاعون مصر سنة تسع وأربعين وسبعمائة؛ [انظر: الصفدي، الوافي بالوفيات، ج: 6، ص: 111، وأعيان العصر، ج: 1، ص: 146 – 147، ود. محمد زغلول سلام، الأدب في العصر المملوكي، الجزء الثالث، ط: منشأة المعارف بالإسكندرية، 1996م، ص: 373].

[20] ابن تغري بردي، النجوم الزاهرة، ج: 10، ص: 168.

[21] إنما ذكرتها في هذا الموضع؛ لأنها كشعر معاصريه، عبر بها صراحة عن الفجيعة.

[22] ابن نباتة، جمال الدين ابن نباتة المصري، ديوان ابن نباتة المصري، ط: الهيئة العامة لقصور الثقافة 2007م، نسخة مصورة عن مطبعة التمدن بعابدين، الطبعة الأولى، سنة 1323هـ - 1905م، ص: 50، وابن تغري بردي، النجوم الزاهرة، ج: 10، ص: 166.

[23] ابن نباتة، الديوان، ص: 468.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 24.84 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 24.21 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.53%)]