عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 24-03-2020, 04:04 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,450
الدولة : Egypt
افتراضي مَسْلَمة بنُ عبد المَلِك مُجاهد على الدَّوام أَحْمد الشِّرباصي

مَسْلَمة بنُ عبد المَلِك





مُجاهد على الدَّوام







أَحْمد الشِّرباصي

روى الإمام البُخاري أن رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم- قال : جُعِل رِزقي تحت ظِلّ رُمْحي . والنَّفْس تفهم من هذا الحديث الكَريم مَعنًى تَرْجو أن يكون صَوابا من الله : وإلا فالخَطَأ منها ومن الشيْطان ، أن الحقَّ لا بُدَّ له من قوة تَحْرسه وتَصونُه ، وإلا ضاعَ تحت جَبَروت الباطِل ، والعامة تقول : المال السّايِب يعَلِّم السَّرِقة وكذلك قيل : من لم يتَذَأَّب أكلَتْه الذِّئاب .

فَرِزْق المسْلِم وهو يتمَثَّل في داره وعَقارِه ، وسَكَنه ووَطَنه ، وزَرْعه وضَرْعه ، وكل ما يَحوزه ويَمْلكه - يجب أن يكون مَحْروسا بعُدَّته وعَتادِه ، مُستظِلا بسِلاحه ورِماحِه ، ومن هُنا قال الله في القُرآن الكَريم :


وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ


ولَيْسَت الحَرْب في الإسلام غايَة مَقْصودة لذاتِها ، ولكنها خُطَّة يدْفَع إليها بَغْي الباغين وظُلْم الظّالمين ، ولذلك قال الله تعالى في التنزيل المَجيد :


وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ
وقال أيضا :
فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ


وصِيانَة الحَقّ والرزق تستَلْزِم أن يَكون أبناء الإسلام دائما على إِعْداد واستِعْداد ، وأن تكون طائِفَة منهم على الدَّوام في حالة رِباطٍ ، أو على أَرْض المَيْدان ، حتى يَظَل الجِهاد فَريضَة قائمَة باقِية ، وصلَوات الله وسَلامُه على رَسوله حِين مَجَّد شَأْن المؤْمِن المجاهِد المَوْصول النِّضال ، فقال : خَيْر الناس رَجُل مُمْسك بعِنان فَرَسه كلما سمِع هَيْعَة طار إلَيْها .

* * *

وهذا : واحِدٌ من أَبْناء الإسلام ، وأَتْباع مُحَمد - عليه الصَّلاة والسَّلام - يَظَل أكثَرَ من خَمْسين عاما يَحمِل سِلاحَه ، ويسدِّد رِماحَه ، ويَذود عن حِمَى الدِّين ، ويَصون حُرُمات المُسلِمين ، ويتَقَرب بالجِهاد إلى الله رَب العالمين : إنه البَطَل القائِد ، الأمير الفاتح أبو سعيد مَسْلَمة بن عبد المَلِك بن مُرْوان بن الحَكَم القُرَشي الأُمَوي الدِّمَشقي ، وإليه تُنْسب جَماعَة بني مَسْلمة الَّتي كانت بَلْدتهم هي الأَشْمونين وفيها مَنازلهم ، وهي بَلْدَة بالصَّعيد الأعلى في مِصْر غَربيَّ نهر النيل .

وكان مَسْلمة بن عبد المَلِك من أَبْطال عَصْره ، بل من أبْطال الإسلام المَعْدودين ، حتى كانوا يقولون عنه أنه خالِد بن الوليد الثاني ، لأنه كان يُشْبه سَيف الله المَسْلول في شَجاعَتِه وكَثْرة مَعارِكه وحُروبِه ، ويقول عنه المؤرِّخ يوسُف بن تَغْري : روى صاحِب كتاب النُّجوم الزاهِرَة هذه العبارة : كان شُجاعًا صاحِب هِمَّة وعَزيمة ، وله غَزَوات كَثيرة . ويقول عنه ابنُ كَثير : وبالجُمْلة كانت لِمَسْلَمة مواقِف مَشْهورة ، ومَساعٍ مَشْكورة ، وغَزَوات مُتَتالِية مَنْثورة ، وقد افتَتَح حُصونا وقِلاعا ، وأحيا بِعَزْمه قُصورا وبِقاعا ، وكان في زَمانِه في الغَزَوات نَظيرَ خالِد بن الوَليد في أيامِه ، وفي كَثْرة مَغازيه ، وكَثْرة فُتوحه ، وقوة عَزْمه ، وشدَّة بأْسِه ، وجَوْدة تصَرُّفه في نقضِه وإبْرامِه ، وهذا مع الكَرَم والفَصاحَة ، ويقول عنه صاحب العِقْد الفَريد : ولم يكن لعبد المَلِك ابْنٌ أسَدٌّ رَأْيا ، ولا أَزْكي عقلا ، ولا أشْجَع قلبا ، ولا أسْمَع نفسا ، ولا أسْخَى كفًّا من مَسْلَمة .

ولِذَلك أوْصَى عبد المَلك بنُ مُرْوان أولادَه ، وفيهم مَسْلمة ، فكان مما قاله لهم عنه : يا بَنِيَّ ، أخوكُم مَسْلمة ، نابُكم الذي تَفْترون عنه ، ومِجَنُّكم الذي تَستجِنُّون به ، أصْدِروا عن رأْيِه .

ومع أن إخوة لِمَسْلمة تَوَلَّوُا الخلافَة دُونه ، ظَل هو بَيْنهم النَّجْم المُتَألق الثّاقِب بِجِهاده وكِفاحِه ، وقال عنه مؤرِّخ الإسلام الذَّهبي : كان مَسْلمة أَوْلى بالخِلافة من إخْوتِه . وليْسَت العِبرَة بالمَناصِب والمَراتِب ، ولكنَّها بالإرادَة والعَزيمة ، والإِقْدام ، وعُمق التَّفكير ، وحُسن الخُلُق .

وكانوا يُلَقِّبون مَسْلمة بلقب الجَرادة الصَّفراء ، لأنه كان مُتَحلِّيا بالشَّجاعة والإِقدام ، مع الرأي والدَّهاء ؛ ومع أنه تَوَلى إمارَة أذْرَبَيْجان وأَرْمينِيَّة أكثر من مرة وإمارَة العِراقين ، ظَل يُواصِل الجِهاد ، ويُتابِع المَعارِك ، منذ تَولَّى والدُه الخلافَة سنة خمس وستين وظَل مَسْلَمة على هذه الروح البُطولِية حتى لَحِق بِرَبه سنة إحدى وعشرين ومائة .

* * *
إشارات إلى المعارك التي خاضها مسلمة
وهذه إشارات سَريعَة إلى سِلسلَة المَعارِك التي خاضَها :


* في سنة سِتٍّ وثمانين غَزا مَسْلمة أرض الرُّوم . وفي سنة سَبْع وثمانين غَزا أرض الرُّوم ، ومعه يَزيد بن جُبَير ، فلَقِي الروم في عَدَد كثير بسَوْسَنة من ناحية المَصيصَة ، ولاقى فيها مَيْمونا الجرجماني ، ومع مَسْلمة نحو من أَلْف مُقاتل من أهل أنْطاكِية عند طُوانَة ، فقَتَل منهم بَشَرا كثيرا ، وفَتَح الله على يدَيْه حُصونا .

*وفي سَنَة ثمان وثمانين فَتَح مَسْلمة حِصْنا من حُصون الرُّوم تسمى طُوانَة ، في شهر جُمادى الآخرة ، وشَتَّوا بها ، وكان على الجَيْش مَسْلمة والعَبّاس بن الوَليد بن عبد المَلِك ، وهزَم المسلمون أعداءهم ، ويُروى أن العبّاس قال لبعض من معه : أين أَهْل القُرآن الذين يُريدون الجَنَّة ، فقال له : نادِهم يأتوك . فنادى العبّاس : يا أهلَ القُرآن . فأَقبَلوا جميعا ، فهَزَم الله أعداءهم .

*وفي سنة ثَمان وثَمانين أيضا غَزا مَسْلمة الرومَ مرة أخرى ، ففتح ثلاثة حُصون ، هي حِصْن قُسْطَنْطِينِيَّة وحصن غَزالَة ، وحِصْن الأَخرَم . *وفي سنة تِسْع وثمانين غَزا مَسْلمة أرض الرُّوم مرة أخرى ، حَيث فَتَح حِصن سُوريَّة ، وقَصَد عَمورية ، فوافَق بها للرُّوم جَمْعا كثيرا ، فهَزَمهم الله ، وافتتَح هِرَقلة وقَمودية .

*وفي سنة تِسْع وثمانين أيضا غَزا مَسْلمة التُّرك ، حتى بلغ الباب من ناحية أَذْرَبيجان ، ففتح حُصونا ومَدائن هناك .

*وفي سنة اثنَتَين وتِسْعين غَزا مَسْلمة ، ومع عُمَر بن الوَليد ، أرض الرُّوم ، ففَتَح الله على يَدَي مَسْلمة ثَلاثة حُصون ، وجَلا أهل سَوْسَنة إلى جَوْف أرض الرُّوم .

*وفي سنة ثَلاث وتسعين غَزا مَسْلمة أرض الرُّوم ، فافتَتَح ماسَّة ، وحِصن الحَديد ، وغَزالَة ، وبُرْجُمَة من ناحية مَلْطيَّة .

*وفي سنة سِتٍّ وتسعين غَزا مَسْلمة أرض الرُّوم صَيْفا ، وفتح حِصْنا يقال له : حِصن عَوْف .

*وفي سنة سَبْع وتسعين غَزا مَسْلمة أرض الرُّوم ، وفتح الحِصن الذي كان قد فَتَحه الوضّاح صاحِب الوضّاحية .

*وفي سنة ثمان وتسعين حاصَر مَسْلمة القُسطَنطينِيَّة ، وطال الحِصار ، واحتَمَل الجُنود في ذلك مَتاعِب شَديدَة .

*وفي سنة ثمان ومائة غَزا مَسْلمة الرُّوم حتى بلغ قَيْسارِية وفَتَحها .

*وفي سنة تسع ومائة غَزا التُّرك والسِّند ، وولاّه أخوه يَزيد بن عبد المَلك إمارَة العِراقيين ثم أَرْمينية .

*وفي سنة عشر ومائة غَزا مَسْلمة التُّرك ، وظَل يُجاهد شَهرا في مَطَر شديد حتى نَصرَه الله .

*وفي سنة عشر ومائة أيضا قاتَل مَسْلمة مَلِك التُّرك الأَعظَم خاقان ، حيث زَحَف إلى مَسْلمة في جُموع عظيمة فتَوافَقوا نَحْوا من شهر ، ثم هَزَم الله خاقان زَمَن الشتاء ، ورَجَع مَسْلمة سالما غانِما ، فسَلَك على مَسْلك ذي القَرْنين في رُجوعه إلى الشام ، وتسمى هذه الغَزْوة غَزاة الطِّين ، وذلك أنهم سَلَكوا على مَفارِق ومَواضِع غَرق فيها دَواب كثيرة ، وتوَحَّل فيها خَلْق كثير ، فما نَجَوْا حتى قاسَوْا شدائد وأَهْوالا صِعابا وشدائد عِظاما .

*وفي سنة ثلاث عشرة غَزا مَسْلمة بِلاد خاقان ، وبث فيها الجيوش ، وفَتَح مَدائن وحُصونا ، وقَتَل منهم وأَسَر ودان لِمَسْلمة من كان وراء جِبال بَلَنْجَر .

*وفي سنة ثلاث عشرة أيضا تَوغَّل مَسْلمة في بلاد التُّرك ، فقَتَل منهم خَلْقا كثيرا ، ودانَت له تلك المَمالك من ناحية بَلَنْجَر وأعمالها .

*وفي سنة إحدى وعشرين ومائة غَزا مَسْلمة الرُّوم ، ففَتَح حِصن مَطامير .
يتبع





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 26.13 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 25.51 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.40%)]