عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 23-03-2020, 02:39 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,201
الدولة : Egypt
افتراضي مكانة ابن خويز منداد العلمية - عرض ونقد

مكانة ابن خويز منداد العلمية - عرض ونقد
محمد جالو




الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.

تعتبر كتب التراجم من أهم المصادر التي تزوِّد الباحث بالمعلومات المتعلقة بالشخصيات العلمية التي حظيت بها الأمة الإسلامية على مر العصور، فبواسطة كتب التراجم يُعرف فضل الرجل، وتوجهُه العقدي ومذهبُه الفقهي الذي ينتمي إليه، ومكانتُه العلمية والعصرُ الذي عاش فيه، والمصنفاتُ التي صنَّفها وترَكها للأجيال اللاحقة...

وغالباً ما يركن الباحث إلى ما يقرره العلماء في حق من ترجموا لهم، وتطمئن إليه نفسه، ويجعل ذلك أمرا مسلّما غير قابل للنقاش البتة؛ خصوصا إذا كان العالم الذي تعرَّض لترجمة تلك الشخصية العلمية معروفا بالرسوخ في العلم والدقة في النقل.

قرأت قبل سنوات في ترتيب المدارك للعلامة المالكي القاضي عياض رحمه الله ترجمة الإمام ابن خويز منداد البصري المالكي رحمه الله فخرجت من ذلك مقتنعا أن الإمام ابن خويز منداد لم يكن بالجيد النظر، ولا بالقوي الفقه...، أضف إلى ذلك أن القاضي عياضا دعم قوله بما نقله عن الإمام الباجي أنه لم يسمع لابن خويز منداد في علماء العراق بذكر.

كنت كذلك حتى وقعتْ يدي على رسالتين علميتين، إحداهما تتعلق بآرائه الأصولية للدكتور عبد العزيز صبحي، وهي رسالة مقدمة لنيل درجة العالمية الماجستير في جامعة أم القرى في البلد الأمين، والأخرى كانت متعلقة بتاريخ الخلاف العالي عند المالكية لنيل دكتوراه الدولة في دار الحديث الحسنية بعنوان: المستوعب لتاريخ الخلاف العالي ومناهجه عند المالكية.

قرأت الجزء المختص بترجمة ابن خويز منداد في الرسالة الأولى، وتلوت القسم المتعلق بمالكية العراق وطبقاتهم وجهودهم في خدمة المذهب المالكي من أطروحة الدكتور محمد العلَمي، الأمر الذي جعلني أغيّر اقتناعي الذي لم أناقشه يوما، ولا تكلفت بالبحث عنه قط وذلك لجلالة القاضيين أبي الوليد الباجي وعياض ووزنهما في المذهب المالكي، كما حفّزني ذلك أيضا على البحث عن شخصية هذا الإمام في كتب التراجم وغيرها من كتب أهل العلم، والمقارنة بين ذلك وبين ما قرره العلامة القاضي عياض في كتابه ترتيب المدارك.

وسيكون تناول هذا البحيث على النحو الآتي:
المبحث الأول: ترجمة موجزة للإمام ابن خويز منداد.
المبحث الثاني: مكانة الإمام ابن خويز منداد العلمية في كتب التراجم.
المبحث الثالث: مكانة الإمام ابن خويز منداد العلمية في غير كتب التراجم.
المبحث الرابع: نقد الأقوال الواردة في مكانته العلمية.

المبحث الأول: ترجمة موجزة للإمام ابن خويز منداد.
هو أبو عبد الله محمَّد بن أحمد بن علي بن خويز منداد الإِمام العالم المتكلم الفقيه الأصولي تفقه بالأبهري، يروي عن أبي داسة، وأبي الحسن التمار، والمصيصي، له كتاب كبير في الخلاف، وكتاب في أصول الفقه، وفي أحكام القرآن[2].

وقد اختلف المترجمون له حول ضبط اسمه إلى عشرة أقوال[3]، كما اختلفوا في كنيته، وقد تباينت آراؤهم أيضا حول اسم جده إلى أقوال أرجحها أن اسمه عليُّ، وهو الذي مال إليه القاضي عياض وابن فرحون رحمهما الله، وجنح إليه أيضا الدكتور عبد العزيز صبحي[4].

لم تذكر المصادر التي تعرضت لترجمة الإمام ابن خويز منداد سنة ولادته، ولا سنة وفاته على وجه التحديد، وإنما اتفقت على أنه رحمه الله عاش في القرن الرابع الهجري، وقد ترجم له الإمام الذهبي وأرخ وفاته في سنة 390ه-[5].

المبحث الثاني: مكانة الإمام ابن خويز منداد العلمية في كتب التراجم.
إن الناظر في كتب التراجم يجد أن للإمام ابن خويز منداد مكانةً علميةً في الجملة، وقد ذكره الشيرازي في طبقاته والشيخ محمد مخلوف في شجرته على سبيل المدح والثناء، إلا أنه لم يسلم من نقد الناقدين؛ فإن كثيرا من المترجمين له وصفُوه بأنه لم يكن بالجيد النظر ولا بالقوي الفقه، وأن عنده شواذاً عن مالك، واختياراتٍ وتأويلاتٍ خالف فيها المذهب المالكي.

1- قال القاضي أبو الوليد الباجي رحمه الله في ابن خويز منداد: ((إني لم أسمع له في علماء العراق بذكر))[6].

2- وقد وصفه القاضي عياض رحمه الله بأنه لم يكن بالجيد النظر، ولا بالقوي الفقه، وأن عنده شواذا عن مالك، واختيارات وتأويلات لم يرجع عليها حذاق المذهب[7].

3- نقل الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى طعن الإمام ابن عبد البر في ابن خويز منداد في لسان الميزان دون بيان وجه الطعن فيه[8].

وسأكتفي بهذه النقولات الثلاثة في بيان أن العلماء طعنوا في الإمام ابن خويز منداد رحمه الله، كما عابوا عليه شذوذه، واختياراته وتأويلاته المخالفة لأصول المذهب المالكي.

ولقائل أن يقول لماذا اكتفى الباحث بنقل بعض أقوال من طعن في ابن خويز منداد وأهمل ذكر كثير ممن تكلم فيه؟

يجاب عن هذا التساؤل: بأن الباحث لم يقصِّر في نقل أقوال العلماء في ذلك، وإنما ضرب صفحا عن بقيتها؛ لأن أغلبها يكاد يكون نقلا حرفيا عن القاضي عياض على سبيل الرضا والتأييد لما قرره في ترتيب المدارك حول ابن خويز منداد، فإن كثيرا من العلماء الذين جاءوا بعد القاضي عياض إذا ترجموا للإمام ابن خويز منداد يكتفون بنقل قوله كما ذكره في ترتيب المدارك إلا قليلين، منهم: الذهبي والشيخ محمد مخلوف فإنهما لم ينقلا قول القاضي عياض نقلا حرفيا حين ترجما له، أما الذهبي فقد صدَّر ترجمته لابن خويز منداد بأنه من كبار المالكية العراقيين، ثم أشار إلى أن له اختيارات خالف فيها المذهب المالكي دون أن يجاري القاضي عياضا في وصفه برداءة النظر والضعف في الفقه، وقد نحا الشيخ مخلوف منحى الذهبي تقريبا حيث إنه اكتفى بذكر ما يتعلق بمدح ابن خويز منداد وضرب صفحا عن الباقي[9].

ويمكن أن يستخلص من هذا النقل عن العلماء رحمهم الله ما يأتي:
أن الإمام ابن خويز منداد ليست له مكانة علمية معتبرة في أهم كتب تراجم المالكية؛ فإنه ذو نظر ضعيف وصاحب فقه لين، كما نقله العلامة القاضي عياض في كتابه ترتيب المدارك، وتبعه عليه بعض العلماء؛ كابن فرحون رحمه الله في الديباج المذهب.

أن كتاب ترتيب المدارك للقاضي عياض رحمه الله يكاد يكون مصدرَ كلِّ من طعن ابن خويز منداد رحمه الله في فقهه واجتهاده، ولا يحتاج الباحث للتأكد من ذلك إلى عناء؛ فالنقل الحرفي الذي ينقله مَن جاء بعد القاضي عياض مِن كتابه دليل على ذلك.

المبحث الثالث: مكانة الإمام ابن خويز منداد العلمية في غير كتب التراجم.
بعد أن تبينتْ مكانة الإمام ابن خويز منداد في كتب التراجم في المبحث السابق، سأتناول في هذا المبحث أقوال العلماء في ابن خويز منداد خارج كتب التراجم.

قال الإمام القرطبي رحمه الله:
(وقد قال ابن خويز منداد من علمائنا: إن المرأة إذا كانت جميلة وخيف من وجهها وكفيها الفتنة فعليها ستر ذلك...)[10].

لقبه العلامة البناني المالكي ب: شيخ الإسلام[11].

عدّه أبو الخطاب ابنُ دحية من علماء الفقه والنظر، لما كان في معرض سرد الأقوال الواردة في خبر الواحد هل يفيد العلم أولا؟[12].

وسأكتفي بهذه النقولات الثلاثة لبيان صورة الإمام ابن خويز منداد بعيدا عن كتب التراجم، فصورته في غيرها من حيث الجملة أكثر مناسبة لمقامه، حيث يظهر فيها بألقاب علمية رفيعة القدر أطلقها عليه علماء كبار أيضا يعرفون وزن هذه الكلمات التي أطلقوها عليه.

وحتى لا يظن القارئ بأن صورة الإمام ابن خويز منداد بيضاء ناصعة في غير كتب التراجم، تجب الإشارة في هذا المقام إلى أن الإمام أبا محمد ابن حزم رحمه الله طعن فيه، ووصفه بالسخف والجهل كعادته مع العلماء حين يناقشهم في مسألة خلافية سائغة[13].

المبحث الرابع: نقد الأقوال الواردة في مكانته العلمية.
عُرف في المباحث السابقة من هو الإمام ابن خويز منداد البصري، كما تم عرض أهم الأقوال الواردة في مكانته العلمية، وسأتطرق في هذا المبحث إلى نقد تلك الأقوال ومناقشة ما يحتاج من ذلك إلى مناقشة.

قبل الشروع في نقد الأقوال الواردة في حق الإمام ابن خويز منداد، أودُّ أن أنبه إلى أنني لن أركز على الأقوال الواردة في الثناء عليه ووصفِه بأنه عالم، وكبيرٌ من كبار مالكية العراق، فإن مؤلفاته التي وُصف بعضها بأنه كبير تؤهِّله لأن يُحلَّى بتلك الألقاب، بخلاف الطعن في فقهه واجتهاده ورميه بالشذوذ، مع كثرة ورود اسمه في بطون كتب الفقه المقارن عموما، وكتب المذهب المالكي خصوصا، واعتبار تقريراته أحيانا في كتب المالكية؛ فإن ذلك يلفت نظر الباحث ويدفعه إلى تتبع هذا القول لمعرفة مدى مطابقته للواقع من عدمها.

وسأذكر ما ورد في انتقاده قولا قولا، ثم أتبعه بالمناقشة:
رأي الإمام القاضي أبي الوليد الباجي ومناقشته:
مما انتقِد على ابن خويز منداد أن القاضي عياضاً نقل عن الباجي أنه غير معروف في علماء المالكية العراقيين.

انتقد القاضي عياض رحمه الله القولَ بأن الإمام ابن خويز منداد من المجهولين، حيث بين أنه رحمه الله بلغ من الشهرة وكثرة التصانيف ما يبعده من عدِّه في زمرة المالكية غير المعروفين، وبين أن الشيرازي ذكره في طبقاته، وأن القاضي عبد الوهاب يحكي عنه[14].
يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 26.00 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 25.37 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.42%)]