
21-03-2020, 01:43 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,216
الدولة :
|
|
رد: سيرة محمد بن عبد الكريم بن محمد المغيلي التلمساني
سيرة محمد بن عبد الكريم بن محمد المغيلي التلمساني
د. بن يحيى الطاهر ناعوس
وقد أثارت هذه الفتوى من قبل الإمام المغيلي ردودَ فعل كثيرة في أوساط معاصريه من العلماء، بين مؤيّد ومعارض، ولمَّا حمي الوطيس بين الفريق المناصر لمحمَّد بن عبدالكريم المغيلي، والفريق المعارض له، واشتدَّ الخلاف بين المسلمين، راسل كِلا الفريقين أكبر علماء العصر في تلمسان، وفي فاس، وفي تونس، وكانت المدُن الثَّلاث العواصم السياسيَّة، والدينيَّة، والثَّقافيَّة للأجزاء الثَّلاثة من المغرب الإسلامي.
قلت: راسل الفريقانِ كبارَ علماء العصر، يَستفْتيانِهم في القضيَّة، وكان كلّ فريق يأمل تأْييد موقفه ضدَّ موقف الفريق الآخر، المتَّهم بمخالفة تعاليم الشَّريعة.
وقد أوْرد الإمام الفقيه أحمد الونشريسي في موسوعته الفقهيَّة "المعيار المعرب" مختلف الفتاوى التي تلقَّاها الفريقان، فكان ممَّن عارضوا المغيلي علماء من تلمسان وفاس، وعلى رأسِهم الفقيه عبدالرحمن بن يحيى بن محمد بن صالح العصنوني، المعروف بشرحه على التلْمسانيَّة، وقاضي توات أبو محمد عبدالله بن أبي بكر الأسنوني.
أمَّا العلماء المؤيدون فقد كان على رأسهم الأئمَّة الأعلام: محمَّد بن عبدالله بن عبدالجليل التنسي، مؤلف الكتاب في ضبط القُرآن الكريم "الطراز على ضبط الخراز"، ومحمَّد بن يوسف السنوسي، أبو عبدالله التلمساني الحسني عالم تلمسان وصالحها، وأحمد بن محمد بن زكري المانوي أبو العباس المغراوي التلمساني، مفتي تلمسان في زمنه.
ويقول المؤرخون: "إنَّه فور وصول جواب هؤلاء العُلماء لواحة تمنطيط، حمل المغيلي وأنصاره السلاح، وانقضُّوا على كنائس اليهود، فهدموها دون تأخير"!
رحلة دعوة وإصلاح وتأليف في الصحراء:
بعد انتِصاره على اليهود - كما رأينا - قام [كما جاء في بحث بعنوان: "ملامح من التأثير المغربي في الحركة الإصلاحية في النيجر - للدّكتور عبدالعلي الودغيري رئيس الجامعة الإسلامية بالنيجر] - هذا الدَّاعية الكبير برحلته الطَّويلة إلى مناطق السودان الغربي، وظلَّ مشتغلاً بالدَّعوة والوعظ والتدريس والقضاء والفُتْيا، وبَذَل النُّصح لأمرائها وأولي الأمر فيها، وطاف بعدَد من عواصمها وأقاليمِها، فزار كانو وكَشنَة في شمال نيجيريا، وكاغو (أو جاو) (الواقعة في مالي حاليًّا)، وتَكَدَّة من منطقة أهير (التابعة للنيجر حاليًّا)، وغيرها من البلاد الواقعة بين نهري السنغال والنيجر.
ويقول بول مارتي: "ونحن نعلَم - حسبما هو متداوَل من معلومات - أنَّ الإسلام دخَل إلى بلاد الجرما والبلاد المجاوِرة إلى تساوة (Tessaoua)، وزندر (Zinder) بواسطة الشَّريف الكبير محمَّد بن عبدالكريم المغيلي، أو بالأحرى بواسطة تلاميذه المباشرين في القرن الخامس عشر"، إلى أن يقول: "لقد هبط المغيلي مع نهر النيجر إلى ناحية ساي (Saye)(1) [منطقة "ساي" هذه هي التي توجد بها الجامعة الإسلامية بالنيجر حاليًّا، وتبعد عن نيامي بحوالي 50 كم].
ويُضيف قائلاً: "وأرسل بعثات من قبله إلى بلاد جرما جندا (Djermagenda)، وربَّما إلى الشَّرق أيضًا... وقد استُقبلتْ وفادة المغيلي إلى هذه المناطق بحفاوة بالغة، وقرَّبه أمراؤها وملوكها وجعلوا منه مستشارَهم الخاص ومرجعهم الفقهي الأعلى، وكتب لهم رسائل ووصايا وفتاوى في أمور الحكم والدَّولة والسياسة الشَّرعيَّة، منها:
أ) "مجموعة في أمور الإمارة وسياسة الدَّولة"، الَّتي ألَّفها لأمير كانو محمَّد بن يعقوب المعروف برمْفت، وهي الَّتي طبعت بعنوان مخترع: "تاج الدين فيما يجب على الملوك والسلاطين" [طبعت هذه المجموعة طبعات متعدّدة، وترجمت إلى الإنجليزيَّة، وآخر طبعاتها صدرت سنة 1994 م، عن دار ابن حزم (بيروت)، بتحْقيق محمَّد خير رمضان يوسف].
وقد سلك فيها مسلك أسلافه من عُلماء المسلمين الَّذين ألَّفوا كتبًا في نصح الملوك وإرشاد السَّلاطين؛ مثل: أبي بكر الطرطوشي في "سراج الملوك"، والماوردي في الكتاب المنسوب إليه باسم: "نصيحة الملوك"، وكتابه المشهور "الأحكام السلطانية"، والغزالي في كتابه "التبر المسبوك في نصيحة الملوك"، وابن الأزرق الأندلسي في: "بدائع السلك في طبائع الملك"، والحميدي في "الذهب المسبوك في وعظ الملوك" وغيرها ممَّا هو معروف.
ب) ثمَّ كتب للأمير رَمْفَا محمد بن يعقوب لأمير كانو وصيَّة أخرى في "ما يجوز للحكَّام في ردع النَّاس عن الحرام" [ترجمها ريشار بلمر (R. Palmer) إلى الإنجليزيَّة سنة 1914 م، ثمَّ نشرها الألوري في كتابه "الإسلام في نيجيريا"، وضمّنت أيضًا في كتاب "ضياء السياسات" لعبدالله بن فودي الَّذي نشره د. أحمد كاني سنة 1988م.
ج) ثمَّ مكث مدَّة عند السلطان محمد بن أبي بكر التوري المعروف بالحاج أسكيا أمير مملكة سنغاي، وألَّف له أجوبة عن أسئِلة كثيرة وجَّهها إليه، وهي المجموعة الَّتي عُرفت باسم: "أسئِلة أسكيا وأجوبة المغيلي" ["أسئلة الأسكيا (كذا) وأجوبة المغيلي"، تقديم وتحقيق الأستاذ عبدالقادر زبادية، سلسلة ذخائر المغرب العربي]؛ فكانتْ بمثابة الحجَّة الشَّرعية الدَّامغة التي استعملها أسكيا في توطيد دعائم ملكه ومواجهة خصومه".
وكان المغيلي بجانب ثقافته الدينيَّة الواسعة وقيامه بأمور الوعظ والإرشاد، ومعرفته بأمور السياسة الشَّرعيَّة، يحترم رجال الطرق الصوفيَّة، خاصَّة منهم أولئِك الَّذين يبتعدون عن الدروشة والخزعبلات، على الطريقة القادريَّة، وكثير من الباحثين يعتقدون أنَّ له دورًا كبيرًا في التَّعريف بالطَّريقة القادرية التي كان يحترم شيوخها، ومنهم أستاذه وصهره المفسّر الثعالبي الَّذي عرَّفه عليها، ويدعو لهم بالنَّصر والنجاح؛ ولذلك انتشرت في السودان.
صدى هذه الدعوة في الصحراء:
إنَّ المتفق عليه بين جميع الدَّارسين الذين تناولوا شخصيَّة المغيلي من القدامى والمحدثين ومن العرب والغربيّين، هو أنَّ الرَّجل كان له تأثير قوي وملموس جدًّا، ظلَّ صداه يتردَّد بعده قرونًا طويلة، وهذا يلخّصه الشَّيخ الأمين محمَّد عوض الله بقوله في كتابه "العلاقات بين المغرب الأقصى والسودان الغربي في عهد السَّلْطنتَين الإسلاميتين مالي وسنغاي":
"ونستطيع أن نؤكّد - بناء على النصوص السابقة - أنَّ الدَّور الذي قام به العالم الجليل المغيلي لا يُدانيه أي دور قام به عالم مغربي في السودان الغربي؛ فقد ترك أثرًا إسلاميًّا كبيرًا، وقام بتصْحيح مفاهيم كثيرة كانتْ مغلوطة في أذْهان العامَّة والسَّلاطين".
ويقول الدّكتور شيخو أحمد سعيد غلادنثي، وهو أحد أبرز المثقَّفين والمهتمّين بالتراث الإسلامي في نيجيريا، ومن أبناء مدينة كانو بالذَّات، متحدّثًا عن زيارة المغيلي لمدينته في كتابه "حركة اللغة العربية وآدابها بنيجيريا"، ويذكر هذا المؤلّف أنَّ أحفاد المغيلي في كانو ما يزالون إلى اليوم يحضُرون مجلس أمير كانو، ويكونون في حاشيته: "ولقد كان لهذه الزيارة التي قام بها المغيلي إلى كانو صدى كبير، ونتائج عظيمة تركت أثرًا واضحًا لا في كانو فحسب، ولكن في ولايات الهوسا جميعًا؛ لأنَّ انتشار الإسلام في كانو أدَّى إلى انتشاره في الولايات الأخرى [من نيجريا]، ومن ذلك الوقت نستطيع أن نقول: إنَّ ولاية كانو أصبحت ولاية إسلاميَّة حقًّا، وبدأت بعدئذٍ تلعب دورًا هائلاً في خدمة الثَّقافة الإسلاميَّة في الولايات الأخرى".
ويذكر هذا المؤلّف إضافة إلى ذلك بأنَّ أحفاد المغيلي في "كانو" ما يزالون إلى اليوم يحضُرون مجلس أمير كانو، ويكونون في حاشيته.
ولمَّا أرَّخ المرحوم الشيخ آدم الألوري لحركة الأدب واللّغة العربيّين في نيجيريا في كتابه الذي سماه "مصباح الدراسات الأدبية في الديار النيجيرية"، أشاد بدور الإمام المغيلي الفعَّال في ترقية العلوم العربيَّة والثقافيَّة الإسلاميَّة، واعترف بتأثيره الكبير في هذه الناحية، ممَّا جعله يسمِّي قسمًا من الخمسة أدوار الَّتي عرفتها عصور الأدب العربي في نيجيريا منذ قيام هذا الأدب فيها إلى العصر الحاضر، قُلتُ: يسميه بعصر المغيلي، وهذه الأدوار رتَّبها كالتَّالي:
1- العصر البرناوي - عصر ظهور الإسلام في نيجيريا، (من القرن الخامس إلى السابع الهجري).
2- العصر الونغري (من القرْن السَّابع إلى القرن التاسع).
3- عصر المغيلي (من القرن التَّاسع إلى القرْن الحادي عشر الهجري).
4- العصر الفلاني (يبدأ بظهور ابن فودي وقيام دولته إلى سقوطها في بداية القرن الحالي).
5- العصر الإنجليزي (في القرن العشرين).
ثمَّ يجعل من نصّ بعض فتاوى المغيلي الواردة في أجوبته لأسئِلة أسكيا، نموذجًا لأسلوب الكتابة العربيَّة في هذا العصر الأدبي الَّذي سمَّاه بالعصر المغيلي.
وأخيرًا يختم المرْحوم الألوري في كتابه المشار إليه شهادتَه في حقّ المغيلي بالقول: "فقد استفادت البلاد منه كثيرًا، وآثاره كثيرة في ميادين عديدة واضحة ملْموسة لكلّ صغير وكبير، في الحكم والسياسة والعلم والأدب... ولقد تعلَّم منه الكثيرون والكثيرون من علماء هذه البلاد، واتَّصل بسلاطين كانو وكَشِنَة وأكذر وتَكَد، ووضع لهم وصايا سياسيَّة على القواعِد الشَّرعيَّة، وهي محفوظة في الدَّوائر الحكوميَّة، ومعمول بها في الأوْساط الرَّسميَّة".
تأثيره في الحركات الإصلاحيَّة والدعويَّة:
لقد أُنجزت أبحاث تاريخيَّة عن تأثير هذا الإمام في الحركات الإصلاحية والدعوية في الصحراء، خاصَّة بعد إنشاء مركز أحمد بابا سنة 1973 م، وهو يحتوى على الكثير من آثاره ومخطوطاته، وكانت هذه المخطوطات والرسائل موضوع رسالة دكتوراه قدَّمها في جامعة لندن النيجيري حسن إبراهيم كوارزو سنة 1972 م بلندن - دكتور حاليًّا وأستاذ كرسي بغانا - تحت إشراف البروفيسور الإنجليزي جوهن هوناك الَّذي أصبح رئيسًا لمركز الدِّراسات الإفريقية في مدينة وسترن الجديدة بالولايات المتحدة الأمريكيَّة، تحت عنوان:
"The Life and Teaching of Al-Maghali"
لقد ظلَّ تأثير المغيلي هذا الَّذي تحدَّثنا عنه محفوظًا في ذاكرة الأجيال من أبناء السودان الغربيّ عمومًا، ونيجيريا على الخصوص، وظلَّت أعماله وآثاره المكتوبة والرّوايات الشفويَّة المنقولة عنه يحفظها العلماء ويتداولُها أهل الإصلاح والسياسة ورجال الدَّعوة جيلاً بعد آخر، حتَّى إنَّنا لا نكاد نجِد مؤلّفًا من مؤلَّفات علماء السّودان والنيجر ونيجيريا والقائمين بالدَّعوة والإرشاد في هذه البلدان، والمؤرّخين للحركات الإسلامية فيها - يخلو من الإشارة للإمام المغيلي والنَّقل عنه والرّجوع إلى وصاياه وفتاواه ورسائله، والاحتِجاج بأقواله وآرائه في تدْعيم دعوتهم وإسناد الأفكار الَّتي تضمَّنتْها حركتهم الجهاديَّة والإصلاحيَّة والدعويَّة، حيث كانوا يواجهون خصومهم وما يقيمونه في وجههم من حملات التشكيك والتشويش في العديد من القضايا الدينية والدنيوية بفتاوى الإمام المغيلي وكتاباته، بما لها في نفوس الجميع من الإجلال والإكبار؛ فهي الحجَّة الدَّامغة من بين الحجج التي يتَّكئون عليها ويسوقونها للاحتجاج عليهم، ومجادلتهم في مجالس المناظرات والمناقشات والمُطارحات السياسيَّة والدّينيَّة.
وعلى هذا؛ فإنَّ تأْثير المغيلي في عُلماء وفقهاء ودعاة إفريقيا الغربيَّة والشَّرقيَّة لا يمكن حصْره في مجرَّد النقول الكثيرة التي نجِدُها تتردَّد في جلّ كتاباتهم، بل لقد تجاوز ذلك إلى اقتِدائهم بسيرته وطريقته في ردْع البدع ومنهجه في الدَّعوة، وإلى العمل بآرائه، والاقتداء بأفكاره، واستعمالها في تدْعيم مواقفهم ومجادلة خصومهم، وكثيرٌ من الفصول والرَّسائل التي كتبها هؤلاء العلماء والدّعاة ما هي إلاَّ تكرار أو شرْح أو تلخيص أو تعليق أو إعادة إنتاج لأفكار المغيلي وكتاباته، وترْداد لمقولاته وآرائه.
ويُمكن أن نجزم بأنَّ تأثير الإمام المغيلي تعدَّى إلى الحركات الإصلاحيَّة والدعويَّة حتَّى أواسط إفريقيا، من خلال آثاره وفتاواه ورسائله، ووصاياه التي ورثها من ملوك وعلماء السودان، ومن خلال غيرته على الإسْلام والدِّفاع عن بيضته باللّسان، ثمَّ باليد، ثمَّ بشهْر السلاح.
نفائس ما خلف المغيلي من آثار:
إلى جانب الكتب والرَّسائل التي ذكرها الدّكتور عبد العلي الودغيري رئيس الجامعة الإسلاميَّة بالنيجر، وهي:
• تاج الدين فيما يجب على الملوك والسلاطين.
• ما يجوز للحكَّام في ردْع الناس عن الحرام.
• أسئِلة أسكيا وأجوبة المغيلي.
فهناك من المؤرّخين من أوْصل مؤلَّفات الإمام المغيلي إلى أكثرَ من ثلاثين كتابًا ورسالة، أذكر منها:
• البدر المنير في علوم التَّفسير.
• تفسير سورة الفاتحة.
• مصباح الأرواح في أصول الفلاح، وهي الَّتي ضمَّنها فتاواه، ومنها فتواه في نازلة توات [وقد حقَّقها ونشرها الأستاذ رابح بونار - رحمه الله - في سلسلة ذخائر المغرب العربي، طبعة الشَّركة الوطنية للنشر والتوزيع - الجزائر سنة 1968م]، وعرفت في بعض المصادر باسم: "تأليف فيما يجب على المسلمين من اجتِناب الكفَّار".
• التعريف بما يجب على الملوك.
• أحكام أهل الذّمَّة.
• تنبيه الغافلين عن مكْر الملابسين بدعاوى مقامات العارفين.
• شرح مختصر خليل سمَّاه "مغني النبيل".
• مختصر تلْخيص المفاتيح.
• شرح بيوع الأجل من كتاب ابن الحاجب.
• كتاب فتح المتين.
• مفتاح النظر، في علم الحديث، وهو شرح وإضافة لِما كتبه الإمام النَّووي في كتابه "التقريب".
• منح الوهَّاب في ردّ الفكر إلى الصَّواب، منظومة في المنطق، له شرْح عليْها سماه:
• إمناح الأحباب من منح الوهاب.
مناظرة بينه وبين الشَّيخ السنوسي محمد بن يوسف، في التَّوحيد، مخطوط رقم: 22 ضمن مجموع بخزانة القرويين.
• حاشية على خليل.
• شرح على جمل الخونجي.
• وله نظم، منه قصيدة عارض بها البردة، وغير ذلك من الأعمال الكبيرة الَّتي ......
رحلته إلى الحج وعودته إلى منطقة توات ووفاته:
قرَّر الشيخ المغيلي أن يقوم بأداء فريضة الحجّ، فاستعدَّ وبدأ رحلته نحو البقاع المقدَّسة، وفي كلّ الأماكن التي مرَّ بها كان يلتقي بالعُلماء فيُكرمونه وينتفعون بعلمه الجمّ، فكانت تُعقد له جلسات في كلّ من تونس وليبيا ومصْر، حتَّى وصل إلى المدينة المنوَّرة فاستقرَّ بها، ثمَّ اتَّجه نحو مكَّة عن طريق (ذو الحليفة)، ودرس النَّاس، ولمَّا انتهى من أداء فريضة الحجّ جلس في مكَّة يدرس النَّاس ويحتكّ بعلماء العالم الإسلامي الذين قصدوا الحجَّ في ذلك العام، ثمَّ عاد بعدها ليستقرَّ بمدينة توات، خاصَّة بعد أن قتل اليهود ولدَه البكر عبدالجبار انتقامًا من والده، الَّذي ضيَّق عليهم وقهرهم وأذلَّهم، بعد عودته إلى توات قصده طلاَّب العلم والعلماء فلم يبخلْ عليهم بعِلْمه وفقهه رغْم كبر سنِّه، وبقِي وفيًّا لرسالته في الدَّعوة والإصلاح إلى وفاتِه - رحمه الله - سنة 909 هـ - وسنة الوفاة هذه يشكّ فيها بعض المؤرّخين، والله أعلم - ودفن في بلدية زاوية كونتة في أدرار، رحمه الله تعالى وجزاه بكلّ خير.
ويقال: "إنَّ بعض اليهود مشى لقبره فبال عليه، فعمِي مكانه، وفي ذكرى تخليد الشَّيخ - رحمه الله - أقامت مدينة أدرار سنة 1985 م أوَّل مهرجان ثقافي للتَّعريف بتاريخ المنطقة، وأُلْقِيت فيه محاضرات قيَّمة، منها محاضرة للمحقّق الشَّيخ المهدي بوعبدلي - رحمه الله - ونشرتْها مجلة الأصالة، ترجم للإمام المغيلي حيثُ ذكر مآثر الشَّيخ ومناقبه وأعماله العظيمة، الَّتي هي فخر لكلّ جزائري وجزائريَّة.
ولا يزال قبرُه موجودًا إلى يومنا هذا في (كونته) ومدرسته وبيته، وقد بقيت آثاره العظيمة التي خلَّفها تتناقلها الأجيال وعائلته العظيمة.
وصدق الشَّاعر في قوله:
وَمَا مِنْ كَاتِبٍ إِلاَّ سَيَفْنَى
وَيَبْقَى الدَّهْرَ مَا كَتَبَتْ يَدَاهُ 
فَلا تَكْتُبْ بِكَفِّكَ غَيْرَ شَيْءٍ
يَسُرُّكَ فِي القِيَامَةِ أَنْ تَرَاهُ 
ومَن كُتِب له زيارة (كونته) سيرى كلّ ما تحدّث عنه، فرحِم الله الشيخ محمد بن عبدالكريم المغيلي وجميع علماء الجزائر عبر العصور.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|