
21-03-2020, 02:36 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,565
الدولة :
|
|
رد: أئمة الإسلام.. سراج للأنام
أئمة الإسلام.. سراج للأنام
مجدي إبراهيم علي
أحمد بن حنبل:
كان جدُّ الإمام أحمد - واسمه حنبل بن هلال - واليًا على بلْدة سرخس مِن بلاد خراسان، قرَّبه منه الخليفة وولَّى ابنه محمدًا - والد أحمد - قائدًا في الجيش الذي تزوَّج ابنةَ عبدالملك بن سوادة، مِن قبيلة شيبان بالبصرة، يتَّصل نَسَبُ الإمام أحمد بسيِّدنا إسماعيل - عليه السلام - ويجتمع نسبُه مع النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - في نزار؛ لأنَّ محمدًا - صلَّى الله عليه وسلَّم - من ولدِ مُضر بن نزار، وكل قريش مِن مضر.
كانتْ ولادة أحمد في بغداد سنة 164هـ، اشتهر منذ طفولته باعتمادِه على نفسه - بعد وفاة أبيه - وعنايته بعِلمِه وعمله، واجتهاده وذكائه، وكان بارًّا بأمِّه التي لم تتزوَّجْ قط لرعايته، فلقَّنتْه ما عرَفَتْ من السِّيَر والأحاديث، وقصص العرب وبطولاتهم، وعلَّمتْه قِيَم الإسلام، وغرستْ فيه حبَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم.
وأوَّل ما جلس للتعليم كان في مساجدِ بغداد أن حفظ القرآن الكريم، والكثيرَ من أحاديث الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - ثم رحل من بغداد ماشيًا إلى طرسوس بأعْلى بلاد الشام، ثم سافر ماشيًا إلى صنعاء باليمن، فدخل صنعاء ليلاً، ومكث عامين في صنعاء بعدَها عاد إلى مكة، كان يرتحل إلى الكوفة والبصرة والمدينة ومكة، وإلى كلِّ بلد فيها علماء يأخذ عنهم، كان يحفظ آلافَ الأحاديث، وكثرتْ رحلاته في طلب الحدِيث، درس أحمد بن حنبل على يدِ عبدالله بن المبارك، وتعلَّم منه الكثيرَ، وكان يطلب مع الحديث علومَ الفِقه، كان يطلب فِقهَ الخلفاء الراشدين وسائر الصحابة، والتابعين وتابعيهم.
جلس أحمد على كرسيِّ العلم وهو في الأربعين مِن عمره، كان يُصلِّي العصر ليحيط به الناس يسألونه في الفِقه والأحاديث والتفسير، وهو يُجيبهم حتى يأتي وقت المغرب، وما كان يجيب على أحد إلا بعدَ تروٍّ.
أصبح أحمد وما في بغداد أحفظُ منه للحديث، ولا أعمق منه بصرًا بآثار الصحابة وفتاواهم، فضلاً عن فِقهه بعلوم القرآن، حتى استقرَّ له منهجٌ في استنباط الأحكام خالَف به السابقين، وشرَع يفسِّر القرآن الكريم، ويروي الأحاديث ويفسِّرها، ويشرح للناس مذهبَه في استنباط الأحكام، ويُفتي فيما يُطرَح عليه من مسائلَ، وشرح لتلاميذه أصولَ الفقه وفروعَه، وأجاب على آلاف المسائل، وكثُر الناس على حلقات علمِه الغزير، كان موضوعُ درسه هو القرآن وتفسيره، والسُّنَّة وآثار الصحابة.
أخَذ عنه كثيرون: أحمد بن تيمية شيخ الإسلام، ابن قيّم الجوزية، محمد بن علي الشوكاني، وغيرهم من العلماء.
لم يكن أحمد بن حنبل يرَى كتابة الكتب، وينهى أن يُكتب كلامُه ومسائله.
ومن تصانيفه المنقولة:
1. مصنَّف المسنَد: وهو أربعون ألْف حديث، انتقاها من سبعمائة ألْف حديث.
2. التفسير: وهو آلاف الأحاديث والآثار التي يُفسِّر بها القرآن.
3. المقدَّم والمؤخَّر في القرآن.
4. جوابات القرآن.
5. المناسك الكبير والصغير.
6. الناسخ والمنسوخ.
7. التاريخ.
8. الزهد.
9. الرد على الجهمية.
وكانت وفاته - رضي الله عنه - في شهر ربيع الأوَّل سنة إحدى وأربعين ومائتين 241هـ، كانت وفاته ببغداد، وعمره سبع وسبعون سنة، ودُفِن في مقبرة "باب حرب".
ابن حزم .. أمير علماء الأندلس:
أمَّا علي بن أحمد بن سعيد بن حزْم بن غالب بن صالح بن سفيان بن يزيد، وكُنيته أبو محمَّد، وشهرته ابن حزم، فكان مولده في آخِر رمضان سنة 384هـ شرْقَ قُرطبة بالأندلس، كان لأسرته شأنٌ كبير، فهم بنو حزم، فتية عِلم وأدب، ولهم رِفْعة جادَّة ومجد، كَرِه السياسة، وأحبَّ العلم، فحفظ القرآن الكريم في سِنٍّ مبكرة، وتعلم آدابه وأحكامه، وما اشتمل عليه مِن قصص وأخبار، وحَفِظ الأشعار، وتعلَّم الكتابة، وأجاد الخط، ولما كَبِر وشبَّ عن الطوق درس على يد الشيخ أبي الحسين بن علي الفاسي، وانشغل بمجالس العلم.
ووقعتْ اضطراباتٌ سياسية في قرطبة، ووقعت فتنة، ففقد والده منصبَ الوزارة، وتبدَّلتْ حياته من نعيم وجاه إلى بؤس وشقاء، فاضطر للخروج من قُرْطبة إلى مدينة "المرية" أولَ المحرم سنة 404 هـ، وتعرض للسجن، فانتقل بعدَها إلى "بلنسية" في أول 408 هـ.
كان ابن حزم منصرفًا آنذاكَ إلى دراسة الحديث النبوي الشريف، وعلوم القرآن، والأدب والنحو واللغة، وبعض العلوم العقلية والفلسفية، وعكَف على دراسة الفِقه، ودرس المذهب المالكي، وقرأ الموطَّأ على "عبدالله بن دحون"، ثم راح ينهل من علوم الأزدي المعروف بابن الفَرَضي، ودرس المذهب الشافعي، وتعرَّف على مذهب العراقيِّين، إلا أنه توقَّف عند المذهب الظاهري الذي يدعو فيه شيخُه داود الأصبهاني - تلميذ الشافعي - إلى التمسُّك بالنصوص وحدَها، فراق له هذا المذهب؛ لأنَّه يُطلِق حريةَ فِكْره فلا يتقيَّد بالمذاهب المشهورة، بل يتقيد فقط بالنصوص والآثار.
ظلَّ ابن حزم ينشر آراءَه كلَّما انتقل إلى بلاد الإسلام، بيْن قرطبة وشاطبة، والمرية وبلنسية وميورقة، واكتسب أتباعًا كثيرين، وفي ميورقة تآمَرُوا عليه فأحْرقوا كتبه، وخرَج منها مرتحلاً حاملاً عِلمَه في صدرِه، ومضَى يقول لمن عادوه وأحرقوا كتبه:
فَإِنْ تَحْرِقُوا القِرْطَاسَ لاَ تَحْرِقُوا الَّذِي 
تَضَمَّنَهُ القِرْطَاسُ بَلْ هُوَ فِي صَدْرِي 
يَسِيرُ مَعِي حَيْثُ اسْتَقَلَّتْ رَكَائِبِي 
وَيَنْزِلُ إِذْ أَنْزِلْ وَيُدْفَنُ فِي قَبْرِي 
مُنَايَ مِنَ الدُّنْيَا عُلُومٌ أَبُثُّهَا 
وَأَنْشُرُهَا فِي كُلِّ بَادٍ وَحَاضِرِ 
ضاق أمراء الأندلس ذرعًا بصراحته وصِدْقه - ربما لسابق اتصاله بالإمارة، ولمنزلة ومكانة أُسْرته؛ ولأنَّه فوق ذلك عالِم فقيه ينطق بالحق - فضيَّقوا الخناقَ عليه وأرهقوه، فعاد إلى بلدة أسرته "منت ليشم" بقُرطبة، وزهد في كلِّ شيء إلا في العِلم.
كان ابن حزْمٍ يدعو إلى مسالمةِ الناس والائتناس بهم، وعدم معارضتهم فيما لا يضرُّ في الدِّينِ أو الدنيا، وكان وفيًّا لأصدقائه وشيوخه، ويعتزُّ بنفسه، وقد جمع بين ضروبِ العلم المختلفة، وقد قال عنه صاعد الأندلسي: "كان ابن حزم أجمعَ أهل الأندلس قاطبةً لعلوم الإسلام، وأوسعهم معرفةً، مع توسُّعه في علم اللسان والبلاغة والشِّعر، والسِّير والأخبار".
ورحل أميرُ علماء الأندلس في الثامن والعشرين من شعبان سنة 456 هـ، تاركًا ثروةً علمية عظيمة، تزيد على أربعمائة مجلد.
الحسن البصري - الفقيه الزاهد:
أُمُّه "خيرة" مولاة السيِّدة أمِّ سَلَمة - رضي الله عنها - أم المؤمنين، ومولده كان في الحادي والعشرين للهجرة النبوية الشريفة، وأبوه اسمه "يسار" مولى الصحابي الجليل زيْد بن ثابت الأنصاري، نشأ الحسنُ بن يسار "البصري" في بيت من بيوت رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ورُبِّي في كنف أمِّ سلمة التي كانتْ تُرضعه في غياب أمِّه خيرة فيسكتُ ويلين.
وشبَّ الطفل وتتلمذ على أيدي كِبار الصحابة في مسجد الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - فكان له نصيبٌ وافر من معرفة السنَّة النبوية المطهَّرة، وأتم حِفْظ القرآن الكريم وهو في الرابعة عشرة مِن عمره، وتعلَّم الكتابة وضبط الحساب.
وكان واسعَ الاطلاع، وغايةً في الفصاحة وحلاوة المنطق، شُجاعًا، وها هو حُجَّة الإسلام أبو حامد الغزالي يقول عنه: "كان الحسن البصري أشبهَ الناس كلامًا بكلام الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - وأقربَهم هديًا من الصحابة - رضي الله عنهم - اتَّفقتِ الكلمة في حقِّه على ذلك".
لزِمَ المسجد، وانقطع إلى حلقة ترجمان القرآن وحَبْر الأمة عبدالله بن عبَّاس - رضي الله عنهما - وأخَذ عنه التفسير والحديث والقراءات، وأخَذ عنه وعن غيرِه الفِقهَ واللغةَ والأدب، وغيرها من العلوم، فأقبل الناسُ يتعلَّمون مِن علمه الغزير، ومواعظه الرائعة، فكانت حلقتُه في البصرة أوسعَ الحلقات.
وأُعجِب علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - بكلامه في حلقته وأحبَّه، وانطلق الحسن البصري يدعو الناس إلى الورَعِ والزهد والتُّقى، فكان أولَ مَن وضع أُسس الزهد، ورسم طرق محاسبة النفس، وأعْلى من شأن فضائل الخوف والرجاء.
عاش الحسن نحو ثمان وثمانين سَنَة، ملأ الدنيا فيها علمًا، وحِكمةً وفقهًا، وغاص في أعماق مجتمعه، ووصف أمراضَه وانتقده انتقادَ الحكيم الرفيق، والناصح الشفيق، فأجمعتِ القلوب على حبِّه، والاعتراف بفضله.
وفي ليلة الجمعة من غُرَّة رجب سنة مائة وعشر لبَّى الحسن نداءَ ربه، فارتجت البصرة لموته، وغُسِّل وكُفِّن وصُلِّي عليه بعدَ الجمعة.
الليث بن سعد:
إمامنا الليث بن سعْد شخصية فريدة لن يتكرَّر في تاريخ الفِقه والتاريخ الاجتماعي، كُنيته أبو الحارث، واسمه المعروف به الليث بن سعد بن عبدالرحمن، ينحدِر أصلُه من مصر، دخلتْ عائلته في الإسلام، وتعلَّمت اللغة العربية، كان مولده في منتصف شعبان سَنَة ثلاث وتسعين هجرية في بلدة قلقشندة - مركز طوخ - محافظة القليوبيَّة بمصر، كان أبوه ذا خبرةٍ طويلة في الزِّراعة والتجارة، فأورث ابنَه الليث الكثيرَ من المال، ووفَّر له ما أُتيح له من علوم الدين والتفقه في الإسلام، فحفِظ القرآن، وحفِظ ما وصله من أحاديثِ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهو صبيٌّ صغير، وحفِظ الكثيرَ من الشعر العربي وعلوم اللغة، فوجَّهه أبوه إلى الفسطاط وجامعها الكبير الذي سُمِّي فيما بعد "عمرو بن العاص"؛ ليَلتقيَ بعلمائه وفقهائه.
وتتلمذ على كثيرين، منهم: يحيى بن سعيد الأنصاري، عبدالله بن هبيرة السبائي، جعفر بن ربيعة، عبيدالله بن أبي جعفر، ويَزيد بن أبي حبيب، وتردَّد على حلقات العِلم في مسجد الفسطاط، وفي الحرَم بمكة المكرمة، ومسجد النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم.
وكان ممَّا اشتهر به الليثُ روايةُ الحديث على يد المحدِّث العظيم نافع أبي عبدالله الدَّيْلمي - فقيه المدينة - والْتقى بالإمام مالك بن أنس إمامِ دار الهجرة، وتصادقَا وتحابَّا في الله وتعود أن يزوره في المدينة كلَّما ذهب للحج أو العمرة، وزيارة الحَرَم النبوي الشريف.
كما الْتَقى بأبي حنيفة في مجلس مالك بن أنس وأحبَّه، وكان الإمام الشافعي يُقيم في العراق ويتمنَّى زيارةَ مصر لرؤية الليث بن سعد، ولَمَّا حقَّق الله له ما تمنَّى كان الليث توفي، فوقف على قبره يبكي، ويقول: "كان الليث أفقهَ من مالك إلا أن أصحابَه ضيَّعوه".
بعدَها تُوفِّي الشافعي ودُفِن في جوار قريب مِن جوار الليث بن سعْد - رضي الله عنهما - ودُفِن الاثنان في ضريحين في حيِّ الإمام الشافعي.
الْتقى الليث بالمهدي بعدَ وفاة المنصور، وبالخليفة العباسي هارون الرشيد، الذي أمر له بآلاف الدنانير، وقِطعة أرض بالجيزة كلها.
وظلَّ الليث بن سعد يُعلِّم الناس في جامع الفسطاط حتى بلغَ الثمانين من عمره، وشرَح لهم ما يحتاجون في الفِقه وعلومه وما يحفظ مِن الأحاديث، وأصابَه مرضٌ حتى لبَّى نداء ربه في يوم الجمعة سنة خمس وسبعين ومائة مِن الهجرة، ولم تشهدْ مصر قبلَه ولا بعده جنازةً كجنازته، ودُفِن في سفح المقطم، وأسس بجوار قبره مساجد: الليث، الإمام الشافعي، السيدة نفيسة، السيدة سكينة بنت الحسن - رضي الله عنهم - أجمعين.
ابن تيمية - شيخ الإسلام:
هو أبو العبَّاس أحمدُ تقي الدين ابن الشيخ شِهاب الدين أبي المحاسِن عبدالحليم، ابن الشيخ مجد الدين أبي البركات عبدالسلام، ابن أبي محمَّد عبد الله أبي القاسم الخضر، كان له جدٌّ من الأجداد، أُمُّه واعظة، واسمها تيميَّة، فاشتهرتِ الأسرة بها، وُلِد في العاشر من ربيع الأول سنة 661 هـ بمدينة حرَّان شمالَ شرقي تركيا، وكانت من أهمِّ مراكز الديانات، وبعد غارات التتار على بلدتِه رحل عنها إلى دمشق مع والده الذي ذاع فضلُه، واشتهر أمرُه، فكان له كرسي للدراسة، والوعظ والإرشاد بجامع دمشق العظيم، فتولَّى مشيخة دار الحديث، وبها كان مسكنُه، وفيها تربَّى ابنُه تقي الدين ابن تيمية، الذي اتجه في طفولته المبكِّرة إلى حفظ القرآن الكريم، ثم الحديث النبوي وروايته، وتلقِّيه عن رجاله، بالإضافة إلى دراسته لعلوم أخرى كالرياضيات والعلوم العربية، وأخبار العرب في القديم، ودرس الفقهَ الحنبلي، وتتبَّع سيرَه والمذاهب الأخرى، وبخاصَّة المذهب الشافعي.
تولَّى ابن تيمية مكانَ أبيه وهو في الثانية والعشرين، فجلس مجلسه، وحل محلَّه؛ ليدرِّسَ الحديث ورجاله، وليكون نظيرًا لابن دقيق العيد العالِم الجليل، وغيره ممَّن كانوا يُدرِّسون في تلك المدارس، وفي الجامع الكبير في دمشق، ألْقَى ابن تيمية دروسه في الجامع الكبير، فأقبل الجميعُ على درسه، وكثر تلاميذه.
كان جُلُّ همه إحياء ما كان عليه الصحابةُ ممن تلقَّوا الإسلام صافيًا عن رسول الله في بَدْء الدعوة، وعندما أغار التتار على دمشق لم يفرَّ، وراح يدعو الناس إلى القِتال، حتى طردوهم شرَّ طردة.
تتلمذ على يديه كثيرون، مثل: الحافظ المحقِّق أبي عبدالله محمد بن أحمد المقدسي الحنبلي الصالحي، والحافظ سراج الدين أبي حفص عمر بن علي الأزجي البغدادي، والمؤرِّخ شمس الدين أبي عبدالله محمد بن عثمان الذهبي الدمشقي، والحافظ أبي الفتْح ابن سيِّد الناس اليعمري المصري، وغيرهم كثيرون.
وظَهر في الجزيرة العربية مَن قرأ عِلمَه ورأيَه، وتحمَّس له، ودعا مِن حوله إلى اعتناق كلِّ ما جاء به ابن تيمية، وردَّده في كتبه، وهو الإمام محمَّد بن عبدالوهاب، والتفَّ حوله علماءُ كثيرون، وكان من أشدِّهم إخلاصًا محمَّد بن سعود جد الأسرة الملكية السعودية، الذي عمِل على نشْر مذاهب ابن تيمية مع آخرين.
ترك ابن تيمية آثارًا كثيرة قيِّمة، وصلتْ إلى ثلاثمائة مجلد، منها: المناظرة في العقيدة الواسطية، الوصية الكبرى، الوصية في الدين والدنيا، رسالة في الاستغاثة، رسالة الحلال، تفسير المعوذتين، معالِم الأصول، رسالة الفرْقان بين الحق والباطل، رفْع الملام عن الأئمة والأعلام، رسالة الحِسْبة في الإسلام، والفتاوى المصرية.
وقد لَقِيَ ربه ليلة الاثنين والعشرين من ذي القعدة سنة 728هـ، وقال فيه الإمام الذهبي: "فريدُ العصر علمًا ومعرفةً، وشجاعةً وذكاءً، وكرمًا ونصحًا للأمَّة، وأمرًا بالمعروف، ونهيًا عن المنكر".
ابن قَيِّم الجوزية - باعث النهضة الإسلامية:
ولد أبو عبدالله شمس الدين محمد بن أبي بكْر بن أيُّوبَ بن سعد بن حريز الزُّرعي الدمشقي، الشهير بابن قيِّم الجوزية، في السابع من صَفَر سنة 691 هـ في بيت علم وفضْل، وصلاح وتقوى، أبوه كان قيِّمًا على المدرسة الجوزية بدمشق، فقيل له "قيِّم الجوزية"، والجوزية كانتْ من أعظمِ مدارس الحنابلة بدمشق نسبةً إلى واقفها الإمامِ أبي الفرَج عبدالرحمن بن الجوزي.
كان زاهدًا - رحمه الله - كوالده، محتقرًا للدنيا، فها هو ابن كثير يقول عنه: "لا أعرفُ في هذا العالَم في زماننا أكثرَ عبادةً منه، وكانتْ له طريقة في الصلاة يُطيلها جدًّا، ويمد ركوعها وسجودَها، ويلومه كثيرٌ من أصحابه في بعض الأحيان، فلا يرجع ولا ينزِع عن ذلك - رحمه الله تعالى".
تلقَّى ابن القيِّم كافةَ العلوم الشرعية، فدرس التوحيد وعلم الكلام، والتفسير والحديث، والفقه وأصوله، والفرائض، واللغة والنحو، وغيرها على علماء عصره، وبرَع مثلَهم، وألَمَّ بأصول الدِّين، والحديث ومعانيه، وفقهه وأصوله، وبالعربية، ولازم الشيخَ ابنَ تيمية منذ عودته من مصر سنة 712 هـ، وحتى وفاته سنة 728 هـ، وتعلَّم منه الكثيرَ، وأخذ منه دعوتَه إلى التمسُّك بكتاب الله وسنَّة رسوله الكريم، وتجديد معالِم الدين الصحيح، وتنقيته من البِدع والخرافات.
وملأ ابن قيِّم الجوزية المكتبةَ الإسلامية بالعديد من المؤلَّفات تَزيد على مائة كتاب في شتَّى مجالات العلم، مِن أهمها:
زاد المعاد في هدْي خير العباد، أعلام الموقِّعين عن ربِّ العالمين، جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام، إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان، حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح، الداء والدواء، الروح، شرح الأسماء الحسني، مفتاح دار السعادة، ومدارج السالكين بيْن منازل إياك نعبد وإياك نستعين.
كان ابن قيِّم الجوزية موسوعةً في المعرفة، شهِد له بذلك أقرانُه وعلماءُ عصره ومَن نقل عنهم، وقد توفِّي بعد حياة حافلة بالإنجازات ليلةَ الخميس ثالثَ عشرَ من رجب سنة 751 هـ، وعمره ستُّون عامًا، وصلَّوْا عليه بعدَ صلاة الظهر بالجامع الأموي، ثم بجامع جراح، قرب المقبرة التي دفن فيها بالباب الصغير.
الشوكاني - موسوعة المعرفة:
اسمه: محمَّد بن علي بن عبدالله الشوكاني، ويَنتهي نسَبُه إلى زيدِ بن كهلان بن سبأ، فهو يَمني عربي.
كُنيته ولقبه: (الشوكاني) نسبة إلى القرية التي وُلِد فيها (هجرة شوكان) القريبة من صنعاء.
وُلِد في الثامن والعشرين مِن ذي القعدة سنة 1173 هـ، وانتقل فيما بعدُ إلى مدينة صنعاء بيْن أسرة ذات علم ورِفعة.
كان أبوه مِن كبار العلماء، فحَفِظ الشوكاني القرآن في صِغَره، والكثيرَ من الأحاديث النبوية الشريفة، والفقه واللغة العربية، واطَّلع بعد ذلك على مختلف العلوم والفنون، ممَّا ساعده على هجْر التعصُّب المذهبي، والتحرر من آفة التقليد، فقد أحاط بعلوم المجدِّدين والمصلِحين، كالإمام مالك وأبي حنيفة النعمان، وابن حنبل، والغزالي، وابن تيميه، وابن قيِّم الجوزية، فصار واحدًا منهم.
وتفرَّغ للتدريس لطلاَّب العلم، وإفادتهم بما تلقَّاه من العلوم، فكان يُخصِّص لهم في كل يوم أكثرَ من عشرة دروس في فنون متعدِّدة، كان قد قرأها على شيوخه، ودرس العلم الرياضي، والطبيعي والإلهي، وعِلم المناظرة، وعلم الوضْع وغيرها.
وبلغ الشوكانيُّ مكانةً اعترف بها كبارُ العلماء في اليمن رغمَ سِنِّه التي لم تتجاوز العشرين، كان منهجه الإصلاحي في الدعوة يقوم على أُسس، تتمثَّل في:
1- دعوته إلى الابتكار والبَحْث، والبُعْد عن التقليد والمحاكاة مِن غير دراسة.
2- العودة إلى العقيدة السلفيَّة وما كانتْ عليه الحياةُ أيامَ الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - والصحابة - رضي الله عنهم - حتى تتطهرَ العقيدة، وتُنقَّى مما دخَل عليها من غريب.
وكان نهجُه السلفيُّ مبنيًّا على الاجتهاد، لا التقليد.
من مؤلفاته المطبوعة:
إتحاف الأكابر بإسناد الفاتر، إرشاد الثقات إلى إتقان الشرائع على التوحيد والمعاد والنبوات، إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق في علوم الأصول، البَدْر الطالع بمحاسِن مَن بعد القرن السابع، التُّحف في الإرشاد إلى مذهب السَّلَف، تحفة الذاكرين بعدة الحِصْن الحصين من كلام سيِّد المرسلين، شرح الصدور بتحريم رفْع القبور، أمناء الشريعة، إشكال السائل إلى تفسير ﴿َالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلْ﴾ وقطر الولي على حديث الولي، وللشوكاني حوالي 240 مخطوطة.
وتُوفِّي - رحمه الله - في صنعاء اليمن في جمادى الآخرة سَنةَ 1250هـ عن ستٍّ وسبعين سنة، وقبرُه موجود في مقبرة خزيمة بصنعاء، وقد صلَّى عليه في الجامع الكبير آلافُ المسلمين، رحمة الله عليهم أجمعين.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|