الخامس: (( الرِّفق يمن، والخُرْق شؤم )).
روي من حديث عبد الله بن مسعود:
14- فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( الرِّفق يُمْن، والخُرْق شؤم )) رواه الطبراني[53].
قال الهيثمي[54]: (( فيه: المعلَّى بن عرفان، وهو متروك )).
السادس: (( إن الله إذا أراد بأهل بيت خيراً دلَّهم على باب الرِّفق )).
روي من حديث عائشة، وجابر، وجرير، وابن عمر:
15- فعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( يا عائشة ارْفُقِي، فإن الله إذا أراد بأهل بيت خيراً دلَّهم على باب الرِّفق)).
وفي رواية: (( إذا أراد الله عزَّ وجلَّ بأهل بيتٍ خيراً أدخل عليهم الرِّفْقَ )) أخرجهما أحمد[55].
قال الهيثمي: (( رجال - الرواية - الثانية رجال الصحيح))[56].
16- وعن جابر رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( إذا أراد الله بقوم خيراً أدخل عليهم الرِّفق )) أخرجه البزار[57].
قال الهيثمي: (( رجاله رجال الصحيح ))[58].
وقال المنذري في حديث أحمد والبزار: (( رواتهما رواة الصحيح ))[59].
وحسَّن ابن حجر إسناد البزار[60].
17- وعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه، أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (( إنَّ الله عزَّ وجلَّ لَيُعْطي على الرِّفق ما لا يُعْطي على الخُرْق، وإذا أحبَّ الله عبداً أعطاه الرِّفق، ما من أهلِ بيتٍ يُحْرَمون الرِّفق إلا قد حُرِموا )) أخرجه الطبراني[61]. وقال الهيثمي: (( رجاله ثقات ))[62].
18- وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( ما أُعطي أهلُ بيت الرِّفقَ إلا نفعهم )) رواه الطبراني[63].
قال الهيثمي: (( رجاله رجال الصحيح، غير إبراهيم بن الحجّاج السّامي، وهو ثقة ))[64].
وقد بيَّنت هذه الأحاديث أنَّ من علامات محبة الله تعالى لأهل بيتٍ ما، وإرادته الخير بهم: أن يلهمهم الرِّفق ويدخله عليهم، فبه يتخاطبون، وبه يتعاملون، وبه يتواصَوْن، وأنَّ من يُرزق هذه الخلَّة الكريمة فقد رزق مفاتيح الخير، ومن يحرم منها فهو المحروم من خير كثير.
السابع: (( اُرْفُقْ يا أَنْجَشَةُ )).
روي من حديث أنس، وأمِّه أمِّ سُلَيم رضي الله عنهما:
19- عن أنس رضي الله عنه قال: كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم في مسيرٍ له فحَدَا الحادي، فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: (( اُرْفُقْ يا أَنْجَشَةُ[65]، وَيْحكَ، بالقوارير )) رواه البخاري ومسلم[66].
20- عن أمِّ سُلَيم رضي الله عنها أنها كانت مع نساء النبي صلى الله عليه وسلم وهُنَّ يسوقُ بهنَّ سوّاق، فقال النبي: (( أي أنجشةُ رويدك سوقَك بالقوارير )) رواه أحمد[67].
وفي الحديث: الحضُّ على الرِّفق بالنساء خاصّة؛ رحمةً وشفقةً بهنَّ أن يتأثَّرن، أو يسقطن مِنْ على المطايا ويصيبهنَّ الأذى.
قال ابن بطّال: (( إن القوارير هنا كناية عن النساء الذين على الإبل، أمره بالرِّفق في الحداء والإنشاد؛ لأن الحداء يحثُّ الإبل حتى تسرع السير، فإذا مشت الإبل رويداً أُمِن على النساء السُّقوط ))[68].
الثامن: (( مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتي شيئاً فشَقّ عليهم، فاشْقُقْ عليه، ومَنْ وَلِيَ مِنْ أمرِ أُمَّتي شيئاً فرَفَقَ بهم، فارْفُقْ به )).
روي من حديث عائشة رضي الله عنها:
21- عن عائشة قالت: سمِعْتُ مِنْ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم يقول في بيتي هذا: (( اللهم مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتي شيئاً فشَقّ عليهم، فاشْقُقْ عليه، ومَنْ وَلِيَ مِنْ أمرِ أُمَّتي شيئاً فرَفَقَ بهم، فارْفُقْ به)) أخرجه أحمد ومسلم وابن حبان[69].
وفيه: الحثُّ على الرِّفق بالرَّعية، ويدخل فيه كلُّ من ملكتَ أمره، وذلك بعدم إدخال المشقة عليه، أو تكليفه بما يرهقه، فقد دعا صلى الله عليه وسلم على من شقَّ على الناس بأن يشقَّ الله عليه، ودعا لمن رفق بهم بأن يرفق الله به، ولا شيء أشدُّ على الإنسان من أن يدخل الله تعالى المشقة والعنت عليه، ولا شيء أرأف وأرحم وألطف من أن يدخل الله تعالى الرِّفق عليه.
قال النووي: (( هذا من أبلغ الزواجر عن المشقة على الناس، وأعظم الحث على الرِّفق بهم، وقد تظاهرت الأحاديث بهذا المعنى ))[70].
التاسع: (( إن هذا الدِّين متين فأوغلوا فيه برفق )).
روي من حديث جابر وأنس رضي الله عنهما:
21- فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق، ولا تُبَغِّضْ إلى نفسك عبادةَ الله، فإن المُنْبَتَّ لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى)) رواه البزار والبيهقي[71].
وفي إسناده (يحيى بن المتوكل أبو عقيل) وهو كذّاب[72].
22- وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق )) رواه أحمد[73].
قال الهيثمي: (( رجاله موثَّقون، إلا أن خلف بن مهران لم يدرك أنساً ))[74].
وفي الحديث الحثُّ على الرِّفق في أداء العبادة، وعدم الغلوِّ والتنطُّع فيها، فقد جاء الإسلام باليسر، ولم يأت بالعنت والمشقة، ولا بالتنطُّع والغلوّ، فالسلامة بالاتباع والاستقامة.
وما حال المتشدِّد المتنطّع إلا كحال (( الذي عطب مركوبه من شدة السير - مأخوذ من البتّ، وهو القطع - أي: صار منقطعاً، لم يصل إلى مقصوده، وفقد مركوبه الذي كان يوصله لو رفق به ))[75].
تلك هي أبرز الأحاديث التي ذكرت الرِّفق ورغَّبَتْ فيه وبيَّنت فضله، وهي على التفصيل: تسع أحاديث، جاءت من إحدى وعشرين رواية مفصَّلة، ويمكن إيجاز ما تضمنته تلك الأحاديث فيما يلي:
1- الرفق خلق كريم يحبُّه الله تعالى.
2- الرِّفق مطلوب في كلِّ شيء، فيشمل الذّوات والأعراض.
3- يكون الرِّفق بالقول والفعل.
4- يثيب الله تعالى على الرِّفق ما لا يثيب على غيره.
5- يعود الرِّفق على صاحبه بالنفع في الدنيا والآخرة.
6- يحقّق الإنسان بالرِّفق من الفوائد والعوائد ما لا يحقِّقه في الأساليب الأخرى.
7- بالرفق تزين الأمور وتجمل، وبالعنف تشين وتقبح.
8- الرفق خير وسيلة للتّواصل وبلوغ المرام.
9- الرفق خير كله، والمحروم منه محروم من خير كثير.
10- التّعامل بالرِّفق بين أهل البيت دليل على أنّ الله تعالى أراد بأهل ذلك البيت خيراً.
11- الرِّفق طريق موصلة إلى رحمة الله تعالى ولطفه بعباده.
12- الرِّفق مطلوب في مجال العبادات.
[1]صحيح البخاري بشرحه فتح الباري 10: 463.
[2]صحيح مسلم 4: 2004.
[3]سنن أبي داود 5: 155.
[4]سنن الترمذي 4: 367.
[5]سنن ابن ماجه 2: 1216.
[6]سنن النسائي 7: 318.
[7]السابق 8: 245.
[8]البخاري: كتاب الأدب - باب الرفق في الأمر كله (6024)، ومسلم: كتاب السلام - باب النهي عن ابتداء أهل الكتاب بالسلام 4: 1706 حديث10 (2165).
[9]البخاري: كتاب الأدب - باب لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم فاحشاً ولا متفاحشاً (6030).
[10]البخاري: كتاب استتابة المرتدين - باب إذا عرّض الذمي أو غيره... (6927).
[11]مسلم: كتاب البر والصلة والآداب - باب فضل الرفق 4: 2003 حديث 77 (2593).
[12]أحمد 4: 87، وأبو داود: كتاب الأدب - باب في الرفق (4807).
[13]ابن ماجه: كتاب الأدب - باب الرفق (3688)، وابن حبان كما في (( الإحسان )) 2: 309 (549)، وعزاه المزي في (( تحفة الأشراف )) 9: 374 (12491) إلى النسائي في (( الكبرى )) وهو ساقط من طبعة البنداري وكسروي.
[14](( مختصر زوائد مسند البزار )) 2: 191 (1674).
[15]ينظر المزي في (( تهذيب الكمال )) 16: 554 - 555 (3768)، ووهم الهيثمي فذكر الحديث في ((مجمع الزوائد)) 8: 18، مع رواية ابن ماجه له.
[16]أحمد 1: 112، والبزار في (( البحر الزخار )) 2: 322-323 (756)، وأبو يعلى 1: 380 (490).
[17](( مجمع الزوائد )) 8: 18.
[18](( التقريب )) ص 637 (8084).
[19]نقلاً عن (( تهذيب الكمال )) 33: 288 (7348).
[20](( مختصر زوائد مسند البزار )) 2: 190، 191 (1671، 1673)، و ((المعجم الأوسط )) 4: 412 (3694)، و ((المعجم الصغير)) ص 81 - 82.
[21](( مجمع الزوائد )) 8: 18.
[22](( المعجم الكبير )) 20: 365 (852).
[23](( مجمع الزوائد )) 8: 19.
[24](( المعجم الكبير )) 8: 95 (7477).
[25](( مجمع الزوائد )) 8: 19.
[26](( شرح صحيح مسلم )) 16: 145.
[27]نقلاً عن النووي في المرجع السابق.
[28]العظيم آبادي في (( عون المعبود )) 13: 112.
[29]مسلم: كتاب البر والصلة والآداب - باب فضل الرفق 4: 2004 حديث 78 (2594).
[30]مسلم: كتاب البر والصلة والآداب - باب فضل الرفق 4: 2004 حديث 79 (2594).
[31](( يبدو )) أي: يخرج إلى البادية، والتلاع: مسايل الماء من علو إلى سُفْل، واحدها: تَلْعة. ((النهاية)) لابن الأثير 1: 108، 194.
[32]قال محمد بن الصبّاح - أحد رواة الحديث -: محرَّمة، يعني: لم تركب.
[33]أبو داود: كتاب الأدب - باب في الرفق (4808)، وابن حبان كما في ((الإحسان)) 2: 310 (550).
[34](( المسند )) 6: 58، 222.
[35](( المسند )) 6: 112.
[36](( الإحسان )) 2: 312 (551).
[37]الخُرْق: الجهل والحُمْق. (( النهاية )) 2: 26.
[38](( مختصر زوائد مسند البزار )) 2: 190 (1672).
[39](( مجمع الزوائد )) 8: 18.
[40]مسلم: كتاب البر والصلة والآداب - باب فضل الرفق 4: 2003 حديث 74، 75 (2592) والبخاري في (( الأدب المفرد )) 1: 551 (463).
[41]مسلم: كتاب البر والصلة والآداب - باب فضل الرفق 4: 2003 حديث 76 (2592).
[42]أبو داود: كتاب الأدب - باب في الرفق (4809).
[43](( المعجم الكبير )) 2: 348 (2458).
[44](( مجمع الزوائد )) 8: 18.
[45]الترمذي: كتاب البر والصلة - باب ما جاء في الرفق (2013).
[46](( المسند )) 6: 451.
[47](( الأدب المفرد )) 1: 551-552 (464).
[48](( المنتخب من مسند عبد بن حميد )) ص 101 (214).
[49](( المسند )) 6: 159.
[50](( الترغيب والترهيب )) 3: 336-337، و (( مجمع الزوائد )) 8: 153.
[51](( مسند أبي يعلى )) 8: 24 (4530).
[52](( طبقات المحدثين بأصبهان )) 2: 326 (200).
[53](( المعجم الأوسط )) 5: 57 (4099).
[54](( مجمع الزوائد )) 8: 19.
[55](( المسند )) 6: 71، 104.
[56](( مجمع الزوائد )) 8: 19، وقال العراقي في (( المغني عن حمل الأسفار في الأسفار )) 2: 859 (3154): (( أخرجه أحمد بسند جيد، والبيهقي في ((الشعب)) بسند ضعيف، من حديث عائشة )).
[57](( مختصر زوائد مسند البزار )) 2: 191 (1675).
[58](( مجمع الزوائد )) 8: 19.
[59](( الترغيب والترهيب )) 3: 416.
[60](( مختصر زوائد مسند البزار )) 2: 191.
[61](( المعجم الكبير )) 2: 306 (2274).
[62](( مجمع الزوائد )) 8: 18.
[63](( المعجم الكبير )) 12: 330 (13261).
[64](( مجمع الزوائد )) 8: 19.
[65]أنجشة: غلام أسود حبشي، يكنى أبا مارية، كان عند النبي صلى الله عليه وسلم (( الإصابة )) 1: 67.
[66]البخاري: كتاب الأدب - باب المعاريض مندوحة عن الكذب (6209)، ومسلم: كتاب الفضائل - باب رحمة النبي صلى الله عليه وسلم للنساء.. 4: 1811 (2323).
[67](( مسند أحمد )) 6: 376.
[68](( شرح صحيح البخاري )) لابن بطال 9: 324.
[69](( مسند أحمد )) 6: 93، ومسلم: كتاب الإمارة - باب فضيلة الإمام العادل... 3: 1458 حديث 19 (1828)، وابن حبان كما في (( الإحسان )) 2: 313 (553).
[70](( شرح صحيح مسلم )) 12: 213.
[71](( مختصر زوائد مسند البزار )) 1: 78 (29)، و (( السنن الكبرى )) للبيهقي 3: 18.
[72](( مجمع الزوائد )) 1: 62.
[73](( المسند )) 3: 198.
[74](( مجمع الزوائد )) 1: 62.
[75](( فتح الباري )) 11: 303 عند حديث (6463).