عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 17-03-2020, 04:32 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,565
الدولة : Egypt
افتراضي نصاب السرقة ومقاديره المعاصرة

نصاب السرقة ومقاديره المعاصرة (1/2)
د.فهد المشعل





الحمد لله حمد الشاكرين ، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى من تبعه بإحسان إلى يوم الدين . أما بعد:
فإن من ضرورات التعايش الآمن والبناء المطمئن صيانة أموال الناس والمحافظة عليها، فكان من حكمة الله تعالى ورحمته بخلقه أن صان أموالهم وفرض العقوبة الرادعة كل معتد عليها .
إن مما يخل بأمن الناس ويفسد عليهم معاشهم وجود اللصوص بينهم بلا رادع ولا زاجر .
وإن عقوبة القطع ليد للسارق هي الجزاء المطابق لجريرته بلا نقص ولا شطط: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } (1)
قال ابن القيم " إن عقوبة القطع للسارق أبلغ وأردع من عقوبته بالجلد – ولم تبلغ جنايته حد العقوبة بالقتل، فكان أليق العقوبات به : إبانة العضو الذي جعله وسيلة إلى أذى الناس وأخذ أموالهم "(2)
ولم يجعل ذلك في غير السرقة كالغصب والاختلاس، لخفائها(3)
ومن هذا المنطق اتفق الفقهاء عامة على أن عقوبة السارق قط يده إذا توافرت الشروط وانتفت الموانع .
ومن الشروط التي جاء في السنة المطهرة " بلوغ المسروق نصاباً "
لكن الفقهاء اختلفوا في مقدار هذا النصاب إلى أقوال كثيرة كما اختلفوا في تقدير ما ورد به الشرع المطهر بما يجد في حياة الناس من الدراهم والنقود .
فأحببت أن أسهم في تجلية ذلك بهذا البحث المتواضع ، وسميته " نصاب السرقة ومقاديره المعاصرة " واقتصرت فيه على بيان مقدار النصاب في القديم والحديث، ولم أدخل في تفاصيل أخرى، حرصاً على أصل الموضوع .
أهمية الموضوع :
تتجلى أهمية الموضوع فيما يأتي :
1- أن الإسلام جاء بحفظ الضرورات الخمس ومنها حفظ المال، وجعل حد السرقة علاجاً رادعاً لكل من تسول له نفسه الطمع في أموال الغير، وبلوغ النصاب أهم شروط القطع في السرقة، لذكره في الحديث الشريف، وببحثه يتسنى الوقوف الحقيقي على القول الراجح في مقداره الشرعي باطمئنان(4) .
2- أن الوقوف على الوزن الحقيقي لدرهم والدينار الشرعيين يمكن من معرفة النصاب بالأوراق النقدية المعاصرة بسائر العملات، إضافة إلى معرفة أحكام شرعية كثيرة ربطها الشرع المطهر بالدرهم والدينار، كأنصبة الزكاة في الذهب والفضة، ومقادير الديات، وكفارة الوطء في الحيض ونحوها .

تمهيد في تعريف السرقة
تعريف السرقة في اللغة :
السرَّقة ( بفتح السين وكسر الراء ويجوز إسكانها ) مصدر سرق يسرق سرقاً وسرقة، فهو سارق وهي سارقة، والمتاع مسروق (5) .
وهي لغة : بمعنى الاستخفاء(6)، ومنه قوله تعالى: {إِلاَّ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُّبِينٌ} (7) وهي : أخذ ما ليس له أخذه في خفاء(8) .
وقال ابن فارس " س ر ق : أصل يدل على أخذ الشيء في ستر وخفاء " (9) .
والسارق : من يأخذ الشيء على وجه الخفاء بحيث لا يعلم به المسروق منه (10) .
تعريف السرقة اصطلاحاً :
لا يختلف التعريف الاصطلاحي عن التعريف اللغوي كثيراً، إلا أن بعض الفقهاء زيد في التعريف الاصطلاحي بعض القيود التي هي في حقيقتها شروط للقطع ، وليس مطلق السرقة .
وإليك نماذج من تعريفات الفقهاء من المذاهب الأربعة :
فمن تعريفات الحنفية :
أنها : " أخذ الشيء من الغير على وجه الخفية بغير حق "(11) .
وزاد بعضهم : " على وجه الخفية ابتداء وانتهاء " (12).
ومن تعريفات المالكية :
" أخذ مكلف نصاباً من مال محترم لغيره ، خفية بلا شبهة " (13)
ومنها " أخذ المال خفية من غير أن يؤتمن عليه " (14)
وعرفها الشافعية بأنها :
" أخذ المال خفية من الحرز " (15)
ومنها : " اخذ مال الغير خفية من حرز مثله بشروط مخصوصة "(16)
ومن تعريفات الحنابلة :
" أخذ المال على وجه الخفية والاستتار " (17)

ومنها : " أخذ مال محترم لغيره على وجه الاختفاء ، وإخراجه من حرز مثله ولا شبهة له "(18)
والمختار أن يقال : السرقة هي : أخذ المال من مالكه خفية بغير حق .
فيخرج الغاصب والمنتهب، ومن أخذ عين ماله من غيره ، ومن أخذ المال من مالكه بحق كالمدين المماطل .
ومن هذه التعاريف تظهر الشروط التي يذكرها الفقهاء للقطع في السرقة ، وهي على وجه الإجمال سبعة :
1- أن يكون السارق بالغاً عاقلاً .
2- أن يكون المسروق مالاً محترماً .
3- أن يكون المسروق نصاباً .
4- أن يخرجه السارق من الحرز .
5- انتفاء الشبهة .
6- ثبوت السرقة .
7- أن يطالب المسروق منه بماله (19)
وهذا البحث يختص بالشرط الثالث وهو شرط النصاب ومقداره .
المبحث الأول
اشتراط النصاب للقطع في السرقة

أجمع الفقهاء كافة على أن من سرق نصاباً قطعت يده ، إذا توافرت بقية الشروط وانتفت الموانع (20) .
لكنهم اختلفوا فيمن سرق مادون النصاب ، هل بلوغ النصاب شرط فلا يقطع ؟ أو ليس بشرط فيقطع ؟
اختلف الفقهاء في هذه المسألة على قولين :
القول الأول :
أنه يشترط للقطع أن يبلغ ما أخذه السارق نصاباً .
وهذا قول أكثر العلماء (21)، واتفقت عليه المذاهب الأربعة (22) ز
القول الثاني :
أنه لا يشترط للقطع بلوغ المسروق نصاباً ، بل يقطع في القليل والكثير .
وهذا قول داود الظاهري (23) ، في غير الذهب .
ابن بنت الشافعي (24)، والخوارج (25)
ونقل عن الحسن البصري (26) ، وعن سعيد بن المسيب ، والزهري (27)
الأدلة :
استدل أصحاب القول الأول بما يأتي :
1- قول النبي صلى الله عليه وسلم : " لا تنقطع اليد إلا في ربع دينار فصاعداً " متفق عليه(28)
وجه الاستدلال :
دل الحديث على منع القطع في أقل من النصاب المذكور، فدل على اشتراط بلوغ النصاب للقطع في السرقة(29).

وعن عائشة رضي الله عنها قالت : " لم يقطع سارق على عهد النبي صلى الله عليه وسلم في أدنى من ثمن المجن(30) ترس أو حجفة (31)، وكان كل واحد منهما ذا ثمن(32) .
وجه الاستدلال :
ظاهر ، فقد أفاد الحديث أنه لا يقطع في كل شيء إلا شيئاً له ثمن ، وهذا معنى اشتراط النصاب (33) .
2- قول عائشة رضي الله عنها : " كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يقطع في الشيء التافه "(34) .
وجه الاستدلال :
أفاد الحديث انه لا يقطع في الشيء اليسير ، فدل على أنه يشترط في المسروق بلوغ النصاب (35) .
3- إجماع الصحابة : قال الكاساني : " فإن الصحابة أجمعوا على اعتبار النصاب ، وإنما جرى الاختلاف بينهم في التقدير ، واختلافهم في التقدير إجماع منهم على أن أصل النصاب شرط (36) ، ونقل الوزير اتفاق الفقهاء على اعتبار النصاب(37) .
أدلة القول الثاني :
1- قول الله تعالى : والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما(38) .
وجه الاستدلال : أن الأمر في الآية مطلق ، فيفيد كل سارق وسارقة ، سواء أسرقا نصاباً أم أقل ، فالكل سارق(39).
ونوقش بأمرين :
أولاً : إطلاق الآية قيدته الأحاديث الصريحة الصحيحة في اعتبار النصاب ، فوجب حمل الآية عليه لأن المطلق يحمل على المقيد (40) .
الثاني : أن الله تعالى أوجب في الآية القطع على السارق والسارقة – وهما اسمان مشتقان من معنى " وهو السرقة " والسرقة : اسم للأخذ على سبيل الاستخفاء ، وسارقة الأعين ، وإنما تقع الحاجة في الاستخفاء فيما له خطر، والحبة –مثالاً- لاخطر لها ، فلم يكن أخذها سرقة " فكان إيجاب القطع على السارق اشتراط للنصاب دلالة "(41) .
2- قول النبي صلى الله عليه وسلم : " لعن الله السارق ، يسرق البيضة فتقطع يده، ويسرق الحبل فتقطع يده "(42) .
وجه الاستدلال :
أن ظاهر الحديث دل على أن يد السارق تقطع في القليل والكثير ، لأن البضة والحبل من الأشياء الحقيرة القليلة الثمن(43) .
ونوقش : بأن هذا الحديث ليس على ظاهره عند أكثر أهل العلم ، بل يحمل على أحد الوجوه الآتية :
الوجه الأول : أن يحمل الحبل الوارد فيه على حبل له خطر كحبل السفن ، والبيضة على بيضة خطيرة كبيضة الحديد أو النعام، توفيقاً بين الدلائل (44) .
قال البخاري: قال الأعمش: كانوا يرون أنه بيض الحديد، والحبل كانوا يرون أن منها ما يساوي دراهم "(45).
وتعقب هذا الوجه بأن فيه تكلفاً (46) .
قال النووي : " أنكر المحققون هذا الوجه وضعفوه ، لأن بيضة الحديد وحبل السفينة لهما قيمة ظاهرة ، وليس هذا لاسياق موضع استعمالها ، بل بلاغة الكلام تأباه ، ولأنه لا يذم في العادة من خاطر بيده في شيء له قدر وقيمة ، وإنما يذم من خاطر بها فيما لا قدر له ، فهو موضع تقليل لا تكثير " (47) .
الوجه الثاني : حمله على السبية والتدرج ، بمعنى أنه إذا سرق البيضة والحبل فلم يقطع جره ذلك إلى سرقة ما هو أكبر منها ، فكانت سرقة البيضة والحبل هي سبب قطعه، لأنها بداية التدرج(48) .
وتعقب أيضاً بأن فيه تكلفاً (49) .
الوجه الثالث :
أنه حديث منسوخ ، كان حين نزول الآية، ثم أحكمت الأمور بعد ذلك، فسن رسول الله صلى الله عليه وسلم القطع في ربع دينار (50) .
ويناقش هذا بأنه بعيد، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقطع في القليل، حتى يقال بالنسخ.
ثم لابد للقول بالنسخ من العلم التاريخ (51) .
الوجه الرابع :
أن المراد بالحديث المبالغة في التنفير من السرقة، وبيان حقارة السارق على عظيم ما خسر، مقابل حقير ماكسب من المال .
وجعل الحديث مالا قطع فيه بمنزلة ما فيه قطع ، فخرج مخرج التحذير بالقيل من الكثير ، كما جاء في معرض الكتابة بالترغيب في القليل عن الكثير في قوله صلى الله عليه وسلم : " من بني لله مسجداً ولو كمفحص قطاة بني الله له بيتاً في الجنة " (52) .
ومن المعلوم ان مفحص القطاة لا يكون مسجداً ، والمحرق الأثواب عليه لعدم النفع، فالسياق سياق مبالغة ولم يسبق الحديث لبيان نصاب السرقة (53) .
وقيل معناه: أن يبقى من نصاب القطع ثمن البيضة والحبل، فيقطع يسرقنه إياه حينئذ (54).
وقيل: إن المراد به أنه قد يسرق البيضة أو الحبل فيقطعه بعض الولاة سياسية ، لا قطعاً جائزاً شرعياً (55) .
وقيل: أراد جنس البيض، وجنس الحبال (56) .
وأولى هذه الوجوه في نظري هو الرابع، وهو المبالغة في التحذير من سرقة القليل والكثير، لا حقيقة القطع بالقليل، جمعاً بين الأدلة ، فيكون معنى الحديث: لعن الله السارق، يسرق الشيء القليل كالبيضة والحبل فتقطع يده .
وربع الدينار شيء قليل يشبه البيضة والحبل ، فأراد أن يمثل بالبيضة والحبل عن ربع الدينار، مع أنها لا تساوي ذلك للمبالغة في الزجر .
بخلاف مالو قال : لعن الله السارق يسرق دينار فتقطع يده ، فإنها تقل المبالغة وتخف(57) .
وبهذا يظهر بجلاء رجحان قول الجمهور في اشتراط النصاب للقطع في السرقة ، فهو الأقوى والأحوط والأبعد من الشبهة ، والعلم عند الله تعالى .
وللموضوع تتمة
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 23.20 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 22.57 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.71%)]